يسكن منطقة شمال إفريقيا، إلى جانب العرب، العديد من القوميات، على رأسهم الأمازيغ الذين كانوا في وقت ما حكام المنطقة والمسيطرين عليها، وقد سبق وجودهم وجود العرب هناك، ويعود تاريخهم إلى ما قبل الإسلام.
في هذا التقرير الجديد لنون بوست، ضمن ملف “حكايا شعوب”، سنتطرق معًا للحديث عن الأمازيغ – سكان شمال إفريقيا الأصليين – وأبرز صفاتهم، فضلًا عن إسهاماتهم في الفتح الإسلامي وأبرز الشخصيات الأمازيغية التي ساهمت في نشر الإسلام في إفريقيا وأوروبا.
الأمازيغ.. الرجال الأحرار
يعني لفظ الأمازيغ “الرجال الأحرار”، وتقول بعض المصادر التاريخية إن تاريخهم يرجع إلى عصر الإمبراطورية الرومانية على الأقل، وقد ظلوا في شمال إفريقيا مذاك، حيث ما زالوا محافظين على هويتهم الثقافية واللغوية المستقلة.
تختلف كتب التاريخ بشأن أصلهم، هناك من يقول إنهم جاؤوا من اليمن القديم وسافروا إلى إفريقيا عبر البحر، وهناك من يقول إنهم ربما جاؤوا من أوروبا أو مناطق البحر الأبيض المتوسط القديمة، فيما يذهب رأي آخر إلى اعتبار أن أصل الإنسان في تلك البقاع وبالتالي فالإنسان الأمازيغي لم يهاجر إلى شمال إفريقيا لكنه وجد فيها منذ البداية.
يميل المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون إلى اعتبار الأمازيغ كنعانيين من ولد كنعان بن حام بن نوح عليه السلام، فالكنعانيون ليسوا عربًا، وليسوا من أبناء سام، فيما يذهب اتجاه آخر إلى ربط سكان هذه المنطقة بالمشرق وجزيرة العرب، حيث إنهم نزحوا من هناك إلى شمال إفريقيا نتيجة لحروب أو تقلبات مناخية وغيرها.
بعد مرور قرن ونصف على أول حملة عسكرية عربية تحت إمرة عقبة بن نافع أصبح الإسلام الدين الغالب في مناطق الأمازيغ
تمتد “الجغرافيا الأمازيغية” من واحة سيوة المصرية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالًا إلى الصحراء الكبرى جنوبًا، حيث يشكل الأمازيغ جزءًا من سكان المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وشمال مالي وشمال النيجر وبوركينا فاسو وجزء صغير من غرب مصر إلى جزر الكناري.
أما تاريخهم فيمتد إلى أكثر من 3000 سنة ولهم تقويم زمني خاص، ففي الزمن الأمازيغي، نحن الآن في عام 2970، وهو تقويم فلاحي يرتبط بالأرض، ويرجع الأمازيغ إحياء رأس السنة الأمازيغية إلى سنة 950 قبل الميلاد، وهي السنة التي استطاع فيها الملك الأمازيغي شيشونق الانتصار على ملك الفراعنة رمسيس الثالث.
يتحدث شعب الأمازيغ، اللغة الأمازيغية التي تنتمي إلى عائلة اللغات الأفروآسيوية، ولا توجد اليوم أرقام دقيقة عن عدد الأمازيغ الذين يتحدثون بها، غير أنها صارت اللغة الرسمية في المغرب إلى جانب العربية، منذ سنة 2011، كما يقر الدستور الجزائري الجديد المنتظر إجراء استفتاء عليه بداية الشهر القادم، بأن اللغة الأمازيغية لغة رسمية في البلاد.
ظهير الإسلام
يعتبر الأمازيغ طاقةً جبارةً وشعبًا صارمًا، ساهموا في إثراء الأمة الإسلامية بشكل كبير، حيث كانوا نعم الحامين والفاتحين، وظهير الإسلام المتين في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا وفي الصحراء الكبرى الإفريقية، بعد أن دخل الإسلام قلوبهم.
دخول الأمازيغ في الإسلام كان سريعً نسبيًا مقارنة بمسار التعريب الذي كان بطيئًا، فبعد مرور قرن ونصف على حملة عقبة بن نافع أصبح الإسلام الدين الغالب في مناطق الأمازيغ، عكس التعريب الذي تواصل حتى القرن العشرين ولم يحد منه إلا بروز المطلب الأمازيغي إلى الوجود.
مر إسلام الأمازيغ بمراحل عدة، وفق ما تشير إليه كتب التاريخ، حيث انتقل من عملية الفتح الإسلامي، واستمر إلى عهد الأدارسة والمرابطين والموحدين، إلى أن انتهى بدخول الأمازيغ جميعًا في الإسلام، مؤسسين دول إسلامية كبرى.
قوتهم لم تقتصر على مناطق سكنهم، بل امتدت إلى القدس أيضًا حيث أسكن الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي، ثلة من الأمازيغ عند الزاوية الجنوبية الغربية للحرم القدسي، وهناك أخذت الحارة تسميتها “حارة المغاربة“، وحينما سُئِل صلاح الدين الأيوبي عن هذا الأمر قال: “أسكنت هناك من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، من أستأمنهم على هذا المسجد العظيم، وهذه المدينة”.
طارق بن زياد.. فاتح الأندلس
أبرز القادة الأمازيغ الذين انتشر بهم الإسلام، طارق بن زياد وهو الذي فتح بابًا من المغرب باتجاه الأندلس. قادهذا الرجل الأمازيغي المسلم بضعة آلاف من المجاهدين، وعبر بهم البحر الأبيض المتوسط من أقصى نقطة وصلتها الفتوحات الإسلامية في القرن الأول للهجرة، أي ساحل المغرب الأقصى، واقتحم بهم أوروبا من مدخلها الأندلسي، وثبت أقدام الدولة الإسلامية في قلب العالم الغربي خلال فترة وجيزة.
قاد طارق بن زياد، الدولة الأموية إلى بسط سيطرتها على شبه الجزيرة الإيبيرية – إسبانيا والبرتغال حاليًّا – وقد استمرت فتوحاته منذ عام 711 ميلاديًا حتى عام 718 ميلاديًا، واستطاع في النهاية القضاء على حكم القوط الإسبان، وقد سُمِي المضيق البحري بين المغرب والأندلس باسمه تكريمًا له.
قلما نجد كتابًا في المناهج التعليمية العربية يتحدث عن التاريخ أو الثقافة الأمازيغية باعتبارها جزءًا من الوطن العربي، عكس المؤرخين الغربيين الذين ألفوا عددًا لا بأس به من الكتب عنهم
لم يُعرف من حياة طارق وأعماله شيء قبل تعيينه أميرًا على برقة بعد مقتل زهير بن طبرق سنة 76 هجرية، ثم اختير قائدًا لجيش موسى بن نصير، فاستطاع الاستيلاء على بقية المغرب العربي واصلًا بالجيش إلى المحيط الأطلسي.
عقب فتح الأندلس، توجه طارق بن زياد بصحبة موسى بن نصير إلى دمشق ومعه أربعمئة من أفراد الأسرة المالكة وجموع من الأسرى والعبيد والعديد من النفائس، وصادفت عودتهما وفاة الخليفة الوليد الذي خلفه أخوه سليمان فطلب من موسى بن نصير تأخير وصوله إلى عاصمة الخلافة إلى حين ما بعد وفاة الوليد، كي يستأثر بالغنائم وينسب فتح الأندلس لنفسه.
لم يستجب قائدا الفتح الإسلامي في أقصى الغرب الأوروبي لذلك، ما جعلهما يواجهان غضب سليمان بن عبد الملك بعد توليه الخلافة، وقد انقطعت أخبار القائد بن زياد إثر وصوله إلى دمشق، واضطربت أقوال المؤرخين في نهايته بين قتله ونفيه والقول إنه تحول إلى رجل فقير وتائه في دروب الشام، غير أن الراجح أنه لم يول عملًا بعد ذلك.
ابن تاشفين.. منقذ الأندلس
ولد من رحم القبائل الأمازيغية تحت خيام الصحراء، القائد يوسف بن تاشفين، الذي لبى نداء ملوك الطوائف وأدرك الأندلس من الضياع وأوقف التوغل الصليبي فيها، ويعتبر ابن تاشفين أهم أمراء دولة المرابطين وأقواهم شوكة وأطولهم فترة وأخلدهم في ذاكرة التاريخ، وقد كان أول من حمل لقب أمير المسلمين، ولم يشأ أن ينازع العباسيين سلطانهم فترك لهم لقب أمير المؤمنين.
يقول الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: كان ابن تاشفين كثير العفو مقربًا للعلماء، وكان أسمر نحيفًا خفيف اللحية دقيق الصوت سائسًا حازمًا”، أما ابن الأثير فيصفه في كتابه الكامل في التاريخ بأنه: كان حليمًا كريمًا دينًا خيرًا يحب أهل العلم والدين ويحكمهم في بلاده، ويبالغ في إكرام العلماء والوقوف عند إشارتهم، وكان إذا وعظه أحدهم، خشع عند استماع الموعظة ولان قلبُه لها وظهر ذلك عليه، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام.
امتد حكمه إلى فجاج كبيرة من جبال الريف المغربي والربوع والمناطق الصحراوية العتيقة، ووصل إلى طنجة ثم فاس ودخلت في مملكته كل بلاد موريتانيا الحاليّة، وأجزاء من السنغال وقطاعات واسعة من المملكة المغربية الحاليّة، وأجزاء كبيرة من الجزائر.
بداية القرن العاشر، استنجد به ملوك الطوائف في الأندلس لصد هجمات الصليبيين، فلب النداء وبعد أن تمكن من الصليبيين وجه جيشه لاقتلاع ملوك الطوائف واحدًا بعد الآخر، ومد أطناب دولة المرابطين على بقاع الأندلس، مقيمًا بذلك أوسع دولة إسلامية جامعة بين بلاد السودان وبلاد البربر والعرب والأندلس.
فضلًا عن هؤلاء الأبطال، أنجب الأمازيغ العديد من الشخصيات العظيمة التي تركت بصمتها في مجالات مختلفة، من بينهم ابن البيطار وابن رشد وابن خلدون وعباس بن فرناس وابن بطوطة والقديس أوغسطينوس.
رغم كل هذه الشخصيات والبطولات والإنجازات الأمازيغية، تجاهلت الحكومات العربية التعريف بها ومد أواصر التعايش الثقافي معها، فقلما نجد كتابًا في المناهج التعليمية العربية يتحدث عن التاريخ أو الثقافة الأمازيغية باعتبارها جزءًا من مكوّنات المنطقة، الغنية بتنوعها الثقافي والعرقي والديني.