تسعى المملكة العربية السعودية إلى توطيد مكانتها في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية التي تعتبر من أخطر المناطق الإستراتيجية في العالم حتى تظهر بثوب المشارك في الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب ووقف انتشاره.
مساعٍ حثيثة بدأت منذ سنوات واتخذت أشكالًا عدة إلا أن الزيارات المتكررة للمسؤولين السعوديين إلى موريتانيا في الفترة الأخيرة، توحي بتوجه سعودي إلى اعتماد بلاد شنقيط بوابة لها نحو دول الساحل والصحراء.
تطور في العلاقات
آخر زيارات المسؤولين السعوديين إلى موريتانيا، كانت نهاية الأسبوع الماضي، حيث زار وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية أحمد بن عبد العزيز قطان نواكشوط، وذكرت الإذاعة الموريتانية أن الزيارة تدخل في إطار تعزيز علاقات التعاون بين المملكة العربية السعودية ومجموعة دول الخمسة في الساحل.
وتزامنت زيارة المسؤول السعودي إلى موريتانيا مع زيارة المبعوث الفرنسي الخاص إلى منطقة الساحل فريدريك بونتمر، والأخير يتولى أيضًا مهمة الأمين العام لتحالف الساحل، فضلًا عن زيارة المنسق المساعد للمكتب الأمريكي لمكافحة الإرهاب أكريس هارنيش للبلاد.
وسبق لوزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية أن زار موريتانيا عام 2018، وذلك للمشاركة في مؤتمر المانحين لمجموعة دول الساحل الخمسة، الذي تعهدت فيه السعودية بتقديم 100 مليون يورو لدعم التنمية في الساحل.
وترأست موريتانيا الدورة الحاليّة لمجموعة دول الساحل الخمسة التي تضم إلى جانبها كل من مالي والتشاد والنيجر وبوركينا فاسو، وتم إنشاء هذا التجمع الإقليمي الذي يستهدف التنسيق المشترك بشأن قضايا الإرهاب والأمن، في 2014، بمبادرة من رؤساء بلدان المنطقة التي تواجه تحديات أمنية وتنموية مشتركة.
السعودية بدأت تضع موريتانيا نصب عينيها خاصة في ظل الإقبال الدولي عليها باعتبارها واجهة المنطقة العربية باتجاه منطقة الساحل والصحراء الإفريقية
عين على دول الساحل
هذه الزيارة التي قام بها وزير الدولة السعودي للشؤون الإفريقية أحمد قطان إلى موريتانيا وقبلها مالي قادمًا من الجارة النيجر في جولة لمنطقة الساحل والصحراء الإفريقية المضطربة الهدف منها توطيد العلاقات السعودية مع دول المنطقة ووضع قدمها هناك.
وتسعى السلطات السعودية إلى تقديم دعمها لدول المنطقة وزعمائها وعرض خدماتها عليهم حتى تجد لها مكانة ضمن دول المنطقة الخمسة، وسبق أن قدمت السعودية دعمًا إلى دول المنطقة بقيمة 100 مليون يورو سنة 2017، لدعم القوة الإقليمية لدول الساحل والصحراء الإفريقية، بعد أن شكل التمويل عائقًا كبيرًا أمام تشكيلها وإطلاقها.
ويعتبر الدعم السعودي الأكبر لهذه القوة، حيث وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم 50 مليون يورو، فيما وعدت فرنسا الدولة التي تشرف على تشكيل هذه القوة بتقديم 8 ملايين يورو فقط، وهي عبارة عن معدات، كما وعدت البلدان الخمس المؤسسة لهذه القوة بتقديم 10 ملايين يورو، أما الولايات المتحدة فوعدت البلدان الخمس الأعضاء في مجموعة دول الساحل بمساعدة ثنائية شاملة تبلغ 60 مليون دولار، دون المرور على الصندوق المشترك.
وتعتبر منطقة الساحل والصحراء منطقة محورية في العلاقات والتفاعلات بين إفريقيا الاستوائية وشمال إفريقيا، كما بين إفريقيا والمشرق العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، لذلك تأمل السعودية في استثمار هذه المميزات لتعزيز مكانتها في المنطقة.
يرى المحلل السياسي الموريتاني محمد المختار الشيخ أن الدور السعودي في موريتانيا وإن شهد تراجعًا أو تحفظًا منذ تولي ولد الغزواني الحكم إلا أنه بدأ يعود إلى سابقه، ويقول المختار الشيخ في حديث لـ”نون بوست” إن السعودية بدأت تضع موريتانيا نصب عينيها خاصة في ظل الإقبال الدولي عليها باعتبارها واجهة المنطقة العربية باتجاه منطقة الساحل والصحراء الإفريقية.
ويرى المحلل السياسي الموريتاني أن المملكة العربية السعودية بدأت تستفيق مؤخرًا إلى أهمية منطقة الساحل والصحراء وأهمية وجود نفوذ لها فيها وقد بدأت تتحرك باتجاه السنغال ومالي وموريتانيا.
يستغل زعماء السعودية أموال النفط للتأثير في العلاقات الدولية وشراء ود العديد من الدول والمنظمات الدولية التي تمتلك تأثيرًا ومكانةً كبيرةً على الساحة الدولية
تبييض صورتها
تسعى السعودية من خلال هذا النشاط إلى المشاركة في الجهود الدولية للقضاء على الإرهاب ووقف انتشاره في هذه المنطقة التي تعتبر واحدة من أبرز المناطق الجيوسياسية الدولية التي تشهد صراعًا داخليًا بين المجموعات الإرهابية من جهة ودول المنطقة والقوى الدولية من جهة أخرى.
ويرجع هذا الحرص أساسًا إلى الاتهامات الموجهة للرياض برعاية الإرهاب، لذلك تسعى سلطات المملكة بشتى الطرق إلى دحض تلك الاتهامات وتقويضها.
وتأتي هذه الجهود في الوقت الذي أكدت فيه العديد من التقارير الدولية تورط المملكة العربية السعودية في أنشطة مشبوهة لتمويل الإرهاب في العديد من المناطق في العالم.
وفي شهر يونيو الماضي، قال تقرير أعدته الخارجية الأمريكية خاص بالإرهاب لعام 2019، إن السعودية ما زالت مصنفة كدولة مثيرة للقلق منذ عام 2004، بسبب الانتهاكات الممنهجة المذكورة في تقرير الحريات الدينية الدولية، بما في ذلك قمع الحريات والأقليات الدينية.
ويستغل زعماء السعودية أموال النفط (تمتلك السعودية نحو 20% من احتياطات النفط في العالم) للتأثير في العلاقات الدولية وشراء ود العديد من الدول والمنظمات الدولية التي تمتلك تأثيرًا ومكانةً كبيرةً على الساحة الدولية.
هذه الخطوات تتسق مع المقاربة التي تنتهجها الرياض حاليًّا التي تقوم على الحضور في بؤر التوتر والنزاع كمصدر رئيسي للنفوذ، كما أن الرياض – التي تتهمها تقارير استخباراتية وإعلامية غربية بتمويل ورعاية بعض شبكات الإرهاب – بحاجة لتقديم ورقة حسن سلوك لتفنيد تلك المزاعم.