كمال اللبواني
تقول بطاقة تعريف كمال اللبواني، إنه كاتب ومحلل سياسي ومعارض سوري ولد في منطقة الزبداني بمحافظة ريف دمشق عام 1957، كان ينتمي قديمًا إلى الفكر الشيوعي، وحاليًّا لا يعرف إلى أين انتهت تحولاته الفكرية التي زجت به إلى رحاب “أيدلوجيا التطبيع” .
التاريخ الحقيقي لكمال اللبواني السياسي والحقوقي، يبدأ بصدامه مع السلطة عام 2005 عندما اعتقلته السلطات الأمنية في مطار دمشق الدولي، بعد عودته من زيارة غامضة قام بها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية التقى فيها بمنظمات لحقوق الإنسان وبمسؤولين حكوميين للحديث عن تحديات الديمقراطية في بلاده وخطورة بقاء نظام الأسد.
في 2007 وجهت له محكمة الجنايات بدمشق تهمة التخابر مع دولة أجنبية والاتصال بها ودفعها مباشرة إلى العدوان على سوريا، وفقا لأحكام المادة 264 من قانون العقوبات، وحُكم عليه بالسجن لمدة 12 عامًا.
بعد عام واحد أيضًا، حصل على حكم جديد من محكمة الجنايات العسكرية الأولى بدمشق بالسجن ثلاث سنوات إضافية بسبب اعتراضه على أحوال سجن عدرا، واتصالاته الخارجية من داخل السجن ومراسلاته لهم لكشف ما يدور بالداخل، وهي تهمة إضافية اعتبرتها السلطة دليلًا دامغًا على العمالة والإصرار على الإضرار بمصالح البلاد.
هستيريا التطبيع
ظهر الهوس بالتطبيع عند اللبواني منذ عام 2014 وهو تاريخ زيارته الأولى لدولة الاحتلال، التي أحدثت فارقًا في شخصية الرجل، وجعلت منه سفيرًا لـ”إسرائيل” في المنطقة، وحصل اللبواني على هوية اجتماعية جديدة في بلاده، إذ أصبح أول سياسي سوري يزور “إسرائيل” بشكل معلن، في وقت لم تتخل فيه دمشق عن تعريف “إسرائيل” بالعدو، لا سيما أنها ما زالت تحتل جزءًا من أراضيها منذ عام 1967.
قدم اللبواني أضحية حتى يكمل في مداره الخاص مع التطبيع، بدأها بالاستقالة من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي تبرأ من الزيارة وأدان الفعل بكل قوة، ليصبح من وقتها نجمًا على وسائل الإعلام الإسرائيلي، بعد تحرره من أي قيود، وبات من وقتها أحد سفراء الرواية الإسرائيلية عن التاريخ والجغرافيا والسياسة والحقوق.
الرفض الكبير من كل مكونات الشعب السوري وتجريم زيارة المعارض الشهير لـ”إسرائيل”، لم يمنع الرجل من المزايدة على السوريين وبدلًا من الإشارة إلى أن مشروعه اجتهاد خاص عليه تحمل مسؤوليته وفق تصوراته وقناعاته، أصبح يدعي دائمًا، أن سبب وجوده في “إسرائيل” مصالح الشعب السوري وأنه يمثلهم هناك، وزعم أنه ينقل معاناته، لكن لمن؟ لـ”إسرائيل” التي يجب أن تكون شريكًا في التحالف الدولي ضد الإرهاب!
التيمة التي شكلها أول مطبع سياسي سوري ولا يملك غيرها منذ زيارته الأولى إلى “إسرائيل”، هي محاولة دفع “إسرائيل” بكل ما في هذا الخيار من خطورة عظمى على بلاده، لتتولى هي راية محاربة النظام السوري وبشار الأسد، وهي أفكار أثارت حالة من السخرية على مواقع التواصل، بجانب المزيد من التخوين والترهيب المتبادل بين أطراف الصراع، بعد أن استغل نظام الأسد أفكار اللبواني ليؤكد أن الثورة السورية صناعة إسرائيلية بامتياز.
شكرا إيدي كوهين كفيتنا مؤونة الكلام والرد على المتصهينين الذين تتكلم عنهم من أمثال كمال اللبواني وغيره، فكلامك هذا أبلغ من ملايين الردود. pic.twitter.com/PmdavPD854
— د . حسين قطريب (@hussainkatreeb) July 16, 2020
سلح اللبواني نفسه ضد الجميع، ويبدو أن أصدقاءه في تل أبيت منحوه قدرًا وافرًا من المعلومات سواء كانت مزيفة أم حقيقية، للدفاع عن نفسه ووصم الجميع حتى لا يصبح هناك من هو أكثر مثالية منه، وبدأ في التعريض بشكل منتظم بالمعارضة السورية التي تبرأت منه وأصبحت تهاجم مشروعه أكثر من سلطة بشار الأسد نفسها.
حول المعارض السوري إستراتيجيته هو الآخر وغير فوهة مدفعه من الهجوم المنظم على الأسد ونظامه، إلى محاولة اغتيال المعارضة السورية، ليؤكد أنها حصلت على تمويلات أمريكية قبل اندلاع الأحداث في سوريا بسنوات، كانت مخصصة من قبل لعائلات المعتقلين السياسين ولتنمية المجتمع المدني ولتنظيم خط المواجهة أمام الأسد.
نضال مدفوع الأجر
كشف اللبواني ما لم يعرفه أحد من قبل، فضح خصوصيات نضاله هو الآخر الذي لم يكن مجانيًا أبدًا، فقد زار المعارض السوري أمريكا بحسب اعترافاته عام 2005 بعد اغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري، وهناك تفاوض على تمويل من الكونغرس بنحو 5 ملايين دولار سنويًا.
اتفق اللبواني مع أمريكا على تحديد 3 مصارف للتمويل، الأول هو الممر الآمن لدفع الأموال وغسلها وتغيير بوصلتها بإنشاء فضاءات تحمي الحق في التعبير للصوت الآخر، والثاني هو تمويل مواقع وصحف، والثالث الصرف على عائلات السجناء السياسيين، وتخصيص مبالغ لهم تقدر بنحو 1200 دولار شهريًا لكل سجين بشكل سري، ولا يعلم أحد ما دخل أمريكا بالنضال وما مصالحها في الصرف على منازل المعارضين وأسرهم ومن الجهة التي ستحاسب آليات الصرف في مسارات سرية غير معلن عنها ولا تمر عبر البوابات الشرعية المعروفة في أمريكا.
رغم اعتقال اللبواني كما أسلفنا بعد علم المخابرات السورية بالصفقة، فإن التمويل الذي حصل عليه ذهب إلى ما يعرف باسم إعلان دمشق المعارض بالخارج، وهو تجمع صاغ وثيقة عام 2005 ووقعت عليها شخصيات بارزة من المجتمع المدني إضافة رموز سياسية من جميع الأطياف، وحاولت العمل لإنهاء حكم عائلة الأسد بعد ما يقرب من 35 عامًا في الحكم.
خرج المعارض السوري من السجن عام 2012 بعد اشتعال الثورة السورية، ليطلب من الأمريكيين غلق حنفية التمويل بزعم سرقته، والمثير هنا قدرة اللبواني – بغض النظر عن صحة اتهاماته – على التحكم في اتجاهات السلطات الأمريكية والتعامل معه كمقاول للأخلاق السورية.
عند الأمريكان اللبواني فقط من يملك ضبط ميزان العدالة، وهو الحامي لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين لتذهب إلى مصارفها الشرعية، لكن لن تستغرب هذه السخافات السياسية المزعومة بين معارض سوري وأكبر دولة في العالم، عندما نرى تولي اللبواني لواء الدفاع عن المشروع الإسرائيلي على جميع الشاشات.
سرب اللبواني بعض مما يملك من معلومات ليشوه معارضيه بنفس السلاح، لكنه كشف ما هو أكثر عن خفايا لعبة التطبيع، وكيف حصل على ملايين الدولارات من المصادر الأمريكية والأوروبية، ولماذا أصبح يتفاوض على مصالح الكيان الصهيوني، وهو ما يبرر تصدر الرجل لهذا الملف خلال السنوات الماضية.
ثمن التطبيع
مشروع التطبيع عند كمال اللبواني له وجهين: أحدهما يصدر حالة من الرومانسية عند الحديث عن العلاقات بين “إسرائيل” والبلدان العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص، وعندما يزعم أن الحل الوحيد للصراع العربي الإسرائيلي هو التحول إلى شراكة حقيقية من أجل التقدم والبناء.
يعدد اللبواني مزايا التطبيع في كل لقاءاته، فهو خيار عقلاني، يسمو على الخيارات الأخرى المدمرة، التي تعيد مرارة الماضي وعذاباته، ومن ثم فإسقاط خيار الحرب مع “إسرائيل”، يبدأ بالسعي إلى إيجاد حل سياسي سلمي لقضية الأرض المتنازع عليها، وهذا الحل بالضرورة هو وجهة نظر “إسرائيل” وشروطها لحل النزاع.
لكن هذه الرومانسية في مذهب اللبواني، تختفي عندما يتحدث عن المقاومة الفلسطينية وشرعيتها، التي ترفض أي حلول سياسية مغموسة بالذل، تفرض عليها كل الالتزامات، بينما لا تلزم “إسرائيل” بأي شيء وتعفيها من الالتزام بالحلول العادلة التي أقرها المجتمع الدولي للقضية، وليس الفلسطينيون وحدهم.
يحاول كمال في كل حوارته إلقاء المزيد من التهم على المقاومة وتجريمها ووصفها بكل ما هو شائن، يتحدث بلسان أمريكي ـ إسرائيلي، عن خطورة ما أسماها أيدلوجيا المقاومة، فهي فقط من تتآمر على مشروع السلام، وبالتالي فالبداية يجب أن تكون بتصفيتها تمامًا وتبني إستراتيجية “إسرائيل” في الحل واعتماد ما تلقي به من فتات للفلسطنيين شعارًا أوحد لتنفيذ الروية الجديدة للسلام.
يبرر اللبواني لـ”إسرائيل” احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية، ويرى أن التنازل لا يجب أن يكون فقط عن الحل العربي التاريخي للقضية الذي يطالب بدولتين على حدود 1967 بل يتجاوز ذلك بالتنازل عن الجولان لـ”إسرائيل” والتعاطف مع احتلالها للقدس وباقي الأراضي المحتلة والإقرار بالحتمية التاريخية والضرورة التي يفرضها الصراع ويجعل الكيان الصهيوني يهرول للتوسع في ضم الأراضي الفلسطينية.
في فقه المعارض السوري لإحلال السلام، “إسرائيل” تملك أحقية كاملة في إحكام قبضتها على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي بداية البحث عن مشروع مغاير للحصول على ما تجود به تل أبيب من حقوق، تصفية المقاومة الفلسطينية تمامًا، فهي بالنسبة له العمق الإستراتيجي للمجموعات الأصولية المسلحة، كما أنها العائق أمام تصالح “ذرية إبراهيم”، وإذا ما شطبت من التاريخ، سيحل الأمن والسلام والعدل المطلق للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء!