كان سقوط العاصمة اليمنية صنعاء، بيد ميليشيات الحوثي، بدايةً لعصر من الظلام الدامس على اليمن ككل، حيث دخل هذا البلد في نفقٍ لم يعد من السهل الوصول إلى مخرجه، ذلك بأن استيلاء هذه الجماعة على المدينة غيّر وجه المنطقة وسياستها وخلق تصادمًا بين القوى المختلفة، وبعيدًا عن هذا وذاك فقد أصبحت إحدى حواضر العرب مقرًا للنفوذ الإيراني.
منذ اُحتلت المدينة، تغير وجه صنعاء ووجه اليمن، فأصبح اليمن بعاصمتين وحكومتين وبنكين مركزيين.. الخ، لقد انشطرت البلاد! وعادت أفكار النزعات الانفصالية المدعومة بقرارات بعض الدول الجارة، وليس بعيدًا برزت المجاعات والأمراض وزاد التخلف والجهل، ولم يعد هناك بصيص من أمل لنهاية الحرب المشتعلة، إذًا، كان الاستيلاء الحوثي على صنعاء بدايةً لعهد الخراب اليمني.
تقسيم اليمن
منذ أن اجتاح الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء قبل 6 سنوات، تغيرت الحالة السياسية والعسكرية اليمنية، حيث أدى التمرد والانقلاب الحوثي على الحكومة إلى تشتت اليمنيين، خاصةً بعد بدء الحرب على الميلشيات التي شنها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات في مارس/آذار 2015، ما زاد الشقاق اليمني بين الفرقاء المختلفين تبعًا لسياسات الدول الداعمة.
أنشأ الحوثيون في صنعاء عام 2016 حكومة موازية للحكومة الشرعية، حيث عقدت الميليشيات المدعومة من إيران ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” لتنبثق عنه الوزارة الحوثية التي أُطلق عليها “حكومة الإنقاذ الوطني”، وبدأت ممارسة سلطتها بمناطق التوزع الحوثي، لتوازي الحكومة اليمنية الشرعية بأعمالها.
انتقالًا إلى جنوبي اليمن، ففي عام 2017، برز “المجلس الانتقالي الجنوبي”، وهو كيان سياسي انفصالي مدعوم إماراتيًا، يضع لنفسه حدودًا في عدن وبعض المحافظات الجنوبية، أدى هذا المجلس إلى إضعاف الحكومة الشرعية، حيث شتت جهود محاربة الحوثيين، وفي عام 2019 دعا المجلس أنصاره للخروج في مظاهرات للمطالبة باستقلال المحافظات الجنوبية والحصول على الإدارة الذاتية.
كانت المطالب الانفصالية طعنةً كبيرةً في خاصرة الحكومة اليمنية التي في الأصل تواجه أزمة بقتال الحوثيين، ومع الأيام جمعت السعودية الفرقاء اليمنيين عدا الحوثيين في الرياض ليوقعوا اتفاقًا نتج عنه اتفاق على بنود رئيسية بالإضافة لملحق للترتيبات السياسية والاقتصادية وآخر للترتيبات العسكرية والأمنية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الذين كانوا في حالة حرب ومعارك لمدة شهور.
نصت اتفاقية الرياض على تشكيل حكومة كفاءات تكون مناصفةً بين الطرفين، بالإضافة لانسحاب جميع القوات العسكرية من الطرفين إلى ثكناتها ويحل عوضًا عنها قوات الأمن والشرطة، وتوحيد القوات العسكرية ووضعها ضمن سلطة وزارة الدفاع، إلا أن هذا الاتفاق ما زال بين شد وجذب ومرواحة في مكانه، مع وجود اتهامات من الحكومة اليمنية للمجلس الجنوبي بعرقلة الاتفاق وعدم تنفيذ بنوده.
انقسم البرلمان الذي تم انتخابه في 2003 إلى برلمان مؤيد للحوثيين يمارس مهامه من صنعاء وآخر موالٍ للشرعية عقد دورة يتيمة، ومنذ ذلك الحين أضحى البرلمان اليمني الذي ينضوي تحت جناح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ساحةً للصراعات والخلافات، بين أحزاب مختلفة، وبهذا الصدد تقول الكاتبة اليمنية بشرى المقطري: “هؤلاء النواب، سواء المصطفين في برلمان الحوثي أم في برلمان الشرعية، لا يملكون سلطة القرار فيما يخص الشأن اليمني، بما في ذلك الاعتراض على إملاءات قوى الحرب الإقليمية وشروطها في إدارة الملف اليمني، إلا أن المخيف أكثر من تشظّي المؤسسة التشريعية، أننا ربما نشاهد اليوم انهيار آخر مجلس نواب منتخب في اليمن الموحد، إذ إن هذين المجلسين قد يشرعنان على المدى البعيد ولادة “يمنات” وفق إرادة سماسرة الداخل ورغبة الإقليم”.
لم يتوقف الانقسام الذي سببه الحوثيون في الأمور والترتيبات العسكرية والسياسية، بل امتدّ إلى القطاع المصرفي، ومع احتلالهم لصنعاء، انقسم البنك المركزي اليمني إلى فرعين: أحدهما في صنعاء والآخر تحت سلطة الحكومة الشرعية في عدن، وعمل هذا الانقسام البنكي على انهيار سعر صرف العملة اليمنية، كما عمل الحوثيون على منع العملة الورقية المطبوعة حديثًا في عدن.
افتتح الحوثيون بعد استيلائهم على العاصمة محاكم خاصة بهم، وهذه المحاكم بعيدة كل البعد عن الدستور اليمني الذي نسفوه وانقلبوا عليه، ووصل الشقاق في اليمن إلى العطل الأسبوعية، حيث قرر الحوثيون إعادة عطلة يوم السبت إلى يوم الخميس مع الجمعة على عكس باقي أنحاء البلاد.
إحياء “القاعدة”
خلقت الحرب اليمنية بعد الاجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء فرصةً كبيرة لتنظيم القاعدة في الانتشار وتعزيز صفوفه، إذ إن قيادات القاعدة وضعت نفسها موضع الدفاع عن السنة في وجه التنظيم الحوثي الشيعي المحسوب على إيران، ومن هذا الباب استطاعت القاعدة توسيع أنشطتها حتى وصلت لمرحلة سيطرت فيها على مدينة المكلا قبل أن تخرج منها تحت الضربات الأمريكية.
تذكر الكاتبة اليمنية بشرى المقطري: “استغل تنظيم القاعدة تنافسية الأحزاب الإسلامية والجماعات السلفية المقاتلة المنضوية في تحالف السلطة الشرعية، التي تشترك معه بأنها المخزون التقليدي للإسلاميين المحافظين، بما في ذلك القوى المناوئة للشرعية في جنوب اليمن، بحيث تمكن من جذب العناصر المتشددة كمقاتلين موالين له”.
بحسب مركز الأبحاث “كارينغي” فإن بعض دول التحالف العربي التي تقاتل الحوثيين في اليمن عمدت إلى إبرام صفقات مع تنظيم القاعدة بدلًا من محاربته، فالرياض دفعت أموالًا للمقاتلين ليغادروا المدن الرئيسية بأسلحتهم وأموال نهبوها، كما يذكر المركز أن التنظيم لا يزال يعمل بحرية ويتحرك بأريحية في بعض المناطق، وفي هذا الوقت يواصل التنظيم توسعه على حساب تفكك مؤسسات الدولة اليمنية بين الأطراف كافة.
كنتونات
تقوم الدول المتدخلة في اليمن بصناعة الحلفاء كل على حسب مقاسه، فبعد بداية الحرب اليمنية دعمت الإمارات العميد طارق صالح وهو ابن أخ الرئيس المقتول علي عبد الله صالح، وقد كان العميد في البداية بمواجهة قوات التحالف إلى جانب الحوثيين إلا أن الإمارات دعمته في تشكيل قوات “المقاومة الوطنية”، وهي عبارة عن جنود ذوي تدريب عال وضمن صفوفها أعداد من قوات الحرس الجمهوري القديم.
تتخلى السعودية بشكل أو بآخر عن الجيش اليمني، خاصة بعد انسحاب القوات الحليفة لها (الإمارات والسودان) من اليمن، وبحسب مركز كارينغي فإن الأراضي اليمنية أصبحت مقسمة إلى أربع مقاطعات عسكرية، تتقاسمها الحكومة الشرعية والحوثيون والمقاومة الوطنية والمجلس الانتقالي وهي موزعة على الشكل الآتي:
- الجيش الوطني التابع لحكومة الشرعية يسيطر على مأرب وصولًا إلى معظم المحافظات الشرقية الجنوبية.
- الحوثيون يفرضون سيطرتهم على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية وصولًا إلى محافظة الجوف ويتقاسمون السيطرة مع قوات الشرعية على محافظة تعز جنوب غربي اليمن.
- يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة المؤقتة عدن والمحافظتَين الجنوبيتين المحاذيتين لها، لحج والضالع، وتتداخل سيطرتهم مع نفوذ الحكومة في أبين وشرقي عدن.
- تسيطر قوات العميد طارق صالح “المقاومة الوطنية” على الساحل الغربي من مديرية المخا إلى محافظة الحديدة التي تتشارك النفوذ فيها مع الحوثيين.
سبع سنوات مضت من استيلاء الحوثيين على الحكم في اليمن، يواصل الوضع هناك انحاره باتجاه الأسوء يومًا بعد يوم، في الوقت الذي لم تستطع الأطراف جميعها إيجاد حل يوقف الحرب التي دمرت اليمن وتسببت في خرابه وحولته إلى كونتنات ومليشيات متصارعة.