أعلن عدد من الشخصيات السعودية المعارضة تشكيل حزب سياسي تحت اسم “التجمع الوطني” ليكون نواة أولية لتأسيس مسار ديمقراطي لآلية الحكم في السعودية، يجنبها الانزلاق إلى مزيد من الاضطرابات العنيفة، بجانب تعزيز تعاون المملكة إقليميا ودوليًا دون ارتهان قرارها السياسي لأي طرف بحسب البيان التأسيسي للحزب.
ودعا البيان الذي ألقاه المعارض السعودي عمر عبد العزيز إلى تشكيل مجلس نيابي منتخب بالكامل، وفصل السلطات الثلاثة التشريعية والقضائية والتنفيذية وفق ضوابط دستورية، لافتًا إلى أن “انسداد الأفق السياسي” كان الدافع الأبرز لهذه المحاولة محفوفة المخاطر، مضيفًا “الكثيرون فقدوا حرياتهم وأعمارهم في المحاولة”.
لم يكن هذا التحرك هو الأول من نوعه فيما يتعلق بتدشين كيانات سياسية للمعارضة السعودية، في الداخل كان أو الخارج، غير أن هذه الخطوة ربما تكون أول تحرك سياسي منظم ضد السلطة الحاكمة في المملكة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو التحرك الذي ربما يفتح الباب نحو إحداث ثغرات في الأفق السياسي الملغم بأسلاك الكبت وتضييق الخناق.
ومن أبرز أعضاء الحزب الجديد رئيس منظمة القسط الحقوقية التي تتخذ من لندن مقرًا لها يحيى عسيري، وعبد الله العودة ابن الداعية الإسلامي المسجون سلمان العودة، والأكاديمي البارز سعيد بن ناصر الغامدي، والناشط أحمد المشيخص، والأكاديمية مضاوي الرشيد.
يأتي تشكيل هذا الحزب في اليوم الوطني التسعين للمملكة الذي يتزامن مع موجة قمع متزايدة تمارسها السلطات ضد المعارضين من التوجهات كافة، وهو التزامن الذي يعكس ثنائية الدوافع والأهداف لتدشين هذا الكيان الذي وضع على عاتقه – بحسب البيان – الحفاظ على أمن واستقرار المملكة واستعادة دورها الريادي من جانب، ودعم الحريات السياسية والفكرية ووأد القمع والتنكيل من جانب آخر.
لم يكن هذا التحرك هو الأول من نوعه فيما يتعلق بتدشين كيانات سياسية للمعارضة السعودية، في الداخل كان أو الخارج، غير أن هذه الخطوة تمثل أول تحرك سياسي منظم ضد السلطة الحاكمة في المملكة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو التحرك الذي ربما يفتح الباب نحو إحداث ثغرات في الأفق السياسي الملغم بأسلاك الكبت وتضييق الخناق.
حزب التجمع الوطني – يهدف إلى تأسيس المسار الديمقراطي كآلية للحكم في السعودية. أسسه مجموعة من أبناء الوطن، ووقع عنهم وأعلن البيان من ينوب عنهم. pic.twitter.com/7MnF7bW6EH
— حزب التجمع الوطني (@The_NAAS) September 23, 2020
انسداد الأفق السياسي
“عندما تكون هناك قيادة تفعل ما تشاء بلا محاسبة وتقوم بالأخطاء تلو الأخرى بلا قدرة على تعديلها هذا خطأ نحاول تصحيحه”.. هكذا استهل المعارض السعودي يحيى العسيري، رئيس منظمة القسط الحقوقية، حديثه مستعرضًا أسباب ودوافع تلك الخطوة.
ويرى عسيرى أن “المشكلة الأهم ليست فقط في طبيعة النظام الحاليّ، بل في عدم وجود تشكيل واضح لسد الفضاء السياسي”، موضحًا أن حزب كهذا من الممكن أن يكون أكثر قبولًا وتطمينًا لكل من ينتوي المشاركة في العمل السياسي البناء لكل السعوديين الموجدين بالخارج.
المعارض السعودي سعيد الغامدي، يرى أن إصرار السلطات السعودية على مواصلة سياسة القمع والتنكيل وما لذلك من تبعات خطيرة على مستقبل المملكة دافعًا قويًا للانخراط في العمل السياسي عبر تشكيل كيان رسمي منظم يستطيع أن يحقق التوازن في ظل تلك المعادلة غير المتكافئة.
ويستمد الحزب أهميته الحاليّة – وفق الغامدي – بعد تغييب المفكرين والعلماء في السجون وإيقافهم عن نشاطهم، مجددًا التأكيد على أن “الحزب من الشعب وللشعب، وأنه لا يقوم بالوصاية عليه ويقوم بواجبه كنائب لضمان تحقيق مصالح الشعب”.
التفرد بالقرار وعدم الاستماع للأصوات الأخرى كان سببًا رئيسيًا في الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة، وهو ما توثقه الحالة اليمنية بشكل كبير، وهنا يرى المعارض السعودي أن “المشكلة في حرب اليمن أنها نشأت في عقل شخص واحد فقط بلا مشورة من الشعب”، لافتًا إلى أن “المأساة مشتركة في حرب اليمن التي هدمت مقدرات اليمن وشعبه ووضعت جنودنا في حرب بلا فائدة سوى الاستثمار في مصانع الأسلحة”.
اعتماد نظام آل سعود على سياسة “فرق تسد” في التعامل مع الكيانات السياسية والمجتمعية الداخلية كانت أحد الأسباب الحاضرة بقوة على طاولة دراسة تدشين الحزب، وهو ما ألمح إليه المعارض أحمد المشيخص، الذي يرى أن الحكومة كانت على الدوام تعمل على تفريق المكونات في المناطق على أساس قبلي أو مناطقي.
وأضاف أنها لجأت كثيرًا إلى إستراتيجية التباعد بين تلك المكونات عبر تخويف بعضها من الآخر، مستشهدًا ببعض المواقف التي حدثت مؤخرًا منها ما حدث في المنطقة الشرقية 2011، حين ألمح أمير المنطقة وقتها بخروج مظاهرات قبلية مضادة للتظاهرات التي خرجت لتطالب بالإصلاح، منوهًا إلى استعانة النظام بالقبائل لتحقيق رغبات الأسرة الحاكمة حتى لو كانت على حساب تمزيق المكون المجتمعي بين الشعب.
وعن الظرفية السياسية الراهنة كشف المعارض السعودي أن كل المكونات السياسية باتت مستهدفة، وأن الانتهاكات لا تفرق بين مذهب وآخر، ومنطقة وأخرى، مضيفًا “آن لنا أن نعمل كيانًا موحدًا لجمع كل هذه الأطياف، وهذه رسالة واضحة بأن هذا الحزب لربما يتكون من كل مكونات المجتمع لتحقيق الأهداف التأسيسية”.
يقرأ عمر بن عبدالعزيز @oamaz7 نص اعلان وتأسيس #حزب_التجمع_الوطني https://t.co/vhnLRfpRk5https://t.co/aS7M9YDy5O
— حزب التجمع الوطني (@The_NAAS) September 23, 2020
ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه؟
قدم المشاركون في البيان التأسيسي لهذا الكيان روشتة سياسية للدور الذي يمكن أن يقوم به الحزب الجديد، وهو ما أشار إليه الغامدي بقوله إن الحزب سيملأ فراغًا مهمًا وضروريًا والحاجة إليه الآن باتت ملحة، فالوضع في المملكة ينحدر من سيئ إلى أسوأ في جميع القطاعات والخدمات وكل ما يتعلق بالمواطنين، وهذا يوجب التحرك والعمل على إنقاذ البلاد من أي تجاوزات إضافية.
الرأي ذاته اتفق معه فيه رئيس منظمة القسط حين أشار إلى أن “الكل يعلم أن الفراغ كبير في بلادنا وعليه يخشى على مستقبل البلاد ومصالح الناس، الآن كل شيء تحت التهديد، هناك خشية من أي مغامرات سياسية غير محسوبة من الحكام”، وعليه جاء هذا الحزب لسد هذا الفراغ وعدم ترك الساحة للأهواء.
ويجزم عسيري أنه لا يوجد مواطن سعودي واحد في الداخل كان أو الخارج، يختلف مع المبادئ التي ذكرها البيان التأسيسي للحزب، مضيفًا “نحاول أن نحترم الجميع ونحتضن الجميع، كل يعبر عن رأيه بحرية تامة ودون أي قيد أو تهديد من أجل مصلحة بلادنا واستقرارها”.
أما عبد الله العودة، فيرى في هذا التحرك تعزيز لقيم التعددية الديمقراطية التي يجب أن تشمل كل أطياف المجتمع وتياراته المختلفة، لافتًا إلى أن الحزب الجديد سيحقق الأغراض والأهداف التي فشلت الحكومة في تحقيقها عبر مؤسساتها، “فنحن نمد اليد لكل الناس ولكل التيارات بلا استثناء”.. هكذا أضاف.
اتفقت الأكاديمية مضاوي الرشيد مع العودة في نقطة التعددية السياسية وفتح أفق المناخ الذي يعاني من انسداد لعقود طويلة، لافتة إلى أن المملكة منذ الستينيات لم تشهد أي حراك سياسي من هذا النوع، والتجربة الوحيدة في هذا المضمار كانت في عشرينيات القرن الماضي حين تم تدشين “الحزب الوطني الحجازي” غير أن الحكم السعودي قضى عليها تمامًا.
تجربة أخرى شهدها المجتمع السعودي في 2011، لكن تم وأدها قبل أن تخرج للنور، وذلك حين تم إعلان تأسيس “حزب الأمة الإسلامي”، حيث اعتقل كل من شارك وأيد هذه الخطوة، الأمر ذاته تكرر مع المحاولات الحثيثة من مؤسسات المجتمع المدني كمنظمة “القسط” لكن كالعادة تم التنكيل بأصاحبها.
وترى الرشيد أنه بعد تكاثر الأعداد السعودية المهاجرة في الخارج لا سيما خلال السنوات الثلاث الماضية أصبح هناك حاجة ماسة لجمع تلك الأصوات في الدول كافة، وبعد أن أصبح الاتصال بين الداخل والخارج صعبًا في ظل الظروف القمعية التي لم تشهدها المملكة في السابق، أصبح من الضروري أن تقوم هذه المجموعة على توحيد كلمتهم تحت راية واحدة، وتابعت “نحن بصدد محاولة جديدة تكون منبرًا للمشاركة الفعالة في صناعة مستقبل جديد تحت ظل هذه المبادئ السياسية المعلنة في البيان التأسيسي للحزب”.
يحيى عسيري @abo1fares لما تكون هناك قيادة تفعل ما تشاء بلا محاسبة وتقوم بالأخطاء تلو الأخرى بلا قدرة على تعديلها هذا خطأ نحاول تصحيحه.
— حزب التجمع الوطني (@The_NAAS) September 23, 2020
ليس الأول
التحرك نحو تدشين كيان خاص بالمعارضة في الخارج ليس الأول من نوعه، ففي مارس 2019 كشفت صحيفة “ذا إندبندنت” البريطانية عن تدشين بعض المعارضين من بينهم أعضاء في أسرة آل سعود حركة معارضة في أوروبا تهدف إلى تغيير نظام الحكم في المملكة.
الصحيفة نقلت عن الأمير المنفي في ألمانيا خالد بن فرحان آل سعود، مؤسس تلك الحركة، رغبته في أن يرى ملكية دستورية في السعودية، من خلال انتخاب رئيس الحكومة وأن يتم اختيار الوزراء من الشعب، مضيفًا “نريد نظامًا جديدًا في السعودية مثل الديمقراطيات الأخرى، حيث يكون للشعب حق انتخاب الحكومة، وتشكيل سعودية جديدة”.
وعن كيفية النظام الجديد الذي دعا إليه ابن فرحان، فبأن يكتفي آل سعود بالقيادة الرمزية للبلاد مثل العائلة الحاكمة البريطانية، مشيرًا كما نقلت الصحيفة عنه “لدينا رؤية للنظام القضائي، وحقوق الإنسان والمحاسبة، ولكن الآن نريد التركيز على الدستور والأنشطة التي تساعد السعوديين في أوروبا”.
وفي سبتمبر 2017 دشن عدد من المعارضين السعوديين في الخارج – على رأسهم مؤسسي الحزب الجديد الصادر بيانه التأسيسي أمس الأربعاء -، تجمع هو الأول من نوعه للملمة شتات المعارضين لنظام آل سعود في الخارج تحت مظلة موحدة، وهو التجمع الذي حمل اسم حركة “مواطنون بلا قيود“.
وقد عقدت الحركة مؤتمرها الأول في 29 من سبتمبر/أيلول 2017 في العاصمة الأيرلندية دبلن، بمشاركة عدد من البرلمانيين الأيرلنديين المدافعين عن الحريات، ردًا على حملة الاعتقالات التي شهدتها السعودية خلال تلك الفترة ضد كل من يغرد خارج السرب سواء كان ذلك بالمعارضة أم الصمت عن التأييد.
د. مضاوي الرشيد @MadawiDr في البيان لا نعيش في الخيال ولكن وضعنا عبارات مفهومة للجميع كالحكومة المنتخبة وفصل السلطات يعني ان تعين الداخلية او الملك القاضي.
— حزب التجمع الوطني (@The_NAAS) September 23, 2020
وقد تعرضت المملكة لموجات متتالية من الانتقادات الحقوقية الدولية خلال الأعوام الخمس الأخيرة على وجه التحديد في ظل سياسة التنكيل المتعمدة ضد كل المعارضين في الداخل والخارج، تعمقت بصورة أكثر فجاجة مع مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول أكتوبر 2017، تلك الجريمة التي تورطت بها أسماء كثيرة من بينها – كما ذكرت بعض التحقيقات – محمد بن سلمان ولي العهد ومساعدوه.
وفي الأخير فإن مثل هذه التحركات تهدف بشكل قوي إلى خلخلة النظام الحاكم في المملكة التي من المتوقع أنها ستدفع ثمن مغامرات ولي عهدها الطائشة، حتى إن لم تحدث التغيير المتوقع، فمجرد تنويع هذه الخطوات الكاشفة للوجه القمعي لهذا النظام تسقط كل الادعاءات الإصلاحية الدعائية التي يروجها الأمير الشاب الطامع في خلافة والده على عرش المملكة ولو على حساب مستقبل شعبه وسيادة بلاده واستقلال قرارها السياسي.