ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما يتعلق الأمر بالشعور بالألم، نجد أن هناك بالفعل فجوة بين الجنسين. في حال كنت تعاني من ألم مزمن، فأنت لست الوحيد، إذ تشير التقديرات إلى أن 25.3 مليون شخص بالغ في الولايات المتحدة يعانون من آلام حادة يومية، حيث تتصدّر النساء هذه الأرقام. خلال الأشهر الثلاثة الماضية على الأقل، أبلغ حوالي 55 بالمئة من الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة عن الشعور ببعض الألم. وتجدر الإشارة إلى أن الألم المزمن يعد من أكثر الأسباب شيوعًا وراء الزيارات الطبيّة وتناول الأدوية.
في المقابل، هناك فجوة بين الجنسين عندما يتعلق الأمر بالألم، إذ تعاني النساء من آلام أكثر تواترا وطولا وشدة مقارنة بالآلام التي يختبرها الرجال. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة استقصائية وطنية أن حوالي 16 بالمئة من الرجال البيض و8 بالمئة من الرجال ذوي البشرة السمراء صرّحوا بشعورهم بألم شديد. في المقابل، ارتفعت هذه الأرقام إلى حوالي 22 بالمئة بالنسبة للنساء البيض و11 بالمئة بالنسبة للنساء ذوات البشرة السمراء.
تزداد حدة الألم عندما تكون مستويات هرمون الإستروجين منخفضة ومستويات البروجسترون مرتفعة
علاوة على ذلك، تعدّ النساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بالأمراض المؤلمة، مثل متلازمة التعب المزمن والألم العضلي الليفي والانتباذ البطاني الرحمي والتهاب المثانة الخلالي وألم الفرج واضطرابات المفصل الفكي الصدغي. كما صرّحت النساء أن شدة الألم تكون أكثر حدّة مقارنة بالألم الذي يشعر به الرجال في حالات معينة، مثل مرض السرطان. في الواقع، تولي النساء ببساطة اهتماما لإحساس الألم الناتج عن الظروف الجسدية أكثر من الرجال، حيث سرعان ما ينتبهن في حال كان هناك خطب ما. من ناحية أخرى، يميل الرجال إلى تجاهل الألم في الوقت الذي يجب عليهم الانتباه إليه.
تعريف الألم
بالنسبة للنساء، يساهم التباين المستمر في مستويات الهرمونات خلال سن البلوغ والحيض والحمل وما قبل وبعد انقطاع الطمث في ظهور هذه الفروق بين الجنسين. فعلى سبيل المثال، لا توجد أية فروق واضحة في تطور الحالات المؤلمة بين الأولاد والبنات، قبل سن البلوغ. ولكن بعد مرور هذه المرحلة، تصبح الاختلافات هائلة، حيث تزداد احتمالية إصابة النساء بآلام مزمنة من مرتين إلى ستة أضعاف مقارنة باحتماليّة إصابة الرجال، مثل الصداع ومتلازمة القولون العصبي والألم العضلي الليفي. بالإضافة إلى ذلك، هناك اختلافات في مستويات الألم ووتيرته بعد انقطاع الطمث.
تزداد حدة الألم عندما تكون مستويات هرمون الإستروجين منخفضة ومستويات البروجسترون مرتفعة، وهو ما يحدث خلال النصف الثاني من الدورة الشهرية، ولعلّ السبب يعود إلى وجود كميات أكبر من المواد الكيميائية الطبيعية المسؤولة عن الشعور بالسعادة في الدماغ عندما تكون مستويات هرمون الإستروجين مرتفعة. لذلك، يمكنك أن تتخيل الفائدة التطورية لهذا الأمر، إذ تكون مستويات هرمون الإستروجين أعلى أثناء فترة الحمل والولادة، مما يمثّل نوعا من مسكّنات الألم الطبيعية. وتشير الدراسات إلى أنه عندما تظل مستويات الهرمونات مرتفعة وثابتة أثناء الحمل، تتحسن العديد من حالات الألم بينما تقلّ الحساسية تجاه الألم.
تجارب الحياة والحالة العاطفية
تؤثّر التجارب السابقة للمرأة، لا سيما تلك التي تنطوي على الصدمة وسوء المعاملة فضلا عن حالتها العاطفية الحالية وضغوط الحياة، على درجة الشعور بالألم وتطور الحالات المؤلمة. غالبا ما أفكر في الألم المزمن على أنه دليل على أن هذه التجارب متأصلة في أجسامنا، حيث يكون الألم هو الوسيلة التي يستجيب بها الجسم لتلك الصدمات، حتى وإن مرّ عليها وقت طويل.
قبل أن أضيف أي شيء آخر حول هذا الموضوع، اسمحوا لي أيضا أن أقول إنه بغض النظر عن تاريخ ماضيك، إلا أن ألمك حقيقي. ويتمثل كل ما في الأمر في أن تاريخ ماضيك قد يزيد من حدّة استجابة جسمك للألم ويجعلك أكثر حساسيّة لهذا الشعور. وجدت إحدى الدراسات التي شملت 380 امرأة أن اللاتي صرّحن بتعرضهن للتنمر أو سوء المعاملة كنّ أكثر عرضة للإصابة بأمراض تناسلية أو بولية مؤلمة.
من شأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبيئة العمل أن تؤثر على درجة إدراكنا للألم
تتمثل حقيقة ما يحدث في أن أجسادهنّ تظل في حالة تأهب قصوى. بالنسبة لمعظم الناس، تتمثّل الاستجابة الطبيعية للألم في تكيّف الجسم واضمحلال الشعور بالألم. ولكن بالنسبة للأشخاص الذين عاشوا تاريخا حافلا بالصدمات، يظلّ جسدهم في وضع “تأهّب” مستمر، مما يؤدي إلى زيادة وعيهم بالضغوط الخارجية والداخلية من حولهم.
من شأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي وبيئة العمل أن تؤثر أيضا على درجة إدراكنا للألم. ولهذا السبب، من المهم للغاية أن تعمل مع فريق الرعاية الصحية الخاص بك لفهم المشاكل التي تتجاوز الأمور المادية، بما في ذلك الحالة العاطفية والاجتماعية والعقلية والروحية.
التحكم في الألم
من أجل التحكّم في الألم المزمن، يجب اتباع نظام شامل للعلاجات الطبية والتكميلية. وجدت دراسة استقصائية أجريت سنة 2015 على 2400 امرأة تعاني من آلام مزمنة أن 65 بالمئة منهنّ حاولن ممارسة الرياضة، بينما خضعت 49 بالمئة منهنّ إلى جلسات التدليك ولجأت 45 بالمئة منهن إلى العلاج الطبيعي ومارست 42 بالمئة من هؤلاء النساء التأمل للتخلّص من آلامهن. كما جربت 27 بالمئة من النساء ممارسة اليوغا، وخضعت 26 بالمئة منهن إلى تقويم العمود الفقري، في حي جرّبت 20 بالمئة من النساء جلسات الوخز بالإبر بينما تناولت 18 بالمئة منهنّ الماريجوانا الطبية.
تتمثل إحدى الأشياء المهمة التي لا ينبغي إهمالها في الطريقة التي تفكّر بها في ألمك. وجدت إحدى الدراسات أن النساء اللواتي لديهن أفكار سلبية حول آلامهن واللاتي يبالغن في إحساسهن بالألم، يصرّحن عن شعورهن بألم أكثر حدة. ومن المرجح أن يتناولن المواد الأفيونية بوصفة طبية أكثر من الرجال الذين يعانون من الحالة نفسها المؤلمة أو النساء اللاتي يفكرن بشكل أقل سلبيّة.
في هذه الحالة، يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي مفيدا بشكل خاص، إذ يعلمك هذا النوع من العلاج قصير المدى أن تفكّر في وضع ألمك في السياق المناسب وتبتعد عن الأفكار السلبية. علاوة على ذلك، تشير الدراسات إلى أن هذا العلاج فعال للغاية في علاج الألم المزمن والتقليل من تهويل الأمر، وهو ما يجعل الرعاية الذاتية في غاية الأهمية، علما وأن النساء يُعرفن بتكريس طاقتهن لرعاية الآخرين وإهمال أنفسهن.
خلاصة
يمكن أن يكون العثور على مجموعة من المقاربات الصحيحة لإدارة الألم والحد منه عملية محبطة. لذلك، أحثك على التحلي بالصبر ورفض السماح لأي شخص بتجاهل ألمك. بالإضافة إلى ذلك، أحثك على طلب المساعدة من مجموعة متنوعة من ممارسي الطب الإخلافي والتكميلي في بحثك عن طرق تخفيف الآلام واتباع مقاربة شاملة. وعلى الرغم من أن كل هذه المقاربات قد لا تكون قادرة على علاج ألمك نهائيا، إلا أن مجموعة الأساليب الصحيحة، بالإضافة إلى التزامك بأداء دورك، ستجعلك قادرا على التقليل من تواتر الألم وشدته واستعادة نوعية الحياة التي تستحقها.
المصدر: سايكولوجي توداي