ترجمة وتحرير: نون بوست
عند سؤالهم عن سبب استمرار الولايات المتحدة في مساعدة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى في المشاركة في حملة قصف أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين في اليمن، عادة ما يجيب مسؤولو إدارة ترامب بأن التدخل الأمريكي يساعد في تقليل الخسائر غير الضرورية من خلال تقديم المشورة للسعوديين وحلفائهم بشأن الاستهداف وقواعد الاشتباك.
لكن مع تواصل موت الأطفال والأمهات وكبار السن وغيرهم من المدنيين غير المقاتلين بسبب وابل من القنابل أمريكية الصنع، ينهار منطق الإدارة الأمريكية ويصبح موضوع جدل سياسي جديد في موسم الانتخابات. مجموعة متزايدة من المشرعين من كلا الحزبين وموظفين حاليين وسابقين في الإدارة الأمريكية، وكذلك نائب الرئيس السابق والمرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن، يقولون إن التدخل الأمريكي ينبغي أن ينتهي.
يشير هؤلاء إلى أنه بدلاً من المساعدة في وضع حد لمذبحة المدنيين، عقّدت الولايات المتحدة الوضع أكثر. منذ سنة 2015، لقي أكثر من 127 ألف شخص حتفهم بسبب العنف، بما في ذلك 13500 مدني في هجمات مستهدفة، أغلبها كانت من تنفيذ التحالف الذي تقوده السعودية، وفقًا لتقدير مشروع بيانات حول موقع وأحداث النزاعات المسلحة.
صرّح النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي، عن ولاية نيوجيرسي والمسؤول الكبير في وزارة الخارجية المكلف بحقوق الإنسان في إدارة أوباما: “لقد واصلوا ضرب أهداف سبق وأن أعلمناهم بأنها مدرجة في قائمة المناطق المحظورة”. وكان يتحدث عن ذلك في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأسبوع الماضي مع كلارك كوبر، نائب وزير الخارجية المكلف بمبيعات الأسلحة، واثنين من كبار المسؤولين في الوزارة. وقال مالينوفسكي: “إذا علمتني كيف أقود السيارة لمدة خمس سنوات وواصلت إلحاق الضرر بالمارة، وتعطيل سيارتي، فهل ستستمر في إعطائي المفاتيح؟”.
إن التبرير الذي أورده مسؤولو إدارة ترامب هو ما يحدث دائما في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية؛ حين يقترف شريك أو حليف أعمالا مروعة، يقول المسؤولون الأمريكيون إنه ينبغي مواصلة العلاقة من أجل تقليل الضرر. كان هذا أحد الأسباب التي قدمتها الإدارات السابقة لدعم حكومة فيتنام الجنوبية والأنظمة الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية. لكن الحرب في اليمن أظهرت مرة أخرى حدود مثل هذا التفكير.
الدبلوماسيين الحريصين على زيادة المبيعات وإرضاء السعوديين غيّروا الاستراتيجية
بما أن إخفاقات ما يسمى بجهود التخفيف لتقليل الخسائر المدنية في اليمن أصبحت أكثر وضوحًا، فإن خطر توجيه محكمة أجنبية أو محكمة دولية اتهامات للمسؤولين الأمريكيين بارتكاب جرائم حرب في ارتفاع.
قال مالينوفسكي إنه لأنه كان مسؤولا في وزير الخارجية، اطلع على مذكرة سنة 2016 من المكتب القانوني بوزارة الخارجية تنص على أن كبار مسؤولي الوزارة، بمن فيهم وزير الخارجية، يمكن أن يُتهموا بارتكاب جرائم حرب في اليمن بسبب معرفتهم بمخطط قتل المدنيين. قبل جلسة الاستماع في الكونغرس في الأسبوع الماضي، وثق تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتفصيل الاستنتاج القانوني السري ومخاوف المسؤولين الأمريكيين الناجمة عن المخاطر القانونية، والتي تنامت في ظل حكم الإدارتين، بالإضافة إلى جهود وزارة الخارجية للتستر على هذه النتيجة.
ضغط مالينوفسكي على كبير مستشاري الوزارة، ماريك سترينج، بشأن هذه المسألة، متسائلاً: “هل ما زال مكتب المستشار القانوني يعتقد أن موظفي وزارة الخارجية قد يتحملون مسؤولية قانونية شخصية في حال قاموا بتزويد دولة شريكة بالسلاح دون ضمانات للتخفيف من الخسائر المدنية، في الوقت الذي نمتلك فيه هذا السجل الذي يوثق جرائم الحرب التي ارتكبها شريكنا على امتداد خمس سنوات؟” إلا أن سترينج تجنب الرد.
تصدر الانتقادات الموجهة للسعودية في الكونغرس عن الديمقراطيين والجمهوريين على حد السواء. في شهر نيسان / أبريل 2019، اعتمد الكونغرس قرارًا توصل إليه الطرفان يقضي بوضع حد لتدخل الولايات المتحدة في حرب اليمن، لكن الرئيس ترامب استخدم حق النقض ضد هذا الإجراء. في غضون خمس سنوات، دفعت جهود إدارتي أوباما وترامب للعمل عن كثب مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، إلى إجبار الولايات المتحدة على الانخراط بشكل أكبر في المجهود الحربي.
بعد أن قرر ترامب في أوائل سنة 2017 استئناف مبيعات الأسلحة لدول الخليج العربية التي قطعها الرئيس باراك أوباما في نهاية سنة 2016، ابتكر موظفو وزارة الخارجية المسؤولين عن زيادة المبيعات، خطة تخفيض ضخمة لصالح السعوديين.
لكن الدبلوماسيين الحريصين على زيادة المبيعات وإرضاء السعوديين غيّروا الاستراتيجية. كما فشلت الجهود اللاحقة أيضًا، وفقًا لاستنتاج رئيسي في تقرير المفتش العام الذي صدر في شهر آب / أغسطس، وهو تقرير حاول فيه كوبر ومحامو وزارة الخارجية بقيادة سترينج إخفاء أي مناقشة للخسائر في صفوف المدنيين مع التركيز على التنقيح ووصف المعلومات السرية بالمهمة.
اقتضى الوضع أن يمتثل السعوديون، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لاستراتيجية التخفيف. وبعد الكثير من التملق، أجبر الجيش المسؤولين السعوديين على السماح للضباط الأمريكيين والبريطانيين بالتواجد في مركز القيادة والسيطرة حيث يقع اختيار أهداف الضربات الجوية في اليمن. وبالفعل بدأ السعوديون بالمشاركة في برنامج تدريبي تبلغ قيمته 750 مليون دولار بإدارة الجيش الأمريكي.
أقام المسؤولون الأمريكيون تحالفا لتوسيع قائمة المواقع التي “تُحظر بها الهجمات” في اليمن وبلغ عددها 33 ألف
لكن يؤكد النقاد أن البرنامج قد باء بالفشل. وقد أدى ذلك بطريقة غير مباشرة إلى اندلاع العنف الموجه ضدّ الأمريكيين الذي ظهر ذلك جليّا في أول هجوم إرهابي مميت في الولايات المتحدة نُفّذ بالتنسيق مع منظمة أجنبية في البلاد في 11 أيلول / سبتمبر 2001.
قُتل ثلاثة بحارة أمريكيين في كانون الأول/ ديسمبر الماضي على يد الملازم الثاني السعودي محمد الشمراني الذي يبلغ 21 سنة وهو موالي للقاعدة. تمّت العملية في فصل دراسي في محطة جوية للبحرية في بينساكولا، في فلوريدا. سُجّل هذا الملازم ضمن المناهج التي وقع تطويرها لتدريس الطيارين السعوديين كيفية تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. حادثة، تعتبر الأولى من نوعها. فشلت أنظمة المراقبة التي وُضعت في الولايات المتحدة وفي المملكة العربية السعودية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في الكشف عن علامات تنبئ بالمحاولة التي شنّها الملازم محمد الشمراني.
في غضون ذلك، أرسلت وزارة الخارجية بإدارة الرئيس أوباما ، المسؤول لاري لويس الذي قام برحلات متكررة إلى المملكة العربية السعودية لتقديم المشورة بشأن الأضرار المدنية. لكن إدارة أوباما علقت السفرات في نهاية سنة 2016، بعد البدء في مراجعة سياسة اليمن. أما في العام التالي أنهى مسؤولو إدارة ترامب مهامه بالكامل.
في سنة 2017، أقام المسؤولون الأمريكيون تحالفا لتوسيع قائمة المواقع التي “تُحظر بها الهجمات” في اليمن وبلغ عددها 33 ألف بما في ذلك المستشفيات ومخيمات اللاجئين. وأشار السياسي توم مالينوفسكي إلى أن المسؤولين السعوديين لم يطلعوا على القائمة، كما أثبت تقرير للأمم المتحدة في سنة 2018، استمرار الطيارين السعوديين في قصف المواقع. ناهيك أن دونالد ترامب سبق وأن أقرّ في السابق بأخطاء ارتكبها الطيارون السعوديون الذين عُهد إليهم بالأسلحة الفتاكة.
كان تصريحه كالآتي: “هؤلاء لا يعرفون حتى طريقة استعمال السلاح وهذا فظيع”. وجاء هذا التصريح بعد أن ضربت قنبلة أمريكية الصنع حافلة مدرسية في آب/ أغسطس 2018، وأسفر ذلك عن مقتل ما لا يقل عن 54 شخصًا، من بينهم 44 طفلاً.
لكن وصف المسؤولون الأمريكيون الشراكة السعودية بأنها حيلة للتملص من المسؤوليات الأخلاقية والقانونية لقتل المدنيين.
معظم المسؤولين الفيدراليين والسياسيين الأمريكيين، يبحثون عن أسباب لتبرير السياسة الخارجية الأمريكية بعيدة عن أنشطة المرتزقة
من ناحيته، قال تيموثي ليندركينغ، نائب وكيل وزارة شؤون الخليج العربي، للصحفيين يوم الخميس الماضي، “إننا نستغل نفوذنا وعلاقتنا الوثيقة التي تربطنا مع المملكة العربية السعودية لتوفير التدريب وتقديم الدورات” مقرّا بأن استخدام الأسلحة الأمريكية في عمليات القتل “مصدر قلق كبير”.
ذكر ليندركينغ أيضًا سببًا آخر يستشهد به المسؤولون الأمريكيون عادة لمشاركتهم المستمرة في حرب اليمن وهو الرغبة في دحر النفوذ الإيراني في المنطقة. يقول المسؤولون إنّ المتمردين الحوثيين الذين يعارضهم السعوديون يكتسبون قوتهم من دعم إيران لهم، وهم مصممون على نشر العنف في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية نيابة عن آية الله في طهران.
مع ذلك، يقول نقاد الشرق الأوسط، بمن فيهم مسؤولون أمريكيون سابقون، إن الحوثيين ليسوا مثل حزب الله في لبنان، الذي تربطه علاقات وثيقة مع طهران. على الرغم من أن الحوثيين يتلقون مساعدات عسكرية من إيران، غير أن دافعهم ليس التصرف نيابة عن آيات الله، بل هم مدفوعون أساسا برغبة في تولي السلطة في اليمن. قدم دونالد ترامب سببا أكثر منطقية يبرر هذه المعاملات، وهو ضرورة أن تواصل الولايات المتحدة بيع الأسلحة مقابل المال. في شباط/ فبراير صرح في مقابلة له مع الصحفي جيرالدو ريفيرا بخصوص السعوديين: “لديهم المال فقط، لا شيء غير المال، وهم يدفعون لنا الآن مقابل الخدمات والحماية وأشياء أخرى”.
لكن معظم المسؤولين الفيدراليين والسياسيين الأمريكيين، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، يبحثون عن أسباب أخرى لتبرير السياسة الخارجية الأمريكية بعيدة عن أنشطة المرتزقة. وبالنسبة للبعض، يبدو أن هذه القضية مهمة من وجهة نظر أخلاقية.
قالت النائبة أبيجيل سبانبيرجر، العضوة الديمقراطية في فرجينيا والمسؤولة السابقة في وكالة المخابرات المركزية، قالت لكوبر في جلسة الاستماع في مجلس النواب الأسبوع الماضي أنه في حين أن وزارة الخارجية قد “بذلت العناية اللازمة لضمان أن هذه الأسلحة لم تُستخدم في قتل المدنيين، يبدو أنه كان بإمكانهم جميعًا توفير الكثير من الوقت من خلال محاولة التستر على حقيقة أنكم لم تمنعوا هذه الوفيات غير الضرورية. لكن لا يبدو أن هذا يهمكم. فالعائلات هي من عانت حقا”.
المصدر: نيوز 24