في كل مرةٍ تتعاكس فيها تحركات الحكومة التركية مع حسابات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فإن محور الغرب لا يتردد بتاتًا في التهديد بفرض عقوبات على أنقرة، فقد أثيرت هذه المسألة بشكل متكرر خلال السنوات القليلة الماضية خصوصًا، وطُرحت مجددًا في الآونة الأخيرة، إلا أن هذه الضغوط لم تخرج عن إطار التصريحات اللاذعة في أغلب الأحوال.
لكن على الرغم من الاختلافات المتزايدة بين تركيا وحلفائها الغربيين التقليديين، لا يستطيع أي من الطرفين تحمّل تدهور العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية إلى ما بعد نقطة معينة، فكلما أصيبت العلاقات بخيبة أمل أو نفور، يكافح الطرفان لإيجاد أرضية مشتركة.
وهذا ينطبق بشكل خاص على محورين: الأول على العلاقة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، حيث تلعب التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا أدوارًا مهمة في كلا الاتجاهين، والثاني على المزايا الإستراتيجية التي تقدمها تركيا لكل من الولايات المتحدة وحلف الناتو لأنها تمتد عبر أوروبا والشرق الأوسط والبلدان التي كانت ذات يوم جزءًا من الاتحاد السوفيتي.
تهديدات من كل حدب وصوب
في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول، قدم كل من السيناتور كريس فان هولين من الحزب الديمقراطي للولايات المتحدة وجيمس لانكفورد من الحزب الجمهوري مقترحًا إلى وزارة الخارجية الأمريكية لفرض إجراءات تقييدية على أنقرة بسبب الاختبارات الجديدة لأنظمة الصواريخ الروسية “إس400″، حيث جاء في الرسالة ما يلي:
“نحن قلقون من تقارير عن تفعيل تركيا رادارات إس400 للكشف عن مقاتلات إف 16 أمريكية الصنع العائدة من مناورات فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص في أواخر أغسطس/آب بشأن التدخل التركي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي العام الماضي، كانت طائرات إف 16 التركية قد حلقت فوق أنقرة كجزء من اختبار إس400، ما يسمح لروسيا بمراقبة حلفائها في الناتو بحسب ما يراه ممثلو الإدارة الأمريكية”.
وطلبوا تقديم معلومات عن تفعيل نظام الكشف عن الطائرات العائدة من التدريبات بحلول 14 من أكتوبر/تشرين الأول، متسائلين عما إذا كانت تركيا قد دمجت وصلة الرابط لينك 16 في منظومة “إس 400”.
ظهرت هذه الرسالة بعد أن ذكرت صحيفة “يني أكيت” التركية في الـ6 من أكتوبر/تشرين الأول أن تركيا تنوي إجراء اختبار لنظام الدفاع الجوي إس400 على ساحل البحر الأسود، مرفقة مقطع فيديو يوثق تحركات جزء من نظام الدفاع الجوي “إس 400” عبر مدينة سامسون باتجاه مقاطعة سينوب في شمال البلاد.
في المقابل، ما زالت الولايات المتحدة تحاول إقناع تركيا بالتخلي عن هذه الأسلحة، خشية أن تجمع الأنظمة الروسية معلومات عن المقاتلات الأمريكية، ونتيجة لذلك، استبعدت واشنطن أنقرة من برنامج إنتاج طائرات الجيل الخامس من طراز إف 35، مهددة بفرض عقوبات ومحذرة أنقرة من أنها لن تسمح بمرور هذا الحدث دون عقاب.
إلى جانب ذلك، أعلنت كندا نيتها في اتخاذ تدابير تقييدية مشابهة ضد تركيا في أكتوبر/تشرين الأول، عقب إعلان وزير الخارجية فرانسوا فيليب شامبانيا تعليق تصاريح تصدير الأسلحة إلى أنقرة بعد ورود تقارير عن استخدام التقنيات الكندية في منطقة النزاع في ناغورنو كاراباخ، بقوله: “بسبب نظام الرقابة الكندية الصارم على الصادرات والقتال المستمر، قمنا بتعليق تصاريح التصدير ذات الصلة إلى تركيا لإتاحة الوقت الكافي لتقييم الوضع بشكل جيد”.
سعى المجتمع الغربي لممارسة الضغط على تركيا لعرقلة خطواتها المتسارعة في خريطة النفوذ الدولي وعزلها سياسيًا
ولا داعي للتخمين أن هذا الموقف نابع أيضًا من معارضة الغرب للدعم التركي لأذربيجان في الصراع الدائر في ناغورني كاراباغ، فقد قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “أقول بوضوح شديد لأرمينيا وللشعب الأرمني، فرنسا ستؤدي دورها، وسنكون يقظين بشأن احترام العائلات والناس والسيادة، ولن نسمح بحدوث ذلك ولن نقبل أي تصريحات تفضي إلى التصعيد”.
وبذكر الرئيس الفرنسي، فهو واحد من أبرز الشخصيات السياسية تلويحًا بورقة العقوبات الأوروبية ضد تركيا، ففي العام الماضي أشار في أحد تصريحاته إلى أن عدم استجابة حلف الناتو لعملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في شمال شرق سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية أظهر أن الحلف “ميت دماغيًا”، وهي الحادثة التي لفتت الأنظار نحو احتمالية إخراج تركيا من حلف الناتو. ليس هذا فحسب، فقد تصاعدت حدة التهديدات بقوله إن النهج السياسي الحاليّ لتركيا لا يسمح بمواصلة المفاوضات بشأن انضمامها إلى الاتحاد.
ومؤخرًا، طالب الرئيس الفرنسي بمعاقبة “من يتدخلون في ليبيا ومنتهكي المجال البحري في شرق المتوسط” في إشارة إلى تركيا، وذلك بدعم من رئيس الوزراء اليوناني الذي دعا بدوره الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات “مجدية” على تركيا إذا لم تسحب سفنها البحرية من المناطق المتنازع عليها شرقي البحر المتوسط، فيما كانت تجري أنقرة مشاورات مع حكومة الوفاق بقيادة فايز السراج بشأن التعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية.
وبذلك النوع من التهديدات، سعى المجتمع الغربي لممارسة الضغط على تركيا لعرقلة خطواتها المتسارعة في خريطة النفوذ الدولي وعزلها سياسيًا على أمل أن تستغني أنقرة عن طموحاتها ومصالحها في المنطقة، لكن مع ظهور العديد من التحديات المشتركة التي لا يمكن حلها عمليًا دون التعاون مع تركيا، أعاد صانعو السياسة الغربية النظر بهذا التوجه.
ومع أخذ الجانب الغربي تدفقات الهجرة غير الشرعية والصراعات الإقليمية والمخاوف الأمنية المرتبطة بالتطرف والإرهاب في الحسبان، بذلت أنقرة جهودًا ذاتية في المقابل للحفاظ على مقعدها في دائرة النفوذ العالمية، من أي هزات أو خصومات أو تهديدات خارجية، فاستطاعت مواجهة هذه التقلبات من خلال تركيز سياساتها على المصالح المشتركة وإيجاد بدائل أخرى تمنحها أدوات قوة جديدة ومتينة.
المصالح الأمريكية والأوروبية.. لماذا لا يمكن طرد تركيا من الناتو؟
أصبح من الواضح أن بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليست مرتاحة حيال إمكانية فرض عقوبات على أنقرة، والسبب الرئيسي في ذلك أنهم يرون الصورة الجيوسياسية الأوسع، خوفًا من أن تبتعد أنقرة عن الناتو ويضعف ولاؤها للحلف، وتسريع اقترابها من روسيا والهند، وبما أن تركيا لاعب حاسم في الشرق الأوسط لكونها واحدة من القوى غير العربية الرئيسية فلا يمكن شطبها من المعادلة بسهولة، وعوضًا عن هذا الخيار رأت الولايات المتحدة أن العمل مع تركيا قرار مهم لاستقرار المنطقة.
مهما فعلت تركيا فلا يمكن طردها من الناتو، لأن تحالف 29 دولة ليس لديه آلية قانونية لعزل الأعضاء، فاتفاقية الناتو لا تشمل إقصاء بلاد من الحلف الأطلسي، لكن البلد العضو يمكنه، بموجب المادة 13 من الاتفاقية، تقديم طلب للانسحاب، وإن كان ذلك متاحًا من الناحية القانونية فليس من المرجح أن يحدث اعتبارًا للأهمية الإستراتيجية التي تحظى بها تركيا بسبب مكانها الجغرافي وخاصة سيطرتها على مضيق البوسفور، الممر المائي الوحيد من وإلى البحر الأسود.
تركيا تعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة، فلديها أحد أكثر الجيوش خبرةً وتجهيزًا في المنطقة
إذ يحقق الدور التركي في الحلف مصالح أمريكا التي تخطط لمزيد من العلاقات العسكرية مع رومانيا على البحر الأسود، ومع اليونان وقبرص و”إسرائيل” في شرق البحر المتوسط ، ومع الأردن والعراق في الشرق الأوسط، علاوة على ذلك، يعول الحلف على قاعدة إنجرليك الجوية التي تستخدمها القوات الأمريكية كمنطلق أساسي لأنشطتها العسكرية في المنطقة، حيث يبرز موقع القاعدة الإستراتيجي من قربه من سوريا والبحر الأبيض المتوسط وروسيا.
يضاف إلى تلك النقاط كلها، أن تركيا تعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة، فلديها أحد أكثر الجيوش خبرةً وتجهيزًا في المنطقة، كما يسهم استمرار عضويتها في الناتو باحتواء الخلافات المتجددة بينها واليونان.
والأهم من ذلك ما صرح به مسؤول الشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأمريكية ديفيد هيل بأن لأمريكا مصالح “مشروعة” في الشرق الأوسط، وأن تركيا حليف في الناتو ولديها موقع فريد للبلاد كحلقة وصل بين أوروبا والشرق الأوسط، بقوله: “الجغرافيا تعني أن لديهم مصلحة مشروعة في الشرق الأوسط، لا يمكن تجاهلها، لكن من المهم أن يتم توجيههم بطرق تدعم جهود تركيا المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار، من خلال صيغ متعددة الأطراف في أماكن مثل ليبيا وسوريا، ودعم العملية السياسية هناك”.
الأمن الإقليمي وأجندة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، إحدى القضايا الحاسمة التي تفرض على حليفي الناتو التعاون
وتأكيدًا على هذه الرؤية، يرى المختص في الشؤون الليبية والمحاضر في قسم الاقتصاد العالمي والشؤون الدولية في إدارة الصحة والسلامة والبيئة، أندري تشوبريجين، أن سياسة أردوغان تجلب أرباحًا حقيقية ولن يجرؤ أحد على تحدي أنقرة، حيث لا توجد جهات فاعلة أخرى في الساحة السياسية اليوم، كما لا توجد أسباب مقنعة للحديث عن انسحاب تركيا من الناتو، ويضيف “انسحاب تركيا من الناتو يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، الأمر الذي سيُبقي تركيا ضمن أعضاء الحلف، كما يترتب على مغادرة تركيا الناتو، انخفاض تأثير الغرب ككل في منطقة البحر الأسود والشرق الأوسط بشكل حاد”.
إذن، فإن التعاون الأمريكي التركي يرتكز بالأساس على أهمية موقع تركيا الجيوسياسي والإستراتيجي وما تمثله بالنسبة لأمن الغرب وحلف الأطلسي، فعلى مدى عقود عديدة واجهت تركيا على حدودها أكبر مصائب القرن، الأزمة السورية وحرب العراق وتنظيم داعش الإرهابي وحزب الـ”بي كا كا”، وغيرها من المنظمات الإرهابية التي أدت إلى حالة مستمرة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وبذلك بات الأمن الإقليمي وأجندة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، إحدى القضايا الحاسمة التي تفرض على حليفي الناتو التعاون، فعلى الرغم من كل التوترات التي نتجت عن بعض الخلافات الإستراتيجية المعقدة والمصالح المتباينة فقد تعلما الموافقة على الاختلاف.
غني عن القول، أن الملف الاقتصادي يفرض ثقله أيضًا على العلاقات الأمريكية التركية، فقد بلغ إجمالي تجارة السلع (ثنائية الاتجاه) 20.5 مليار دولار خلال عام 2018.
تركيا والاتحاد الأوروبي.. لا أعداء ولا أصدقاء
قال ديمتري سوسلوف، أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد العليا بجامعة الأبحاث الوطنية في موسكو: “من غير المرجح أن يفرض الاتحاد الأوروبي أي إجراءات تقييدية ضد تركيا، لأنها تمتلك ورقة قوية للضغط على الاتحاد الأوروبي تتمثل في اللاجئين الموجودين على الأراضي التركية، وفي حال فرض الاتحاد الأوروبي بعض الإجراءات التقييدية، ردًا على ذلك، ستطلق تركيا سراح اللاجئين إلى أوروبا، الأمر الذي لا يخدم مصالح الجانب الأوروبي”.
ومن دون التعاون التركي الأوروبي بشأن سوريا، سيكون من الصعب إيجاد حل عملي لشعبها الذي طالت معاناته ويسعى إلى الاستقرار، ويعود الفضل في هذا المحور إلى سياسة ميركل الخارجية التي وفرت نقطة انطلاق قوية لإدارة هذا الوضع جنبًا إلى جنب مع تركيا لتخفيف عبء العدد غير المسبوق من اللاجئين الذي تتحمله أنقرة، حيث تستضيف تركيا واحدة من أكبر تجمعات اللاجئين في العالم التي تضم نحو 4 ملايين لاجئ.
منذ البداية، أدركت المستشارة الألمانية أن الطريق إلى حماية المصالح الأوروبية يمر عبر تركيا، فهي تقدّر تأثير اللاجئين على مستقبل الاتحاد الأوروبي والعبء الثقيل الذي يتعين على ألمانيا القيام به لإبقاء أوروبا واقفة على قدميها، لا سيما في أعقاب تخلي الولايات المتحدة عن مسؤولياتها العالمية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي جعلها تعي أن مستقبل أوروبا يعتمد على علاقات قوية مع ثلاث قوى خارجية قوية: روسيا وتركيا وبريطانيا.
يأتي أكثر من 50% من الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا من الاتحاد الأوروبي، وكلاهما لا يزال متشابكًا بعمق اقتصاديًا
وبالتالي، أجبر الأوروبيين على الاعتناء بأنفسهم من خلال العمل مع تركيا، لا سيما أن أنقرة نشطت في السنوات الأخيرة في الساحة الجيوسياسية لإيران وشمال إفريقيا، ومنحت نفسها ثقلًا سياسيًا غير مسبوق، وبالنظر إلى هذه التطورات، فقد تقلصت المسافات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بفعل مجموعة من القضايا الرئيسية مثل صفقة اللاجئين، والصراع السياسي في ليبيا، واحتياطيات الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
وهي الأزمات أو الملفات التي أكدت أهمية دور أنقرة في الاستقرار، فمثلما تحملت تركيا وطأة تداعيات الحرب السورية، بما في ذلك الإرهاب ومشكلة اللاجئين، فهي تخوض معركة جديدة الآن في ليبيا، وهي دولة أخرى في خضم حرب أهلية، حيث يمكن أن يضمن تزامن سياساتهم بشأن هذه القضايا والمجالات الأخرى ذات المصالح المشتركة وضعًا مربحًا للجانبين، لا سيما أنها تعتبر إحدى البوابات الرئيسية للمهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يقلق إيطاليا ومالطا على وجه التحديد.
اقتصاديًا.. لا مجال للانفصال
بخلاف الملفات السياسية والأمنية، فإن علاقة تركيا بأوروبا – ومع الغرب بشكل عام – متجذرة بقوة في المجال الاقتصادي، ففي عام 2019، كانت تركيا خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، حيث بلغت صادرات سلع الاتحاد الأوروبي إلى تركيا نحو 68.2 مليار يورو، بينما قدرت الواردات من تركيا بما يقرب 69.8 مليار يورو، وبذلك بلغ إجمالي التجارة البينية في السلع نحو 138 مليار يورو.
في هذا الإطار، يرى مدير مركز دراسة تركيا الجديدة في روسيا، يوري مافاشيف، أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على العلاقات مع تركيا، فالأعمال الأوروبية مندمجة بإحكام في الاقتصاد التركي، والعديد من الشركات لديها رأس مال مختلط، لهذا السبب فإن العقوبات كانت وستظل ملموسة، لكنها لن تكون كارثية كما يصور له، إذ يأتي أكثر من 50% من الاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا من الاتحاد الأوروبي، وكلاهما لا يزال متشابكًا بعمق اقتصاديًا، حيث تمثل تركيا جزءًا من سلاسل التوريد الأوروبية والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي دون أن تملك عضوية.
من ناحية أخرى، إذا أراد الاتحاد الأوروبي توفير دور متوازن بين واشنطن وبكين لتقليل التوترات العالمية والاستفادة من التجارة الآسيوية، فيجب اعتبار التعاون السياسي مع تركيا أمرًا لا مفر منه، فبصرف النظر عن روسيا، تركيا هي الدولة الوحيدة التي لها اتصال بري بين أوروبا وآسيا.
ممر مثالي للواردات الطاقة
تمتلك تركيا العديد من خطوط أنابيب النفط والغاز التي تمر عبر أراضيها، وتوفر طاقة آمنة وموثوقة لجنوب أوروبا وما ورائها، فعلى مدى العقدين الماضيين، تزايد اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، مما جعل من التحدث ضد التدخل الروسي في أوكرانيا أمرًا مكلفًا وصعبًا، ومن هذه الناحية توفر تركيا للدول الأوروبية فرصة تشتد الحاجة إليها لاستعادة الطاقة من أذربيجان والعراق وربما يومًا ما من إيران، مما يقلل الاعتماد على الطاقة الروسية.
ويوفر اكتشاف الغاز في البحر الأسود أيضًا أملًا مبدئيًا في المزيد من الاكتشافات الكبيرة التي يمكن أن تعزز اقتصاد تركيا وربما توفر فرصًا للتصدير، علاوة على ذلك، ما زالت تركيا أيضًا دولة مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ما يمنحها تفضيلات اقتصادية خاصة، ويحميها في الوقت ذاته من العقوبات الأوروبية.
حان الوقت لأن ترى أوروبا والولايات المتحدة تركيا بشكل مختلف، أي بكونها حليفًا أو شريكًا إستراتيجيًا، فهي مهمة للمصالح الأمنية على وجه الخصوص.
الأمر الذي يؤكده المختص في الشؤون الليبية تشوبريجين، بقوله: “الكثير من مصالح الاتحاد الأوروبي ترتبط بهذه المنطقة، علمًا بأنه لم تنجح أي من العقوبات المفروضة سابقًا، ناهيك بأنه في الاتحاد الأوروبي، لا أحد مستعد للدخول في معركة حاسمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير ماكرون”.
بناءً على هذه المعطيات، قد يكون حان الوقت لأن ترى أوروبا والولايات المتحدة تركيا بشكل مختلف، أي بكونها حليفًا أو شريكًا إستراتيجيًا، فهي مهمة للمصالح الأمنية على وجه الخصوص.
هذه الارتباطات والخيوط المتشابكة في أكثر من جبهة، تترك لأوروبا وتركيا خيارات محدودة لكيفية الرد، وتتطلب تنازلات من كلا الجانبين لفتح الطريق أمام فرص التعاون والمشاركة التي تتمثل في تعزيز الاستقرار في منطقة تقف على حافة الهاوية، كما تدعو الحلفاء الغربيين لقبول الواقع الجديد والتفكير بشكل مختلف بشأن تركيا، أي بكونها حليفًا أو شريكًا إستراتيجيًا