اليورو أو الأورو أو الأُيرو (€) هو العملة الموحدة لدول الاتحاد الأوروبي، ويعد ثاني أهم عملة على مستوى النظام النقدي الدولي بعد الدولار الأمريكي. يتحكم به البنك المركزي الأوروبي في مقره بمدينة فرانكفورت الألمانية، ويعد اليوم العملة الرسمية المتداولة في 19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي الـ28، كما أنه العملة الرسمية في 6 دول أخرى ليست عضوة في الاتحاد الأوروبي.
ابتداءً من عام 1999 تم التعامل باليورو على النطاق المصرفي، وابتداءً من الأول من يناير عام 2002 استبدل اليورو بعملات الدول المنضمة لاتفاق تطبيق اليورو وأصبح منذ ذلك الحين عملتها الرسمية، ولكن قبوله بين الجمهور الأوروبي كان متفاوتًا من بلد إلى آخر، فقد رحبت دول كانت قيمة عملتها منخفضة كإيطاليا واليونان باليورو أكثر من دول ذات عملة أقوى كألمانيا وفرنسا.
ويسعى المنظمون الأوربيون إلى تسخير التكنولوجيا بغية تعزيز موقع اليورو والحفاظ على قيمته، وهذا ما يبدو واضحًا في خطاباتهم، إذ قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: “يسعدني إعلان أننا نستثمر 8 مليارات يورو في إنتاج حواسيبنا الفائقة لتحقيق السيادة الرقمية”.
ووفقًا لتصريحها يجب أن يكون الاتحاد الأوروبي على مستوى عالي التقنية، ولتحقيق ذلك يجب ضخ استثمارات، كما ذكرت لاين أن “هذا التوقيت المناسب للاستثمار في التكنولوجيا في جميع أنحاء أوروبا، إذ سيكلف هذا الاستثمار 20% من الموازنة، سيتم تخصيصها لتطوير السوق الرقمية”.
المكاسب العنيفة التي حققتها العملات الرقمية، وقفزت قيمتها السوقية خلال عام واحد من مستوى 120 مليار دولار إلى نحو 760 مليار دولار، أثارت المخاوف بخصوص مصير العملات الرسمية وبدأ القلق يحاصر البنوك المركزية لتصبح العملات الرقمية أكبر مصدر إزعاج لغالبية حكومات دول العالم.
سيتعين على صانعي السياسات قريبًا اتخاذ قرارات بشأن كيفية تحقيق أقصى استفادة من هذه التقنيات
وبينما تتوسع سوق العملات الرقمية بشكل ملحوظ بعدما ارتفع عددها من نحو 7 عملات في بداية انطلاقها قبل أكثر من 10 سنوات من الآن، ليقترب عددها في الوقت الحاليّ من 2500 عملة، بجانب إعلان بعض الدول والحكومات إطلاق عملات رقمية، ودخول شركات مثل “فيسبوك”، فإن المخاوف بدأت تحاصر الاتحاد الأوروبي وبدأ التفكير بطرح اليورو الرقمي، الذي لاقى قبولًا من أغلب أعضاء دول الاتحاد الأوروبي، فيما بادرت بعض الدول لتبني مشروع اليورو الرقمي.
أعلن البنك المركزي الفرنسي أول اختبار ناجح لليورو الرقمي، بتاريخ 20 من مايو 2020، وبذلك أصبحت فرنسا أول دولة تنجح في تجربة اليورو الرقمي الذي يعمل على تقنية البلوك تشين “blockchain”.
ورغم أن إعلان البنك لم يخض في تفاصيل كثيرة، فإنه أشار إلى أن البرنامج التجريبي الحاليّ يركز على بيع اليورو الرقمي للمؤسسات بدلًا من الأفراد، حسب “اللوائح بين البنوك”، أما العملات الرقمية للبنوك المركزية متاحة للأفراد والمستهلكين العاديين.
ومن المعروف أن بنك فرنسا نشط بشكل خاص في تطوير اليورو الرقمي، خصوصًا بعد مغادرة المملكة المتحدة، حيث ستصبح فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو بعد ألمانيا.
كما أعلن البنك المركزي الهولندي في بيان رسمي استعداده للمشاركة ولعب دور حيوي في جهود تطوير العملة الرقمية السيادية التي ربما تعرف باسم (اليورو الرقمي)، وأكد البنك المركزي الهولندي أنه سيشارك في أعمال تطوير وتجربة اليورو الرقمي بالتعاون مع البنك المركزي الأوروبي وغيره من المؤسسات المصرفية بالقارة العجوز، وإثبات جدارة العملات الرقمية السيادية، مؤكدين على وجود فوائد عظيمة لهذا النوع من الأصول على القطاعات المختلفة بدول الاتحاد الأوروبي.
الارتقاء بالعملات إلى العصر الرقمي
مثلما أحدث الإنترنت ثورة في الطريقة التي نتواصل بها، فإن التكنولوجيا تشكل تحديًا جذريًا للطريقة التي يمكن أن يعمل بها المال في المستقبل.
سيتعين على صانعي السياسات قريبًا اتخاذ قرارات بشأن كيفية تحقيق أقصى استفادة من هذه التقنيات، فمن خلال تقديم اليورو الرقمي، يمكن للبنك المركزي الأوروبي توفير بديل أكثر أمانًا وفعاليةً لأموال البنوك والعملات المشفرة.
إذ يعد النقد المادي (الأوراق النقدية والعملات المعدنية) الشكل الوحيد للأموال التي تُنشئها البنوك المركزية الوطنية التي تعتبر الرابط بين البنك المركزي والأفراد، فعندما يصدر البنك المركزي نقدًا، فإن هذا أيضًا يخلق دخلًا للحكومات يُعرف باسم “Seigniorage”، بالإضافة إلى ذلك، فإن النقد هو نظام الدفع الوحيد المجاني تمامًا والمتاح للجميع، بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم حساب مصرفي.
قد يزيل نظام “النقد الرقمي” حاجة الحكومة إلى إنقاذ البنوك من الفشل، لأن الأموال المخزنة في البنك المركزي ستكون خالية من المخاطر
اليورو الرقمي صديق المواطن
تدعو شركة “Positive Money Europe” وهي منظمة بحثية غير حكومية، مقرها لندن تضم مجموعة من الاستشاريين كأساتذة الاقتصاد والمؤلفين ورجال الأعمال وأفراد الصناعة المالية تعمل كمراقب مالي “إلى إدخال نظام عملة رقمية عام في منطقة اليورو”، مع مثل هذا النظام سيسمح البنك المركزي الأوروبي بشكل أساسي للمواطنين بتخزين أموالهم في البنك المركزي وإجراء جميع أنواع المدفوعات والمعاملات الأساسية معه.
ومن خصائص العملة الرقمية المشابهة لخصائص النقد أن تكلفة إصدارها مجانية ودون مقابل، لكن تختلف عنها أن الورق لديه غطاء من الذهب، والعملات الرقمية دون غطاء.
سيتفاعل نظام اليورو الرقمي مع النظام المصرفي الذي يديره القطاع الخاص، مما يعني أنه يمكن للأشخاص تحويل أموالهم من حساباتهم المصرفية التجارية إلى حساباتهم الرقمية باليورو والعكس صحيح.
قد يزيل نظام “النقد الرقمي” حاجة الحكومة إلى إنقاذ البنوك من الفشل، لأن الأموال المخزنة في البنك المركزي ستكون خالية من المخاطر.
قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد: “من المتوقع أن يتم عرض النتائج التي توصل إليها فريق عمل “Eurosystem” للجمهور في الأسابيع المقبلة، يليها إطلاق المشاورات العامة عن فكرة مشروع العملة الرقمية الموحدة التابعة للبنك المركزي الأوروبي”.
حالات استخدام اليورو الرقمي
حدثت تغيرات وتطورات في سوق العمل، خصوصًا في الاستيراد والتصدير، أدت إلى الحاجة لليورو الرقمي الذي سيوفر الكثير من المال والوقت، نوجز فيما يلي أهم حالات استخدام اليورو الرقمي:
1- المدفوعات عبر الحدود: كفاءة المدفوعات عبر الحدود تعتبر مهمة بشكل خاص لدول مثل ألمانيا بسبب ارتفاع أنشطة التصدير والاستيراد، وهي ثاني أكبر سوق في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، ستستفيد بشكل كبير من إدخال اليورو الرقمي.
وحسب إحصاءات البنك الدولي فإن نظام المدفوعات الحاليّ يكلف في المتوسط 7% كرسوم من حجم التعاملات، كما يستغرق تنفيذ المعاملات ما يصل إلى عشرة أيام، ومن المتوقع أن ينمو حجم سوق ألمانيا من 3 مليارات ليصل إلى 3.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2022 مع استخدام اليورو الرقمي.
تختبر الصين حاليًّا نسخة رقمية من اليوان، كما أعلن البنك المركزي السويدي أيضًا نموذجًا أوليًا للكرونا الرقمي
2- دمج أكثر من عملية تقليدية بعملة رقمية واحدة: ستندمج الخدمات اللوجستية وإدارة سلسلة التوريد وتمويل التجارة وتصبح نظامًا واحدًا، من الناحية التكنولوجية سيتم تنفيذ مثل هذا النظام باستخدام مزيج من التقنيات التكميلية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والحوسبة السحابية.
على سبيل المثال الشركات التي تحتاج إلى تمويل، ستحصل على التمويل وطريقة سداده مع الإستراتيجية الملائمة للعمل للحصول على أعلى الأرباح من خلال اليورو الرقمي ونظامه الخاص بالتمويل والاستشارات.
3- الفوائد الأمنية: إن إمكانية استخدام تقنية “blockchain” والذكاء الاصطناعي، تحقق درجة عالية من الأمان مع توفير خدمات لوجستية كبيرة، كما يكون التطبيق قابلًا للتطوير وشفافًا في جميع مراحله من التمويل إلى التسليم والدفع، وستكون معالجة المدفوعات أسرع وأرخص، حيث يمكن القضاء على مخاطر الطرف المقابل، ولن يكون هناك حاجة إلى الوسطاء لإجراء تحويلات الأموال المباشرة.
4- تداول العملات الأجنبية: يمكن تبادل العملات الرقمية بين الأطراف التجارية في شكل رقمي في الوقت الفعلي، بشكل مباشر وفوري باستخدام شكل رقمي من المال.
الاهتمام الدولي بالعملات المشفرة
وفق المسح الذي أجراه بنك التسويات الدولية (BIS)، تخطط 10% من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لإصدار عملات البنوك المركزية الرقمية خلال 3 سنوات مقبلة من 2020-2022.
تختبر الصين حاليًّا نسخة رقمية من اليوان، كما أعلن البنك المركزي السويدي أيضًا نموذجًا أوليًا للكرونا الرقمي، وتهدف البنوك المركزية بشكل أساسي إلى زيادة أمن وكفاءة أنظمة الدفع بشكل كبير من خلال إدخال عملة رقمية.
قام البنك المركزي الألماني (Deutsche Bundesbank) والبنك المركزي الأوروبي (ECB) بالفعل بتحليل اليورو الرقمي في تجارب عديدة.
ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي الصيني ربما يكون متقدمًا على المبادرات الأوروبية بسنتين إلى ثلاث سنوات، كما أن التطورات في الولايات المتحدة، هي فقط في مرحلة تجريبية وعلى بعد سنوات من طرحها في السوق للدولار الرقمي.
تم حظر العملات الرقمية في الدول العربية لأسباب مختلفة، لكن السعودية والإمارات اتفقتا مؤخرًا على إنشاء عملة رقمية أطلقا عليها اسم (عابر).
مع ازدياد التحول الرقمي للاقتصاد العالمي، تدرك العديد من الحكومات أن البلدان التي ستُسخر التقنيات المالية المتطورة، ستحقق مكاسب مستقبلية ضخمة
مواقف مختلفة تجاه اليورو الرقمي
اليورو هو العملة الرسمية لـ19 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، ومشروع تطوير عملة رقمية للبنك المركزي يتطلب نهجًا تعاونيًا بين البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية المختلفة في الدول الأعضاء.
أنشأ البنك المركزي الأوروبي فريق عمل لقيادة التحقيقات التحليلية لإنشاء مثل هذه العملة، على الرغم من أن هذا قد يكون أكثر تعقيدًا مما يحدث في أماكن أخرى بسبب وجود عدة بنوك مركزية.
تمامًا كما هو متوقع لتطوير العملات الرقمية للبنك المركزي في الصين والسويد والمملكة المتحدة وأماكن أخرى في السنوات القادمة، كما نشر بنك فرنسا وثيقة في 30 من مارس تعلن نيتها إطلاق عملة رقمية للبنوك المركزية للاستخدام بين البنوك، كعلاج للأنظمة القديمة المتعثرة التي تعيق التسوية بين المؤسسات حاليًّا.
كما وضع البنك الوطني الهولندي يده للعب دور رائد في تطوير اليورو الرقمي، ونشر ورقة يصف فيها دور عملات البنوك المركزية الرقمية في الاحتفاظ بالمال العام.
يحدد “DNB” وهو أكبر مجموعة للخدمات المالية في النرويج، ثلاثة عوامل ستؤثر على اليورو الرقمي، الأول: الانخفاض في استخدام النقد، الثاني: المنافسة بين العملات الرقمية الأخرى وكيف تؤثر على التنمية، والثالث: أزمة Covid-19 الحاليّة.
تنص ورقة “DNB” على أن النسب المئوية للمعاملات التي تتم باستخدام النقود والوسائل الإلكترونية بلغت 32% نقدًا و68% إلكترونية عام 2019، في حين أن معظم البلدان التي لديها بنية تحتية رقمية قوية شهدت بالفعل انخفاضًا حادًا في استخدام النقد خلال السنوات الأخيرة.
وفي الختام ومع ازدياد التحول الرقمي للاقتصاد العالمي، تدرك العديد من الحكومات أن البلدان التي ستُسخر التقنيات المالية المتطورة، ستحقق مكاسب مستقبلية ضخمة وستلعب التكنولوجيا المالية الناشئة وتحديدًا العملات الرقمية دورًا مهمًا في اقتصاد المستقبل، ولا شك أنها أيضًا ستفرض تهديدات جديدة على استقرار الأسواق المالية والاقتصادات بأكملها.