ترجمة وتحرير نون بوست
اشتعل فتيل النزاع بين أذربيجان وأرمينيا حول منطقة ناغورني قره باغ المتنازع عليها مرة أخرى، وقد سبق أن تدخلت القوى ذات النفوذ في باكو ويريفان وعلى رأسها روسيا لوقف النزاع المسلح. لكن هذه المرة، يبدو الوضع مختلفًا إلى حد كبير لأن تركيا انحازت علانية إلى أذربيجان.
لقد دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن باكو، بينما قال وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو إن أنقرة ستقدم مساعدة عسكرية إلى باكو إذا طُلب منها ذلك، محذرًا من أنه في حال وصل النزاع إلى ناخيتشيفان، وهي جمهورية نخجوان ذاتيّة الحكم والمجاورة لتركيا، قد تضطر أنقرة حينها للتدخل.
الدعم التركي
وفقا للسلطات الأرمينية، قدمت تركيا بالفعل أسلحة إلى باكو، بما في ذلك طائرات دون طيار إلى جانب الخبراء العسكريين. هذا إلى جانب وجود تقارير واسعة النطاق تفيد بأن تركيا أرسلت مرتزقة من سوريا لمساعدة القوات الأذرية رغم نفي باكو لهذه الشائعات.
إذا ثبتت صحة المزاعم التي تفيد بوجود المساعدة التركية المباشرة، سوف يتزايد الضغط على روسيا لمساعدة أرمينيا خاصة أنه تجمعها اتفاقية أمنية معها. يمكن لأي تدخل روسي بدوره أن يصعّب على الغرب البقاء على الهامش. كما أن أي تدخل مباشر من قبل تركيا ينتج عنه خسائر واسعة النطاق في صفوف الأرمن، قد يؤدي إلى معضلة صعبة بالنسبة للغرب وتتسبّب في تصاعد حدّة التوترات.
باختصار، يمكن أن يتحول الصراع هذه المرة إلى نزاع إقليمي أو دولي، لكن من بين جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية – بخلاف الأطراف المتحاربة – فإن وضع إيران حساس بشكل خاص لعدد من الأسباب. أولا، هناك تقارب جغرافي، فعلى عكس تركيا، التي لا تحد أذربيجان، تجمع إيران حدود ممتدّة مع كل من أذربيجان وأرمينيا، بما في ذلك ناغورني قره باغ، مما يجعل أراضيها عرضة للهجمات المقصودة أو العرضية من كلا الجانبين.
هناك أيضا أطراف في باكو وأنقرة قد ترغب في إثارة المشاكل بين إيران وأذربيجان من خلال إرسال طائرة دون طيار أو صاروخ نحو الأراضي الإيرانية في حركة استفزازيّة، إذ أثبتت تقارير بالفعل هبوط طائرات دون طيار وصواريخ على الأراضي الإيرانية. وفي حال طال الصراع وتسبب في مشكلة لاجئين، فإن إيران ستتأثر بشدة. وفي سنة 1989، واجهت إيران تدفقا هائلا للاجئين الأذريين واضطرت إلى إنشاء مخيمات لهم عند اندلاع الصراع لأول مرة خلال الأيام الأخيرة لاتحاد السوفيتي.
النزاعات الإقليمية
يشمل عامل آخر النزاعات العرقية والإقليمية. وإلى حدود سنة 1828، كانت معظم الأراضي التي تشكل اليوم أذربيجان وأرمينيا جزءا من إيران، لكن وقع التفريط فيها لروسيا بعد حربين طويلتين. ومع ذلك، حافظت أذربيجان على روابط ثقافية وغيرها من العلاقات الوثيقة مع إيران حتى بعد الانفصال.
في أربعينيات القرن الماضي، أراد الاتحاد السوفيتي دمج أذربيجان الإيرانية في الاتحاد، لذلك أشاع بأن أذربيجان قُسّمت سابقا من طرف الإمبرياليين الفرس وبالتالي يجب إعادة توحيدها. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تبنت جمهورية أذربيجان المستقلة حديثا هذه الرواية.
في أوائل التسعينيات، نمت منافسة بين إيران وتركيا على فرض النفوذ في الجمهورية، بينما طورت إسرائيل علاقات وطيدة مع أذربيجان من أجل مراقبة إيران (وهو ما فعلته المملكة العربية السعودية في وقت لاحق.)
مقطع فيديو يعود تاريخه إلى 28 أيلول/ سبتمبر يزعم أنه يُظهر ضربة مدفعية أذرية موجّهة نحو الانفصاليين الأرمن في ناغورني قره باغ.
في خضم الصعوبات التي تواجهها إيران، عززت كل من الولايات المتحدة وأوروبا دور تركيا. ورغم الشكاوى العرضية حول سجل حقوق الإنسان في باكو، حافظت أنقرة على علاقات وثيقة مع باكو بسبب اهتمامها بموارد الطاقة الأذرية.
من الواضح أن إيران في معركة لا يمكن كسبها إذا خرج الصراع عن السيطرة. فانتصار أذربيجان على أرمينيا بمساعدة من تركيا من شأنه أن يشجع باكو وأنقرة على السعي بقوة نحو ضم جزء الثاني من أذربيجان التابع لإيران.
لتركيا وجود عسكري في جمهورية ناخيتشيفان المستقلة ذاتيََا، والتي تبعد 150 كيلومترًا فقط عن مدينة تبريز، عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية في إيران. وإذا امتد الصراع إلى هذه المنطقة، لا يمكن استبعاد خطر نشوب خلاف تركي – إيراني.
لكن إيران لا تستطيع أن تتحمل مواجهة عسكرية مع أذربيجان أو تركيا. ونظرًا لكبر عدد سكانها الأذريين، فإن الصراع مع باكو يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية. ونظرًا كذلك لتعرضها للضغط من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ومعظم دول الخليج العربية، فإنها بالكاد تستطيع محاربة تركيا. وحتى الرد الدفاعي من جانب طهران يمكن أن يؤدي إلى هجوم أمريكي على إيران.
البقاء على الحياد
بسبب وضعها الإقليمي والدولي الهش، اتبعت إيران منذ التسعينيات سياسة غير فعالة وحاولت تهدئة أذربيجان. لقد عرضت التعاون ودعمت وحدة أراضي أذربيجان. كما أقامت علاقات مع يريفان وعرضت التوسط لحل نزاع كاراباخ، إلا أن هذه السياسة قوبلت بالرفض من قبل كل من تركيا وروسيا والغرب.
يرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى العامل الإيراني، فقد أصبحت منطقة القوقاز مرتبطة بقضايا الشرق الأوسط. وحاولت “إسرائيل” والسعودية الضغط على إيران عبر أذربيجان. وقاتل المتطوعون الأذريون في الحرب السورية، ويقال الآن إن عددا من السوريين يهبون لمساعدة أذربيجان. وبالتالي، فإن كيفية تطور الصراع وانتهائه يمكن أن تؤثر على حسابات القوة في الشرق الأوسط.
قد يفرض الصراع الموسع تحديات سياسية على اللاعبين الدوليين الرئيسيين. فماذا سيفعل الغرب إذا ساعدت روسيا أرمينيا عسكريًا؟ هل يمكن أن يؤدي الصراع إلى خلاف عسكري تركي-روسي؟ ما هو تأثير الدور العسكري التركي النشط في الصراع على علاقة أنقرة مع حلفاء الناتو؟ ماذا لو تدخلت إيران؟ هل يبرر هذا توجيه ضربة عسكرية أميركية لإيران؟
إن العبرة من التصعيد الأخير هو أنه لا يمكن السماح لهذه النزاعات بالتفاقم، وأنه لا لنزاع أن يبقى مجمدا بشكل دائم.
المصدر: ميدل إيست آي