لعل أبرز النقاط التي أثارت زوبعة من الجدل في الدستور الجديد الذي افتك تأشيرة البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) وهو اليوم في مرمى الشعب، تلك المتعلقة بدسترة اللغة الأمازيغية التي قسمت الرأي العام والطبقة السياسية بين مؤيد ومعارض وهناك من وصفها بـ”تركة مسمومة من دستور الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة”.
وتنص المادة الرابعة من الدستور الذي سيحال إلى الاستفتاء الشعبي يوم 1 من نوفمبر/تشرين الثاني القادم على أن “تمازيغت” لغة وطنية ورسمية، وتشير المادة إلى أن الدولة الجزائرية ستعمل على ترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الجزائري، من خلال استحداث مجمع خاص بها يوضع لدى رئيس الجمهورية، تسند له مهمة ترقية هذه اللغة.
وتضمنت ديباجة الدستور الجزائري مفهومًا دقيقًا للمكونات الأساسية للهوية كما ورد في نصها: “الإسلام والعروبة والأمازيغية التي تعمل الدولة لترقيتها وتطوير كل واحدة منها وتمتد جذور نضالها اليوم في شتى الميادين في ماضي أمتها المجيد”.
اعتراض حاد
من بين من تخندقوا في الجبهة المعارضة لدسترة اللغة الأمازيغية في الدستور الذي يعرف على أنه القانون الأسمى في الدولة، أحزاب إسلامية بينها من أيدت الرئيس عبد المجيد تبون ودافعت عنه كمحطة لإعادة الجزائر إلى السكة الأصلية بعد الحراك الذي أسقط نظام عمر عقدين كاملين من الزمن.
رئيس حركة البناء الوطني: السلبية الصارخة في هذا المشروع هي الإبقاء على المادة الرابعة كما هي
عبد القادر بن قرينة، السياسي الثاني في الجزائر، بحسب نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرى تنظيمها في 12 من ديسمبر/كانون الأول الماضي، واحد من الذين امتطوا قارب معارضة دسترة الأمازيغية، رغم إقراره بإيجابيات أخرى تضمنها، وقال إنها تركة مسمومة من زمن العصابة.
وفي بيان نشره على صفحته بموقع فيسبوك، كتب عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني (حزب سياسي إسلامي جزائري): “السلبية الصارخة في هذا المشروع هي الإبقاء على المادة الرابعة كما هي، فرغم أنها من التركة المسمومة لحكم العصابة التي ورثناها من دستور بوتفليقة السالف الذكر، وندرك أنه تم دسترتها بغير حق لأن الجزائر والأمة الجزائرية واحدة وموحدة، بتاريخها ومصيرها وحدودها، وفي رايتها والدفاع عن دولتها وفي دينها وفي لغتها لغة القرآن أنعم بها من لغة. وهي متنوعة في لهجاتها وأنسابها، وفي ألوانها، وفي توجهاتها، وفي مناخها، وثقافاتها، ومع علمنا علم اليقين بأنه لن تكون هناك لغة ثانية في الجزائر لأسباب موضوعية وأخرى دستورية”.
وتابع بقوله: “المادة الرابعة المتعلقة بتمزيغت (الأمازيغية) أصبحت مادة صماء، والمادة الصماء لا يوجد تغيير أي حرف منها ولا حتى فاصلة، وهي ليست لغة الآن وإنما فيما بعد حسب ما نصت عليه المادة المقترحة، وفيما بعد هذه لن يسمح المساس بها في الدستور مطلقًا حتى إذا توفرت الشروط لترقيتها (وهي لن تتوفر). هذه هي القراءة الدستورية للمادة حسب فقهاء القانون الدستوري. إلا أن مجرد ذكرها بهذا الشكل تعطي الانطباع أننا أمام لغتين وأمام رايتين وأمام شعبين، وهذا هو المحظور في نظرنا”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كتب الباحث الجزائري عبد الحميد مسعود بن ولهة، تدوينة على صفحته على فيسبوك قال فيها: “البربرية لغة وطنية ورسمية وهي ضمن المواد الصماء غير القابلة للحذف، الرضوخ لضغوط الحركات البربرية وذلك بإضافة لفظة أمازيغية لتعريف الجزائر في الديباجة، حيث أصبحت كالتالي (إن الجزائر أرض الإسلام وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير وأرض عربية وأمازيغية، فكلمة أمازيغية أضيفت ولم تكن موجودة من قبل)”.
وتساءل الباحث الجزائري الدكتور هشام سبع قائلًا: “المادة 4 من الدستور الجزائري هي استدراج؟ أم مصدر قلق وإزعاج؟”.
ومن جهتها قالت الباحثة الجزائرية صورية عواد: “نحن لا نطلب من الرئيس تبون أن يضيف أو يزيل مادة من الدستور كما كان سلفه في الحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن نطلب منه أن يتيح للشعب التصويت على المواد التي وضعت من قبل الذين شتتوا وحدة الوطن، الدستور الحاليّ تم دون استفتاء الشعب، فكيف تتحول مادة لا ترضي الشعب إلى صماء؟”، في إشارة منها إلى المادة الرابعة.
بطبيعة الحال نحن لا نطلب من الرئيس @TebbouneAmadjid أن يضيف او يزيل مادة من الدستور كما كان بوتفليقة، لكن نطلب منه أن يتيح للشعب التصويت على المواد التي وضعت من قبل الذين شتتوا وحدة الوطن،الدستور الحالي تم بدون استفتاء الشعب،فكيف تتحول مادة لا ترضي الشعب إلى صماء#الجزائر
— ??صورية عواد (@soraya_aouad) September 10, 2020
وكتب الناشط الجزائري بوبكر الجزائري تدوينة على موقع تويتر قال فيها: “خرافة التمزيغ تمت دسترتها من طرف أشخاص آخرهم محكوم عليه بـ15 سنة سجن ودون علم الشعب، لذا من غير المعقول جعلها ثابتة وهي أصلًا لا قيمة لها ولا يعتبرونها لغتهم لأنهم يتحدثون الفرنسية”.
خرافة التمزيغ تمت دسترتها من طرف أشخاص آخرهم محكوم عليه ب15سنة سجن
وبدون علم الشعب لذا من غير المعقول جعلها ثابتة وهي أصلا لا قيمة لها ولا يعتبرونها لغتهم لأنهم يتحدثون الفرنسية— بوبكر الجزائري (@boubakarjazairi) September 10, 2020
وقد يهدد هذا الجدل والصراع القائم بشأن ملف الهوية الاستفتاء المرتقب على الدستور الجديد للجمهورية الجزائرية في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وقد يحقق نسبة إقبال ضعيفة رغم الدعم الذي حظي به في مبنى البرلمان الجزائري ومن طرف بعض القوى التي ترى فيه خطوة لإسقاط دستور بوتفليقة الذي أدخل الجزائر في نفق مظلم وأزمة سياسية كبيرة لم تفتك منها لولا نزول شعبها إلى الشوارع.
وتشهد الطبقة السياسية في الجزائر، انقسامًا حادًا في المواقف بشأن المسودة النهائية للدستور الذي يطرح للاستفتاء الشعبي في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، فبينما أعلنت الأحزاب الموالية للسلطة السابقة دعمها للوثيقة على غرار جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة) والتجمع الوطني الديمقراطي، أعلنت قوى أخرى رفضها لها كالكتلة الديمقراطية التي تضم أحزابًا سياسية غير معنية تمامًا بهذا المسار منذ بدايته، فيما أرجأت أحزاب أخرى إعلان موقفها النهائي لحين دراسة المسودة النهائية لتعديل الدستور.
لغة رسمية لكن وفق ضوابط محددة
وبغض النظر على أنه من دعاة ترقية اللغة العربية التي تراجعت لحساب اللغة الفرنسية، غير أن الناشط الحقوقي والمحامي الجزائري عمار خبابة يقول لـ”نون بوست” إنه استحسن التعديل الخاص بدسترة اللغة الأمازيغية رغم أنه من أبرز المطالبين بترقية اللغة العربية التي لم تسترجع بعد مكانتها الأصلية بسبب مقاومة بعض الأطراف.
ويرجع عمار خبابة أسباب دعمه لمقترح دسترة اللغة الأمازيغية إلى إبعادها عن التوظيف السياسي، ويشير إلى أن الجدل القائم بشأن هذه المادة ليس وليد اليوم بل مطروح منذ القدم وأخذ بعدًا أكثر حدةً في الثمانينيات.
ويرى الناشط الحقوقي أن هذا الحكم الدستوري الذي جاء استكمالات للتعديلات التي وردت في دستور 2008 و2016، حظي بقبول من طرف أنصار هذه المادة حيث أصبح بالنسبة له حقًا مكتسبًا غير مستفتى عليه.
وقدم الحقوقي عمار خبابة، قراءة دقيقة للمادة الرابعة من الدستور المقترح، ويقول لـ”نون بوست” إنها وضعت ضوابط مهمة يجب الوقوف عندها أولها أن ترقية اللغة الأمازيغية لم يتم حصرها بمنطقة معينة، حيث تشير المادة إلى أن الدولة تعمل على ترقية “تمازيغت” بكل تنوعاتها اللسانية.
المادة الرابعة من الدستور الجزائري لم تنه الجدل القائم بخصوص تمازيغت بل التوظيف السياسي الذي لا يزال قائمًا
ويذكر عمار خبابة أن هذه المادة تنص على استحداث مجمع جزائري وهذا المجمع يعتمد في أشغاله على خبراء وليس سياسيين كما أنه يكلف بتوفير الشروط اللازمة لترقية اللغة الأمازيغية في المستقبل وليس الآن.
ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر سابقًا ناصر جابي، أن الجزائر خطت خطوة كبيرة وتمكنت من تدارك التأخر التاريخي بعد الاعتراف الدستوري بالأمازيغية، وقال ناصر جابي في حوار أجراه مع صحيفة “ليبرتي” الجزائرية إنه لا بد من إعطاء دور أكبر للمختص والباحث على حساب الإيديولوجي والسياسي.
ويؤكد المتحدث أن الجزائر اليوم بحاجة إلى حوار بين جميع المناطق الأمازيغية، حتى مع تلك التي لم تلعب دورًا رئيسيًا في الدفاع عن هذه اللغة مثلما هو شأن منطقة القبائل، ويتوقع ناصر جابي أن تشهد هذه المناطق في المستقبل تجارب رائعة للتعايش اللغوي، واستدل المتحدث بمنطقة “الميزاب” ومناطق أخرى في تونس والمغرب.
وأشار أن هناك تحديدات عديدة ومتعددة يتعين على النخب التي تؤمن بهذه القضية أن تحققها في المستقبل، وإن كانت تحديات أقل صعوبة على الأجيال الجديدة، مقارنة بتلك التي واجهها الجيل السابق الذي كافح في ظروف أكثر تعقيدًا ومواجهة شرسة مع التيار الوطني الذي سيطر على الحياة السياسية في البلاد بعد الاستقلال الذي رفضت الأمازيغية وحاربتها.
ومن جهته رحب رئيس حزب جيل جديد، سفيان جيلالي، بدسترة اللغة الأمازيغية، ويقول في تصريح لـ”نون بوست”: “هذه الخطوة تمثل مكسبًا مهمًا للشارع القبائلي”، ويرى أن السلطة الجديدة في الجزائر تحاول قطع الطريق أمام التيار المعادي لهذه اللغة.
يقول الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري أحسن خلاص، لـ”نون بوست”: “المادة الرابعة من الدستور الجزائري لم تنه الجدل القائم بخصوص “تمازيغت” بل التوظيف السياسي الذي لا يزال قائمًا، لأن دعاة الأمازيغية غير راضين عن الصيغة التي وردت بها المادة، فهم يعتبرونها مقللة من شأن اللغة ويعتبرونها قاصرةً بينما يرفضها الآخرون جملةً وتفصيلًا”.