لنتحدث عن ديبلوماسية قوّية وفاعلة، يجب أنّ تتوفر في دولة ما معطيات أساسية كالجغرافيا والموارد والمصالح المراد تحقيقها والأهم من ذلك كله العقول (نخبة وكوادر) التي تُخطط وتُصنع تصوّرات يجري تحويلها فيما بعد إلى خيارات مبنية على قدرة التعامل مع المعطيات الجيو استراتيجية الإقليمية والعالمية السائدة والمستجدة وانخراطها في عملية التأثير عبر ميكانيزمات تتحكم فيها وتُعطيها مواضع القوّة.
من هذه الزاوية، يُمكن اعتبار الفعل الدبلوماسي صناعة تاريخية مرتبطة بصيرورة تعامل الدولة مع الأحداث والتحوّلات الكبرى الناتجة عن تغيرات في موازين القوى الإقليمية والدولية، وهي تتطلب في العادة تعديلًا مستمرًا في تمثلات المصالح وبنية التحالفات على المستوى القريب والبعيد، ويُسمى التعديل تقنيًا بالتخطيط الاستراتيجي.
وكسائر دول العالم الثالث، فإنّ الديبلوماسية التونسية مرّت بمراحل أثبتت في إحداها صلابة وقوّة وفاعلية على المستوى القضايا المحلية أو الإقليمية والدولية، وتراجعًا ملحوظًا باكتفائها بموقع التابع للقوى الكبرى وخاصة فرنسا التي عرفت بتحكمها المباشر في السياسية الخارجية لدولة (بن علي)، وفي مرحلة أخرى تميزت بعدم الاستقرار والفوضى خاصة بعد ثورة 14 يناير، حيث مازال البلد إلى الآن يكافح لإنجاح انتقاله السياسي.
تاريخ الدبلوماسية
من ضيم حصر تاريخ الدبلوماسية التونسية في الاستقلال (1956)، فالبلد الصغير الواقع في شمال إفريقيا كان من أول البلدان التي أقامت علاقات نشيطة مع دول الجوار وقوى إقليمية ودولية مع أوروبا وأمريكا، بل يمكن تصنيفه كأول بلد عربي أقام معاهدات الحرب والسلم والتجارة والقرصنة (مرسيليا 1617)، وتمكن من فرض سياسته الخارجية الخاصة في زمن حكم الباب العالي (العثمانيين) بخلاف الدول العربية الأخرى.
ومن بين رواد الدبلوماسية التونسية، نذكر وزير الأمور الخارجيّة جوزيف رافو (1795-1862) والجنرال حسين الذي شغل خطة مدير الشؤون الخارجية للمملكة التونسية قبل الاحتلال الفرنسي (1860).
في التاريخ الحديث أيضًا، أثبتت الدبلوماسية التونسية قوّتها وصلابتها في عدد من الملفات سواء في مفاوضات الاستقلال ومحاولتها استمالة دعم واشنطن (زيارة الكونغرس 1951) وبعض الدول الأوربية الأخرى للخروج من تحت رداء الاستعمار الفرنسي، وكذلك في القضايا الإقليمية والدولية الأخرى على غرار القضية الفلسطينية.
ومن أعلام هذه الفترة، نجد كلا من الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة والمنجي سليم وحسان بلخوجة محمّد المصمودي والصّادق المقدّم والحبيب الشّطّي والباجي قايد السّبسي والشّاذلي القليبي الذي ترأس الجامعة العربية (1979 -1990).
عُرف عن تونس دعمها القوّي للقدس احتضنت مقر منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من لبنان في عام 1982 واستضافت قادتها مطلع الثمانينيات واستقبلت رئيسها ياسر عرفات، وكانت أيضًا مسرحًا لهجمات واغتيالات إسرائيلية استهدفت قياديين فيها ضمن عملية الساق الخشبية (أكتوبر 1985).
بن علي و14 يناير
كأي حاكم ديكتاتوري، عمل بن علي على تشديد قبضته وتكريس حكمه بالقوة والترهيب مستمدًا شرعيته من رضاء القوى الغربية وصمتها عن تجاوزاته وانتهاكاته المريعة لحقوق الإنسان مقابل تبعيته اللامشروطة، ومنذ صعوده إلى الحكم في 1987، غادرت تونس فعليًا خارطة الفعل العربي وانسلخت عن همومه ومشاغله، واتخذت منهجًا جديدًا قوامه السمسرة والمقايضة في القضايا المصيرية والرضوخ لتنازلات مشينة مست من هيبة الدولة وسيادتها مقابل استثمارات غربية واتفاقات (GAT) لم تُخرج البلاد من أزمتها الاقتصادية.
ومن هذه الزاوية، فإنّ عمل الدبلوماسية التونسية في تلك الفترة لم يخرج عن سياق ما رسمه بن علي من ملامح الدولة البوليسية، فاختزلت مهام البعثات في الخارج في مراقبة المعارضين وتتبع حركاتهم وسكناتهم، مع الحرص على تقديم فروض الطاعة لفرنسا الراعية الرسمية لحكمه والتي أجبرته على احتضان قمة 5+5 في 2005 والمشاركة في الاتحاد من أجل المتوسط 2008 تمهيدًا لعملية التطبيع.
بانهيار أركان نظام بن علي، علّق التونسيون آمالا كبيرة على النخب الثورية الصاعدة من أجل استرجاع بعض من السيادة الضائعة والمفرط فيها، غيرّ أن واقع الحال أثبت أنّ الصراع السياسي في الداخل ألقى بظلاله على السياسية الخارجية التونسية وأثّر على مسار استرجاع البلاد لمكانتها العربية والإقليمية وكذلك الدولية.
رغم التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها تونس إلا أن البلد لم يخرج في تعامله مع العالم الخارجي عن الأطر التقليدية التي لم تواكب المتغيرات ولم تقرأ الأحداث قراءة متعددة الأبعاد ولم تستثمر في إنجازها الثوري باعتبارها الانموذج الناجح للربيع العربي رغم هنات التجربة.
تونس فوّتت فرصة دخول إلى نادي الدول الديمقراطية ولم تستثمر في سمعة رئيسها المنصف المرزوقي الحقوقي الذي يحظى بمكانة واحترامًا لدى المؤسسات الدولية، وهو ما بيّنه التفاعل التاريخي للبرلمان الأوروبي مع خطابه في سنة 2013، وفشلت في الترويج لثورة الياسمين خارجيًا، ولم تسترجع الأموال المهربة ولم تقدر على فرض جدولة ديونها “الكريهة” باعتبارها تركة نظام دكتاتوري، كذلك لم تفعل دبلوماسيتها الاقتصادية الذي بقي شعارا لم توضع له خطط تنفيذ فعالة، والأهم من ذلك كله لم تؤسس لرؤية جديدة تنسجم مع التحولات السياسية العميقة التي يعيشها عالم من تعدد في الأقطاب الاقتصادية والمالية والعسكرية التي يُمكن الاستثمار فيها.
إقليميًا، وعلى عكس المغرب، فإن تونس فشلت في احتضان الحوار الليبي أو الدفع بمؤتمر دول الجوار ليكون الإطار الفعلي لأي تسوية سياسية بين الفرقاء، وأيضًا في تكوين حلف سياسي قوي وفاعل تفرضه عليها الجغرافيا المغاربية المباشرة (الاتحاد المغاربي) وطبيعة المصالح المتبادلة.
لا يختلف اثنان أنّ ليبيا التي تربطها مع تونس علاقات تاريخية واجتماعية وثقافية واقتصادية، تُمثل عمقًا استراتيجيًا على المستوى الأمني والعسكري (عملية بن قردان الحدودية) وكذلك السياسي، ما يعني بالضرورة أنّ حجم الملف زاد من الثقل الموجه على الديبلوماسية التونسية المتعثرة خاصة وأنّ البلد بحاجة إلى متنفس اجتماعي واقتصادي لما توفره ليبيا من فرص تشغيل للتونسيين وكذلك للإمكانيات والموارد التي تمتاز بها (بترول وغاز) والتي من شأنها أن تنعش التجارة البينية بين البلدين.
من جهة أخرى، يمكن القول إن سياسية الحياد التي انتهجتها الدبلوماسية التونسية في الملف الليبي والذي لم تراعي فيه المصالح الوطنية بكل أبعادها، فسح المجال أمام الدول الطامعة في السيطرة واحتكار ثروات ومقدرات الشعب الليبي مستعملةً كل أدواتها الدبلوماسية وحتى العسكرية (روسيا الإمارات)، كما أن عدم استماتتها في التفاوض على مصالحها التي لا تعني بالضرورة الاقتصادية منها، سيحول دون استكمال مسارها الانتقالي وإنجاح تجربتها الديمقراطية لاعتبارات أمنية وإقليمية.
من خلال هذا العرض، يتبيّن أنّ الدبلوماسية التونسية عجزت عن إدارة ملف حيوي لأسباب داخلية راجعة لاختلاف الطبقة السياسية وتصوراتها للربيع العربي وأخرى خارجية (دبلوماسية) تتمثل في:
- عجز الخارجية عن قراءة الحالة الليبية سياسيًا اجتماعيًا اقتصاديًا.
- افتقادها لأدوات التحليل لموازين قوى الفاعلين المحليين والدوليين.
- غياب المخططات لمواجهة تحديات هذه الحالة وتداعياتها على كل المستويات
- غياب الدراسات المخصصة لديناميكية تغير موازين القوى في المتوسط.
- عجز الدبلوماسية عن وضع خطط تتماهى مع الفرضيات، الحل السياسي أو التقسيم.
- غياب الاستراتيجيات التي تحدد طبيعة العلاقات المعقدة والمتشابكة بين اللاعبين المؤثرين في الملف الليبي (روسيا تركيا إيطاليا فرنسا الإمارات قطر مصر السعودية أمريكا).
سعيد.. الرهان
مع وصول “سعيد” إلى قرطاج، راهن أغلب التونسيين على أن تغيرات راديكالية حقيقية ستطرأ على ملامح السياسات الخارجية، بما أن الدستور يعطي هذه الصلاحية لرئيس الجمهورية، إلى جانب الدفاع الوطني والأمن القومي، خاصة فيما يتعلق بمسألة السيادة الوطنية والقضية الفلسطينية، إلاّ أنّ الرئيس سقط في أول اختبار.
مثّل غياب تونس عن عديد المحافل الدولية كالقمم الاقتصادية والصحية على غرار مؤتمر دافوس في نهاية 2019 والقمة الصحية الصينية الإفريقية وعدم مشاركة سعيد في القمة الإفريقية الأخيرة في أديس أبابا، نقطة استفهام كبرى خاصة وأن البلد بحاجة ماسة إلى العودة إلى خارطة العلاقات الدولية لاعتبارات كثيرة منها الوضع الإقليمي المتوتر والأزمة الاقتصادية التي تعصف البلاد طيلة 10 سنوات متتالية.
أمّا الصدمة الكبرى أو النكوص الأبرز عن ثوابت التونسيين الراسخة، فتمثلت في تصريحات سعيد أثناء زيارته لباريس والتي جاء فيها أن الاستعمار الفرنسي لم يكن احتلالا بل حماية وهو أمر لم يُقدم عليه حتى بن علي زمن الديكتاتورية والحكم بالحديد والنار، وهو تصريح يُمكنه قطع الطريق أمام محاولات الداخل الرامية إلى إعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع المستعمر الفرنسي (الملح الفوسفات والبترول).
“لم نكن مستعمرين بل كنا تحت الحماية”.. من فرنسا وبعد الاجتماع بماكرون، الرئيس قيس سعيّد ينتقد لائحة برلمانية طالبت باريس بالاعتذار عن استعمار تونس pic.twitter.com/lgrgEs0M6n
— نون بوست (@NoonPost) June 24, 2020
ذات الأمر تكرر حينما انصاع قيس سعيد لأوامر الإيطاليين فيما يخص الهجرة غير الشرعية، حيث كان تعاطي الرئاسة مع ملف الهجرة السرية، بشكل ضعيف جدًا إن لم نقل مخزي ولا يرتقي إلى مستوى مفاوضات دولة ذات سياسية، حمل بعض الإشارات على أن البلاد مازالت ترزح تحت الوصايا تأتمر بأوامر الغرب الذي خيّر لها من الأدوار دور شرطي الحدود الجنوبية للمتوسط، وعوضًا على أن يستغل الرئيس الأوضاع لصالحه لتحسين شروط التفاوض مع السلطات الإيطالية واقتلاع الاستثمارات وتعديل الميزان التجاري، تعاطى مع الملف من منظور أمني عبر إعادة تشغيل ماكينة القوّة التي كان يتكئ عليها نظام بن علي.
الصدمة الثانية، تعلقت بالقضية الفلسطينية، حيث اختفت مقولة “التطبيع خيانة عظمى”، لتحل محلها مواقف وتصريحات لم ترتق إلى مستوى تطلعات الشعب في نصرة القضية الأم والوقوف أمام آلة الاحتلال الصهيوني ورعاته الغربيين والعرب.
اعتبر تطبيع الإمارات شأن داخلي.. الرئيس التونسي قيس سعيد ينقلب على مبادئه ويتجنب انتقاد اتفاق التطبيع الإماراتي. pic.twitter.com/MFZ4rwA89F
— أصوات فلسطين (@PalVoice20) August 20, 2020
بات من المؤكد أنّ مواقف سعيد تحولت 180 درجة بعد وصوله إلى قصر قرطاج، ويرجع المراقبون ذلك إلى إكراهات الحكم وضغوط القوى الخارجية التي تحاول استغلال الأظمة السياسية والاقتصادية في تونس، فيما يُرجع آخرون ذلك إلى الواقعية والمسار السياسي الرسمي العربي، فالرئيس التونسي، بعد الإعلان الإماراتي عن التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، ظهر متنصلًا من شعاره وهو يلقي كلماته على السفير الفلسطيني هايل الفاهوم، ويقول إن التطبيع قرار سيادي.
قيس سعيد قبل الانتخابات :
يجب تغيير مصطلح التطبيع الى خيانة عظمى
قيس سعيد لما صار رئيس :
قرار الامارات بالتطبيع قرار سيادي ولا نستطيع الإدانة لانهم الدولار $$
” فلسطين مضلش عرص فالعالم ما تاجر فيها وركب على ضهر هالقضية “— SHADI ?? (@Shadi_Qumboz) September 10, 2020
لذلك، يرى بعض المراقبين أنّ خطاب سعيد الكلاسيكي لا يعدو أن يكون سوى توظيفًا لمشاعر الجياشة لنيل التعاطف الشعبي وهو ضرورة اقتضتها متطلبات الاستحقاق الانتخابي وإكراهات الحكم، وهو ما أكّده الكاتب الإسرائيلي إيدي كوهين في وقت سابق، حيث اعتبر أنّ تصريحات قيس سعيد عن التطبيع خيانة لا يرتقي إلا لكونه استهلاكًا داخليًا وهي يافطة حملت لجمع الأصوات، وأنّ سعيد لن يختلف عن أغلب حكام العرب الذين تربطهم علاقات كبيرة مع تل أبيب عبر قنوات منها الوسيط الفرنسي.
الخارجية.. فوضى
الفوضى على أعلى مستويات الدبلوماسية التونسية بات من اليسير ملاحظاتها والوقوف على مواضع عللها، فالرئيس التونسي وفقًا لدستور 2014 يتحوّز على صلاحية تعيين أو اختيار وزير الشؤون الخارجية، رغم أنّه يشير أيضًا إلى مشاورات بين قرطاج والقصبة، وأولى اختياراته غير الموفقة كان نور الدين الري الذي لم يخدم حتى سنة واحدة، ليُعين بعدها مستشاره الدبلوماسي عثمان الجرندي على رأس الوزارة في حكومة هشام المشيشي، وهو أحد مهندسي مؤتمر “أصدقاء سوريا” في 2012، وفيما يلي التغييرات التي أحدثت على رأس الخارجية:
- 5 وزراء في عهد سعيّد: خميس الجهيناوي وصبري الباشطبجي ونور الدين الري وسلمى النيفر وعثمان الجرندي.
- تونس انتخبت لمدة سنتين (2020-2022) لشغل مقعد بمجلس الأمن الدولي، كعضو غير دائم، تم في فترة ستة أشهر، تغيير المندوب الدائم مرتين وبطريقة مسيئة ومذلة للكفاءات الوطنية التابعة لوزارة الخارجية، إذ يتم في مناسبتين إعفاء السفيرين (المنصف البعتي وقيس القبطني) بطريقة غير مهنية.
- على مستوى الحركة الدبلوماسية، توجد تقريبًا 16 سفارة في أهم الدول التي تربطها علاقات اقتصادية وثقافية كبيرة مع تونس، دون سفير.
جدل وانتقادات
من الغريب جدًا أن تتماهى مواقف الرئيس الثوري المعادي للمنظومة القديمة مع أجندة دولة الإمارات في المنطقة، فسعيد يعلم أنّ الدولة الخليجية المؤيدة للثورات المضادّة في مصر وليبيا واليمن وتونس، تتصدر مشهد التطبيع مع الكيان الصهيوني وتمتهن عرابة موجته الجديدة.
ويرى مراقبون أنّ التغييرات على المستوى الخارجية التونسية يوحي بوجود مشروع تطبيعي عبر تهيئة الأجواء والأشخاص المناسبين كتعيين الدبلوماسي طارق الأدب على رأس البعثة التونسية في الأمم المتحدة والذي عمل إبان حكم بن علي في مكتب تونس بتل أبيب وهو الرجل الثاني بعد خميس الجهيناوي، وهو الأمر الذي أكّده المحامي والإعلامي التونسي شكيب الدرويش بالقول إن “رئيس الجمهورية قيس سعيد متهم بالتطبيع مع إسرائيل والمساهمة في صفقة القرن عبر تعيينه لطارق الأدب سفيرا لتونس لدى الأمم المتحدة، وذلك بعد اتصال جرى بينه وبين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو”.
بدوره، علّق الدبلوماسي التونسي السابق عبد الله العبيدي عن إقالة المنصف البعتي الذي قدم خطة تحرك ضد صفقة القرن، بالقول إنه “رجل دبلوماسي صرف وليس سياسي ما يعني أنّه متمرس وله تجربة كبيرة أكثر من 35 سنة في السلك ومن الغريب أن يرمى بعدم تنسيقه مع المركز (وزارة الخارجية) وعدم تنفيذه لتعليمات”، مؤكدا أنّ المندوب التونسي انسجم مع خطاب قيس سعيد (التطبيع خيانة)، إلا أن سياسة الأخير عُدّلت بعد ضغوط أمريكية وغربية وعربية، مضيفًا أنّ تونس تعرف أزمة سياسية واقتصادية عميقة يسهل التأثير في قرارها السيادي.
من جهته اعتبر الأمين العام للتيار الشعبي زهير حمدي في تدوينة على فيسبوك أنّ “إقالات سفراء تونس بالأمم المتحدة المتتالية بلا أسباب واضحة وبشكل مهين يفاقم أزمة الحكم في تونس ومن ثم أزمة مستقبل الدولة وسيادتها وقرارها الوطني، الذي بات بغير أيدينا في ظل ضغوطات صهيونية غربية للانخراط في مشاريع الاستسلام”، مضيفًا أنّ “امتناع وزير الخارجية عن التصويت على قرار يدين التطبيع في الجامعة العربية لإسقاط المشروع الفلسطيني البائس أصلا، يؤكد منوال السياسة الخارجية لبلادنا وينزع عنا أوهام تحرر قرارنا الوطني”.
بالمحصلة، يُمكن القول إنّ السياسة الخارجية لتونس لم تتغير كثيرًا بعد ثورة 14 يناير، لم تواكب التحولات الإقليمية والدولية ولم تُعدل من أوتار مواقفها بل مازالت تتعامل مع هذه المتغيرات بعقلية التابع المكبّل بإملاءات القوى الغربية، وبات من المؤكد أنّ ادعائهم الالتزام بالحياد التام يُخفي انخراطهم في لعب دور الوكالة خدمة للاعبين الكبار مقابل وعود كتلك التي وصفها سعيد بالـ”إخشيدية”، وهو ما تجلى في وثيقة التحالف مع ولايات المتحدة الأميركية الممضاة بين الطرفين سنة 2015 والتي بقي فحواها غامضًا إلى الآن.