ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما زار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مؤخرا السودان، لحث المزيد من الدول العربية على تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” بعد الاتفاق الإماراتي، والسعي لخلق واقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط الكبير، تعمل تركيا من جهتها على عقد تحالفات جديدة في غرب إفريقيا، وهو ما سيؤدي إلى تعميق الخصومة الاستراتيجية بينها وبين فرنسا.
وقد بات هذا الأمر أكثر وضوحا في وقت سابق من هذا الشهر، بعد زيارة وزير الخارجية التركي إلى مالي وغينيا بيساو والسنغال.
ورغم أن الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي خلال الشهر الماضي لم تكن له علاقة محددة بتركيا، فإنه مثل لها دافعا قويا لتوسيع نطاق أنشطتها في منطقة غرب إفريقيا.
ولطالما أبقت تركيا عينها على مالي منذ الانقلاب السابق في 2012، وأقامت روابط مع العديد من عناصر المجتمع المدني. ولكن قبل أن تتحرك أنقرة بشأن مالي أو أي أزمة أخرى في هذه المنطقة، يجب عليها أولا الانتهاء من ترتيب الأرضية الإقليمية.
ففي وسط العداء المتزايد بين تركيا وفرنسا حول ليبيا وأزمة شرق المتوسط، يمكن أن تتصاعد التوترات قريبا وترتبط بغرب إفريقيا، حيث تعمل أنقرة على زيادة هيمنتها السياسية والعسكرية.
وفي تموز/ يوليو كان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قد زار النيجر ووقع اتفاقات للتعاون في عدة مجالات، من بينها العسكري. هذه الخطوة سوف تمكن أنقرة على الأرجح من إنشاء قاعدة عسكرية في هذا البلد، إلى جانب قواعدها الموجودة في قطر وليبيا والصومال.
إضافة إلى ذلك فإن التعاون العسكري وإمكانية إقامة قاعدة عسكرية هما أمران يدعمان دور تركيا في ليبيا، ويمكنانها من الوقوف في وجه أي تهديد مصري ضدها أو ضد ليبيا.
اهتمام تركيا بالنيجر له بعد آخر، يتعلق بوجود العديد من الشبكات الدينية في هذا البلد تميل نحو تركيا
أما على الصعيد الإقليمي، فإن هذه الوضعية مفيدة للطرفين، إذ أن الاتفاق بين تركيا والنيجر سوف يعزز نفوذ أنقرة في غرب إفريقيا، وفي المقابل فإن هذه الدول الإفريقية سوف تستفيد من الدعم التركي لحل الأزمة الليبية.
ويبدو أن اهتمام تركيا بالنيجر له بعد آخر، يتعلق بوجود العديد من الشبكات الدينية في هذا البلد تميل نحو تركيا. وهذا الدعم الاجتماعي، إلى جانب التعاون السياسي، يجعل النيجر حليفا موثوقا في هذا المحيط الذي تعمل فيه عديد الدول، على غرار مصر، ضد المصالح التركية.
تأمين الحلفاء
وبشكل عام كانت أنقرة تركز على تأمين حلفاء إقليميين، عند زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الجزائر، ووصفه لهذا البلد بأنه “واحد من أهم بوابات تركيا نحو المغرب وإفريقيا”. ولكن في نفس الوقت لا يرغب أردوغان في وضع الجزائر في موقف صعب أمام فرنسا، ولذلك فإن ما يطلبه هو الحصول على دعم غير معلن، أو على الأقل موقف عدم ممانعة، أمام السياسة التركية الجديدة في غرب إفريقيا.
ويبدو أن هذه اليد الممدودة نحو الجزائر قد حققت نتائج، إذ أنه في وقت سابق من هذا الشهر، سافر وزير الخارجية الجزائري إلى تركيا لمناقشة التعاون الإقليمي.
أردوغان يوقع مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اتفاقا ثنائيا في الجزائر العاصمة في 26 كانون الثاني/ يناير.
ولا تعتمد السياسة التركية تجاه إفريقيا على مجرد حسابات قصيرة المدى. إذ أنه على مدى العقدين الماضيين، كانت أنقرة تعمل على الإنفتاح تجاه إفريقيا وحققت العديد من النجاحات الكبيرة نسبيا في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومنذ 2003 فتحت تركيا العشرات من السفارات في إفريقيا، آخرها تم الإعلان عنها مؤخرا في التوغو.
وقد تضمنت المصالح التركية في إفريقيا عناصر القوة الناعمة، وإلى جانب حضور متزايد للقوة الصلبة. ففي الصومال كانت تركيا بداية من العام 2010 تكثف نشاطها الإنساني، وتمكنت من توطيد العلاقات وكسب نفوذ عسكري وسياسي في المنطقة. كما أن تدخل أنقرة في النيجر ومالي قد يمثل تكرارا لسياستها في شرق إفريقيا.
وقد كانت لسياسة أنقرة في غرب إفريقيا تبعات على خصومتها مع فرنسا. فبينما انفتحت تركيا في الماضي على إفريقيا باستخدام سياسات القوة الناعمة، فإنها باتت الآن تنظر لهذه القارة السمراء على أنها ملعب جيوسياسي، يمكنها الدخول فيه بلا تردد ومواجهة فرنسا أو أي بلد آخر. ويبدو أن أردوغان مؤمن بأن وقته قد حان ليصبح لاعبا سياسيا مؤثرا في إفريقيا.
القوة الناعمة والقوة الصلبة
في منطقة غرب إفريقيا تنشط المؤسسات التركية ضمن سياسة القوة الناعمة. إذ أن الوكالة التركية للتعاون والتنسيق تدعم العديد من مشاريع التنمية في الجهة، كما أن شركة الخطوط التركية تربط دول المنطقة بالعالم، ومؤسسة رئاسة شؤون أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى جلبت قرابة ألف طالب من هذه المنطقة، يتمتعون بمنحة دراسية كاملة في تركيا، وأغلبهم يدرسون السياسة والاقتصاد والهندسة.
والآن يبدو أن الأزمة الليبية تدفع بتركيا نحو تحويل قوتها الناعمة إلى نفوذ سياسي وأمني، يتجاوز منطقة شمال إفريقيا، حيث أن غرب إفريقيا بات هو محور هذا الرهان.
وفي المحصلة ستكون لسياسة أردوغان في غرب إفريقيا العديد من التبعات. حيث أنها على الأرجح ستعمق الخلاف التركي الفرنسي، وربما تؤثر على العلاقات التركية الأوروبية. كما أنها قد تخلق فرصا جديدة للتعاون مع قوى أوروبية أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا، خاصة في قضايا الأمن والهجرة، وهو ما سيكسر احتكار فرنسا للعلاقات الأوروبية مع هذه المنطقة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن الحضور المتزايد لأنقرة في غرب إفريقيا يمكن أن يمثل عاملا لفرض التوازن في مواجهة النفوذ الصيني المتزايد. وكان السيناتور لينزي غراهام قد شجع على فكرة أن تصبح تركيا هي البديل للنفوذ الصيني في إفريقيا، مضيفا أن هذا سوف يفتح مجالات جديدة للتعامل بين أنقرة وواشنطن.
وبينما تتشكل الاستراتيجية التركية الجديدة في غرب إفريقيا، فإن السياسة الخارجية لهذا البلد سوف تجذب المزيد من الانتباه وتثير الجدل في السنوات المقبلة.
المصدر: ميدل إيست آي