ترجمة وتحرير نون بوست
تمكنت جينيفر ريشر من الحصول على وظيفة بعد التخرج مباشرة في مايكروسوفت عام 1991، كان عمرها 25 عامًا وحصلت على خيارات أسهم قيمتها بضع مئات آلاف الدولارات، في أثناء عملها هناك التقت بزوجها ديفيد الذي كان لديه خيارات أسهم أكثر منها، لكنه ذهب للعمل في أمازون بعد ذلك عندما كان متخصصًا بالكتب فقط وحصل هناك على خيارات أسهم أكثر قيمة.
خلال أعوام قليلة كانوا يملكون ما قيمته عشرات ملايين الدولارات وفي طريقهم لقضاء حياة مريحة للغاية، عندما تنظر ريشر للماضي فإنها تفكر هل كان الحظ أم القرارات الجيدة التي ساعدتها للحصول على تلك الوظيفة في مايكروسوفت؟
طرحت ريشر هذا السؤال وغيره في كتابها – الذي يُطرح قريبًا في الأسواق – “نحن بحاجة للتحدث: مذكرات عن الثروة”، حيث تحاول تعزيز التفكير النقدي بشأن المال والمكانة والسلطة المكتسبة منه، تقول ريشر: “لا تشبه الثروة ما تروجه لنا هوليوود، أريد إزالة الغموض عن الثروة – تلك التجربة التي يمتلكها الملايين لكنهم لا يستطيعون الحديث عنها، عادة ما يصبح الوضع طبيعيًا عندما يكون جميع أصدقائك أثرياء مثلك”.
تطلب ريشر من قرائها مستوى من التأمل قد يكون صعبًا، كما يرى الخبراء أن توقيت كتابها سيجعلها هدفًا للازدراء المناهض للأغنياء، لكن طرح أسئلة صعبة بخصوص المال أمر ضروري لفهم ما نملك وكيف حصلنا عليه وكيف نشعر إزاءه.
بغض النظر عن مقدار المال الذي تملكه، يتطلع الناس دائمًا لمقارنة أنفسهم بالآخرين
بالطبع يعتمد السؤال الذي يطرحه الناس بشأن ثروتهم على وجهات نظرهم، فعلى سبيل المثال نشأت ريشر في أسرة من الطبقة المتوسطة لأب يعمل في مجال التأمين وأم تعمل من المنزل عندما كانت ريشر وشقيقها صغارًا ثم استكملت عملها كأمينة مكتبة.
هذه التنشئة أدخلت ريشر كلية الفنون الليبرالية الخاصة على الساحل الشرقي، ولم تعدّها لفهم عشرات ملايين الدولارات التي ستكسبها هي وزوجها.
يختلف منهاج الأكاديميين والمستشارين الذين يعملون على حث العائلات على التفكير بثرواتهم، إليكم وجهة نظر بعضهم في أسئلة ريشر، وكذلك بعض الأسئلة الصعبة التي ينصحون الناس بسؤالها لأنفسهم.
لماذا يكون مقبولًا أن تملك المال بينما لا يملكه أشخاص آخرون؟
يقول برادلي كلونتز أستاذ مساعد علم نفس المال بجامعة كريتون: “أعتقد أن هذا السؤال مهم للغاية خاصة إذا جنيت المال سريعًا، إذا لم تكن تملك إجابة جيدة لهذا السؤال فإنك ستفسد حياتك وستجد عدة طرق للتخلص من هذا المال”.
هناك شيء يجب أن نفهمه عند إجابة هذا السؤال وهو خطورة المقارنة الاجتماعية، فبغض النظر عن مقدار المال الذي تملكه، يتطلع الناس دائمًا لمقارنة أنفسهم بالآخرين، إنه شعور عميق بالرعب في العقل الباطن يقول إنه إذا شعرنا بأننا سننفصل عن عشيرتنا فسنموت.
تسعى ريشر إلى إزالة الغموض عن الثروة في كتابها “”نحن بحاجة للتحدث: مذكرات عن الثروة”
هذا الأمر أيضًا يجعل أصحاب المال يقومون بأقل من استطاعتهم، فهدفنا الأساسي يصبح القتال من أجل البقاء اليومي على قيد الحياة، إذًا ماذا سيكون هدفنا عندما يختفي هذا الهدف، من دون العزم والهدف يصبح الأغنياء منفصلين عن مجموعة الأشخاص الذين كانوا يعرفونهم قبل أن يصبحوا أثرياء.
يقول كلونتز: “إننا هنا لنجعل العالم مكانًا أفضل، ومع ذلك فإننا نحدد هذا العالم، إنها مسؤولية وفرصة”.
ما الذي تعنيه الحياة الكريمة بالنسبة لك؟
ما يتبادر إلى ذهنك عند سماع هذا السؤال يحكي الكثير عنك أكثر من السؤال نفسه، إنها إجابة مفتوحة مما يجعلها عظيمة للمناقشة، لكنها تجبر الناس على التأمل أيضًا.
يقول كيث وايتاكر رئيس شركة “Wise Counsel Research” لتقديم استشارات عن ثروة الأسرة والعمل الخيري: “قد يجد الناس أمورًا مدهشة عن أنفسهم، فالحياة الكريمة قد تعني النجاح في الحياة المهنية، وقد تعني أن تكون والدًا أفضل، وقد تعني مسامحة نفسي على الأخطاء والخيارات المختلفة التي اتخذتها”.
يمكن للأسئلة أن تدفع الناس للتفكير بشأن المال كأكثر من مجرد طريقة لشراء ما يرغبون به
يضيف وايتاكر: “كل هذه الأشياء لا علاقة لها بالمال، لكن المال قد يكون وسيلة لاختيارات سعيدة أو تعيسة، معرفة ما تعنيه الحياة الكريمة يمنحك بوصلة تجاه تلك الخيارات”، يقول وايتاكر إنه حتى أكثر الناس استبطانًا بدأوا بسرد المظاهر السطحية للحياة الكريمة مثل المنازل والسيارات والقوارب والرحلات، لكن عندما تسمح للناس بالتفكير في تلك الإجابات سيخرج منهم المزيد.
عندها سيدركون أنهم لا يريدون تلك الأشياء فقط، سيقولون: “أريد تلك الأشياء مع أصدقاء جيدين” أو “أريد تلك الأشياء مع علاقة جيدة بأطفالي وأحفادي” أو “أريد تلك الأشياء مع الشعور بالنزاهة”.
في تلك المرحلة يمكن للأسئلة أن تدفع الناس للتفكير بشأن المال كأكثر من مجرد طريقة لشراء ما يرغبون به، إنها تدفع الناس للتفكير بكيفية رغبتهم في مشاركة عائلتهم ومجتمعهم والعالم.
يقول وايتاكر: “بعض العائلات والأفراد الذين عملت معهم كانوا يتساءلون عن التراجع عن العالم الذي يمكن أن تشتريه لهم الثروة، ومع الجائحة أصبح الناس يقولون: لا نريد مسؤوليات أقل، نرد المزيد من المسؤوليات والثروة، يتطلب ذلك أن نسأل أولًا: ما الذي تتطلبه مسؤولياتي؟”.
ما أول وظيفة ترغب في أن يقوم بها المال؟
بالنسبة لمايكل ليرش رئيس إستراتيجيات النمو والإرشاد في بنك “Wells Fargo Private Bank” فإن هذا السؤال هو الأول من بين أسئلة يطرحها على كل أسرة يعمل معها (السؤالان الآخران: هل تشعر أنك تملك ما يكفي؟ من يجب أن يشارك في تلك المحادثات؟).
يشير ليرش إلى أهمية تأطير السؤال، فالوصول إلى طريقة محايدة ذات نهاية مفتوحة لطرح السؤال تخلق احتمالية أكبر للحصول على استجابة أكثر إنتاجية، ويضيف: “يمكنك تأطير الأسئلة بطريقة تدفعك لدخول موقف معين أو الخروج منه، إننا بحاجة لدفع الناس إلى الحديث وليس إبعادهم عنه”.
إن الصمت بشأن المال يجعله أقوى منا، ونصبح غير قادرين على رؤية الحقيقة
ما يحاول ليرش فعله في تلك المحادثات هو تهيئة الجو للحصول على إجابات وأفكار ليناقشها أفراد العائلة، يحاول ليرش أيضًا أن يُظهر للناس أن إجابة تلك الأسئلة مرة واحدة ليس كافيًا خاصة الآن، حيث تتباين وجهات النظر بشأن الثروة والامتيازات بشكل كبير.
يضيف ليرش “تشير الأبحاث أنه كلما كنا أكثر تعمدًا في تأسيس مبادئنا الإرشادية كنا أكثر قدرة على تحقيقها”.
كيف يربطك المال بالآخرين؟
هذا السؤال طرحته ريشر على نفسها عندما نظرت وراءها نحو اختياراتها الرئيسية في الحياة بما في ذلك البقاء في نفس الحي مع زملائها العاملين في المجال التقني وإرسال أطفالها إلى مدرسة خاصة ومشاركة ثروتها مع أسرتها وأصدقائها.
تقول ريشر: “حتى مع الأشخاص الأكثر ثروة فإن المال لا يربطنا، عندما يشكل المال حاجزًا أمام تلك الروابط فإنها مشكلة، إن الصمت بشأن المال يجعله أقوى منا، ونصبح غير قادرين على رؤية الحقيقة”.
ذكرت ريشر في كتابها قصة عن صديقة أخبرتها أنها وأسرتها لم تتم دعوتهم إلى السيرك لأن هذه الصديقة كانت خائفة من جلوسهم في المقاعد الباهظة في الصف الأول، شعرت ريشر بالصدمة في البداية لكنها ابتهجت بعدها لأن هذه الصديقة تمكنت من طرح الموضوع معها.
تقول ريشر: “حقيقة ثقتها الكافية لتتحدث معي بشأن المال جعلني أشعر بالقرب منها، لقد استفقت أيضًا واكتشفت كيف يمكن أن أكون بعيدة المنال”.
المصدر: نيويورك تايمز