ترجمة وتحرير نون بوست
يعتبر الطيار السويسري برتراند بيكارد أول من أجرى رحلة حول العالم على متن الطائرة الشمسية (سولار إمبلس 2). وفي هذا التقرير، يكشف بيكارد عن الأسباب التي تجعل الطاقة الشمسية بديلًا بيئيًا مثاليًا للوقود الأحفوري، هذا إلى جانب خلق وظائف مستدامة وإنتاج طاقة كهربائية بتكلفة أرخص بكثير.
في الوقت الذي أصبحت فيه تكلفة الوقود الأحفوري أعلى بكثير مقارنة بمعظم المصادر المتجددة، ناهيك عن كونه الملام الأول عن التلوث العالمي وتغير المناخ وظاهرة الاحتباس الحراري، تستمر بعض الأصوات المؤثرة في إنكار الحاجة إلى إحداث ثورة في مجال الطاقة ولا تنفك عن عرقلة الجهود الرامية لاستعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع.
وسواء كانت هذه الأصوات تفعل ذلك من باب الدفاع عن المصالح الشخصية أو بسبب جهلها لبعض الحقائق أو الافتقار إلى الرؤية، لابد من القطع مع بعض الأفكار المسبقة عن طريق تقديم حجج مضادة منطقية تفند أكثر الادعاءات الكاذبة المتعلقة بالطاقة الشمسية.
الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية مكلفة للغاية
إن الحجة القائلة إن الكهرباء التي تنتجها الطاقة الشمسية مكلفة للغاية، من بين أكثر الحجج تداولا في هذا الشأن. لكن هذا الأمر لم يعد صحيحا، ومع السنوات تغيرت الكثير من المعطيات. ووفقا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، انخفضت تكلفة الكهرباء الكهروضوئية بنسبة 82 في المئة منذ سنة 2010، وستستمر التكلفة في الانخفاض.
فعلى سبيل المثال، سجلت شركة “أكو إنرجي” الفرنسية السنة الماضية رقمًا قياسيًا في مناقصة طُرحت من قبل الحكومة البرتغالية لبناء محطة توليد كهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 150 ميجاوات بسعر قياسي لم يتجاوز 1.5 سنت للكيلو واط الساعي. وفي أجزاء كثيرة من العالم، أصبحت الطاقة الشمسية أكثر مصادر الطاقة قدرة على المنافسة، متغلبة بذلك على الوقود الأحفوري الملوّث، وغالبا ما يسبق ترتيبها الطاقة النووية.
يقول بعض الناس إن الطاقة الشمسية هي في المقام الأول وسيلة لمكافحة تغير المناخ الذي يعد بدوره مشكلة طويلة المدى
مصادر الطاقة المتجددة غير موثوقة
لا شك أن مصدر هذه الطاقة وقتي، حيث أن الشمس تختفي بحلول الظلام ولا تشرق كل يوم في بعض المناطق، ولكن بفضل ابتكار وتطوير العديد من التقنيات مثل الهيدروجين وكذلك بطاريات الليثيوم، بات تخزين الطاقة الشمسية ممكنا.
توجد وسائل مبتكرة أخرى مثل طوب السيراميك المعاد تدويره، الذي يخزن حرارة بدرجات تتراوح ما بين 500 و1000 درجة مئوية. كما طورت شركة “إنرجي فولت” رافعة يصل ارتفاعها 120 مترا ترفع الكتل الخرسانية عندما يكون هناك الكثير من الكهرباء وتتركها تنخفض لتضمن توليد الكهرباء عند الحاجة. ومن الواضح أنه ينبغي دمج تكلفة التخزين ضمن التكلفة النهائية للكهرباء الشمسية، إلا أنه بفضل تطور هذه التكنولوجيا لا تزال الطاقة الكهروضوئية قادرة على المنافسة.
تمثل تهديدا للعالم الصناعي والمالي التقليدي
يعتبر هذا الادعاء صحيحا فقط في حال عودة الديناصورات من الماضي. ينبغي تشجيع شركات النفط على التحول إلى مصادر الطاقة الصديقة للبيئة وإعادة تسمية نفسها شركات الطاقة، لا سيما أن تنويع التخصصات في مجال إنتاج وتوزيع الطاقات المتجددة يعتبر واعدا ومن شأنه أن يدر عائدات كبيرة لهذه الشركات. ومثلما توضح شركة “إنجي” بشكل يومي، أصبحت خدمات المستهلك مصدرا هاما للدخل.
هذا الصيف، ورغم تحقيق أسوأ أداء لها، ارتفعت قيمة أسهم “بريتيش بتروليوم” بنسبة 6.5 بالمئة بعد الإعلان عن استراتيجيتها البيئية التي تقوم على زيادة استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة والحياد الكربوني بحوالي عشرة أضعاف بحلول 2050. ويعود ذلك إلى إدراك صناديق التقاعد وشركات التأمين على الحياة أن الاستثمارات في الوقود الأحفوري أصبحت أصولًا فاسدة، مثلها مثل قروض الرهن العقاري في سنة 2008.
تغير المناخ مشكلة طويلة الأمد
يقول بعض الناس إن الطاقة الشمسية هي في المقام الأول وسيلة لمكافحة تغير المناخ الذي يعد بدوره مشكلة طويلة المدى، دون إنكار وجود هذه الأزمة، بتعلة أن هناك أولويات فورية أخرى أهم. لكن ما يجهله الكثيرون أن عواقب تغير المناخ محسوسة بالفعل في جميع أنحاء العالم. أولا وقبل كل شيء، يمكن للطاقة الشمسية مجابهة مشكلة واقعية تعتبر بالأحرى كارثة تتمثل في تلوث الهواء. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن هذه الآفة تؤثر على تسعة من كل عشرة أشخاص في جميع أنحاء العالم وتودي بحياة حوالي ثمانية ملايين شخص سنويا بسبب الأمراض التي يسببها.
بما أن الطاقة الشمسية أرخص طريقة لإنتاج الكهرباء فضلا عن كونها لا مركزية، فإنه يمكنها الوصول إلى السكان الموجودين في أكثر مناطق العالم عزلةً وحرمانًا
ليس هناك ما يكفي من أشعة الشمس في كل مكان
في حال لم تكن هناك شمس، يمكن أن تكون هناك رياح ومجاري مائية وأمواج، فضلا عن الطاقة الحرارية الجوفية. إن الطاقة الشمسية ليست حلاً سحريًا ويتعين دمجها مع مصادر إضافية، لأنه لا يوجد حل واحد لمعالجة هذه المشكلة بل مزيج من التقنيات النظيفة.
لن تكون كافية لتغطية احتياجات الكهرباء في العالم كله
حسب المعدل الحالي للنفايات في العالم، بسبب التقنيات القديمة التي لا تزال قيد الاستخدام يضيع حوالي 75 في المئة من الطاقة المنتجة. ذلك ما دفعني للنضال سنوات عديدة في سبيل جعل كفاءة الطاقة أولوية في جدول الأعمال البيئي. بالإضافة إلى ذلك، نحتاج اليوم إلى وضع معايير وأنظمة أكثر صرامة في هذا المجال حتى تكون أجهزتنا الكهربائية والمباني والنقل والمصانع أكثر كفاءة في استخدام الطاقة.
الألواح الشمسية تتطلب الكثير من الطاقة لتصنيعها
في الآونة الأخيرة، شاهدت خبيرًا يعلن أمام لجنة برلمانية أن الألواح الشمسية تستغرق 30 عامًا لسداد طاقتها الرمادية، أي الطاقة اللازمة لتصنيعها ونقلها وإعادة تدويرها وما إلى ذلك. ولكن الرقم المعلن عنه غير صحيح. ففي نصف العالم، بما في ذلك جزء كبير من فرنسا، تتراوح هذه المدة بين ستة أشهر وسنة، مما يعني أنه في أقل من سنة، سددت الألواح الشمسية الكهرباء الذي تحتاجه لتصنيعها. وخلال ثلاثين سنة من عملها أنتجت كهرباءً خاليًا من الكربون ولا ينضب.
يمكن القول إن الألواح الشمسية الأولى التي وقع تصنيعها كانت تفتقر إلى البعد الجمالي
إنها للدول الغنية
هذا اعتقاد خاطئ تماما، وبما أن الطاقة الشمسية أرخص طريقة لإنتاج الكهرباء فضلا عن كونها لا مركزية، فإنه يمكنها الوصول إلى السكان الموجودين في أكثر مناطق العالم عزلةً وحرمانًا. وتصبح العديد من البلدان الفقيرة أكثر فقرًا عاما بعد عام بسبب إنفاق عملاتها على الغاز أو النفط، لذلك أصبحت الطاقة الشمسية الوسيلة الوحيدة لضمان التنمية الاقتصادية المحلية والاستقرار الاجتماعي.
الطاقة الشمسية تتطلب المزيد من الدعم
إذا كان تطور الطاقة الشمسية في الماضي رهن شراء الكهرباء التي تنتجها بأسعار عالية لتغطية التكاليف، فإن العكس يحدث اليوم في كل مكان. فقد بات الوقود الأحفوري يُدعم بمليارات الدولارات في جميع أنحاء العالم ولا يغطي الآثار المدمرة التي يسببها، بما في ذلك الأضرار الصحية والبيئية.
الألواح الشمسية تفتقر للبعد الجمالي
يمكن القول إن الألواح الشمسية الأولى التي وقع تصنيعها كانت تفتقر إلى البعد الجمالي. أما اليوم، باتت المواد التي تصنع منها الألواح الشمسية، مثل تلك المصنوعة من البلاط الفرنسي في معرض دبي العالمي، تجعلها أكثر تأقلما مع جميع السياقات.
أنا من أشد المدافعين عن الطاقة الشمسية، وذلك ليس لأنها سمحت لي بالطيران ليلاً ونهارًا على متن طائرتي (سولار إمبلس 2)، أو لأنها تساعد على مكافحة تغير المناخ، وإنما لكونها بديلًا منطقيًا – قبل أن يكون بيئيًا – قادرًا على خلق وظائف مستدامة وإنتاج كهرباء أرخص من الوقود الأحفوري. ولا يمكن لأشباه الخبراء منع الطاقة الشمسية من أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للطاقة في العالم، وذلك شريطة أن نحمي أنفسنا من أكاذيبهم.
المصدر: أوزبكتريكا