دخول الإمارات إلى حظيرة التطبيع فتح شهية دول عربية للسباق علنًا نحو “إسرائيل”، وتكهنت تقارير إعلامية بأسماء بلدان ضمنها المغرب، حيث من المتوقع أن تشملها الجولة المكوكية التي يجريها جاريد كوشنر كبير مستشاري دونالد ترامب، من أجل إقناع دول عربية بالانضمام إلى نادي المطبعين مع الدولة العبرية.
موقف حكومي أم حزبي؟
ساد صمت رسمي لمدة، ما فتح الباب أمام احتمال أن يكون المغرب ضمن المطبعين اللاحقين مع “إسرائيل”، لكن فيما بعد خرج رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، معلنًا رفض بلاده التطبيع من الكيان الصهيوني، معتبرًا أن أي شكل من أشكال التطبيع يحفز “إسرائيل” لمزيد من انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
تصريح رئيس الحكومة جاء خلال ملتقى لشبيبة حزب العدالة والتنمية، ما جعل خطابه يبدو كموقف حزبي، في ظل عدم صدور أي بيان رسمي من وزارة الخارجية أو من طرف العثماني كرئيس للحكومة، علمًا بأن السياسة الخارجية والدبلوماسية ما زالت تدخل ضمن المجال المحفوظ والخاص لملك البلاد.
المغاربة يعتبرون القضية الفلسطينية قضية وطنية، لكن موقف وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أصاب مناهضي التطبيع بخيبة أمل، في أثناء اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، في 9 من سبتمبر/أيلول المنصرم، حينما رفضت الجامعة العربية مشروع قرار تقدمت به دولة فلسطين يدين اتفاق التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب، بل حاولت إضافة بنود تضفي الشرعية على هذا الاتفاق.
دبلوماسية متوازنة
عبر التاريخ تبدو الدبلوماسية المغربية متوازنة، فهي لا تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتعتبر قراراتها تهم الشأن الداخلي وسيادة الدول، ولم يعرب المغرب عن أي موقف رسمي تجاه التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل”، حيث حافظ على مسافة في هذا الموضوع من باب احترام آراء الدول.
روج الإعلام العبري لزيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المغرب، فيما اعتبرت أصوات مناهضة للتطبيع، هذه الأخبار بمثابة بالون اختبار
يشغل ملك المغرب منصب رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، كما يحرص على حقوق الشعب الفلسطيني، وهو منسجم مع قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وسبق للملك محمد السادس أن أكد على أن “إنهاء أزمة الشعب الفلسطيني والقضاء على مسببات عدم الاستقرار في المنطقة، يمر عبر إقامة دولة فلسطينية فوق الأرض الفلسطينية، تكون محصلة لمفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في سقف زمني معقول وبضمانات دولية يقبل بها الطرفان”.
اختبار قبول الحكومة والشعب
توقع محللون أن يكون المغرب البلد التالي لتوقيع معاهدة سلام مع “إسرائيل”، لكنهم تجاهلوا أو لم يفهموا التزام الملك الأخلاقي والقوي بالقضية الفلسطينية، ويعتقد معظم مراقبي المغرب أن الملك سيتحرك نحو التطبيع عندما تكون هناك مفاوضات حقيقية وتنازلات تؤدي لدولة فلسطينية قابلة للحياة على حدود 1967 وعاصمتها القدس.
في كثير من الأحيان، روج الإعلام العبري لزيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المغرب، فيما اعتبرت أصوات مناهضة للتطبيع، هذه الأخبار بمثابة “بالون اختبار” ومحاولة لخلق جو لقبول مثل هذه الأمور، إذ تسعى تل أبيب من ورائها إلى اختبار مدى قبول الحكومة والشعب لمحاولة التطبيع، قبل أن يحدد الكيان الصهيوني خطواته المقبلة.
عندما عبر المغرب عن رفضه القاطع لصفقة القرن، حاولت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقايضة المغرب بملف الصحراء، أي مقابل تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، تعترف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على هذه المنطقة المتنازع عليها، وفتح قنصلية أمريكية بمدينة العيون، مقابل فتح سفارة إسرائيلية بالرباط، ولو أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء سيعزز موقف الرباط أمام المجتمع الدولي، فإنه لا يضمن أي حل للأزمة المستمرة منذ ما يزيد على أربعة عقود، في ظل تغييب باقي أطراف النزاع، أي الجزائر وجبهة “البوليساريو” الانفصالية.
“إسرائيل” تخلد عهد الحسن الثاني
لقد صفق الحقوقيون ومناهضو التطبيع لموقف الحكومة المغربية السابقة بزعامة الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي يوم 23 من أكتوبر/تشرين الأول 2000 عقب إصدار قرار إغلاق مكتبي الاتصال في كل من الرباط وتل أبيب بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وكانت الرباط قد أقامت علاقات دبلوماسية على مستوى مكاتب الاتصال في عام ستة وتسعين، كما فتحت مكتبًا للاتصال في غزة، وعزا المغرب إقامة هذه العلاقات إلى ما سماه بالرغبة في دعم لغة الحوار والتفاهم بدل “لغة القوة والغطرسة” للتوصل إلى السلام العادل والشامل.
الملك الراحل الحسن الثاني
ومنذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تم تشجيع المغاربة لدعم الفقراء في فلسطين، وقاد هذا إلى دعم عميق للدولة الفلسطينية داخل المغرب، لكن على طرف النقيض، أطلق الاحتلال الإسرائيلي اسم الملك الحسن الثاني على أحد شوارع مدينة بيتاح تيكفا احتفاءً بفترة حكمه التي وصفت بـ”التسامح مع اليهود”.
شارع على اسم الملك الحسن الثاني ملك #المغرب الراحل في مركز إسرائيل كما اقيم نصب لتخليد ذكراه في مدينة بيتاح تيكفا، احتفاء بفترة حكمه التي تميزت بالتسامح تجاه اليهود ومساهمته في التوسط في اتفاقية السلام التاريخية بين #مصر و #إسرائيل كما هناك شارع يحمل اسم ملك #العراق فيصل ال١ pic.twitter.com/9n2evwuUEZ
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) February 25, 2019
بعد حرب 67 دعا الحسن الثاني قادة ورؤساء الدول العربية إلى الاعتراف بـ”إسرائيل”، وضمها كذلك إلى جامعة الدول العربية، لقد خلص في كتابه “ذاكرة ملك” إلى أن “إسرائيل” لا يمكن أن تختفي، واعتبر أن من أساء إلى القضية الفلسطينية هم العرب أنفسهم عندما رفضوا تقسيم 47، وعوض ذلك رفعوا شعارات مهيجة تدعو لتدمير “إسرائيل” ورميها في البحر.
صراع دبلوماسي صامت
منذ قرون ظل التعايش بين اليهود والعرب في المغرب، أحد مقومات هذا البلد، وإبان فترة الاستعمار الفرنسي لم يكن اليهود يعانون من أي تضييق، لكن بعد استيلاء النازيين على فرنسا عام 1940 ووقوعها تحت قبضة فيشي، غير الفرنسيون معاملتهم تجاه اليهود، فعلى الرغم من وقوف الملك المغربي الأسبق محمد الخامس ضد حكومة فيتشي لصالح اليهود، فإنه أُجبر على التوقيع على معاهدات تمييزية ضد اليهود المغاربة.
هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطين
وبعد إنشاء الكيان الصهيوني، تزايد التضييق على اليهود المغاربة الذين بدأوا يهاجرون بشكل جماعي إلى فلسطين بتشجيع من منظمات صهيونية، إلى أن وصل تعداد الجالية اليهودية المغربية في “إسرائيل” إلى 800 ألف، بينما يعيش بالمغرب ما لا يزيد على 2000 يهودي معظمهم يتمركزون في الدار البيضاء، كبرى مدن البلاد.
يبدو أن المغرب كمن يمسك عصا التطبيع من الوسط، ففي الوقت الذي تعيش فيه الرباط وتل أبيب صراعًا دبلوماسيًا صامتًا، يحرص الطرفان على إبقاء العلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية سرية وبعيدة عن الأضواء، وفقًا لمصادر إعلامية إسرائيلية، تنهج المقاولات المغربية والإسرائيلية قنوات تجارية معقدة، ما يجعل من الصعب اقتفاء أثرها، بهدف التكتم على حجم العلاقات التجارية بين الطرفين، خاصة أنها تواجه بانتقادات شديدة من طرف الشارع المغربي.