تحاول الجزائر من خلال دبلوماسيتها جمع الأطراف الليبية المتصارعة حول حوار يهدف إلى وقف الاقتتال الداخلي والخروج بمعادلة سياسية جديدة في ليبيا قائمة على أساس أمني استراتيجي يمنع تدفق الجماعات الإسلامية المتشددة من بلدان أخرى إلى ليبيا، وبُعد سياسي أقل أهمية في المعادلة الجزائرية قد يفضي إلى اتفاق حول قواعد تداول السلطة بليبيا.
الدبلوماسية الجزائرية ترفض الحل العسكري كجزء من استراتيجية إخضاع جميع الأطراف لأنصاف حلول مؤقتة، وهي رؤية يدعمها التحالف المصري الإماراتي السعودي، وذلك بتوجيه ضربات جوية وخلق مناطق عازلة بليبيا قد تدخلها قوات برية.
تنطلق الرؤية الجزائرية من أنه لا يمكن النظر إلى طرف ليبي على أنه حائز للشرعية والمشروعية بشكل كامل، والآخر يفتقدها، وجاءت دعوات الجزائر للمشاركين في الحوار على هذا الأساس المنطلق من أن الجميع جزء من الأزمة، وجزء من الحل.
وذلك بعكس الاشتراطات التي وضعتها وقدمتها دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والبعثة الأممية الخاصة بليبيا، إذ أن سقفها العام يعتبر أن مجلس النواب الليبي المنعقد بطبرق وحكومة عبد الله الثني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الليبي استنادا إلى انتخابات الخامس والعشرين من يونيو/حزيران من العام الجاري، واعتبار المؤتمر الوطني العام وحكومة الانقاذ الوطنية برئاسة عمر الحاسي منقوصتي الشرعية أو منعدمة تمام.
وترى الجزائر بحسب مراقبين أن هذه الاشتراطات المتشددة قد تفضي إلى عرقلة الحوار والتوصل إلى حل سياسي، حيث أن مجلس النواب بطبرق اعتبر قوات ما يعرف بفجر ليبيا بطرابلس، ومجلس شورى ثوار بنغازي منظمتين إرهابيتين، وهوما يحول دون إمكانية التفاهم بين طرفين أحدهم يكفر الآخر سياسيا.
أيضا يعتقد الساسة الجزائريون أن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على هامش أعمال المداولات العامة للجمعية العامة أواخر الشهر الجاري بمدينة نيويورك الأمريكية الدول المعنية بليبيا بدعم مبادرة مبعوثه الخاص برناردينو ليون انطلاقا من أن ألا مكان للإرهابيين على طاولة المحادثات، لا تقدم فرصا جادة لإنجاح مبادرة المبعوث الأممي، إذ أنه بوفق أي مفهوم وتعريف يمكن إقصاء الإرهابيين من الحوار، حيث أن برلمان طبرق يعتبر كل المناوئين له من الإرهابيين ووجهه دعوات في أكثر من مناسبة لضرورة التدخل الدولي العسكري لمواجهة ما يعتبرهم هو إرهابيين.
في ذات السياق يواجه ممثلي مناوئي برلمان طبرق مشكلة على صعيد توحيد الخطاب السياسي والاتفاق على قيادة موحدة تؤسس قواعد متفق عليها للحوارات والمفاوضات التي ترعاها الدول والمنظمات الدولية، فهناك قيادات عسكرية في فجر ليبيا ومجلس شورى ثوار بنغازي ترى في نفسها الصلاحية والإمكانيات لخوض غمار مفاوضات معقدة، بجانب السياسيين المؤيدين لهم، وهو بحسب مراقبين ما قد يوقع فجر ليبيا ومجلس شورى ثوار بنغازي في فخ الشرذمة والانقسام.
في حين أن هناك أصواتا مرتفعة تطالب بأن يكون نوري بوسهمين ممثلا للتيار الرافض لمنطق الانقلابات العسكرية وعملية الكرامة التي يتزعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالشرق الليبي وأنصاره بغرب ليبيا، باعتباره لا ينتمي لأحد الأحزاب السياسية الكبرى بليبيا مما يخفف من حدة التجاذب بينها في عملية التفاوض، كما أنه ينتمي لمكون الأمازيغ الليبي والذي يشكل أقلية بين غالبية سكان من أصول عربية، وهو أيضا ما يُبعد بشكل كبير بحسب مراقبين شبح الانقسامات الجهوية، إضافة إلى قيادته للعملية السياسية إبان اندلاع الحرب بين مؤيدي فجر ليبيا، ومؤيدي حفتر، وزيارته لعدة دول عربية وإفريقية واستقباله بها بشكل رسمي من رؤساءها.
من جهة أخرى لم تتفق بعد الأطراف السياسية والعسكرية الرافضة لانعقاد مجلس النواب بطبرق على سقف أو مستويات التفاوض مع مجلس النواب الليبي، وممثلي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأبرز قيادات نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
فالمستوى الأول منها ينادي بإجراء إصلاحات داخلية عاجلة بمجلس النواب الليبي المنعقد بطبرق، تتمثل في إجراء تسليم واستلام صحيحين بينه وبين المؤتمر الوطني العام وفق الإعلان الدستوري، واعتبار قراراته الداعية إلى التدخل الأجنبي في ليبيا، وتلك التي صنفت قوات فجر ليبيا منظمة إرهابية، أو القرارات الحساسة ذات الطبيعة السيادية، كالتعيينات في مناصب سيادية عليا، كلها منعدمة ولا ترتب أية أثار قانونية بعد إصدارها.
بينما ينادي آخرون بضرورة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفق قانون انتخابات جديد، على أن يقود المؤتمر الوطني العام تلك المرحلة، كشرط أساسي للدخول في مفاوضات مباشرة مع من يسمونهم أطراف الثورة المضادة.
من خلال تحليلات سياسية عربية وغربية يبدو أن الأطراف السياسية والعسكرية المؤيدة لعملية فجر ليبيا ستدخل حوار الجزائر وحوارات أخرى، ولكن مع استمرار العمليات العسكرية لكسر عظم ما يعتقد مؤديو فجر ليبيا أنهم أنصار للثورة المضادة، وتسليم سلاحهم .