تخللت أحاديث كمالا هاريس ومايك بينس في مناظرة نواب الرئيس معلومات خاطئة ومراوغة وطمس لبعض الحقائق، بعبارة أخرى كانت المناظرة شبيهة بالحوارات السياسية التقليدية من عصر ما قبل ترامب، لذا لم يُخفِ مراقبون ومعلقون رضاهم النسبي عن جو المناظرة الذي مثّل استراحة من أربع سنوات من حوارات وتغريدات ترامب التي يغلب عليها الكذب الذي قد يصل إلى استغباء السامعين. وكان أبرز المواقف التي ميّزت هذه المناظرة، إشادة بينس بـ”الطبيعة التاريخية لترشح كمالا هاريس”، ابنة المهاجرين من أصل جامايكي وهندي.
اتهمت هاريس، نائبة نائب الرئيس السابق أوباما المرشح الديمقراطي الحاليّ جو بايدن، إدارة ترامب بالفشل الأكبر في تاريخ البلاد بمواجهة كورونا، لكن هذا الاتهام كان بلغة هادئة، ورغم مقاطعة بينس لها عدة مرات، فإنها لم تتأسّ برد بايدن في المناظرة الرئاسية حين طالب ترامب بأن “يَصمت“، وليس ذلك لضعف لديها، فهي السياسية المخضرمة ذات الباع الطويل في الادعاء العام التي خاضت أشرس النقاشات مع إدارة ترامب وأشهرها جلسة الاستماع للقاضي كافانا.
سلطت هاريس خلال المناظرة الضوء على فشل الإدارة في التعامل مع أزمة كورونا، مؤكدة أن ترامب والمقربين منه أدركوا منذ يناير/كانون الثاني خطورة هذه الأزمة لكنهم لم يعلنوا ذلك للناس ويتصرفوا بالجدية المطلوبة، في حين دافع بينس عن سجل الإدارة بأسلوب هادئ وعبارات كاملة بأداء محكم بغض النظر عن نسبة الحقيقة فيما قاله.
وصف بينس تعامل الإدارة الأمريكية مع أزمة كورونا بأنها “أكبر تعبئة على مستوى البلاد منذ الحرب العالمية الثانية”، في محاولة للتقريب بين أفكار الحملتين الانتخابيتين تجاه كورونا بقوله إن خطة بايدن للتعاطي مع كورونا مشابهة للغاية للخطوات التي اتخذتها إدارة الرئيس ترامب، ولدى سؤاله عما إذا كان ترامب سيسلم بنتيجة الانتخابات إذا كانت لصالح بايدن، وبدلًا من أن يجيب إجابة مباشرة، هاجم بينس الديمقراطيين الذين حاولوا “محاكمة الرئيس بسبب مكالمة هاتفية”.
بدت الفروقات بين الطرفين أوضح ما تكون في ملف السياسة الخارجية، بين الديمقراطيين الداعين إلى إعادة العلاقة مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، والجمهوريين الداعين إلى نهج أكثر عدائية من قبيل الحروب الاقتصادية على الصين، وفي هذا الإطار، انتقدت هاريس ما وصفته خيانة الرئيس ترامب لأصدقاء الولايات المتحدة حول العالم مقابل علاقته الحميمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين تجاهل بينس الاتهام بشأن العلاقة مع روسيا واكتفى بالتعبير عن استعداد ترامب لمواجهة الإرهابيين والحكومات التي وصفها بـ”المعادية للمصالح الأمريكية”.
لم تكن سوزان بيج مديرة مكتب جريدة يو إس إي تودي بواشنطن، خيارًا جيدًا لإدارة المناظرة حسب مراقبين ليبراليين، لأنها اتخذت مواقف تبدو مؤيدة لترامب مؤخرًا باحتفالها بتعيين اثنين من مسؤوليه، ورغم أنها لم تتحيز لصالح مرشح دون آخر في المناظرة، فإن أداءها كان ضعيفًا، فقد اكتفت معظم الوقت بقراءة الأسئلة المكتوبة أمامها دون أن تتدخل للضغط على أحد المرشحين للالتزام بموضوع السؤال، وهما لم يضيعا الفرصة واستغلّا وقتهما بطرح آرائهما الخاصة على القضايا التي يريدان بدلًا من إجابة الأسئلة.
Susan Page: Insightful question
Candidate: That’s a great question. Please allow me to answer it with a different answer I’ve memorized.
— Tal Kopan (@TalKopan) October 8, 2020
حصل بينس على وقت للحديث أطول بثلاث دقائق مما حصلت عليه هاريس بواقع 38 إلى 35 دقيقة، وقاطعها أكثر مما قاطعته، وتفاوتت تقديرات عدد المرات التي قاطع فيها بينس هاريس بين 10 مرات و16 مرة، في حين قاطعته هي بين 5 و9 مرات، لكن هذه الأرقام لا تذكر إذا قورنت بمقاطعات ترامب لبايدن التي بلغت 71 مرة، في حين قاطعه بايدن 22 مرة.
مقاطعة بينس لهاريس أثارت تحفظ بعض المراقبين الذين رأوا فيها تمييزًا ضد امرأة ذات بشرة ملونة، خاصة مع محاولة هاريس أن لا تظهر بمظهر المهاجم، فبدلًا من أن تقول: “توقف عن مقاطعتي”، اكتفت بقول: “نائب الرئيس، أنا أتحدث… دعني أنهي كلامي ثم لنتحاور” ثلاث مرات خلال المناظرة، وفي مرة واحدة قالت: “رجاءً، لقد قاطعني، وأنا أود إتمام كلامي فقط”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن دراسة في عام 2014 وجدت أن المتحدثين يميلون لمقاطعة الشخص المقابل إذا كان امرأة أكثر مما إذا كان رجلًا، وأحد كتاب مجلة نيويورك عبر عن انزعاجه من ذلك بقوله: “رأينا في هذه المناظرة كم مرة تضطر امرأة ملونة مبتسمة دائمًا لتقول لرجل أبيض: “أنا أتحدث”، ورغم ذلك تحصل على وقت أقل منه للحديث. إنه أمر مقزز”.
One takeaway from tonight’s debate will be how many times a woman of color, always smiling pleasantly, has to tell a white man, “I’m speaking,” in order to STILL get less time than he gets. It is nauseating.
— Mark Harris (@MarkHarrisNYC) October 8, 2020
When Kamala said “IM SPEAKING” every single woman felt THAT
— mackenzie (@87kenzie) October 8, 2020
تجنبت كمالا هاريس بوضوح أن تبدو بمظهر المهاجم، ربما لتثبت أنها وضعت وراءها أسلوب الاستجواب في مجلس الشيوخ الأمريكي الذي قابلت فيه إدارة ترامب غير مرة بشراسة، وأنها باتت مستعدة لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة ككل، كما تجنبت أن تظهر بمظهر “السيدة السوداء الغاضبة”، وهي صورة نمطية رُبطت بالغضب وعدم المهنية، في حين حافظ بينس كالعادة على نبرة صوته الهادئة التي ربما لم يغيرها منذ دخل عالم السياسة قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان، والحقيقة أن شكله المحافظ للغاية ينسجم مع مواقفه السياسية المحافظة.
وفي حين تفاوتت آراء الإعلام على الطرفين بين الإعلام الليبرالي عمومًا الذي أظهرت نتائج استبياناته فوز هاريس بالمناظرة، وبين فوكس نيوز التي أظهرت نتائج استبيانها فوز بينس بالمناظرة، سمّت بعض صحف اليسار فائزًا آخر بالمناظرة، وهو الذبابة التي حطت على رأس المرشح الجمهوري مايك بينس خلال المناظرة وحصلت على مكان استمر طوال اليوم التالي بين الوسوم المتصدرة في موقع تويتر والتغطيات الخبرية في كثير من وسائل الإعلام.
Well, I wish we had thought of this on @VeepHBO – who’s controlling the fly? pic.twitter.com/x6NGEJs0Gy
— Julia Louis-Dreyfus (@OfficialJLD) October 8, 2020
حظيت المناظرة بمتابعة قياسية بلغت 57 مليون متابع عبر 18 قناة تليفزيونية، بزيادة 20 مليون متابع عن مناظرة نواب الرئيس في الانتخابات السابقة التي خاضها بينس أيضًا، ومن أهم أسباب هذه الزيادة الهائلة في المتابعة إعلان إصابة ترامب بفيروس كورونا في الأسبوع الماضي الذي حوّل الأنظار إلى الشخص الذي قد يخلفه إذا تعذر استمراره بأداء مهامه وهو نائبه مايك بينس، وهذا يعيدنا إلى الوراء 44 سنة.
ففي 15 من أكتوبر/تشرين الأول 1976، أعلن جيمس هوغ مدير مناظرة نائب الرئيس بين الديمقراطي والتر مونديل والجمهوري بوب دول، أن هذه هي “المناظرة الرسمية الأولى بين مرشحين لمنصب نائب الرئيس”، واكتسب منصب نائب الرئيس أهمية بالغة في ذلك الحين، بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي عام 1963 واستقالة الرئيس نيكسون عام 1974، وتولي نائب كل منهما الرئاسة بعده، لذا زادت أهمية المناظرة بين الشخصين الذين قد يتولى أحدهما رئاسة البلاد، وكذلك كان الحال بعد إعلان مرض ترامب.
ورغم أن ترامب يصغر بايدن بثلاث سنين، فإنه كان أكبر الرؤساء سنًا عند توليه الرئاسة عن 70 عامًا، وسيكسر هذا الرقم إذا فاز للمرة الثانية، وكذلك إذا فاز خصمه بايدن بالانتخابات فسيكسر رقم خصمه لكونه أكبر أمريكي يصير رئيسًا عن 77 عامًا، وفي حين يبلغ بينس 61 عامًا، فإن عمر هاريس 55 عامًا.