في تمام الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم أمس الأربعاء 30 من سبتمبر/أيلول شهدت مدينة أربيل سابقةً أمنيةً، إذ استهدفت 6 صواريخ كاتيوشا المنطقة الواقعة بين مطار أربيل الدولي بالقرب من قاعدة حرير العسكرية التي تتخذها القوات الأمريكية مقرًا لها.
وقالت وزارة داخلية إقليم كردستان في بيان رسمي عقب الهجوم إن 6 صواريخ انطلقت صوب مطار أربيل الدولي، وأنها انطلقت مِن على متن عجلة نوع (بيك أب) في حدود مدينة برطلة بين قرى (شيخ أمير وترجلة) في محافظة نينوى، ودعا بيان الوزارة الحكومة الاتحادية ببغداد إلى اتخاذ التدابير اللازمة.
وعلى الرغم من عدم الإعلان عن أي ضحايا نتيجة القصف، فإن ما حدث يشير إلى تصعيد أمني خطير في البلاد، خاصة أن قيادة إقليم كردستان ووزارة الداخلية في أربيل أعلنتا أن الصواريخ انطلقت من سهل نينوى شرق الموصل ومن منطقة تسيطر عليها قوات اللواء (30) التابع للحشد الشعبي الذي كان يتزعمه وعد القدو المكنى بـ”أبو جعفر” الذي أقاله رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض قبل أسبوع من الآن.
مكمن الخطر
تتزايد وتيرة الضغوط الأمنية في العراق، فعمليات استهداف المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي وأرتال الدعم اللوجستي للتحالف الدولي شهدت تصاعدًا كبيرًا خلال الأسابيع الماضية، ما حدا بالولايات المتحدة إلى توجيه رسالة شديدة اللهجة للعراق من خلال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو التي أبلغ بها كلًا من رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، وسط أنباء عن احتمالية كبيرة لإغلاق سفارة الولايات المتحدة ببغداد حال استمرت الهجمات.
من جانبه، قال القيادي في تحالف القوى العراقية علي العيساوي إن استهداف أي سفارة أو بعثة دبلوماسية خطأ وخطر كبير، ووصف ذلك بـ”الحماقة”، مشيرًا إلى أن من يفعل ذلك يريد هدم العراق، كما أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت أسماء فصائل مسلحة معينة وشخصيات قيادية في تلك الفصائل على لائحة الإرهاب الدولي مع فرض عقوبات على بعضها، ما يعني أن العراق قد يشهد بأي لحظة عملًا عسكريًا أمريكيًا ضد الفصائل وقياداتها.
وتشير إحصاءات من محللين وخبراء إلى أن الأشهر الماضية شهدت ما لا يقل عن 85 هجومًا صاروخيًا على المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي، فضلًا عن استهدافات متكررة للأرتال العراقية التي تنقل المعدات اللوجستية للقوات الأمريكية.
من جانب آخر، يأتي هجوم أربيل الأخير بعد ساعات فقط من اجتماع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بسفراء 25 دولة بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا، وأكد الكاظمي خلاله أن حكومته ملتزمة بحماية البعثات الدبلوماسية في البلاد، في محاولة لطمأنة المجتمع الدولي تزامنًا مع أنباء عن عزم هذه الدول إغلاق بعثاتها العاملة في بغداد كإجراء احترازي.
انطلقت هذه الصورايخ من وادي ترجلة بقضاء الحمدانية في محافظة نينوى
وعقب ساعتين على هجمات أربيل، كشف بيان قيادة العمليات المشتركة العراقية أن مجموعة إرهابية أقدمت مساء الأربعاء على استهداف محافظة أربيل بعدد من الصورايخ بواسطة عجلة نوع كيا محورة تحمل راجمة صواريخ وأنها سقطت شمال غربي أربيل قرب عدد من القرى من بينها صاروخين قرب مخيم حسن شامي للنازحين.
فيما أكد البيان أن انطلاق هذه الصورايخ كان من وادي ترجلة بقضاء الحمدانية في محافظة نينوى، وأن توجيهات أمنية عليا صدرت بتوقيف آمر القوة المسؤولة عن المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ.
ضغوط متصاعدة على الكاظمي
يبدو أن حكومة الكاظمي تواجه ضغوطًا أمنية متصاعدة، في الوقت الذي يبدو فيه أن الولايات المتحدة ستغلق سفارتها ببغداد، ما يعني البدء بسلسلة هجمات تستهدف الميليشيات والفصائل الموالية لإيران ومن بينها عصائب أهل الحق وكتائب “حزب الله” و”سيد الشهداء” والخرساني والنجباء، على النحو الذي حدث في شهر مارس/آذار الماضي، وهو ما سيكون بمثابة انزلاق الوضع العراقي إلى المجهول.
من جهته، أكد الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف أن استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق يهدف إلى إحراج حكومة مصطفى الكاظمي، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى تبعات سياسية وأمنية واقتصادية على البلاد، فلا مصلحة للعراق في كل ذلك.
تشير العديد من الأحداث الأخيرة في البلاد إلى أن القوى الشيعية الرئيسية الموالية لإيران كائتلاف دولة القانون وكتلة فتح باتت تضيق ذرعًا بحكومة الكاظمي، بعد أن تحرك الأخير تجاه الكثير من الملفات التي كانت تعد خطوطًا حمراء للحكومات السابقة، فملف المنافذ الحدودية الذي بدأت حكومة الكاظمي بالسيطرة عليه، فضلًا عن تحويل نظام الجمارك إلى الإلكتروني أفقد الأحزاب المشكلة لهذه الكتل وأذرعها المسلحة موردًا ماليًا كبيرًا كانت تغذي من خلاله نشاطاتها السياسية والأمنية.
جاءت الهجمات الصاروخية الأخيرة على أربيل في رسالة من تلك الفصائل يمكن قراءتها على أن الاستهداف لن يتوقف حتى لو أغلقت واشنطن سفارتها ببغداد
كما أن تحركات الكاظمي الأخيرة تجاه المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي الذي أمر فيها بإخراج جميع المكاتب الأمنية للميليشيات والأحزاب، أدت كذلك إلى مزيد من الضغط على هذه الفصائل التي ترى أن من مصلحتها إحراج حكومة الكاظمي وتبديد وعوده التي قطعها للإدارة الإمريكية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن في أغسطس/آب الماضي بالحد من نفوذها.
ومع التسريبات التي أكدت أن الإدارة الأمريكية تقترب من إغلاق سفارتها في بغداد والاحتفاظ بقنصليتها في أربيل جاءت الهجمات الصاروخية الأخيرة على أربيل في رسالة من تلك الفصائل يمكن قراءتها على أن الاستهداف لن يتوقف حتى لو أغلقت واشنطن سفارتها ببغداد.
رد واشنطن المحتمل
من جهته وبعد ساعات على القصف، قال التحالف الدولي إن الصواريخ التي أُطلقت صوب مطار أربيل الدولي لم تسقط في موقع للتحالف الدولي، وقال المتحدث باسم التحالف الكولونيل واين ماروتو على حسابه بتويتر: “تفيد التقارير الأولية بأن النيران غير المباشرة لم تسقط في موقع قوات التحالف بأربيل، ولم تقع إصابات أو أضرار، وأن الحادث قيد التحقيق”.
Initial reports that Indirect Fire did not land on Coalition Forces in Erbil tonight. There was no damage or casualties. Incident is under investigation.
— OIR Spokesman Col. Wayne Marotto (@OIRSpox) September 30, 2020
أما الباحث العراقي المختص بالشأن الكردي شاهو القرداغي فقال في تغريدة له: “بعد التلويح بترك بغداد والتوجه إلى أربيل، قصفوا أربيل ليؤكدوا أن إرهابهم يصل إلى كل منطقة في العراق، وينشروا الرعب والخوف في كل مكان”، في إشارة إلى احتمالية إغلاق السفارة الأمريكية ببغداد والانتقال إلى قنصليتها بأربيل.
بعد التلويح بترك بغداد والتوجه الى اربيل، قصفوا اربيل ليؤكدوا ان ارهابهم يصل الى كل منطقة في العراق وينشروا الرعب والخوف في كل مكان.
— شاهو القرةداغي (@shahokurdy) September 30, 2020
وفي بيان تلقته العديد من وسائل الإعلام والصحفيين، نفى مسؤول عمليات لواء (30) في الحشد الشعبي سامي بكدش مسؤولية اللواء عن قصف أربيل، مشيرًا إلى أن المنطقة التي انطلقت منها الصواريخ تقع ضمن مسؤولية الحشد الشعبي والجيش العراقي وقوات البيشمركة، مؤكدًا أن قوات اللواء لا تزال تبحث عن مطلقي تلك الصواريخ.
أما أمريكيًا، فيبدو أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي هذه المرة، إذ إن استهداف أربيل يعد سابقة أمنية هي الأولى من نوعها التي تستهدف فيها صواريخ كاتيوشا عاصمة الإقليم من داخل العراق ومن جهة تسيطر عليها فصائل موالية لإيران.
كما أن الولايات المتحدة تعد إقليم كردستان العراق ملاذًا آمنًا وحصنًا أمنيًا، خاصة أن علاقات واشنطن مع مسؤولي الإقليم تمتد لعقود مضت، وتميزت طيلة الفترة الماضية باعتبار واشنطن الأكراد العراقيين حلفاءً لها في البلاد على جميع الأصعدة.
وبالتالي فالرد الأمريكي قد لا يتأخر كثيرًا هذه المرة، خاصة بعد التصريحات الأمريكية على لسان مايك بومبيو في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” قبل أيام أكد فيه أن بلاده ستلاحق جميع الفصائل المسلحة المتورطة بمهاجمة المصالح الأمريكية في العراق.
كما لفت الكاتب الصحفي الأمريكي”ديفيد أغناتيوس في تقرير له بصحيفة “واشنطن بوست” أن العراق سيكون الساحة التي ستنفجر فيها المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران خلال الأسابيع المقبلة، ووصف ما سيحدث بـ”مفاجأة أكتوبر”، وأضاف اغناتيوس أن تحذير مايك بومبيو للعراق من أن واشنطن ستغلق سفارتها ببغداد في حال لم تتحرك حكومة بغداد لوقف الهجمات، يفسر على أن إغلاق السفارة سيكون مقدمة لضربات جوية أمريكية عنيفة ضد المليشيات.