ترجمة وتحرير نون بوست
يعد الاضطهاد والتطهير العرقي ومحاولة الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا في ولاية راكين بميانمار إهانة بالغة لسيادة القانون والفظائع الموثقة جيدًا، وهو -وفقًا لمحامي دولي رفيع- وصمة عار أخلاقية لوعينا الجمعي وإنسانيتنا، لذا، لماذا يستمر القتل والفظائع الأخرى بينما يفلت الجناة المعروفون دون عقاب؟
هذا السؤال يحمل إجابات متعددة، ربما كانت ميانمار الفقيرة والمنعزلة – بورما سابقًا – ليست ذات أهمية كافية لجذب الانتباه الدولي بشكل مستمر، وربما في اللاوعي الغربي لا تبدو حياة مجموعة غير مرئية وغير معروفة لأقلية مسلمة ذات بشرة بنية مهمة بشكل كبير في وقت أزمة اللاجئين العرقية العنصرية المتعددة.
قد يرجع غياب الغضب المستمر إلى مشكلة قديمة: عدم القدرة على منع القوى العظمى من قهر واستغلال والتلاعب بالشعوب والدول الأكثر ضعفًا لمصلحتها الذاتية، كانت ميانمار خاضعة للإمبراطورية البريطانية لأكثر من قرن، والآن تخضع للإمبراطورية الصينية التي لا تهتم بحقوق الإنسان داخل البلاد أو خارجها.
في قلب أزمة ميانمار نجد قوات “Tatmadaw” القمعية وهي القوات المسلحة التي تهيمن على الحياة المحلية رغم استعادة الديمقراطية نظريًا في 2011، هذه القوات هاجمت الروهينغا في 2016 و2017 حيث قتلت آلاف الناس وأجبرت نحو 750 ألف منهم على الفرار إلى بنغلاديش، كان الأمر صدمة للعالم أجمع ومع ذلك لم يُحاسب أحد.
صور القمر الصناعي تُظهر أن الجيش يزيل أنقاض قرية كان كيا التي أحرقها تمامًا منذ 3 سنوات، كما مسح اسمها وكذلك أسماء القرى المدمرة الأخرى من الخرائط الرسمية
في الأسبوع الماضي حذرت ميشال باشليت المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة أنه بعيدًا عن وقف الفظائع، فإن قوات “Tatmadaw” تقتل وتختطف المدنيين مرة أخرى دون رادع في ولاية راكين وولاية تشين المجاورة، وتقول: “في بعض الحالات يبدو أنهم يتعرضون لهجوم عشوائي مما قد يشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية”، ومرة أخرى لم يُحاسب أحد.
ارتفعت الآمال في حدوث محاسبة قضائية بعد أن ظهرت أونج سان سو الزعيمة المدنية لميانمار أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي في ديسمبر الماضي، لكن سو أنكرت الادعاءات باستهداف الإبادة الجماعية ودافعت عن القوات العسكرية وقالت إن راكين “صراع داخلي” بين الجيش وميليشيات الروهينغا والانفصاليين المسلحين، وقالت إذا ارتكب بعض الجنود أخطاء بشكل فردي سيتم محاسبتهم.
في يناير أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا مؤقتًا يلزم رئيسة ميانمار باحترام التزامها القانوني ومن الإبادة الجماعية واتخاذ كل التدابير اللازمة وفقًا لسلطتها لوقف قتل وإيذاء الروهينغا، كما أمرت قوات “Tatmadaw” بعدم تدمير أدلة الجرائم وتقديم تقارير مستمرة إلى المحكمة، أحالت المحكمة تلك النتائج إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
لم يكن لأي من ذلك تأثير حقيقي، وفقًا لباشليتر ربما ازداد معدل القتل، فصور القمر الصناعي تُظهر أن الجيش يزيل أنقاض قرية كان كيا التي أحرقها تمامًا منذ 3 سنوات، كما مسح اسمها وكذلك أسماء القرى المدمرة الأخرى من الخرائط الرسمية كجزء من عملية تغطية واسعة، لم يقدم النظام تقريرًا للمحكمة ولم يجر حتى أي تحقيقات ذات مصداقية بشأن الاعتداءات.
في الوقت نفسه أكدت شهادة شهود عيان لجنديين شاركا في حملة راكين أسوأ المخاوف، فقد شرحا بالتفصيل كيف قام الجيش بإعدامات جماعية وحفر مقابر جماعية وهدم القرى واغتصب النساء والفتيات، يقول زاو تون إن الضابط الأعلى منه قال: “اقتل كل من تراه طفلًا كان أو بالغًا”.
في استجابة متأخرة للعنف المتصاعد وأزمة اللاجئين النازحين، طالب 8 أعضاء من مجلس الأمن في الأمم المتحدة تقودهم بريطانيا، ميانمار بالامتثال لمطالب محكمة العدل وتنفيذ وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ومشاركة ناخبي الروهينغا في الانتخابات المحلية في شهر نوفمبر، كان هذا تقدمًا نوعًا ما، حيث تحايل البيان المشترك على حق الفيتو الذي تملكه الصين.
لكن مجموعة الضغط “Burma Campaign UK” أشارت إلى وجود مشكلة، حيث قالت إن البيان لن يحدث فرقًا، سيمر بلا تأثير وسيكون مجرد بيان آخر لن يعقبه أي فعل، “لقد كان الفشل في تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة أمرًا مثيرًا للفزع، لكنه ليس مفاجئًا”.
لقد طُلب من الدول القوية حول العالم أن تتخذ موقفًا مخالفًا لمصالحها السياسية والتجارية بما في ذلك حظر شامل للأسلحة وعقوبات مالية وتجميد للأصول وحظر صفقات تجارية واستثمارات وإحالة ميانمار للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما رفضوه بشكل كبير.
لا تجرؤ الولايات المتحدة وأوروبا على الضغط بشدة بشأن حقوق الإنسان خوفًا من خسارة الفرص التجارية المربحة
لقد عادت ميانمار إلى وضعها الأصلي، فكما أخضعت الهند البريطانية البورميين واستغلت موارد البلاد، تسعى الصين – الداعم الأساسي لنظام “Tatmadaw” – إلى تحقيق عزلة إستراتيجية وتبعية اقتصادية.
عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينج ميانمار يناير الماضي كان هدفه واضحًا: جذب جاره الفقير إليه أكثر من أي وقت مضى وإبعاد المنافسين الأمريكيين والهنديين والأوروبيين، أسفرت زيارة بينج عن عشرات الصفقات معظمها استثمارات في البنية التحتية، وكان على رأس قائمته إتمام الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار الذي سيمنح الصين وصولًا مباشرًا لميناء المياه العميقة في خليج البنغال، هذا الطريق سيفتح بوابة جديدة للتجارة الصينية لمواجهة الغرب وتوفير طريق بديل لبحر الصين الجنوبي المتنازع عليه ومضيق ملقا.
لا يخفى على حكام ميانمار خطر اقتراب الصين وفخ الديون والمحاولات الخفية لاستغلال الصراعات العرقية، لكن الدعم السياسي من بكين ودفاعها عن جنرالات “Tatmadaw” في الأمم المتحدة باستخدام حق الفيتو يؤكد استمرار حصانتهم وإفلاتهم من العقاب.
في الوقت نفسه لا تجرؤ الولايات المتحدة وأوروبا على الضغط بشدة بشأن حقوق الإنسان خوفًا من خسارة الفرص التجارية المربحة وخسارة الرهان في الحرب الباردة الجديدة في آسيا، وبذلك يستمر القتل وينتشر انعدام الضمير ونتعلم مرة أخرى الدرس القديم: القوة العظيمة تنتصر على القانون والإنسانية كل مرة.
المصدر: الغارديان