ترجمة وتحرير نون بوست
تشكل سوريا أهمية حاسمة لروسيا لثلاثة أسباب، أولًا: أنها تعد حاليًّا النقطة الغربية الرئيسية لهلال القوة الشيعي الذي يمتد من سوريا ولبنان مرورًا بالعراق وإيران ثم جنوبًا إلى اليمن، الذي تعمل موسكو على ترسيخه منذ سنين لمواجهة النفوذ الأمريكي المتمركز في السعودية.
ثانيًا: توفر سوريا ساحلًا طويلًا على البحر الأبيض المتوسط الذي يمكن من خلاله إرسال منتجات النفط والغاز (لها ولحلفائها خاصة إيران) للتصدير إلى مراكز النفط والغاز الكبرى في اليونان وإيطاليا أو إلى شمال وغرب وشرق إفريقيا.
ثالثًا: أنها تضم مركزًا عسكريًا حيويًا يتكون من ميناء بحري رئيسي في طرطوس وقاعدة عسكرية جوية رئيسية في اللاذقية، ومحطة استماع رئيسية خارج اللاذقية، وتمتلك سوريا أيضًا مصادر مهمة للنفط والغاز يمكن للكرملين استخدامها لمعادلة جزء من التكاليف التي تتحملها كجزء من مناوراتها الجيوسياسية، حيث توجه روسيا نحو 40 مشروعًا رئيسيًا في هذه القطاعات الآن.
وفقًا لنائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، فإن موسكو عملت الآن على ترميم 40 منشأة طاقة على الأقل في سوريا كجزء من عملية تطوير واسعة تهدف إلى إعادة كل إمكانات الغاز والنفط للبلاد كما كانت قبل يوليو 2011 عندما شكل المنشقون من الجيش السوري، الجيش السوري الحر وبدأوا في صراعات مسلحة عبر البلاد.
كان قطاع الغاز في سوريا نابضًا بالحياة مثل قطاع النفط ولم يتضرر منه إلا القليل في الصراعات الأخيرة
قبل هذه النقطة كانت سوريا ذات أهمية نوعًا ما في إنتاج الغاز والنفط، فقد كانت تنتج نحو 400 ألف برميل في اليوم من النفط الخام من احتياطي مؤكد يبلغ ما يقارب 2.5 مليون برميل، قبل أن يبدأ معدل الانتعاش في التراجع نظرًا لنقص تقنيات استخلاص النفط المعززة في الحقول الرئيسية (الواقع أغلبها في الشرق قرب الحدود مع العراق وشرق مدينة حمص) كانت سوريا تنتج نحو 600 ألف برميل في اليوم.
عندما أصبحت أكبر الحقول المنتجة – من بينها تلك الموجودة في منطقة دير الزور مثل حقل عمر – تحت سيطرة داعش انخفض إنتاج النفط الخام والمنتجات السائلة – الناتجة عن عملية التكثيف – إلى نحو 25 ألف برميل في اليوم، لكنه تحسن الآن ليصل إلى ما بين 35 ألف إلى 40 ألف برميل في اليوم وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
استوردت أوروبا ما لا يقل عن قيمة 3 مليارات دولار من النفط في العام من سوريا حتى بداية 2011 وفقًا للمفوضية الأوروبية، وما زالت الكثير من البنية التحتية الرئيسية التي تتعامل مع النفط السوري في مكانها.
تعمل الكثير من معامل التكرير الأوروبية في معالجة النفط الخام الثقيل اللاذع “السويداء” الذي يشكل معظم الإنتاج السوري أما الباقي فمن النوع الخفيف الحلو، يذهب معظمهم – نحو 150 ألف برميل في اليوم – إلى ألمانيا وإيطاليا وفرنسا من واحد من محطات التصدير الثلاثة في البحر المتوسط وهم بانياس وطرطوس واللاذقية.
إضافة إلى ذلك تعمل العديد من شركات النفط الدولية في قطاع الطاقة السوري ومن بينها “Anglo-Dutch giant Royal Dutch Shell” الهولندية البريطانية، و”Total” الفرنسية و”National Petroleum Corporation” الصينية، و”Oil and Natural Gas Corp” الهندية و”Suncor Energy” الكندية و”Petrofac and Gulfsands Petroleum” البريطانية و”oil company Tatneft” و”engineering firm Stroytransgaz” الروسية.
كان قطاع الغاز في سوريا نابضًا بالحياة مثل قطاع النفط ولم يتضرر منه إلا القليل في الصراعات الأخيرة، ومع وجود احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي الذي يبلغ 8.5 تريليون قدم مكعب، شهد عام 2010 – آخر عام في ظروف التشغيل الطبيعية – إنتاج سوريا لأكثر من 316 مليار قدم مكعب في اليوم من الغاز الطبيعي الجاف.
بدأ البناء في منطقة الغاز الرئيسية الجنوبية بواسطة شركة “Stroytransgaz” في نهاية 2009، ما عزز إنتاج سوريا للغاز الطبيعي بنحو 40% في بداية 2011، ولّدت صادرات الغاز والنفط السوري في تلك النقطة ربع العائدات الحكومية وجعلتها رائدة إنتاج النفط والغاز في شرق المتوسط.
بعد بداية الثورة المحلية المسلحة في يوليو 2011 وتحرك داعش غربًا من العراق إلى سوريا في سبتمبر 2014 انخفض إنتاج الغاز إلى ما يقارب 130 مليار قدم مكعب في اليوم، لكنه ارتفع الآن إلى 170 مليون قدم مكعب في اليوم.
تعد خطة الطاقة التي أشار لها نائب رئيس الوزراء الروسي الأسبوع الماضي إعادة عمل لاتفاقية التفاهم الموقعة بين سوريا وروسيا في منتصف نوفمبر 2017 التي لا تشمل فقط 40 مشروع طاقة بل أكثر من ذلك أيضًا.
في البداية سيكون التركيز على توسيع قطاع الطاقة بعد خطة 2017 الأصلية الموقعة بين وزير الكهرباء السوري حينها محمد زهير خربوطلي ووزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، يغطي الاتفاق إعادة إعمار وتأهيل محطة حلب الحرارية بالكامل وتركيب محطة الطاقة في دير الزور وتوسيع القدرة الاستيعابية لمحطتي تشرين والمحردة وذلك لإعادة تنشيط شبكة الطاقة في سوريا واستعادة مركز السيطرة الرئيسي للشبكة في دمشق.
تهدف روسيا إلى أن تكون سوريا بمثابة قناة طبيعية لشحن الغاز والنفط إلى أوروبا بمجرد انتهاء الصراع
يتفق ذلك مع التعليقات المبكرة في منتصف ديسمبر 2017 (لرئيس الوزراء الروسي حينها ديميتري روجوزين بعد عقده محادثات مع الرئيس بشار الأسد) ومفادها أن “روسيا ستكون البلد الوحيد الذي سيشارك في إعادة بناء منشآت الطاقة السورية”.
بالتوازي مع ذلك سيكون أولوية مشروع البنية التحتية الإصلاح الكامل ورفع كفاءة معمل تكرير حمص للنفط الذي أصابه الدمار في هجوم منذ ديسمبر الماضي، تقوم شركة “مبنى” الإيرانية وشركات روسية أخرى بقيادة عمل المشروع الفعلي وهدفها الأول رفع الكفاءة إلى 140 ألف برميل في اليوم وفي المرحلة الثانية 240 ألف برميل في اليوم وفي المرحلة الثالثة 360 ألف برميل في اليوم وفقًا لمصدر مقرب من وزارة البترول الإيرانية، ويضيف المصدر: “كان الهدف من ذلك إمكانية استخدامها أيضًا لتكرير النفط الإيراني القادم من العراق عند الحاجة قبل الشحن إلى جنوب أوروبا”.
تهدف روسيا إلى أن تكون سوريا بمثابة قناة طبيعية لشحن الغاز والنفط إلى أوروبا بمجرد انتهاء الصراع، يقول المصدر الإيراني: “في تخطيط ما بعد الصراع الذي قامت به الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا كان هناك 3 خيارات أمام سوريا”.
يتضمن الخيار الأمريكي نقل الغاز من قطر ثم عبر السعودية والأردن إلى سوريا ومن خلالها يتدفق إلى تركيا ثم إلى بقية المدن الأوروبية مما يقلل اعتماد أوروبا على إمدادات الغاز الروسي.
يتضمن الخيار الروسي المتبقي إنعاش فكرة خط أنابيب إيران – العراق – سوريا الذي ينقل الغاز الإيراني ثم العراقي من جنوب فارس إلى سوريا ومنه إلى أوروبا
أما الخيار المفضل لأوروبا فيتضمن وجود مراقبي حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة على الأرض في سوريا مع جلب خبراء الصناعة الهيدروكربونية من الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والسماح لخطي الأنابيب (قطر – سوريا – تركيا وإيران – عراق – سوريا – تركيا) بالتطور عبر الوقت.
سيسمح ذلك للاتحاد الأوروبي بإعادة فحص مصادر الطاقة الخاصة بها تدريجيًا ليتفق مع إستراتيجيتها للحد من الاعتماد على روسيا مباشرة.
يتضمن الخيار الروسي المتبقي إنعاش فكرة خط أنابيب إيران – العراق – سوريا الذي ينقل الغاز الإيراني ثم العراقي من جنوب فارس إلى سوريا ومنه إلى أوروبا.
يقول المصدر: “هذا الخيار قد يشجع على توثيق التعاون في منتدى الدول المصدرة للغاز، لكن هذا الخيار ستعارضه الكتلة السعودية الأمريكية وأوروبا، حيث يضم المنتدى 11 دولة من أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي (الجزائر، بوليفيا، مصر، غينيا الاستوائية، إيران، ليبيا، نيجيريا، قطر، روسيا، ترينيداد وتوباغو، فنزويلا)”.
واختتم المصدر حديثه قائلًا: “بغض النظر عن حقيقة أن الأعضاء الأساسيين للمنظمة هم روسيا وإيران وقطر كما أنها تضم بعض الدول المارقة عن أمريكا – خاصة ليبيا وفنزويلا -، فإن أعضاء المنتدى جميعًا يسيطرون على أكثر من 70% من احتياطي الغاز الطبيعي في العالم و38% من تجارة خطوط الأنابيب و85% من إنتاج الغاز الطبيعي المسال، ما يجعل الغاز في أوبك زائدًا ويشكل تهديدًا حقيقيًا لأمريكا وأوروبا”.
المصدر: أويل برايس