لولا براءات الاختراع والأفكار الثورية التي انطلقت من “وادي السيليكون“، لما كان ممكنًا أن تقرأ هذا التقرير أو تدير أعمالك عن بعد باستخدام الهاتف أو الحاسوب عبر منصات الشبكة الاجتماعية، فماذا يعني هذا المصطلح؟.
يشير هذا المصطلح إلى المنطقة الواقعة في الجزء الجنوبي من خليج سان فرانسيسكو شمال ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويضم مجموعة من كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل “آبل” و”سيسكو” و”مايكروسوفت” و”جوجل” و”أوراكل” وغيرها.
وترجع تسميته بهذا الاسم إلى وجود عدد كبير من مبتكري ومصنعي رقاقات السيليكون المستخدمة في المعالجات الدقيقة للكمبيوتر، وأصبح يرمز إليه على أنه منطقة تضم جميع شركات التكنولوجيا الفائقة في أمريكا.
تأتي أهمية وادي السيليكون ليس بعدد الشركات المتمركزة فيه، بل بعدد براءات الاختراع التي سُجلت هناك، حيث تأتي 12% من براءات الاختراع التي تسجل في الولايات المتحدة ككل من هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة، عدا عن مساهمته في ثلث العائدات الاستثمارية في مجال المشاريع الجديدة بأمريكا.
كبرى شركات العالم في وادي السيليكون
يشتهر وادي السيليكون بأنه موطن لجميع أنواع الشركات العملاقة، حيث تتكون الشركات الستة الكبرى في وادي السيليكون من ثلاث شركات تكنولوجية وثلاث شركات في صناعات أخرى، كما يلي:
1- Apple: عملاق الهواتف الذكية الأمريكية، تتخذ من قلب الوادي مقرًا لها. في يوليو/تموز 2020، تفوقت شركة آبل على شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو، لتصبح الشركة الأكثر تداولًا في العالم من حيث القيمة وتبلغ القيمة السوقية الحاليّة تريليوني دولار.
2- Google: الشركة المشهورة صاحبة محرك البحث الأكثر استخدامًا على الإنترنت في العالم الذي أنتج نظام تشغيل أندرويد للهواتف الخلوية، وتبلغ القيمة السوقية الحاليّة لها 1.07 تريليون دولار.
3- Facebook: مقرها في وادي السيليكون، لديها مليارا مستخدم نشط شهريًا، و1.66 مليار مستخدم نشط يوميًا، 87.1% من المسوقين في الولايات المتحدة يستخدمون التطبيق للترويج، وهناك أكثر من 80 مليون صفحة أعمال عليه، كما تبلغ القيمة السوقية لها 766.36 مليار دولار.
Visa -4: تشتهر ببطاقات الائتمان الخاصة بها في جميع أنحاء العالم، حيث تزود البنوك والاتحادات الائتمانية والمؤسسات المالية الأخرى، وهي شركة خدمات مالية متعددة الجنسيات، تبلغ قيمتها السوقية الحاليّة 418 مليار دولار.
5- Chevron: وهي شركة طاقة تقع شمال الوادي، نمت من شركة صغيرة لتكرير النفط إلى شركة عملاقة متعددة الجنسيات للطاقة، وتقدر القيمة السوقية الحاليّة للشركة 223.8 مليار دولار.
6- Wells Fargo: شركة قابضة تتكون من ثلاث شركات تابعة للخدمات المصرفية والمالية (الخدمات المصرفية المجتمعية والخدمات المصرفية بالجملة وإدارة الثروات والاستثمار)، فهي ثالث أكبر بنك في الولايات المتحدة من حيث الأصول، وأحد أكبر البنوك الأمريكية من حيث القيمة السوقية التي تقدر حاليًّا بـ118.47 مليار دولار.
ما سر جذب وادي السيليكون للشركات العملاقة؟
يدور حديث دائم في قطاعات المال والأعمال عن سر جذب وادي السيليكون للشركات العملاقة، خصوصًا بعد أن نجحت شركة “ناسا” التي تتخذ من المنطقة مقرًا رئيسيًا لها في الوصول إلى القمر، لكن أغلب الأبحاث ترجع نجاحه إلى وجود “جامعة ستانفورد”، إحدى أكبر وأعرق الجامعات الأمريكية التي تأسست عام 1885 وركزت منذ تأسيسها على البحث العلمي في مراكز متخصصة ومساعدة الطلاب على تأسيس أعمالهم.
هناك أيضًا جامعة كاليفورنيا – بيركلي التي تقع شمال الوادي، وأُسست في الفترة نفسها تقريبًا، فالجامعتان تشكلان سر النجاح في وجود وادي السيليكون، فهما تكملان بعضهما في نشر العلم والأبحاث في هذه المنطقة، ولديهما مراكز أبحاث متخصصة لدعم المبادرات والأعمال وإيجاد التمويل اللازم لها.
الفاشل مطلوب في وادي السيليكون
يقول إياد يعقوب وهو مدرب متخصص في التوظيف وأماكن العمل ومعتمد لدى شركات أمريكية في وادي السيليكون: “فبينما يعتبر الفشل غير مقبول في أماكن كثيرة من العالم، إلا أنه على العكس تمامًا في وادي السيليكون، إذ تعتبر تجربة الفشل من التجارب التي ينظر لها بشكل إيجابي، حتى إن قطاع الأعمال يساعد المبادرين على التجربة وخوض المغامرة من دون الخوف من الفشل، فهؤلاء اتخذوا مخاطر عالية في حياتهم، لذا هم معتادون على خوض المغامرة التي تحتاجها الشركات الناشئة لكي تكسر قوالب ونماذج عمل الشركات الكبيرة التي تخاف من أخذ مخاطر عالية وأوضاعها مستقرة”.
ويضيف يعقوب “أخذت شركات كبرى مثل “جوجل” و”فيسبوك” و”آبل” تتجه إلى اعتماد الموهوبين والمبدعين بصرف النظر إذا كانوا من خريجي “ستانفورد” و”بيركلي” أو الأسماء اللامعة في أمريكا، بل حتى إنهم ذهبوا لإلغاء شرط الشهادة الجامعية طالما أن هناك مبدعين يعملون في التكنولوجيا منذ صغرهم وقد يصبحوا قيمة مضافة لهذه الشركات في خلق أفكار جديدة”.
المبتكرون العرب في وادي السيليكون
المنطقة العربية هي موطن لبعض من أعظم المبتكرين في العالم، الذين أحدث معظمهم فرقًا في مختلف جوانب الحياة في السنوات الأخيرة. وهنا نتناول قصة سبعة من أبرز المبتكرين العرب في وادي السيليكون:
1- طوني فاضل: لبناني الأصل من بين الذين وقفوا وراء إنشاء أجهزة iPod وiPhone، وغالبًا ما يشار إليه أنه “أحد آباء iPod”. أسس فاضل Nest Labs، وهي شركة تقنية منزلية ذكية استحوذت عليها Google مقابل 3.2 مليار دولار.
2- فادي غندور: المؤسس المشارك لشركة أرامكس، شركة البريد السريع الأولى في الشرق الأوسط، وهي أول شركة عربية يتم إدراجها في بورصة ناسداك. كان غندور أيضًا شريكًا مؤسسًا لـ”Maktoob.com” قبل أن تستحوذ عليه Yahoo مقابل 85 مليون دولار عام 2010.
3- رونالدو مشوار: ولد ونشأ في حلب بسوريا، شارك مشوار في تأسيس سوق دوت كوم، وهو أول سوق على الإنترنت للعالم العربي عام 2005، وفي عام 2017، استحوذت أمازون على منصة التسوق عبر الإنترنت ومقرها دبي مقابل 580 مليون دولار.
4- رنا القليوبي: وهي عالمة كمبيوتر مصرية بدأت بالابتكار باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهي مساهمة رئيسية في أبحاث التعرف على تعبيرات الوجه وتطوير التكنولوجيا بعد تأسيس “MIT Startup Affectiva” لمساعدة أجهزة الكمبيوتر على قراءة إيماءات الوجه بشكل أكثر دقة.
5- سليمان عيتاني: لبناني مؤسس منصة أثير، وهي منصة رائدة لإدارة الواقع المعزز (AR) تهدف إلى تزويد المؤسسات بمجموعة متنوعة من الحلول والتطبيقات، ونظارات أثير للواقع المعزز (AR) ثلاثية الأبعاد، كما أنشأ عدة نماذج للروبوتات.
6- آية بدير: مهندسة لبنانية وفنانة تفاعلية أسست منصة ليتل بيتس التي تمكن الأطفال في كل مكان من الاختراع، باعت شركتها ملايين المنتجات وهي الآن تكتب المناهج المستخدمة في 3500 مدرسة حول العالم.
7- نور شاكر: عام 2008 غادرت عالمة الكمبيوتر سوريا إلى أوروبا لمتابعة شغفها بالذكاء الاصطناعي (AI)، شاركت في تأسيس “Generative Tensorial Networks”، وهي شركة تجمع بين أجهزة الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي لتسريع إنشاء أدوية جديدة.
كمبيوتر صخر
إن مر بمخيلتك خاطر عن الزمن والكيفية التي أُضيفت بها الحروف العربية إلى لوحة المفاتيح، فالجواب سيكون من “محمد الشارخ”! فكل ما تكتبه على الحاسوب مستخدمًا لوحة المفاتيح بالنمط العربي، يعود الفضل في ظهوره إلى رجل الأعمال الكويتي محمد الشارخ.
الشارخ الذي ولد في الكويت عام 1942، صاحب أهم مشروع عربي في عالم التكنولوجيا وهو مشروع حاسوب صخر.
“صخر” كان مشروعًا مشتركًا انطلق عام 1982، وذلك لكسر الحاجز التقني بين الشعوب العربية وتقنية المعلومات بين شركتي “العالمية” الكويتية و”ياماها” اليابانية.
نجح المشروع بشكل كبير، وباع مئات الآلاف من الأجهزة بالإضافة إلى عشرات الآلاف من البرامج والتطبيقات، لكن ما الذي أوقف إنتاج صخر؟
قال الشارخ في إحدى المقابلات التلفزيونية: “كنت أدرك آنذاك ثلاثة أشياء ستحول دون استمرار صخر أولًا: الجامعات العربية لن تعمل على تطويع الكمبيوتر للغة العربية، ثانيًا: الأثرياء العرب لن يستثمروا في هذا المجال لأنه جديد، ثالثًا: الشركات الدولية لن تعمل على هذا المشروع لأن السوق العربية بالنسبة لهم صغيرة مقارنة بالصين مثلًا”.
إضافًة إلى عدم الحصول على دعم الحكومات العربية التي رأت في صخر منافس لها يجب إقصاؤه، بدلًا من رؤيته فرصة للنهوض بسوق التكنولوجيا العربية للمستوى الذي قد يسمح بمنافسة كبرى الشركات العالمية التي تغرق الأسواق العربية الآن بمنتجاتها واستثماراتها العملاقة.
استنساخ وادي السيليكون في الخليج العربي
إن وادي السيليكون الأمريكي بني على توافُر بعض الشروط، ونجاح الهند في بنائها لواديها السيليكوني في مدينة “بنجلور” أخذ بتلك الشروط، فما الذي يمنع وجود وادي سيليكون خليجي عربي في بقعة من دول مجلس التعاون؟
علق السيد وائل الرفاعي مدير الحلول المؤسسية في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بشركة “Pentaho” على أحد أسباب عدم إنشاء وادي السيلكون العربي قائلًا: “ارتفاع أجور العاملين والبنية التحتية الهشة”.
بينما أوضح السيد هاربريت سينغ نائب رئيس المنتجات في شركة “CloudBees” السبب بقوله: “يكمن التحدي الرئيس في تسارع المهارات في عالم المطورين للبرمجيات السحابية، فالمطورون في بحث مستمر عن أحدث صرعة في العمل، وفي غياب ذلك، لن تتمكن من استقطاب المطورين إليك”.
لكن آلي سبيفاك رئيسة تسويق أعمال المطورين في شركة “Mozilla موزيلا” المتخصصة في تطوير برمجيات الإنترنت، أرجعت السبب إلى غياب التمويل وغياب دعم الحكومات المحلية والافتقار لشبكات الإنترنت الموثوقة.
كما أن الخبراء المعنيين بهذا المجال يتفقون على أركان خطة عمل خمسية لتنمية المواهب التقنية العربية، المتمثلة في عدة محاور هي: إتاحة رأس المال المغامر وضمان حماية الملكية الفكرية والتركيز على التكنولوجيات المنتجة محليًا وإزالة المخاوف التنظيمية ومواصلة التركيز على تعليم التكنولوجيا في العالم العربي على المستوى الشعبي وتكوين العلاقات والاتصالات بين أفراد مجتمع المبرمجين العربي وإثرائها.
يتوقع خبراء الاقتصاد أن تحقق المملكة عوائد اقتصادية من مشاريع الذكاء الاصطناعي تقدر بنحو 12.4% من ناتجها المحلي الإجمالي، خلال السنوات المقبلة
وادي السيليكون السعودي القادم
خلال السنوات القليلة الماضية، تسلل السعوديون بهدوء إلى الشركات الناشئة في وادي السيليكون وأخذوا يستثمرون فيها ويكشفون عن خطط لفتح مكاتب استثمارية في قلب سان فرانسيسكو، واستحوذ السعوديون على حصص في بعض الشركات الناشئة.
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن صفقة بين شركة “ألفابيت” الشركة الأم لعملاق البحث “جوجل”، وعملاق النفط السعودي “أرامكو”، تسعى إلى بناء مركز تكنولوجي ضخم داخل المملكة، على غرار وادي السيليكون الأمريكي.
وأكدت الصحيفة أن المباحثات وصلت إلى صيغة اتفاق تقريبي بشأن بناء نسخة من “وادي السيليكون” في السعودية، ورجحت أن المشروع سيكون ضخمًا بما فيه الكفاية ليصبح مدرجًا في البورصة السعودية، رغم عدم كشف بنود الصفقة والمبالغ المتوقعة.
جوجل تستهدف من هذا المشروع المشترك الضخم أن يكون لها موطئ قدم رئيسي في السعودية، بعيدًا عن منافسيها القادمين للسوق السعودية، وهم “مايكروسوفت” و”أمازون” التي أوشكت على إتمام صفقة بمليار دولار لبناء ثلاثة مراكز بيانات في المملكة.
كما استضافت المملكة نهاية مارس 2020، مؤتمر القمة العالمية للذكاء الاصطناعي بالرياض، الذي مثل ملتقى سنويًا عالميًا لتبادل الخبرات وعقد الشراكات بين الجهات والشركات الفاعلة في عالم البيانات والذكاء الاصطناعي على الصعيدين المحلي والدولي.
كما يتوقع خبراء الاقتصاد أن تحقق المملكة عوائد اقتصادية من مشاريع الذكاء الاصطناعي تقدر بنحو 12.4% من ناتجها المحلي الإجمالي، خلال السنوات المقبلة.