اختار الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، الأكاديمي محمد حسين روبلى لرئاسة حكومة بلاده، وذلك بعد شهرين تقريبًا من عزل رئيس الوزراء السابق حسن علي خير، مكلفًا إياه بسرعة تشكيل الحقائب الوزارية، حسب بيان مقتضب للرئاسة الصومالية نشر على موقع تويتر، دون تفاصيل أخرى.
ويأتي تكليف روبلي برئاسة الحكومة بعد فراغ المنصب منذ قرار سحب الثقة البرلمانية من رئيس الوزراء السابق، على خلفية رفضه خطة تمديد بقاء فرماجو في الحكم، حيث أيد مشروع حجب الثقة 170 نائبًا، فيما اعترض 8 نواب فقط، ما أدى إلى انقسام سياسي في الشارع الصومالي بين مؤيد لهذا القرار ومعارض له.
اختيار رئيس الحكومة الجديد لهذه المهمة في هذا الوقت الحساس الذي تمر به البلاد، حيث حزمة تحديات سياسية وأمنية واقتصادية غير مسبوقة، يضع العديد من التساؤلات عن مدى ما يملكه من مؤهلات سياسية وحياتية تدفعه نحو الخروج من شرنقة الزجاجة التي يقبع فيها الصوماليون منذ سنوات.. فماذا نعرف عن هذا الرجل؟
Madaxweyne @M_Farmaajo ayaa Mudane Maxamed Xuseen Rooble u magacaabay Ra’iisul Wasaaraha XFS. Madaxweynaha ayaa u rajeeyay RW Rooble inuu si hufan u guto waajibaadka shaqo ee horyaalla. pic.twitter.com/ustzxMNvTp
— Villa Somalia (@TheVillaSomalia) September 17, 2020
تواضع الخبرات السياسية
يعد رئيس الوزراء الجديد هو الـ20 في تاريخ الصومال، وقد تلقى تعليمه الأولي (الأساسي والثانوي) في العاصمة مقديشو، ودرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية بالجامعة الوطنية عام 1990، بينما أكمل مراحله الجامعية في السويد التي حصل منها على الماجستير في الهندسة البيئية والبنية التحتية المستدامة من المعهد الملكي للتكنولوجيا عام 2000.
كما حصل روبلي المولود بمدينة هوبيو بإقليم مدغ وسط البلاد عام 1963 على الدبلوم العالي في هندسة الطرق في جامعة برمنغهام البريطانية عام 2012، هذا بجانب العديد من الشهادات الأكاديمية من بعض جامعات أوروبا منها حصوله على شهادة معتمدة عن منتدى التعلم حول الابتكارات في الاستثمارات العامة وبرامج التوظيف من إيطاليا 2016.
تزخر السيرة الذاتية للرجل بالعديد من الخبرات الأكاديمية في عدد من المشروعات التي شارك وعمل بها سواء داخل الصومال أو خارجه في دول مثل كينيا وتنزانيا، هذا بخلاف تجربة عمل ثرية له في الأمم المتحدة حيث نشط عبر منظمة العمل الدولية والتي خدم فيها أكثر من 14 عام.
ورغم تلك الخبرات العملية في مجال المشروعات الهندسية هذا بخلاف قدراته اللغوية الجيدة، إذ يتحدث 5 لغات (الصومالية، الإنجليزية، العربية، السويدية، الإيطالية)، فإن روبلي يعاني من تواضع خبراته السياسية، فلم يعرف له أي نشاط سياسي في السابق، وإن كان قريبًا من دوائر صنع القرار في بلاده، علمًا بأنه مزدوج الجنسية (صومالية وسويدية) الأمر الذي ربما يثير الجدل داخل الشارع الصومالي.
عدم معرفة الصوماليين بإمكانات رئيس الحكومة الجديد كونه خارج دائرة الأضواء السياسية في البلاد، أجل من ردة فعل الشارع حيال هذا الاختيار، وفي المقابل هنأه رئيس الوزراء السابق علي خيري بالمنصب الجديد، مضيفًا في تغريدة له على حسابه على فيسبوك “أدعوا جميع الصوماليين الوقوف إلى جانب رئيس الوزراء الجديد ودعمه في آداء مهامه”.
تحديات سياسية
العديد من التحديات في مواجهة رئيس الوزراء الجديد الذي جاء تعيينه على خلفية تعقيد المشهد السياسي بسبب ثنائية النفوذ بين الرئيس ورئيس الحكومة، الأمر الذي زاد من درجة حرارة الوضع الذي بات على مقربة من الانفجار، إذ زادت الفجوة بين فرماجو وخيري خلال الآونة الأخيرة بصورة أقلقت الخبراء والمحللين.
وكان ملف الانتخابات على رأس الملفات المثيرة للجدل بين الطرفين، حيث يسعى الشارع لتجاوز المرحلة الانتقالية الحاليّة في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر كما كان محددًا لها سلفًا، وهو ما يتوقع أن يتصدر اهتمامات روبلي الذي سيكون عبور بلاده إلى بر الأمان من خلال توحيد الصف الوطني على رأس أولوليات حكومته.
وفي هذا الشأن أعلنت الرئاسة الصومالية أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستجرى في موعدها دون تأجيل، ففي بيان صادر عن المؤسسة في ختام المؤتمر التشاوري الذي عقد في العاصمة بين الحكومة ورؤساء الأقاليم في الفترة من 13-17 سبتمبر الحاليّ كشفت أن الحالة الأمنية والسياسية للبلاد تتطلب إجراء الاستحقاقات الدستورية في الموعد المحدد.
وبحسب مخرجات المؤتمر فإنه من المرتقب أن تنعقد الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، كخطوة أولية تمهيدًا للانتخابات الرئاسية التي من المتوقع إجراؤها في فبراير/شباط 2021، في محاولة لإنهاء حالة الشد والجذب التي عاشتها الساحة الصومالية مؤخرًا، في ظل تبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة حيث اتهمت الأخيرة الأولى بالمماطلة لتمديد فترة حكمها.
وتختلف طبيعة الانتخابات في الصومال عن نظيراتها في الدول الأخرى، حيث تجرى الانتخابات البرلمانية بطريقة غير مباشرة أشبه بالنظام القبلي العشائري، فعلى كل عشيرة أن تختار مندوبين عنها، وبدور هؤلاء المندوبين اختيار أعضاء البرلمان الممثلين لها، وبدور أعضاء البرلمان اختيار رئيس البلاد لولاية رئاسية مدتها 4 سنوات.
وقد لاقى اختيار روبلي ترحيبًا من فصائل المعارضة، حيث نشر رئيس حزب “وداجير” المعارض، عبد الرحمن وارسامي رسالة عبر صفحته على فيسبوك خاطب فيها رئيس الحكومة الجديد قائلًا: “الرئيس يريدك أن تكون في طليعة القائمين بحملته الانتخابية، والباقي يريدك أن تكون محايدًا وغير متحيز، وأن تنفذ اتفاقية الانتخابات، وتتجنب عن أي شيء قد يثير الشك أو التأخير، والتشاور مع أصحاب المصلحة السياسية بشأن الجدول الزمني للانتخابات وتشكيل اللجان”.
دخلت العلاقات الصومالية الإماراتية أزمة جديدة بعد سنوات من تناغم سياسي، بلغ حد التعاون والشراكة في مجالات عديدة، فيما أرجع محللون هذا الاحتقان الذي خيم على تلك العلاقات بسبب القرارات الإماراتية المتخذة ردًا على موقف مقديشيو الحيادي من الأزمة الخليجية
الأمن القومي والتدخلات الخارجية
حالة المخاض السياسي التي تحياها البلاد والناجمة عن مرحلة عدم الاستقرار بسبب نتيجة فقدان الثقة بين المجالس التنفيذية والتشريعية كان لها تأثيرها المحوري في تهديد الأمن الداخلي والقومي على حد سواء، فالصراعات السياسية الدائرة تحمل بين ثناياها مبررًا لتدخلات إقليمية ودولية ربما تهدد استقرار البلاد لسنوات طويلة.
وأمام تلك الوضعية الحرجة التي يحذر البعض من استغلالها من بعض التيارات السياسية الداخلية والجماعات المسلحة وفي مقدمتها “حركة الشباب”، فإن التحديات الأمنية ستتضاعف، وهو ما يمكن استشرافه من خلال عودة نغمة التفجيرات والألغام التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وتستهدف العديد من الشخصيات العامة والمسؤولين، من بينهم مواكب الحكومة وبعض قيادات الجيش.
ورغم ما حققه الجهاز الأمني الصومالي من نجاحات خلال الفترات الماضية حيث استطاع تقليل حدة عمليات العنف وإجهاض تحركات الكثير من الجماعات المسلحة، فإن استعادة النشاط المسلح بريقه مرة أخرى مستغلًا حالة الفوضى السياسية الحاليّة سيجعل الحكومة الجديدة في تحد كبير لاستعادة الأمن مرة أخرى.
ليس أمام روبلي إلا توحيد الجبهة الداخلية ومحاولة تخفيف التوتر بين تيارات المعارضة ونظيراتها الداعمة للنظام للوصول إلى قاعدة مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية الراهنة التي تهدد مستقبل البلاد بكل أطيافها السياسية، بجانب التصدي لكل الاختراقات الخارجية المتوقع حدوثها قريبًا بعد سنوات طويلة تصدت فيها البلاد لمحاولات بسط النفوذ الخارجي لا سيما الإماراتي.
الموقع الإستراتيجي للصومال جعلها محط أنظار العديد من القوى لا سيما الساعية لتنفيذ أجندات إقليمية لها على حساب إرادة وسيادة الشعوب، وكما حدث في اليمن ومصر ويحدث اليوم في أرض الصومال الجديدة وإريتريا يحدث في الصومال التي تصدت وبقوة للابتزاز الإماراتي بسبب مواقفها السياسية.
وقد دخلت العلاقات الصومالية الإماراتية أزمة جديدة بعد سنوات من تناغم سياسي، بلغ حد التعاون والشراكة في مجالات عديدة، فيما أرجع محللون هذا الاحتقان الذي خيم على تلك العلاقات بسبب القرارات الإماراتية المتخذة ردًا على موقف مقديشيو الحيادي من الأزمة الخليجية في يونيو 2017.
فأمام الموقف السياسي الصومالي لجأت أبو ظبي إلى زعماء الأقليم الفيدرالية في البلاد بحثًا عن حشد مواقف سياسية مؤيدة لدول الحصار، وهو ما اعتبره خبراء سياسيين صوماليين ورقة ضغط إماراتية “لتغيير موقف الحكومة المركزية المحايد، وإشعال أزمة بين الحكومة والأقاليم”.
النائب الصومالي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، محمد عمر طلحة، اعتبر أن التدخلات الإماراتية المتتالية في الشأن الصومالي ومواقفها المعادية للحكومة كان سببًا رئيسيًا في تبديد رصيدها في الصومال، بحسب تصريحاته لـ”الأناضول” الأمر الذي جعلها تتمنى سقوط تلك الحكومة اليوم قبل الغد.
وأمام تلك الضغوط التي اقترنت بمزايا وحوافز اقتصادية أعلنت بعض الأقاليم الفيدرالية في الصومال تأييدها لدول الحصار، بدعوى أن هذه المقاطعة حق سيادي لتلك الدول، غير أن برلمان البلاد رد على محاولات بث الفتنة تلك بأن الحكومة المركزية هي الجهة المعينة باتخاذ مثل تلك القرارات بحسب الدستور.
وفي الأخير فإنه من المتوقع أن تصل التحديات السياسية والأمنية أمام الحكومة الجديدة ذروتها خلال الفترة القادمة، وتبقى قراءة المشهد جيدًا ومحاولة رأب الصدع الداخلي وضمان وحدة الصف أمام أي تدخلات وضغوط خارجية، بجانب استكمال أضلاع الدولة السياسية باستكمال توازن مؤسساتها الرئاسة والتشريعية عبر انتخابات حرة، هي محك الاختبار الحقيقي لروبلي ورفاقه.