هبت رياح انتخابات المغرب لعام 2021 بما تحمله من اختبار هو الأصعب من نوعه ستواجهه الأحزاب والنخب السياسية التي بدت كمن ينتظر الإشارات ولم تقم بأي مبادرات خلال مواجهة جائحة كورونا، ما جعلها محل انتقادات شديدة.
التحكم في العملية الانتخابية
التحديات نفسها تتجدد خلال السنة الانتخابية المقبلة، بدءًا من تعزيز الثقة في الأحزاب إلى الرفع من مشاركة الناخبين في الاقتراع. ولا حديث اليوم إلا عن مقترحات إصلاح العملية الانتخابية التي رفعتها الأحزاب، حيث اتفقت جميعها على تعديل القاسم الانتخابي، إلا حزب العدالة والتنمية – الذي يقود الائتلاف الحكومي الحاليّ -، اصطف وحيدًا غير موافق على المقترح الذي رفعته الأحزاب إلى وزارة الداخلية، واتهم هذا الحزب ذو المرجعية الإسلامية جهة ما غير الأحزاب بأنها تسعى إلى التحكم في العملية الانتخابية.
القاسم الانتخابي الجديد يعتمد على المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس عدد الأصوات الصحيحة المعبر عنها، وهو بمثابة “آلية قانونية” ينظر إليها حزب العدالة والتنمية بعين الريبة، معتبرًا نفسه مستهدفًا بالمحاصرة والعزل من الأحزاب المنافسة، بالتالي الحيلولة دون تصدره الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي.
ويبدو أن وزارة الداخلية تتجه إلى اعتماد هذا المقترح الذي لقي إجماعًا حزبيًا، فحسب ما كشفه موقع “هسبريس”، فإن الأحزاب رفعت شكاوى عن تضررها من الانتخابات السابقة، فرغم حصولها على آلاف الأصوات، فإنها فقدت العديد من المقاعد، بسبب طريقة احتساب القاسم الانتخابي.
حالة التشنج التي ترافق تعديل قوانين الانتخابات، تكشف عن تمثيل معيب وفاسد للديمقراطية
إن النقاش الدائر بشأن تخفيض العتبة وتغيير نمط الاقتراع وطريقة احتساب القاسم الانتخابي، لا يبدو إلا خطة تمهد الطريق إلى التحكم في العملية الانتخابية ومعاكسة الإرادة الشعبية، من وجهة نظر حزب العدالة والتنمية الذي ما فتئ ينتقد الأصوات الطاغية على هذا النقاش، بذريعة أن الوضع لا يحتمل أن يرأس حزب العدالة والتنمية الحكومة لمرة ثالثة، ومؤكدًا أن الديمقراطية لا تتعارض مع تولي حزب ما رئاسة الحكومة لمرات متعددة، ما دام ذلك يأتي عن طريق صناديق الاقتراع.
قلب صفحة الدستور
ربما اختار الحزب الإسلامي خطاب المظلومية، لعله يكسب تأييدًا مستقبليًا من الناخبين، وبصريح العبارة أشار عبد الله بووانو القيادي في حزب العدالة والتنمية إلى أن المستهدف الرئيسي من هذا التعديل هو حزبه، حيث يرى أن اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين “لا مبرر له وغير دستوري“.
وفي ذات السياق، أشار سليمان العمراني نائب الأمين العام للعدالة والتنمية إلى أن لا تجربة مقارنة تدعم هذا الخيار ولا المنطق يدعمه، مبررًا أن قرار الرفض كان “منطلقًا دستوريًا وسياسيًا، وليس لاعتبار ذاتي آخر“، وزاد متهمًا جهات – دون تسميتها – بالرغبة في قلب صفحة الدستور والاختيار الديمقراطي والعودة بالبلاد لما قبل 2011.
إن حالة التشنج التي ترافق تعديل قوانين الانتخابات، تكشف عن تمثيل معيب وفاسد للديمقراطية، حسبما اعتبر حزب العدالة والتنمية في بيان رسمي، حيث اتهم الخصوم السياسيين باستباق إرادة الناخبين عبر “التحكم في مخرجات العملية الانتخابية بأدوات غير ديمقراطية”، مؤكدًا أن ذلك يخفي وجهًا بشعًا للتحكم والنزوعات النكوصية، كما أشار إلى أن الديمقراطية المغربية لا تعني فوز العدالة والتنمية “إلا إذا كان القوم (أي الخصوم) قد سلموا أمرهم وأقروا حتى قبل خوض الانتخابات بأنهم مهزومون بلا شك”.
استعجال بمثابة فزاعة
غير أن المشاورات ما زالت مستمرة للتوصل إلى توافق بشأن إصلاح القوانين الانتخابية، ويبدو أن حزب العدالة والتنمية استعجل التعبير عن موقفه ضد القاسم الانتخابي الجديد، ما دفع بإدريس لشكر الأمين العام للاتحاد الاشتراكي، إلى اتهام العدالة والتنمية بخرق اتفاق الأحزاب الذي يقضي بعدم الإدلاء بأي تصريحات في أثناء المشاورات، وعدّ هذا الاستعجال بمثابة “الفزاعة للأطراف في البلاد”، مشيرًا إلى أن هناك طرقًا قانونية للطعن في دستورية طريقة احتساب القاسم الانتخابي، إما عبر المحكمة وإما البرلمان.
من الواضح أن حزب الأصالة والمعاصرة سوف يتضرر هو كذلك في حال إذا تم اعتماد القاسم الانتخابي الجديد
وعلى الرغم من أن النظام الانتخابي لا يتيح لحزب واحد الحصول على أغلبية المقاعد بالبرلمان، فإنه أدى إلى خلق قطبية ثنائية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة الذي حل ثانيًا في انتخابات 2016، وبدل أن يأتلف مع غريمه السياسي اختار الاصطفاف في المعارضة، فتشكلت بالتالي حكومة هشة ملونة بأطياف سياسية.
ولم تتشكل الحكومة إلا بعد شهور من المشاورات المتشنجة التي وصلت إلى باب مسدود، لتنتهي الأزمة بإعفاء رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران من طرف الملك وتعيين سعد الدين العثماني بدلًا منه، وبعد ثلاث سنوات تقريبًا من ولادة الحكومة، تدخل الملك بمقتضى الدستور، لإجراء تعديل حكومي، قلص الحقائب الوزارية إلى 24 وزيرًا.
هناك متضرر آخر
من الواضح أن حزب الأصالة والمعاصرة سوف يتضرر هو كذلك في حال إذا تم اعتماد القاسم الانتخابي الجديد، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع عدد مقاعده خلال الانتخابات المقبلة، ولعل ذلك ما يبرر الخلاف الذي حدث داخل بيته، فثمة من يؤيد اعتماد عدد المسجلين في الدوائر الانتخابية، بينما أطراف أخرى ترتئي الاستناد على الأصوات المعبر عنها، ما دعا الأمانة العامة إلى دعوة الأعضاء كافة للكف عن الإدلاء بتصريحات إعلامية تعبر عن موقف طرف واحد، إلى حين إعلان الموقف الرسمي للحزب.
أما المتضرر الأول من القاسم الانتخابي الجديد هو حزب العدالة والتنمية، بحكم أنه يتصدر إجمالي الأصوات الصحيحة في العديد من الدوائر الكبرى بفارق شاسع عن باقي منافسيه، في حين أن النظام الجديد المقترح على وزارة الداخلية سيقلص أهمية تلك الأصوات بالنظر للعدد الكبير للعازفين عن التصويت.
علاوة على ذلك قد تتخذ التغييرات الجوهرية في النظام الانتخابي شكلًا من شأنه أن يؤدي إلى إحداث تقارب كبير بين مقاعد الأحزاب السياسية الثمانية الكبرى، وتسهيل ولوج العديد من الأحزاب الصغيرة للبرلمان، لكن مسار هذه الأحزاب تشوبه أعطاب جمة، فكيف لمحطة انتخابية أن تكون قادرة على إصلاح ما أفسدته النخب السياسية، بعدما ساهمت بشكل مباشر في نزع ثقة الناخبين بالممارسة السياسية؟