الكساد الكبير أو “الكساد العظيم” مصطلح يطرق مسامعنا بين الحين والآخر، ونراه لا يغادر نشرات الأخبار كلما ألمت بالأرض نازلة، ومنها ما يحدث الآن خلال جائحة كورونا، فما هو؟
يعد الكساد العظيم أشهر حالات الركود الاقتصادي المعروفة الذي أثر على معظم الاقتصادات الوطنية في جميع أنحاء العالم خلال عام 1930، بدأ مع انهيار بورصة “وول ستريت” عام 1929، وسرعان ما انتشرت الأزمة في الاقتصادات الوطنية الأخرى بين عامي 1929 و1933، حيث هبطت مقاييس الدخل والإنتاج القومي في الولايات المتحدة بنسبة 33% في حين ارتفع معدل البطالة بنسبة 25%، بينما كانت أوروبا على موعد مع كساد كبير عام 2009.
والكساد هو حالة انكماش في النشاطات الاقتصادية وتستمر على مدى طويل في أحد الاقتصادات أو أكثر، ومن سلبياته طول مدته والارتفاع الكبير وغير الطبيعي في نسب البطالة، وتقلص الإنتاج بسبب ضعف القدرة الشرائية واضطرار الموردين والمستثمرين إلى خفض إنتاجهم واستثماراتهم.
ويؤدي ذلك إلى حدوث حالات إفلاس كبيرة وحالات تخلف عن سداد الديون السيادية وانخفاض كبير في التجارة (خاصة التجارة الدولية)، إضافة إلى تقلب قيمة العملة نسبيًا. لكن خلال السنوات القليلة الماضية اتجهت الدول إلى التكنولوجيا للعثور على الحلول والخروج من حالات الكساد وخلق فرص العمل الجديدة.
كيف تخلق التكنولوجيا فرص عمل جديدة؟
مهن كثيرة مهددة بالزوال إثر التطور التقني الذي أحدثته التكنولوجيات الجديدة والمبتكرة، الأمر الذي أدى إلى خسارة الكثيرين لوظائفهم، فلنأخذ مثلًا المهن المتعلقة بالطباعة والإخراج الصحفي وتوزيع الجرائد والمجلات، عمال البريد وفرزه وتوصيله، موظفي مراكز الاتصال، عمل مشغلي الآلات المكتبية، والخياطة في معامل الألبسة وتشغيل أنظمة ضخ النفط، وحتى عمل طهاة الوجبات السريعة!
تغير سوق العمل بشكل كبير عما كان عليه في السنوات الأخيرة الماضية، لا سيما مع دخول التكنولوجيا الحديثة إلى أماكن العمل والوظائف، واعتماد معظم المؤسسات اليوم عليها في آليات العمل والإنتاج.
بحلول العام 2020 ازداد استخدام التكنولوجيا الرقمية بإضافة 1.4 تريليون دولار إلى إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي
فوفقًا لتقرير التنمية العالمي الصادر عن البنك الدولي للعام 2019، فإن “التكنولوجيا الرقمية تقوم اليوم بتعزيز النمو الاقتصادي ومشاركة المواطنين وخلق فرص عمل ودفع عجلة التنمية وإحداث تحول في الاقتصادات بسرعة”.
وبحلول العام 2020 ازداد استخدام التكنولوجيا الرقمية بإضافة 1.4 تريليون دولار إلى إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، حيث يعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أحد أكبر القطاعات نموًا في العالم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها نمت وظائف الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات بنسبة 22% عام 2020، ما خلق 758.800 وظيفة جديدة، وفي أستراليا أدى إلى دعم 25000 وظيفة سنويًا.
بطبيعة الحال النمو في مختلف القطاعات غير متساوٍ، ففي الولايات المتحدة لكل وظيفة في صناعة التكنولوجيا الفائقة، يتم إنشاء خمس وظائف إضافية في المتوسط في قطاعات أخرى، مما يخلق فرص عمل ورواتب ويوسع نطاق الخدمات والمنتجات.
من الواضح أن تقليل الاستثمار في المكاتب المادية والمرافق غير الضرورية سيؤدي إلى فقدان بعض الوظائف، لكن البيئة الجديدة تخلق فرص عمل عن بعد بالإضافة إلى وظائف في المساحات الافتراضية والرقمية، بينما تستمر التكنولوجيا في التقدم وتصبح أكثر وظيفية وفعالية من حيث التكلفة، فالمجتمع سيستخدم المزيد من التكنولوجيا وسيتم إنشاء الوظائف ذات الصلة، وفي نهاية المطاف سيتم خلق فرص عمل في الاقتصاد أكثر من الوظائف المفقودة.
مساهمة التقنيات الحديثة في رفع الناتج المحلي الإجمالي
في البداية لا بد من معرفة ما الناتج المحلي الإجمالي “Gross Domestic Product” الذي يعرف اختصارًا بـ(GDP): هو عبارة عن القيمة السوقية لكل السلع والخدمات النهائية محليًا (داخل دولة ما)، التي ينتجها الأفراد والشركات داخل الدولة خلال فترة زمنية محددة، وهو الأداة الأكثر استخدامًا في قياس حجم اقتصاد بلد ما.
يساعد “GDP” على قياس مؤشر مستوى معيشة الفرد داخل الدولة، فكلما زاد معدل الناتج المحلي الإجمالي زاد حجم الاقتصاد الكلي، وبالتالي يزيد حجم الدخل الكلي، وفي النهاية يقابله زيادة الدخل الذي يحصل عليه الفرد.
يمثل الإنترنت 3.4% من إجمالي الناتج المحلي في بعض الاقتصادات
تؤكد النتائج من مختلف البلدان التأثير الإيجابي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على زيادة الناتج المحلي الإجمالي، فعلى سبيل المثال ترتبط زيادة انتشار التكنولوجيا بنسبة 10% بزيادة قدرها 1.4% في نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسواق الناشئة في الصين، ويمكن أن يصل هذا الرقم إلى 2.5%.
مضاعفة استخدام بيانات الهاتف المحمول الناتجة عن الزيادة في اتصالات البيانات تعزز معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% على مستوى العالم، حيث يمثل الإنترنت 3.4% من إجمالي الناتج المحلي في بعض الاقتصادات، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي لشركة فيسبوك 607 مليارات دولار للعام 2019 بينما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا لنفس العام 715 مليار دولار، أي أن الناتج المحلي لتطبيق برنامج الفيسبوك فقط، يوازي الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا.
ظهور خدمات وصناعات جديدة
مِهن كثيرة باتت الأنظمة التكنولوجية والروبوتية المبرمجة قادرة على أن تحل محلها، بكلفة أقل وفعالية أكبر، لكن لا داعي للذعر، فقد خلقت التكنولوجيا أيضًا مجموعة من الخدمات والصناعات الجديدة التي لم تكن موجودة من قبل مثل متخصصي الحوسبة ومديري وسائل التواصل الاجتماعي والمسوقين الرقميين ومهندسي الطاقة ومطوري البرامج والتطبيقات ومشغلي الطائرات دون طيار ومنشئي محتوى YouTube، وغيرها الكثير.
ويبدو أن هذا اتجاه لا يمكن إيقافه، ففي تقرير صادر عن معهد المستقبل (IFTF) فإن ما لا يقل عن 85% من الوظائف التي ستكون موجودة عام 2030 لم يتم اختراعها حتى الآن.
إذا كان صحيحًا أن التكنولوجيا أفسدت الوظائف في الزراعة والتنظيف وعمليات المصانع الروتينية والبناء والتعدين، فمن الصحيح أيضًا أن الابتكار أدى إلى ولادة مديري تكنولوجيا المعلومات، الذين ارتفع عددهم بمعدل 6.5 إلى أكثر من 327000 في العقود الماضية بالمملكة المتحدة وحدها، بالإضافة إلى المبرمجين والمتخصصين في تطوير البرمجيات، الذين ارتفع عددهم بنحو ثلاثة أضعاف ليصل إلى 274160.
أتاحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ظهور قطاع جديد تمامًا وهو صناعة التطبيقات
مثلًا، اتخذت البرازيل منذ منتصف الثمانينيات سلسلة من الإجراءات لتسريع وتيرة التقدم التكنولوجي، ماذا كانت النتيجة؟ ما بين العقدين (1995-2014)، ارتفع عدد البرازيليين العاملين (المسجلين رسميًا) من 23.8 إلى 49.6 مليون.
كما يعتبر الانتقال إلى الحوسبة السحابية أحد الاتجاهات الرئيسية للتحديث، إذ تعد حكومة جمهورية “مولدوفا” واحدة من أوائل الدول في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى التي حولت البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الحكومية إلى السحابة وأطلقت خدمات الهاتف المحمول والخدمات الإلكترونية للمواطنين والشركات.
أتاحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ظهور قطاع جديد تمامًا وهو صناعة التطبيقات، إذ تظهر الأبحاث أن تطبيقات Facebook وحدها خلقت أكثر من 291000 وظيفة حول العالم، وأن القيمة الإجمالية لاقتصاد تطبيقات Facebook تتجاوز 19 مليار دولار.
تطوير القوى العاملة
يركز تطوير القوى العاملة على قدرة الفرد على تنمية مهاراته وتطوير الأدوات التي يحتاجها لنجاح الأعمال، أي أن يكونوا أكثر إنتاجية وازدهارًا في مكان العمل، مما يعود بالفائدة على كل من صاحب العمل والعامل. أما الفوائد الرئيسية لتطوير الموظفين فهي: زيادة الرضا الوظيفي وزيادة الكفاءة التشغيلية وتحسين الإنتاجية وتحسين التفكير الإبداعي والاستباقي لحل المشكلات وليس رد فعل.
سلطت اليوم “إنفور” الشركة الرائدة في تطوير برمجيات الأعمال السحابية، الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات والمتعلقة بتخطيط وتنظيم القوى العاملة، لا سيما قضايا نقص الموظفين المهرة والحاجة إلى رفع مستويات التنوع والشمول المتعلقة بطاقم الموظفين لديها.
ومن خلال حل المشكلات بطرق إبداعية يمكن معالجة بعض قضايا التخطيط للقوى العاملة، مثل الحاجة إلى موظفين يتمتعون بدرجة عالية من التخصص ممن يزداد الطلب عليهم بشكل كبير يومًا بعد يوم.
حيث تشير تقارير مجلة “هارفارد بزنس ريفيو” إلى أن 60% من الوظائف في القرن الحادي والعشرين تتطلب مجموعة واسعة من المهارات التي يمتلكها 20% فقط من القوى العاملة، لذلك فإن ملء هذه الفرص الوظيفية بالكامل لن يكون أمرًا سهلًا.
ابتكار الأعمال
إذا سألت 10 أشخاص عن كيفية تعريفهم للابتكار، فمن المحتمل أن تحصل على 8 تعريفات مختلفة على الأقل، معظمها مجرد اختلافات أكاديمية، ببساطة يشيرون إلى الابتكار على أنه “إدخال شيء جديد”.
يمكننا إلقاء نظرة على دور الابتكار، سواء بالنسبة للمجتمع ككل أم للشركات الفردية، بالنسبة للمجتمع ككل فالابتكار هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، فوفقًا لورقة بحثية من جامعة ستانفورد، فإن ما يقرب من 85% من إجمالي النمو الذي حدث في الاقتصاد الأمريكي بين عامي 1870 و1950 يمكن أن يُعزى إلى نمو الإنتاجية من خلال الابتكار.
التكنولوجيا والإنترنت خصوصًا غيرت اللعبة بشكل جذري، حيث تتوافر الآن المعلومات والمعرفة والأدوات المتطورة والبرامج الفورية بجزء بسيط من التكلفة السابقة في أي صناعة تقريبًا، ونتيجة لذلك فإن معظم الابتكارات ليست نتيجة مباشرة لتسويق البحوث الأساسية، كما كانت من قبل لكنها تتعلق في الغالب بتطبيق المعرفة والتقنيات والموارد الحاليّة لحل مشكلة عمل معينة.
من الناحية العملية من الأسهل شرح ذلك بمساعدة “قاعدة 70-20-10” للابتكار الذي اشتهرت به Google.
ببساطة الفكرة هي أن ما يقرب من 70% من موارد ابتكار الشركة يجب أن تستهدف الابتكار التدريجي للأعمال الأساسية، و20% للابتكار الذي يساعد على توسيع هذا الأساس و10% لاختراق الابتكار الذي يمكن أن يغير مستقبل الشركة.
كيفية قياس النجاح بالعصر الرقمي
لقياس نجاح التحول الرقمي، تحتاج الشركات إلى النظر لما وراء مؤشرات الأداء المالية الرئيسية التقليدية والتركيز على مقاييس الجذب الرقمي، وهي واحدة من أربعة مجالات يركز عليها كجزء من موضوع الصناعة الرقمية عبر المؤسسة مثل: نماذج رقمية الأعمال ونماذج التشغيل الرقمية والمواهب الرقمية والمهارات.
تعد القدرة على قياس الجذب الرقمي – وإيجاد طرق لتعزيزه – أمرًا مهمًا لكل من الاضطرابات الرقمية والشركات القائمة لسببين رئيسيين: الأول: يمكن أن تفيد المستويات العالية من الجذب الرقمي في أداء الشركة بعدة طرق.
تحتاج الشركات إلى تطوير القدرات التي تتبعها، ولا بد من إنشاء البنية التحتية التكنولوجية المناسبة
الثاني: يمكن للجذب الرقمي أن يمكن الشركات من زيادة تقييمها، لأن المؤسسات الرقمية لديها عملاء أكثر قابلية للتوسع وأكثر تفاعلًا من الشركات التناظرية التقليدية.
هناك مجموعة من الإجراءات الرئيسية للمؤسسات لمساعدتهم على تحديد وقياس المقاييس الأكثر صلة بأعمالهم، كالمقاييس السلوكية الأساسية، مثل تواتر الاستخدام ومشاركة العملاء وعدد المستخدمين، التي من خلالها يمكنهم توصيل كل من الشعبية والزخم في اعتماد السوق لمنتج أو خدمة معينة.
وللاستفادة حقًا من مقاييس الجذب الرقمي، تحتاج الشركات إلى تطوير القدرات التي تتبعها، ولا بد من إنشاء البنية التحتية التكنولوجية المناسبة، أي الخوارزميات وقواعد البيانات وتصور البيانات، والعمل بناءً على الأفكار المكتسبة من تحليلات بيانات الجذب الرقمي.
فوفقًا لوكالة أسوشيتد برس، هناك طريقة أخرى يستخدمها تجار التجزئة، وهي استخدام الكاميرات لالتقاط صورتك، إذ يدمجون ببطء المزيد من الكاميرات في المتاجر لِدراسة التركيبة السكانية مثل العمر والجنس، إذ تتمتع الكاميرات بشكل أساسي بنفس الوظيفة في المتجر، كما تفعل أجهزة الكمبيوتر عند تتبع عادات المرء عبر الإنترنت باستخدام الكاميرات، بحيث يمكن لتجار التجزئة تتبع من يشتري وماذا يشتري.