ترجمة وتحرير نون بوست
بعد وفاة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح عن عمر 91 سنة، يواجه أخوه غير الشقيق الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، البالغ من العمر 83 سنة، تحديًا هائلًا بسبب عجز كبير في الميزانيّة، وعدم القدرة على رفع سقف الدين العام، وانخفاض أسعار النفط، والعلاقة المتوترة مع مجلس الأمة ومع السعودية.
ظهرت صعوبة الوضع مباشرة قبل وفاة الشيخ صباح عندما خفّضت وكالة موديز تصنيف الكويت درجتين بسبب المخاوف من نقص السيولة.
في الواقع، سيعيق هذا الإجراء قدرة الكويت على الاستفادة من أسواق الأسهم العالمية لتمويل الشركات على المدى القصير والبعيد. ولتقديم تفسير بشأن خفض تصنيف دولة الكويت، أكدت موديز أن صافي إصدارات السندات السيادية يجب أن يصل إلى 27.6 مليار دينار كويتي (ما يعادل 90 مليار دولار أمريكي) من أجل تلبية متطلبات تمويل الحكومة الكويتية بين السنة المالية الحالية والسنة المالية التي تنتهي في آذار/مارس 2024. في وقت سابق من هذه السنة، أوضحت وزيرة الشؤون الاجتماعية مريم العقيل، أن المشكلة تكمن في رفض مجلس الأمة الدائم الموافقة على قانون الدين العام.
كانت الحكومة تسعى للحصول على موافقة البرلمان لاقتراض ما قيمته 20 مليار دينار كويتي، إلا أن الطلب تم رفضه. نتيجة لذلك، لم يبق أي خيار أمام العقيل سوى الاستمرار في سحب المال من الاحتياطي العام للدولة على الرغم من أنها أوضحت أن الاقتراض وزيادة الدين العام أقل تكلفة من سحب الأموال من صندوق الثروة السيادي.
كان هذا أحد المواضيع الأساسية التي تشغل شركة موديز، والتي شددت على أن “استمرار الجمود في معالجة مشكل السيولة يهدد الآن بشكل مباشر قدرة الحكومة على العمل، مما يشكّل تصعيدا كبيرا للصراع بين الحكومة والبرلمان”.
لا تزال الكويت تجني حوالي 50 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وأكثر من 90 بالمئة من قيمة صادراتها، وقرابة 90 بالمئة من عائداتها المالية من المنتجات البترولية
واجهت الكويت بوضعيتها الحاليّة انكماشا اقتصاديا بنسبة 1.1 بالمئة خلال الربع الأخير من سنة 2019، مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية، حتى قبل بدء حرب أسعار النفط الأخيرة بقيادة السعودية.
وفي كانون الثاني/ يناير، أي قبل شهرين من القرار الكارثي الذي اتخذته السعوديّة، صرحت العقيل أن سعر النفط المطلوب حتى لا تسجل الكويت عجزا في الميزانية، يجب أن يكون 81 دولارا أمريكيا للبرميل (من خام برنت)، وكشفت عن توقعات بعجز قدره 9.2 مليار دينار كويتي، ما يعادل 30 مليار دولار أمريكي، في ميزانية 2021/2020.
هذه السنة السادسة على التوالي التي تشهد فيها الكويت عجزا كبيرا في الميزانية، وتتجاوز التقديرات العجز الذي سجلته سنة 2020/2019، والذي بلغ 8.27 مليار دينار كويتي، حتى بعد تحويل 10 بالمئة من إجمالي الإيرادات إلى صندوق احتياطي الأجيال القادمة، الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار الكويتية.
لا تزال الكويت تجني حوالي 50 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وأكثر من 90 بالمئة من قيمة صادراتها، وقرابة 90 بالمئة من عائداتها المالية من المنتجات البترولية، لذا فإن احتمال استمرار انخفاض أسعار النفط في المستقبل القريب يجعل التوقعات سلبية بالنسبة لوكالة موديز وللعقيل، وللحاكم الجديد الشيخ نواف كذلك.
من الواضح أن هذه المشاكل في السيولة ستعرقل تنفيذ الخيار الأسهل بالنسبة للكويت لتنقذ نفسها من هذه المعضلة الماليّة، وهو زيادة إنتاج النفط الخام حتى بأسعار منخفضة. وبغض النظر عن اتفاقية أوبك بلس الحالية لتحديد سقف الإنتاج، لطالما كانت خطة الكويت تتمثّل في زيادة إنتاجها من النفط الخام إلى 4 ملايين برميل يوميا، وفي نيسان/أبريل تمكنت الكويت من انتاج 3.15 مليون برميل يوميًا.
كان هذا نتيجة لاستئناف الإنتاج في المنطقة المحايدة التي تشترك فيها مع المملكة العربية السعودية، وزيادة الكميات في الحقول الشمالية. بحلول أغسطس/آب، انخفض الرقم إلى أقل من 3 ملايين برميل يوميا من النفط الخام الثقيل والنفط الخام الحمضي، بعد إعلان مؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة عن خفض ميزانيتها لإنتاج النفط والغاز من 3.7 إلى 3 مليار دينار كويتي ( أي 9.9 مليار دولار أمريكي).
قبل استئنافه في هذه السنة، كان الإنتاج في المنطقة المحايدة متوقفا لحوالي خمس سنوات، بعد أن قام السعوديون بإيقاف العمليات المشتركة بدعوى أن الموقع “غير متوافق مع المعايير البيئية الجديدة للانبعاثات
يبقى أن نرى ما إذا كان الشيخ نواف قادرا على تغيير حالة الجمود السياسي بما يملكه من خبرة، حيث عمل بكفاءة كوزير للداخلية من سنة 1978 إلى سنة 1988، وشغل منصب وزير الدفاع من سنة 1988 إلى 1991، وعمل قائما بأعمال وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من سنة 1991 إلى 1992، ثم نائبا لرئيس الحرس الوطني الكويتي من سنة 1994 إلى 2003.
ومنذ نهاية سنة 2003 إلى غاية تعيينه وليا للعهد سنة 2006، استلم الشيخ نواف منصب وزير الداخلية مجددا وتولى منصب نائب رئيس الوزراء.
كل هذه المناصب، لا سيما في مجال الدفاع والحرس الوطني، إلى جانب وزارة الداخلية التي تشرف على أجهزة المخابرات الكويتية، ستمنحه فكرة عن أفضل الطرق للتعامل مع تقلبات حكام السعودية، وهو أمر ضروري، ليس فقط فيما يتعلق بصفقات أوبك بلس، ولكن أيضا لحماية مصالح الكويت في المنطقة المحايدة.
حاليًا، تعمل المنطقة المحايدة بشكل طبيعي، لكن هذا لا يعني أن السعوديين قد لا يغلقونها مرة أخرى دون سابق إنذار ولأسباب انتقامية بحتة، كما فعلوا في الماضي.
قبل استئنافه في هذه السنة، كان الإنتاج في المنطقة المحايدة متوقفا لحوالي خمس سنوات، بعد أن قام السعوديون بإيقاف العمليات المشتركة بدعوى أن الموقع “غير متوافق مع المعايير البيئية الجديدة للانبعاثات، والتي أصدرتها هيئة الأرصاد السعودية، وهيئة البيئة”. ووفقا الوكالة السعودية، حدث تسرب للغاز في إحدى المنصات الخمسة عشر للمنطقة المحايدة. (بالإضافة إلى إنتاجه حوالي 280 إلى 300 ألف برميل يوميًا من الخام قبل إغلاقه مباشرة، أنتج الموقع حوالي 125 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا من الغاز كذلك).
إلا أن السبب الحقيقي، وفقًا لما كشفته مصادر مطلعة على صناعة النفط والغاز في الشرق الأوسط لموقع أويل برايس، هو أن السعودية أرادت أن تُظهر لجارتها بحزم أنها الطرف الأقوى، وكان ذلك ردا على قيام الكويت بخفض أسعار النفط للعملاء الرئيسيين في آسيا.
إضافة إلى ذلك، عرقلت الكويت في تلك الفترة حصول شركة شيفرون السعودية على تصاريح للعمل في المنطقة – مما هدد من قدرة الشركة على المضي قدما في مشروعها لحقن البخار، والذي كان يهدف لزيادة إنتاج النفط الثقيل في المنطقة بأكثر من 80 ألف برميل في اليوم.
بدأت السعودية في الكذب مجددا بشأن مستويات إنتاج النفط – مباشرة بعد هجمات الحوثيين المدعومين إيرانيا على منشآت بقيق وخريص في أيلول/ سبتمبر 2019 – واضطرتها الحاجة لاستخراج كميات أكبر من النفط إلى السماح أخيرًا بإعادة فتح المنطقة المحايدة.
في الواقع، كان إغلاق السعودية للمنطقة المحايدة – إلى جانب تحريضها على حرب أسعار النفط في 16 شباط/فبراير 2014 – السببين الرئيسيين فيما عاشته الكويت من مصاعب مالية، حيث بدأ العجز الكبير في الميزانية الكويتية في نفس السنة (2014) التي أغلقت فيها السعودية حقل الخفجي النفطي في المنطقة المحايدة، لتقضي بذلك على الفائض النفطي الكويتي بضربة واحدة.
كما أن الإغلاق صعّب على الكويت تنفيذ خطتها الاقتصادية الأساسية (مشروع الكويت) لزيادة إنتاج النفط الخام والمكثفات إلى 4 ملايين برميل في اليوم، قبل نهاية تلك السنة.
أضاف الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت عماد سلطان أن الاستراتيجية تتمثل في تأمين معدلات إنتاج لا تقل عن 60 ألف برميل من الزيت الثقيل يومياً
لكن لا يزال لدى الشيخ نواف سببان يدعوان للتفاؤل؛ الأول هو أنه بصرف النظر عن التأثير السلبي قصير المدى لتخفيض تصنيف الكويت، فإن إمكانية إدراج الكويت في مؤشر وكالة “إم أس سي آي” للأسواق الناشئة لا يزال قائما، مع احتمال تأجيل المصادقة عليه مرة أخرى لما بعد تشرين الثاني/ نوفمبر.
في هذا الإطار، أوضحت الوكالة أن التأجيل الأخير – من أيار/مايو إلى تشرين الثاني/نوفمبر – كان بسبب جائحة كوفيد-19، وأن بورصة الكويت تواصل تلبية جميع المعايير اللازمة لتصنف في مؤشرات الأسواق الناشئة.
يعني ذلك أن جميع الصناديق العالمية التي تستخدم مؤشر “إم أس سي آي” ستقوم بإدراج الكويت تلقائيا إذا صادق عليها المؤشر. اعتبارًا من بداية عام 2020، تم قياس أصول لا تقل عن 1.8 تريليون دولار أمريكي على مستوى العالم لمجموعة مؤشرات الأسواق الناشئة لشركة “إم أس سي آي”.
يكمن السبب الثاني في إعلان شركة نفط الكويت مؤخرًا أنها تهدف لطرح مناقصات لشراء 24 منصة حفر لدعم خطط توسيع طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز. وفي الوقت نفسه، بدأت مؤخرًا عمليات تصدير الشحنة الأولى من الخام الثقيل (500 ألف برميل) للسوق العالمية من حقل جنوب الرتقة.
وقد أضاف الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت عماد سلطان أن الاستراتيجية تتمثل في تأمين معدلات إنتاج لا تقل عن 60 ألف برميل من الزيت الثقيل يومياً، من حقل جنوب الرتقة في المرحلة الأولى، ليضاف ذلك الإنتاج إلى النفط الذي يتم إنتاجه حالياً من حقل أم نقا، والذي يبلغ 15 ألف برميل من النفط الثقيل يومياً. علاوة عن ذلك، تمضي شركة نفط الكويت قدمًا في تطوير ثلاثة حقول جديدة في المنطقة الغربية، وهي “أم الروس” و”كراع المرو” و”كبد”.
المصدر: أويل برايس