ما زالت حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تواجه بصعوبة كبيرة تعقيدات المشهد العراقي، فإلى جانب الأزمة الاقتصادية والصحية التي تواجهها البلاد، تطرح الأزمة الأمنية هي الأخرى نفسها على طاولة النقاش، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بحماية المصالح الأجنبية في العراق، من هجمات الكاتيوشا التي تشنها خلايا غير معروفة الحركة والفعل، وهو ما يضع الكاظمي أمام تحديات حقيقية في إمكانية إنجاح المرحلة الانتقالية، تحديدًا في موضوع الانتخابات المبكرة التي سبق أن تعهد بإتمامها العام المقبل.
إن نظرة بسيطة على المشهد السياسي العام، توحي بصعوبة مهمة الكاظمي في المرحلة المقبلة، إذ ما زالت القوى السياسية الشيعية التقليدية تصر على عدم المساس بالتوازنات السياسية التي سبق أن أسستها بعد عام 2003، وتحديدًا عندما يتعلق الأمر بإجراءات مكافحة الفساد، التي من الممكن أن تطال العديد من القيادات الشيعية، كما أن القوى الكردية والسنية تنظر إلى خطورة تدهور الوضع الأمني في مناطقها، خصوصًا أن صواريخ الكاتيوشا وصلت إلى محيط مطار أربيل الدولي الأسبوع الماضي، إلى جانب التعرضات المتقطعة التي يقوم بها عناصر تنظيم داعش في محيط المدن السنية المحررة، كل هذه المتغيرات توحي بجهد كبير ينبغي على الكاظمي بذله، من أجل تطبيع الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق.
إيران والولايات المتحدة
في هذا الإطار أيضًا، يأتي التنافس الأمريكي الإيراني هو الآخر، ليلقي بظلاه على جهود حكومة الكاظمي التي ما زالت تعمل جاهدةً على إبعاد العراق عن ساحة التنافس هذه، ورغم حديث مسؤولين أمريكيين أن إيران غيرت مؤخرًا إستراتيجيتها العسكرية تجاه القوات الأمريكية في العراق، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل، حيث قللت عدد الصواريخ التي يتم إطلاقها على قواعد الولايات المتحدة، وعلقت ردها على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، فقد قال بعض المسؤولين والمحللين الأمريكيين إنه من غير المرجح أن تشن إيران والجماعات المدعومة من قبلها، هجومًا استفزازيًا قد يكون له تأثير على حشد الدعم الشعبي الأمريكي للرئيس دونالد ترامب في الأسابيع التي تسبق الانتخابات.
تصرف الحكومة العراقية رواتب موظفيها من إيرادات النفط الذي تذبذبت أسعاره بشكل كبير بعد انتشار فيروس كورونا
وفضلًا عما تقدم، جاءت التهديدات الأمريكية بإمكانية غلق السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، إلى جانب توجيه ضربات ضد جماعات مسلحة تقف خلف الهجمات الصاروخية التي تستهدف المقرات والمعسكرات الأمريكية، لتشكل تحديًا حقيقيًا أمام الكاظمي في إمكانية الخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر، ورغم التعهدات التي قدمها للجانب الأمريكي و25 سفيرًا عربيًا وأوروبيًا تم لقاؤهم في بغداد في 30 من سبتمبر/أيلول 2020، فحتى اللحظة لم يتوصل إلى إستراتيجية واضحة لكبح جماح خلايا الكاتيوشا المدعومة إيرانيًا.
إذ شكلت عملية تشكيل لجان تحقيقية واعتماد إجراءات وقائية، الخيار الوحيد الذي يعتمده الكاظمي حتى اللحظة، وهي إجراءات لم تثبت فعاليتها في تحقيق منجز أمني على الأرض، فمنذ 14 يوليو/تموز الماضي شُكلت ثلاث لجان للتحقيق في هجمات خلايا الكاتيوشا، إلا أن جميعها لم تتوصل إلى نتائج حقيقية، ورغم إصدار الكاظمي في 6 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، أمرًا ديوانيًا رقم 270، بتشكيل لجنة تحقيقية برئاسة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، للتحقيق بعمليات القصف والاستهدافات التي شهدتها بغداد ومدن أخرى في الفترة الماضية، على أن تنجز مهمتها في غضون 30 يومًا، فمن غير المتوقع أن تحقق شيئًا، وذلك بسبب الضغوط التي تعرضت لها اللجان السابقة، ومن المتوقع اللجنة الحاليّة، من قبل تحالف فتح الذي تنضوي تحته الفصائل الولائية المقربة من إيران، وتتهم بأنها تقدم الدعم اللوجستي والعسكري لخلايا الكاتيوشا وأنشطتها.
أزمة اقتصادية معقدة
تصرف الحكومة العراقية رواتب موظفيها من إيرادات النفط الذي تذبذبت أسعاره بشكل كبير بعد انتشار فيروس كورونا، وإجراءات الإغلاق التي فرضتها أغلب الدول على اقتصاداتها لمحاصرة انتشار الفيروس، وتحاول الحكومة العراقية تشريع قانون للاقتراض الداخلي، يمكنها من توفير رواتب الموظفين لثلاثة أشهر قادمة، لكن هذا السعي يواجه بالاعتراضات من البرلمان العراقي، خاصة بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على تمرير قانون سمح للحكومة باقتراض 15 ترليون دينار عراقي من المصارف المحلية (نحو 12 مليار دولار) وخمسة مليارات من البنك الدولي، ووضعت الحكومة العراقية الكثير من الضغط على البرلمان لدفعه لتشريع القانون الثاني للاقتراض، بعد أن قال وزير المالية العراقي علي علاوي: “الرواتب تحتاج إلى تمرير قانون الاقتراض الداخلي لدفعها”.
وحاولت اللجنة المالية البرلمانية التخلص من الضغط، بإعادة الكرة إلى ملعب الحكومة واتهامها “بالاقتصار على الاقتراض” لحل المشاكل الاقتصادية والتنصل من مسؤولياتها، وقالت اللجنة إن تصريحات وزير المالية تهدف إلى إحراج مجلس النواب ودفعه للموافقة على قانون من شأنه أن يتسبب بإفلاس العراق في ستة أشهر، في إشارة إلى قانون الاقتراض الذي تحاول الحكومة تمريره.
مهمة الكاظمي محفوفة بالمخاطر، وتحديدًا إذا لم تكن هناك تسوية أمريكية إيرانية لإنجاح مهمته خلال المرحلة المقبلة
واعتبر الكاظمي أن الأزمة الاقتصادية الحاليّة لم تمر في تاريخ العراق، وفيما أكد أن بعض القوى أو الجماعات تكرر نفس أخطاء الماضي، أشار إلى أن أمريكا وقعت في أخطاء كبيرة خلال احتلال البلاد، وأضاف في مقابلة أجرتها معه قناة العراقية الرسمية “الأزمة الاقتصادية الحاليّة لم تمر في تاريخ العراق سابقًا”، معتبرًا أن “الفوضى التي مر بها العراق هي انعكاسات لسوء الإدارة في البلد”.
كما تحدث عن أن الحكومة العراقية شرعت بفتح ملفات الفساد والجرائم الكبرى منذ منتصف سبتمبر الماضي، وتمكنت من وضع يدها على العديد من ملفات الفساد، فضلًا عن إجراء تغييرات إدارية في مؤسسات اقتصادية عديدة، أهمها البنك المركزي العراقي والمصرف العراقي للتجارة والمنافذ الحدودية، من أجل وضع حد للتدهور الاقتصادي الذي يعيشه العراق اليوم.
رغم المحاولات المستمرة التي يحاول من خلالها الكاظمي، الظهور بمظهر رجل الدولة القوي القادر على تحقيق نجاحات مهمة في الفترة المتبقية، فإن مفاجآت الواقع العراقي تبدو أقوى منه، وذلك بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الذي يعيشه العراق اليوم، وهي حالة ناجمة عن تفاعلات داخلية وخارجية مع الشأن العراقي، وتساهم قوى سياسية عراقية في تأجيجه، وبالشكل الذي يجعل مهمة الكاظمي محفوفة بالمخاطر، وتحديدًا إذا لم تكن هناك تسوية أمريكية إيرانية لإنجاح مهمته خلال المرحلة المقبلة.