انطلقت في العاصمة السودانية الخرطوم، اليوم السبت، فعاليات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول، المقرر أن يستمر قرابة يومين من 26 إلى 28 من سبتمبر/أيلول الحاليّ، بمشاركة العديد من الخبراء الوطنيين وسط حالة من تباين الرؤى بشأن إمكانية أن يسهم في حلحلة الوضع الراهن.
ويأتي هذا المؤتمر الذي كان مقررًا له الانعقاد نهاية شهر مارس/آذار الماضي لكنه تأجل بسبب جائحة كورونا، في ظل تأزم الوضع الاقتصادي للبلاد التي تشهد ضغوطًا غير مسبوقة، سواء على المستوى الخارجي من خلال العقوبات المفروضة عليها أم على المستوى الداخلي بسبب التناحر السياسي وسوء استغلال الموارد المتاحة.
الحكومة السودانية بقيادة عبد الله حمدوك تعول على هذه الخطوة في تقديم روشتة علاجية مكتملة الأركان للأزمة الطاحنة التي تواجهها البلاد، وأن تكون نواة لإطلاق مشروع وطني لإعادة الإعمار والنهوض وفق مظلة شعبية تسنده وتؤمن استمراريته، غير أن هذا التعويل ربما يصطدم بالعديد من التحديات والعراقيل التي يخشى منها ألا يخرج هذا المؤتمر إلا بتصريحات وردية غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
وتشهد البلاد أوضاعًا اقتصادية خانقة على المستويات كافة فيما يستمر تهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، حيث شهد الجنيه السوداني الخميس الماضي انخفاضًا حادًا، ليبلغ سعر الدولار 240 جنيهًا، فيما سجل سعر البيع للريال السعودي 65 جنيهًا والدرهم الإماراتي 70 جنيهًا واليورو 280 جنيهًا.
حمدوك: النظام البائد أسهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية من خلال سوء إدارته لفترة الطفرة النفطية وعدم الاستفادة منها عن طريق تنويع واستدامة الاقتصاد https://t.co/CxXoCPhO9K#المؤتمر_الاقتصادي_القومي#سونا #السودان pic.twitter.com/AH5K26JLCA
— SUDAN News Agency (SUNA) ?? (@SUNA_AGENCY) September 26, 2020
مؤتمر استغلال الفرص
في بداية كلمته الافتتاحية أكد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ضرورة استغلال بلاده للفرص المتاحة داخليًا وخارجيًا للخروج من الأزمة الراهنة، مؤكدًا أهمية العمل من أجل إزالة اسم بلاده من قائمة الإرهاب، وأن الشعب السوداني يستحق التعافي من مأزقه الحاليّ بعد التضحيات التي قدمها خلال السنوات الماضية.
فيما أشار رئيس اتحاد عام أصحاب العمل السوداني، المهندس هاشم صلاح حسن مطر، أن عقد هذا المؤتمر يؤكد أن الاقتصاد وهموم المواطن المعيشية على رأس أولويات الحكومة الانتقالية، مضيفًا “نتطلع إلى أن يكون نجاح المؤتمر فاتحة خير لترتيب الأولويات وتنظيم الجهود لنهضة البلاد في جميع النواحي والمجالات”.
وأكد مطر أن الاتحاد سيظل طرفًا أصيلًا في إنجاح أعمال المؤتمر للخروج بأفضل النتائج، منوهًا أن أصحاب العمل في البلاد ظلوا دومًا بقطاعاتهم المختلفة مساهمين أساسين بالرؤى والأفكار من أجل وضع أسس مشتركة لحل كل الأزمات التي تواجهها الدولة والشعب.
فيما اعتبر رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاقتصادي القومي الأول بالإنابة، الدكتور آدم إبراهيم الحريكة، أن المرحلة الحرجة والتاريخية التي تمر بها البلاد ربما تكون دافعًا قويًا لإعادة النظر في الكثير من الإستراتيجيات المتبعة، مؤكدًا أن الحكومة ستستغل هذا المؤتمر من أجل “بناء حوار بناء بين مكونات المجتمع يساهم في رسم الرؤى والسياسات، بغرض الإصلاح الشامل والاستقرار الاقتصادي والتنمية المستدامة”.
تفاؤل بالمخرجات
تأمل الحكومة في التوصل عبر هذا المؤتمر لرؤية موحدة بشأن خريطة الإصلاحات الاقتصادية التي تعتبرها وزيرة المالية والتخطيط السودانية، هبة محمد علي، الباب الأكبر نحو تحسين الأوضاع، لافتة إلى أن تنفيذ تلك الإصلاحات سيعود بالنفع على الشعب من خلال بعض الفوائد منها “إعفاء متأخرات ديون البلاد بموجب وصول السودان إلى نقطة القرار الخاصة ببرنامج البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، التي ستمهِّد الطريق لإعفاء ديون السودان التي تقارب 60 مليار دولار في نهاية المطاف”.
الوزيرة في تصريحات لها كشفت أن الاتفاق على جملة تلك الإصلاحات سيعبد الطريق أمام بلادها للحصول على التمويل اللازم للمشاريع التنموية والإنتاجية الكبرى، في العديد من مناطق ومدن البلاد، ومن أمثلة تلك المشروعات الحيوية التي تنتظر التمويل، مشروع الجزيرة وموانئ بورتسودان والسكة الحديد، بجانب المشروعات النهضوية الأخرى التي تستهدف قطاعات الثروة الزراعية والحيوانية، وبالصناعة والصحة والتعليم.
البرنامج الإصلاحي الذي تسعى الحكومة لمناقشته داخل المؤتمر تمهيدًا لتنفيذه سيجعل السودان مؤهلًا للحصول على أكثر من 1.5 مليار دولار سنويًا من المنح التنموية المباشرة، وهي المنح التي يمكن استخدامها في مجالات تحفيز الاستثمار وإنعاش الاقتصاد، بحسب وزيرة المالية.
بعض الخبراء ذهبوا إلى أن المؤتمر الحاليّ من الممكن أن يكون له تبعات إيجابية في حال مشاركة العديد من الخبراء الاقتصاديين الثقات فيه، وهو ما ذهب إليه الخبير المالي الدكتور هيثم فتحي الذي شدد على ضرورة مشاركة أكبر قدر ممكن من الخبراء لوضع خطة إسعافية للفترة القادمة وإعادة هيكلة الخريطة الاقتصادية وخلق أدوار جديدة للعديد من القطاعات والهيئات التابعة للدولة.
فتحي في تصريحات صحفية له أشار إلى أن المؤتمر ربما يمثل نقطة إيجابية نحو حل العديد من الأزمات التي تواجهها البلاد ومن بينها مشاكل استدامة المعروض من مصادر الطاقة، بجانب العمل لوضع أرضية ثابتة لخلق بنية تحتية متطورة وعمالة مؤهلة وبيئة أعمال وتشريعات تضمن تنافسية الاقتصاد الوطني.الشأن السوداني
العديد من المتابعين يرون أن مثل هذه التحركات لا قيمة لها إلا إذا وضعت مطالب المواطنين تحت ميكروسكوب الاهتمام والدراسة، لافتة إلى أن هموم الشعب وآلامه هي القاعدة الأكبر والأكثر اتساعًا التي يجب على الجميع أن ينطلق من خلالها، وإلا فإن الوضع لن يتغير مهما كانت الخطط الموضوعة.
البرهان: توقيع السلام من الفرص التي يجب استثمارها لمعالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد #المؤتمر_الاقتصادي_القوميhttps://t.co/sWbutXuLJg pic.twitter.com/BsCnmKBC7u
— المؤتمر الإقتصادي القومي (@nec_sudan) September 26, 2020
تحديات وتخوفات
يأتي هذا التحرك المتأخر في وقت تعاني فيه البلاد من تضارب واضح في السياسات المالية والنقدية، بجانب التهاوي الكبير في الإنتاج وتراجع الصادرات، ما أدى إلى تخمة في منسوب التضخم واختلال الميزان التجاري، الأمر الذي انعكس على الحالة المعيشية للمواطن وتجاوز نسبة الفقر حاجز الـ65%.
وعلى عكس الفريق المتفائل بشأن مخرجات هذا المؤتمر هناك آخرون يرون أن النتائج المتوقعة لهذه الخطوة لن ترتق لمستوى طموحات الطامحين لا سيما الحكومة، ذاهبين إلى أن الهدف الرئيسي من عقده هو مناقشة خطة الإصلاح المزمع تقديمها لصندوق النقد الدولي بهدف الحصول على القروض اللازمة لعبور الأزمة.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن مخرجات المؤتمر لن تتجاوز حاجز التصريحات والتوصيات النظرية بعيدة عن التطبيق، وأن مشاكل المواطنين وأزماته اليومية ستكون أبعد ما يكون عن جدول الأعمال وإن تم التطرق إليها من باب حفظ ماء الوجه.
البعض هنا يشير إلى أن الأزمة الحقيقية للاقتصاد السوداني لا تتعلق بنقص في الموارد أو شح في الموازنة كما يدندن البعض، بل إن الأزمة الفعلية تتعلق بالفشل في الإدارة العامة للمنظومة ككل، وهو ما يجعل أي خطوات إيجابية في هذا الشأن دون جدوى طالما ظل الفكر ذاته مسيطرًا على المنظومة الاقتصادية برمتها.
الصهيونية العالمية بقيادة #ترامب تضغط على #السودان لدفعها للتطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل رفع اسمها من قائمة دعم الإرهاب التي اخترعتها للنيل من كل دولة أو كيان لا يرضخ لصغوطهم.
السودان أمام خيارات صعبة ، إما خيانة القدس والقضية الفلسطينية أو مزيد من ابتزاز وضغوط الصهاينة. pic.twitter.com/1MAGFcn7zQ
— محمد اليحيا (@mo7ammadalyahya) September 26, 2020
فيما سادت بعض التخوفات الأخرى بشأن ارتهان القرار السياسي والسيادي للبلاد في مقابل الخروج من هذا المأزق، خاصة مع ما يثار مؤخرًا بشأن احتمالية توقيع السودان لاتفاق تطبيع مع “إسرائيل” أسوة بما فعلته الإمارات والبحرين، وذلك تعقيبًا على الزيارة التي قام بها البرهان لأبو ظبي قبل أيام، والحديث عن اجتماعات مع مسؤولين مخابراتيين من القاهرة وتل أبيب لبحث انضمام الخرطوم لقطار التطبيع مقابل الحصول على المنح والمساعدات تخرجها من عثرتها الاقتصادية الراهنة.
حالة من الترقب تخيم على الشارع السوداني الذي يعاني يومًا تلو الآخر من استمرار تدهور الأوضاع، في انتظار ما يمكن أن تسفر عنه مخرجات هذا المؤتمر من نتائج، فيما ينظر آخرون بعين حذرة إلى الدوافع والضغوط التي تمارس ضد البلاد، مستغلة الحالة الاقتصادية المتردية لتحقيق مآرب وأجندات أخرى.