بعد نحو 9 سنوات على بداية تحللها منه، عادت حركة حماس إلى تعليق الآمال على “محور المقاومة” في الشرق الأوسط، عقب تعاظم المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية وغياب الحلفاء وخيانة الأشقاء.
فقد بدا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في كامل تفاؤله حينما ظهر في سبتمبر/أيلول في مقابلة على قناة المنار اللبنانية، إحدى المنابر الإعلامية لـ”محور المقاومة” الذي تقوده إيران في المنطقة في 4 دول عربية هي لبنان وسوريا واليمن والعراق.
وقال هنية في اللقاء: “نحن ننتمي إلى تيار المقاومة العريض في المنطقة من أجل المحافظة على ثوابت الأمة في فلسطين. معركتنا ستظل مع العدو الصهيوني مستندين إلى كتلة صلبة في المنطقة هي محور المقاومة”.
لكن هذا المحور المتصدع الذي انسلخت عنه حماس لسنوات بسبب وقوفه ضد إرادة الشعوب في ثورات الربيع العربي عام 2011، لم يعد قائمًا كالسابق، ومن هنا يرى البعض أن الحركة عادت للتعويل على فريق منهك بالفعل وغارق في المشاكل والأزمات.
وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت حماس إلى عقد الآمال من جديد على هذا المحور – ومنها العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة و”صفقة القرن” وضم أجزاء من الضفة الغربية إلى “إسرائيل” وتصاعد التطبيع العربي معها -، فإن السؤال الأبرز الذي يلوح في الأفق: أين محور المقاومة؟
النظام السوري
في الـ3 من مارس/آذار 2020، كشف هنية أن الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله لا يمانع وجاهز لو طُلب منه أن يقوم بدور ما فيما يتعلق بالعلاقة مع دمشق، معربًا عن أمانيه الدائمة لسوريا بالاستقرار والأمن ووحدة أراضيها، وهو ما اعتبره البعض بمثابة عرض لإذابة الجليد بين الطرفين.
وتعليقًا على هذا التصريح، يقول المحلل السياسي عبد الستار قاسم: “لم يترك هنية مجالًا للشك بأن حماس جادة في إعادة العلاقات مع سوريا والتعاون معها في مواجهة التحديات خاصة ما يتعلق بالتحدي الصهيوني”، ورأى في مقال له بعد أيام من تصريح هنية أن “اقتراب حماس من إيران وحزب الله يعني أنها تتدارك ما حصل من هفوات ومن توتر في العلاقات خلال سنين الحرب السورية، وتبحث عن سبل من أجل أن تكون جزءًا لا يتجزأ من محور المقاومة”، وتابع “انطلقت حماس نحو محور المقاومة وفتحت أبوابًا نحو طهران ووثقت علاقاتها بحزب الله، لكن سوريا أبقت على أبوابها مغلقة بوجه الحركة حتى الآن”.
بل إن النظام السوري تجنب إدانة اتفاق السلام بين تل أبيب وكل من الإمارات والبحرين الذي وصفته حماس بـ”الخيانة للقضية الفلسطينية”، ما يؤشر بحسب تقديرات عربية وإسرائيلية إلى احتمالية وجود مفاوضات بين الطرفين خاصة أن دمشق تسعى للخروج من العزلة السياسية.
وقالت صحيفة الشرق الأوسط السعودية، نقلًا عن دبلوماسيين عرب إن هناك اعتقادات بأن دمشق معنية باستئناف المفاوضات مع “إسرائيل”، رغم أن القرار لم يتخذ بعد، وفي ذات السياق أكدت صحيفة معاريف العبرية أن رئيس النظام السوري بشار الأسد في أزمة دبلوماسية كبيرة، وفجأة يبدو أنه تذكر أن “الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب”.
ومما يؤكد عمق الفجوة بين حماس والنظام السوري، تصريح الأسد لقناة “العالم” الإيرانية في يونيو/حزيران 2018، بأن مجموعات فلسطينية، لم يذكرها، تستخدم المقاومة لتحقق أهدافًا سياسيةً تحت عنوان الدين، قاصدًا “حماس” التي خرجت من دمشق عام 2012 لعدم رغبتها في الانخراط بالصراع السوري، الأمر الذي اعتبره النظام خذلانًا له، بعد أن استضافها لديه منذ عام 2000، وقدم إليها التسهيلات التي طلبتها، وهو ما لا تنكره الحركة.
لكن في سوريا ما بعد الثورة، لا يأخذ الأسد الكثير من القرارات الحصرية، ويجب أن يضع في عين الاعتبار آراء ومواقف داعميه الأساسيين إيران و”حزب الله”.
حزب الله
في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2020، أعطت الدولة اللبنانية ومن خلفها جماعة “حزب الله”، الضوء الأخضر للانطلاق باتفاق الإطار لترسيم الحدود البرية والبحرية مع “إسرائيل”، بعد سنوات من الجهود والمساعي الأمريكية لحل الأزمة.
ستنطلق المفاوضات وفق ما أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، برعاية الأمم المتحدة، منتصف أكتوبر/تشرين الأول، حيث يخوض لبنان نزاعًا مع “إسرائيل” على منطقة في البحر المتوسط، التي تبلغ نحو 860 كيلومترًا مربعًا، وتعرف بالمنطقة رقم 9 الغنية بالنفط والغاز، وأعلنت بيروت في يناير/كانون الثاني 2016، إطلاق أول جولة تراخيص للتنقيب فيها.
وتثير الخطوة تساؤلات، بشأن دلالتها من جهة اعتراف لبنان بـ”إسرائيل” وإمكانية نزع سلاح “حزب الله” ومدى ارتباطها بتطبيع الإمارات والبحرين والحديث عن مفاوضات سرية لتطبيع دمشق، إضافة إلى أسباب حرص واشنطن على الاتفاق في هذا التوقيت.
في هذا الشأن، يقول المحلل السياسي اللبناني الدكتور باسل صالح إن المحور الإيراني وخاصة “حزب الله” يمر بوقت عصيب دفعه إلى التفاوض مع واشنطن بعد انفجار مرفأ بيروت في الـ4 من أغسطس/آب، حيث يواجه الحزب اتهامات بالتسبب فيه، وقال صالح لـ”نون بوست”: “المحور الإيراني يعرف تمامًا ما تريده واشنطن، ولذلك فهو فضل التفاوض بهذه الورقة في ظل لحظة تأزم وضغط يمر بها “حزب الله” على مستوى الساحة اللبنانية، حيث الانهيار في المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
ويريد الحزب من اتفاق ترسيم الحدود، محاولة تخفيف الضغط المجتمعي والشيعي الداخلي خصوصًا، وتجنب تزايد العقوبات الأمريكية، لأنه يعرف أن ما يهم واشنطن هو أمن “إسرائيل”، ومن هنا يمكن قراءة هذا التناول، وفق ما قال.
ويراهن المحور الإيراني، بحسب صالح على حدوث تغيير في سلوك الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه لبنان، حال فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية بواشنطن نوفمبر/تشرين الثاني.
ولتحقيق ذلك، قد يتجنب الحزب الاحتكاك أو التصعيد تجاه تل أبيب خاصة أنه يسعى لتخفيف العزلة الدولية، وهو ما يجعله في زاوية أخرى لما تتطلع إليه حركة حماس التي تدعو للتصعيد ضد إجراءات الاحتلال الإسرائيلي بشأن الأرض والقدس.
يؤكد باسل أن المحور الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان وحتى في طهران نفسها مأزوم، وأحد الإشارات على ذلك، تمسك “حزب الله” بوزارة المالية اللبنانية التي تعتبر “مطلبًا له ولإيران على حد سواء، فهي الجهة الرسمية الوحيدة التي قد يكون لطهران السطوة فيها ويستطيع التصرف من خلالها على مستوى رسمي في المنطقة”.
الفصائل العراقية
لطالما تولّدت قناعة في العراق، لا سيما لدى الفصائل المسلحة المدعومة من طهران، أن البلاد قد تتحول إلى ساحة إضافية للمواجهة الإسرائيلية الإيرانية بعد سوريا ولبنان، لكن الوجود الأمريكي في بغداد كان دائمًا بمثابة سد منيع لهكذا سيناريو.
ومما يذكر هنا، الضربات التي اتهمت “إسرائيل” بشنها، في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2019، واستهدفت مستودعات أسلحة وذخيرة تابعة لفصائل مسلحة مرتبطة بإيران، حيث وسعت تل أبيب نطاق هجماتها لتشمل العراق، بعد مئات الهجمات على مواقع مماثلة في الجارة سوريا، طيلة الأعوام الماضية.
وتعرضت 4 معسكرات أو قواعد تابعة للحشد الشعبي في ذلك الوقت لهجمات نفت واشنطن مسؤوليتها عنها، كما لم تكشف التحقيقات الرسمية المعلنة عن أدلة تدين “إسرائيل”، غير أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ألمح وقتها إلى مسؤولية تل أبيب عندما صرح “ليس لإيران حصانة في أي مكان، سنتحرك ضدهم أينما تستدعي الحاجة، وأيدينا طويلة”.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الذي زار بغداد في مايو/أيار 2019، الحكومة العراقية من مواصلة نقل ونصب صواريخ إيرانية بعيدة المدى في المناطق الشمالية للعراق، بما يشكل خطرًا على أمن دولة الاحتلال، مبينًا أن “إسرائيل” قد تستهدف هذه المواقع إذا لم يتم إخراج الصواريخ منها.
في الأثناء، يدفع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي إلى التخلص من القيود التي كبّلت عمل أسلافه وذلك من خلال السعي إلى تفكيك المليشيات الموالية لإيران، وهو شرط أساسي للولايات المتحدة من أجل تقوية شراكاتها مع العراق.
ووفقًا لتقديرات مختلفة، بينها رئيس مركز أبحاث الأمن القومي الجنرال عاموس يدلين، فإن إيران تسعى لاستغلال الأراضي العراقية عبر تعزيز وجود مليشيات شيعية تابعة لها، كنقطة انطلاق لتوجيه ضربات صاروخية ضد “إسرائيل” في حال اندلاع مواجهة بين الطرفين.
لكن مثل هذه المواجهة التي تخدم حركة حماس في حشد قوى عديدة على أكثر من جبهة ضد “إسرائيل”، تبدو بعيدة المنال، خاصة بعد أن قطعت أمريكا يد إيران في العراق وعراب محور المقاومة في المنطقة قاسم سليماني بعد اغتياله في يناير/كانون الثاني 2020.
وعلى غرار النظام السوري، لا توجد علاقات من أي نوع تربط حركة حماس بالمليشيات العراقية المسلحة، كما هو الأمر مع راعي إيران في لبنان، “حزب الله”، وهو ما يضعف احتمالية توحد مثل هذه الجبهة.
جماعة الحوثيين
منذ انقلاب جماعة الحوثيين في اليمن ضد الحكومة اليمنية واجتياحها العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، أعلنت حركة حماس وقوفها مع “الشرعية السياسية” وخيار الشعب، وأكدت حماس التي توترت علاقتها مع إيران مع بداية النزاع السوري، أنها مع وحدة اليمن وأمنه واستقراره ومع الحوار والتوافق الوطني بين أبنائه، وهو الموقف الذي لم يتغير حتى اليوم.
وفي محاولة من الحوثيين للتقرب من حماس، أعلن عبد الملك الحوثي زعيم الجماعة التي تسمّي نفسها “أنصار الله”، في محاكاة لـ”حزب الله” اللبناني، حتى في “الشعار”، استعداده لمبادلة طيار سعودي أسير و4 ضباط آخرين بمعتقلين لحركة حماس في السعودية، وذلك في مارس/آذار 2020.
وبدورها، أعربت حركة حماس عن شكرها وتقديرها لمبادرة جماعة الحوثي اليمنية، دون تقديم أي ثمن سياسي للمحور الإيراني، حيث تؤكد الحركة دائمًا أنها لا تقبل أي دعم مشروط.
يقول الكاتب ياسر الزعاترة إن مبادرة الحوثي “هي لعبة إعلامية لإظهار نفسه بمظهر الحريص على القضية الفلسطينية من جهة، ولإظهار الطرف الآخر بمظهر المناهض لها”.
ويتابع في مقال نشره موقع “عربي 21”: “من الواضح أن الحركة فوجئت بالمبادرة، بدليل التردد لبعض الوقت قبل الرد الذي لا يُستبعد أنه جاء نتاج إلحاح إيراني، لا سيما أن الرفض يمثل ضربة للحوثي ولإيران معًا، في وقت أصبحت فيه طهران أهم الداعمين، خاصة فيما يتعلق بالسلاح لقطاع غزة، بل حتى بالمال بعد شحّ المصادر الأخرى”.
كما يتضح أن الجبهة الحوثية غير مفيدة عمليًا لحماس، بالنظر إلى رفض الحركة الانقلاب وعجز المليشيا وعدم اهتمامها حتى بطرد “إسرائيل” من جزيرة سقطرى التي منحتها الإمارات يدًا هناك، حيث تعمل تل أبيب على إنشاء قاعدة استخباراتية هناك، وفق تقارير صحفية نشرت مؤخرًا، ومما يعرقل أي محاولات للتعاون في الداخل اليمني، أن حركة حماس تشدد دائمًا على أنها لا تعمل خارج فلسطين ضد أحد ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولا تقاتل خارج الأراضي المحتلة.
الوطن الأم
في مايو/أيار 2020، لخَّص حسن نصر الله جميع الأزمات والكوارث المختلفة التي تمر بها طهران بقوله: ليس فقط “حزب الله” وحده، بل أيضًا “محور المقاومة” كله محاصر حاليًّا في “شِعْب أبي طالب”، مثلما حصل في السابق مع النبي الحبيب محمد.
وقال موقع قنطرة للدراسات في مايو/أيار: “إيران، الوطن الأمّ لهذا المحور، عالقة في وضع يائس لا مخرج منه، إذْ لا توجد فيها تجارة خارجية تستحق عليها هذا الوصف، والعقوبات المفروضة عليها شاملة، وكذلك لا توجد أي علاقات مصرفية مع طهران، حتى إن الحدود مع الجارة العراق – كانت – مغلقة – في ذلك الوقت – بسبب جائحة كورونا”.
كما أنه في سبتمبر/أيلول 2020، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على إيران، في خطوة من شأنها تأكيد إعادة جميع عقوبات الأمم المتحدة ضد طهران، وهو ما يرفضه حلفاء رئيسيون مثل الاتحاد الأوروبي (الذي يقول مراقبون إنه ليس لديه تأثير في الشرق الأوسط)، إلى جانب روسيا والصين.
لكن فيما يخص حركة حماس، وبعيدًا عن كل ما سبق، عبرت زيارة إسماعيل هنيّة السريعة إلى إيران ومشاركته في جنازة قاسم سليماني رغبة من حماس ليس فقط بمواصلة الحصول على الدعم المالي الإيراني والعسكري فقط، بقدر ما هي توجه لديها بإقامة تحالف حقيقي مع طهران يتجاوز دائرة الصداقة والتفاهمات إلى ما هو أبعد من ذلك، وفق ما يقول المحلل السياسي عدنان أبو عامر.
ويوضح أبو عامر في تقرير نشره موقع المونيتور الأمريكي في يناير/كانون الثاني أن ذلك “ينقل العلاقة من المصلحة المالية والعسكرية إلى الانخراط الإستراتيجي مع إيران، وهو أمر يجعل حماس في قلب السياسات الإقليمية بالمنطقة، رغم ما تؤكده بشأن استقلالية قرارها”.
ولفت إلى أنه “يمكن الحديث أن زيارة هنية أعلنت تحالفًا رسميًا صريحًا، وليس تلميحًا بين حماس وإيران، الأمر الذي سيمنح الحركة مزيدًا من الدعم، وفي الوقت ذاته، قد يلقي عليها تبعات كثيرة لانخراطها في المحور الإيراني بسياساته الإقليمية، الأمر الذي قد يستجلب سياسة أكثر عدائية تجاهها من بعض دول المنطقة، لا سيما من السعودية ومصر وحلفائهما الخليجيين”.
وفي السياق، قال مركز أبحاث إسرائيلي، إن مصر قررت معاقبة رئيس حركة حماس إسماعيل هنية كونه أخل بالشروط التي سمحت له بموجبها بالخروج من قطاع غزة وزار إيران ليقدم العزاء في اغتيال الجنرال قاسم سليماني، جاء ذلك في تحليل لـ”مركز القدس للشؤون العامة والسياسية” في يناير/كانون الثاني، ذهب فيه إلى أن مصر غير راضية عن التقارب بين الحركة ونظام الملالي في طهران.
وقد يعود السبب في ذلك إلى التحالف الوثيق بين مصر والسعودية والإمارات، أبرز خصوم لإيران في الشرق الأوسط، مما يفتح المجال للتكهن بإمكانية لجوء النظام المصري إلى تضييق الخناق على حركة حماس وعرقلة وصول إمدادات عسكرية جديدة لها، في ظل تساوق القاهرة الشديد مع خطط تصفية القضية الفلسطينية وعدم إدانتها لها.