أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بعد فشل الولايات المتحدة في تمرير مشروع قرار دولي في منتصف أغسطس الماضي، تطالب فيه تمديد حظر الأسلحة على إيران، الذي من المفترض أن ينتهي في 18 من أكتوبر من هذا العام، توجه الإدارة الأمريكية إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران في 20 من سبتمبر الحاليّ، وذلك بسبب انتهاك إيران لالتزامتها الدولية بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015، ورغم انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في 2018، فإنها ما زالت تؤكد صفتها الاعتبارية في فرض العقوبات على إيران، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم S/RES/2231، وهو ما ترفضه الدول الأوروبية والصين وروسيا، وإذا نجحت الإدارة الأمريكية في فرض هذه العقوبات، فإن هذا يعني، استمرار حظر تصدير الأسلحة لإيران لأجل غير مسمى.
أنتجت الإجراءات الأحادية التي تسعى الولايات المتحدة إلى اتخاذها حيال إيران، حالة من الشد والجذب في أروقة مجلس الأمن الدولي، إذ تؤكد الأطراف الأوروبية بأن الولايات المتحدة تؤول القرار الدولي رقم S/RES/2231، تأويلات قانونية في غير محلها، وبالتالي فإن هذا يعني بطلان أي إجراءات عقابية قد تتخذها حيال إيران، فيما تصر الولايات المتحدة أن انسحابها من الاتفاق النووي، لا يعني أنها لم يعد لها الحق في استخدام القرار الدولي في فرض عقوبات على إيران، لأنها ورغم انسحابها، ما زالت ملتزمة به، وهو ما أكده المبعوث الأمريكي في ملف إيران إيليوت أبرامز بأن كل عقوبات الأمم المتحدة ستكون سارية من جديد على إيران، عند الساعة 20.00 من يوم السبت القادم، أي عند الساعة 00.00 من يوم الأحد.
الولايات المتحدة ضد الجميع
أثارت المواقف الأمريكية حفيظة أوروبا وروسيا والصين، إذ وجه بومبيو انتقادات شديدة اللهجة للأوروبيين بأنهم اختاروا الوقوف إلى جانب آيات الله، مفضلين مصالحهم الاقتصادية مع إيران على الاستقرار والأمن الدولي، وأن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك.
وفي مقابل ذلك أبلغت بريطانيا وفرنسا وألمانيا مجلس الأمن الدولي، يوم الجمعة، بأن إعفاء إيران من عقوبات الأمم المتحدة بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، سيستمر بعد 20 من سبتمبر الحاليّ، وهو الموعد الذي تؤكد الولايات المتحدة أنه ينبغي إعادة فرض كل العقوبات فيه، وفي رسالة إلى المجلس المؤلف من 15 دولة عضوًا، قالت الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، بحسب ما ذكرته “رويترز”، إن أي قرار أو إجراء لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة سيكون بلا أي أثر قانوني.
تعمل مجموعة نيميتز سترايك في منطقة عمليات الأسطول الخامس منذ يوليو، وهي في ذروة الاستعداد
كما أشارت مصادر تابعة لرويترز أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، سيصدر أمرًا تنفيذيًا يسمح له بفرض عقوبات أمريكية على كل من ينتهك حظر الأسلحة التقليدية المفروض على إيران، ومن المتوقع إصدار الأمر التنفيذي في الأيام المقبلة، الذي سيسمح للرئيس الأمريكي بمعاقبة المخالفين بعقوبات ثانوية وحرمانهم من الوصول إلى السوق الأمريكية، ويتمثل السبب المباشر للإجراء الأمريكي، في الانتهاء الوشيك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، وهو تحذير للجهات الأجنبية إذا اشترت أو باعت أسلحة لإيران فسوف تواجه عقوبات أمريكية.
وفي إطار زيادة الضغوط الأمريكية على إيران، أعلنت البحرية الأمريكية أن حاملة طائرات تابعة لها، وبوارج بحرية مرت عبر مضيق هرمز لتدخل الخليج العربي، وذكر الأسطول الأمريكي الخامس، في بيان له، أن مجموعة هجومية بقيادة حاملة الطائرات “نيميتز”، تضم طرادين مزودين بصواريخ موجهة، ومدمرة مزودة بصواريخ موجهة، أبحرت في الخليج للعمل والتدريب مع شركاء أمريكيين، ودعم التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم داعش، وقال قائد المجموعة الهجومية الأدميرال جيم كيرك: “تعمل مجموعة نيميتز سترايك في منطقة عمليات الأسطول الخامس منذ يوليو، وهي في ذروة الاستعداد”.
موقف إيراني معقد
تشهد إيران اليوم ظروفًا داخلية صعبة للغاية، ففي الوقت الذي تقترب فيه من الدخول تحت طائلة العقوبات الأممية المشددة، أعلن نائب وزير الصحة الإيراني إيراج حريرجي “لم يعد التصنيف حسب اللون منطقيًا بعد الآن في إيران، لم يعد لدينا التصنيف البرتقالي والأصفر، البلاد بأكملها (أصبحت تحت التصنيف) الأحمر”، وهو أعلى مستوى من التحذير، وأضاف: “إذا استمر المسار الحاليّ ستصل حصيلة الوفيات إلى 45 ألفًا”، دون أن يحدد إطارًا زمنيًا، وأشار إلى أن استخدام الكمامات وتقليل التجمعات للنصف، هو الوسيلة الوحيدة لخفض حصيلة الوفيات.
ففي مقال كتبه محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة الغارديان البريطانية باتريك وينتور، بعنوان “يبدو أن إيران في قبضة موجة ثالثة من تفشي فيروس كورونا”، أشار أن آخر الإحصاءات أن عدد الإصابات الجديدة في إيران تجاوز 3000 حالة في اليوم، وهو أعلى مستوى للإصابات منذ ظهور الفيروس لأول مرة في فبراير الماضي، ويرجع عباس علي دورستي، نائب رئيس جامعة تبريز للعلوم الطبية، أسباب الموجة الجديدة، على الرغم من مراعاة 70% من البروتوكولات الصحية من الشعب الإيراني، إلى زيادة السفر وعدم مراعاة البروتوكولات من بعض الناس.
تواجه إيران اليوم مشهدًا إقليميًا معقدًا، فمع قرب دخول العقوبات الأممية المشددة حيز التنفيذ، فإن حركة التطبيع الذي تشهده البيئة القريبة منها، لا تقل خطورة عن العقوبات
وإلى جانب أزمة كورونا، ما زالت المواقع العسكرية الإيرانية تشهد تفجيرات مجهولة المصدر، إذ شهد مجمع بارتشين العسكري انفجارات قوية يوم الجمعة الماضي، ورغم تأكيد نائب حاكم طهران للشؤون العسكرية والأمنية، أن الانفجار ناجم عن تدريبات عسكرية جرت في تلك المنطقة، فمن المتوقع أن يكون نتيجة هجمات سيبرانية مجهولة المصدر، كون المجمع العسكري قد شهد هجمات مدمرة في يوليو الماضي.
وفي إطار الموقف الإيراني من العقوبات الأمريكية المتوقعة، قال مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، “لم يفِ أي من أطراف الاتفاق النووي بالتزاماتهم وقدموا الوعود فقط، وقد ساهموا في العقوبات الأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر، وليس لدينا علاقات تجارية أو نقدية جيدة مع أوروبا، لأنهم لبوا دعوة الولايات المتحدة بفرض عقوبات علنية على إيران، لذلك فقد انتهكت الولايات المتحدة بطريقة ما، وأوروبا بطريقة أخرى الاتفاق النووي”.
كما حذر قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، الرئيس الأمريكي قائلًا “وعدنا بالانتقام لسليماني، مؤكد وجاد وحقيقي”، وأشار إلى حالة العلاقات السياسية الأمريكية، قائلًا، إن الولايات المتحدة باتت معزولة سياسيًا اليوم، وحتى حلفائها التقليديين لم يواكبوها في مسألة الحظر التسليحي، وكان اعتمادها على جمهورية الدومينيكان فقط، وأضاف أن نهاية أمريكا حقيقة لا يمكن إنكارها، قائلًا، إن قضية آلية الزناد هي أيضًا زناد لن تخرج منه رصاصة حتى لو تم ضغطه.
تواجه إيران اليوم مشهدًا إقليميًا معقدًا، فمع قرب دخول العقوبات الأممية المشددة حيز التنفيذ، فإن حركة التطبيع الذي تشهده البيئة القريبة منها، لا تقل خطورة عن العقوبات، فهي أصبحت محاطة بالتعقيدات الأمنية والسياسية من كل الجهات، وهو ما قد ينعكس على إستراتيجيتها الإقليمية التي أصبحت تواجه هي الأخرى، حالة احتواء إقليمي متصاعد، وهو ما قد يطرح سيناريوهات عديدة تنتظر إيران، وهو ما عبر عنه الرئيس ترامب بعد اتفاقات التطبيع الإماراتي والبحريني مع “إسرائيل” قائلًا: “سنرى ماذا يحدث مع إيران، ستعود إيران وتقول دعونا نحل هذا الأمر بأكمله”.