نهاية سبتمبر/أيلول 2020 أطلقت شبكة نتفليكس فيلمها الوثائقي “جريمة قتل أمريكية: عائلة الجيران” (American Murder: The Family Next Door) الذي يعاين واحدة من أسوأ قضايا العنف الأسري التي هزت المجتمع الأمريكي والعالم، عن قصة اختفاء شانون واتس (38 سنة) وابنتيها بيلا (4 سنوات) وسيليست (3 سنوات) وما يليها من أحداث وصولًا إلى نهاية قصتها المأساوية.
أنتج الفيلم كاملًا باستخدام لقطات حقيقية غير خاضعة لأي نوع من التعديل، وهي عبارة عن مجموع تسجيلات كاميرات المراقبة والمقابلات الصحفية ومقاطع الفيديو المنشورة على حساب الضحية في فيسبوك، بالإضافة إلى استعراض الرسائل النصية التي تبادلتها الشخصيات الرئيسية في القصة قبل حدوث الجريمة.
يبدأ الفيلم بتسجيل كاميرا المراقبة لدخول الضحية شانون إلى منزلها مساءً، يليه اتصالات صديقتها المقربة بالشرطة للتبليغ عن انقطاع الاتصال مع شانون وقلقها الشديد عليها، لاحقًا يظهر زوج الضحية كريس واتس من خلال تسجيلات كاميرا رجل الشرطة أو ما يعرف بـPolice Body Camera، وهو يساعد الشرطة على تفتيش المنزل بحثًا عن زوجته والطفلتين، وتبدو عليه ملامح الهلع والقلق والتلبّك، ليُعرض مشهد لاحق للجار وهو يخبر الشرطة أن هناك شيئًا غريبًا في سلوك السيد واتس.
تُسرد الأحداث على شكل قصة ترويها لقطات ومشاهد حقيقية استطاعت جمعها صانعة الأفلام البريطانية jenny popplewell لتصنع منها فيلمًا متكاملًا وبشكل مختلف عن الطريقة الكلاسيكية لعمل الأفلام الوثائقية المتلفزة عن الجريمة، ما يعطي للمشاهد فرصة الشعور بالقرب من الشخصيات وملامسة واقعهم، من خلال مشاهدة وسماع قصتهم منهم شخصيًا. وحصل الفيلم حتى الآن على تقييم 7.2 على موقع IMDb و84% على موقع Rotten Tomatoes.
يحتاج المشاهد إلى الكثير من القوة والشجاعة لمشاهدة هذا العمل بنهايته الصادمة والمؤلمة، التي تستعرض اعتراف زوج الضحية كريس واتس بقتل زوجته الحامل وابنتيه، ومن ثم التخلص من الجثث بطريقة بشعة يسردها كريس بنفسه للمحققين وينقلها الفيلم لنا بصوته، أما عن كيفية كشف الحقيقة، فكانت عن طريق إخضاع الزوج لجهاز كشف الكذب، حيث يتيح لنا الفيلم مشاهدة هذه العملية أيضًا عن طريق تسجيلات كاميرا المراقبة في غرفة التحقيق.
من جهة أخرى يسلط الفيلم الضوء على المثالية التي يصورها بعض مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي عن حياتهم الشخصية، وما يقابلها من حياة حقيقية بعيدة عمّا يستعرضونه أحيانًا، كما يعرض الجوانب المظلمة للحياة الزوجية في ظل الخيانة والإساءة العاطفية وفقدان التواصل، والأهم من كل ما ذُكر يجسّد الوثائقي قضيةً خطيرةً جدًا وهي موضوع العنف ضد المرأة، حيث يُختتم الفيلم بعبارة “تُقتل في أمريكا 3 نساء يوميًا بيد شركائهن الحاليّين أو السابقين”.
العنف ضد المرأة
وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة أكثر من ثُلث جميع ضحايا جرائم القتل الإناث في العالم، قُتلوا على يد شركائهن الحاليّين أو السابقين، و35% من النساء حول العالم عانوا من عنف جسدي أو جنسي من ذكور.
أما في أمريكا، تظهر الإحصاءات أن أكثر من نصف ضحايا جرائم القتل من الإناث، قُتلن على يد شركاء علاقة عاطفية سابقة أو حاليّة، وفقًا لدراسة نشرتها صحفية الأتلانتك، وفي ثُلث هذه الحالات يسبق الحادثة جدال قوي قبل الإقدام على القتل، وفي 12% من هذه الجرائم وُجدت علاقة للغيرة بين دوافع القاتل، والأكثر صدمة أن نسبة 15% من النساء الضحايا حوامل.
ظاهرة قتل أفراد من الأسرة
جريمة كريس واتس التي يستعرضها وثائقي نتفليكس الأخير ليست فريدة من نوعها، فهناك نماذج كثيرة لأشخاص أقدموا على قتل أفراد من أسرتهم سواء كانوا أطفالهم أم شركائهم، ويحاول العلماء تفسير هذه الظاهرة من خلال عدة أسباب، قد يكون واحد منها كفيلًا بتحريض القاتل وتهيئته نفسيًا للإقدام على هذه الخطوة.
ومن الأمثلة على ذلك، تدهور الحالة المادية، حيث تعد الصعوبات المالية سببًا رئيسيًا للبدء بتشويش عقل القاتل، خصوصًا إذا كان ذكرًا، فعندما يشعر بعدم قدرته على إعالة أسرته، يؤثر ذلك على الأنا بداخله ويشعره بفقدان هويته الذكورية.
أما في حالة كريس فالدافع كان الرغبة ببدء حياة جديدة مع عشيقته السرية التي كان يواعدها خلال الفترة الأخيرة، كما نشرت الصحف مؤخرًا أن الزوجين عانا من مشاكل مالية مؤخرًا.
غالبًا لا يفكر المجرم في هذا النوع من الجرائم بالنتائج بعيدة المدى، إنما يصب تركيزه على حاجاته أو مكاسبه الحاليّة التي تحققها الجريمة، وغالبًا ما يتم إلقاء القبض عليه وينتهي المطاف بهذا النوع من المجرمين إما بالانتحار وإما بالاعتراف.