قطر، الإمارة الصغيرة الغنية في الخليج العربي، اكتسبت عداوة كل من الإمارات وإسرائيل، الأولى بسبب دعم الدوحة للإخوان المسلمين في مصر، في الوقت الذي تدعم فيه الإمارات الانقلاب العسكري وقادته من الجيش، ودعمها للإسلاميين في ليبيا، بينما تدعم الإمارات القوى الباقية من نظام القذافي، والثانية بسبب دعمها لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
هذه العداوة ظهرت في حملة جديدة في الغرب لشيطنة القطريين باعتبارهم داعمي الإرهاب الرئيسيين. لكن بينما اختار الإسرائيليون النهج المباشر في مواجهة عدوهم الجديد في الدوحة من خلال اتهامه علنًا بتأييد الإرهاب، اختارت دولة الإمارات وضع إستراتيجية أكثر سرية في مواجهتها لقطر، وذلك من خلال “دفع الملايين من الدولارات لشركة ضغط “لوبي” في الولايات المتحدة، مؤلفة من كبار المسئولين السابقين في وزارة الخزانة من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وذلك لزراعة ونشر قصص مضادة لقطر عن طريق الصحفيين الأمريكيين”.
هذا ما جاء في تقرير للكاتب والمحامي الأمريكي الشهير جلين جرينوالد عنونه بـ”كيف يسيطر مسؤولو وزارة الخزانة السابقون والإمارات على الصحفيين الأمريكيين” نشره موقع “ذا إنترسيبت” الأمريكي.
وقال الموقع إن هذا التكتيك الأكثر دهاءً حقق نجاحا ملحوظا، وسلط الضوء على مدى سهولة شراء الرأي السياسي في وسائل الإعلام الأمريكية، مشيرا لما ذكره قبل أسبوعين الصحفي “ديفيد كيركباتريك” ونشرته “نيويورك تايمز” الأمريكية عن سهولة شراء الصحفيين والإعلام ومراكز الأبحاث الأمريكية بأموال دول خليجية وأجنبية.
وسبق أن كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في دراسة شاملة موثقة بالمعلومات والوثائق تحت عنوان: “قوى أجنبية تشتري نفوذا لدى مراكز الأبحاث”، الغطاء عن تمويل 57 دولة “منها خمس دول خليجية” لتسعة مراكز أبحاث وتفكير أمريكية بهدف أن تصدر تقارير تدعم مواقفها أو تؤثر في قرارات “البيت الأبيض” و”الكونجرس” لصالح قضايا خاصة بهذه الدول.
وأظهرت الوثائق التي نشرتها “نيويورك تايمز” أن معظم الأموال التي ذهبت لتمويل معاهد الأبحاث الأجنبية جاءت من دول أوروبية ومن الدول الآسيوية، والدول المنتجة والمصدرة للنفط مثل قطر والإمارات والسعودية والكويت، وإن كلا من قطر والإمارات العربية المتحدة اللتان تعتبران استمرار الوجود الأمريكي في الخليج مهم لأمنهما القومي، تنافستا على دعم مراكز البحث، وخاضتا حربا لتشكيل الرأي العام الأمريكي، حيث ناقشت قطر أن “الإخوان المسلمين” و”الإسلام السياسي” هم أفضل خيار للديمقراطية في العالم العربي، فيما حاولت الإمارات إقناع صناع السياسة الأمريكية أن “الإخوان” هم خطر على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وذكر جرينوالد أن هناك توافق في المصالح بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي يستهدف تصوير الدوحة على أنّها “الأب الروحي للإرهابيين في كل مكان”، وهو الاتهام الذي تنفيه قطر بشدة.
ونقل عن أحد المتورطين في هذه الحملة لتلقي رشاوى إماراتية لتشويه قطر قوله: “وظفت دولة الإمارات العربية المتحدة شركة استشارات أمريكية، وهي “مجموعة كامستول”، والتي يعمل بها العديد من مسئولي وزارة الخزانة الأمريكية السابقين، حيث تظهر سجلات هذه الشركة، وجود محادثات بينها وبين الصحفيين الذين كتبوا بشكل متكرر مقالات تنتقد دور قطر في جمع الأموال لصالح الإرهاب”.
وكشف أن مجموعة “كامستول” التي أنشئت في 26 نوفمبر 2012 تضم شخصيات من كبار مسئولي وزارة الخزانة السابقين في كلٍّ من إدارتي “بوش” و”أوباما”، والذين شملت مسؤولياتهم إدارة علاقات الحكومة الأمريكية مع أنظمة الخليج العربي و”إسرائيل”، فضلًا عن إدارة السياسات المتعلقة بتمويل الجماعات الإرهابية، ومعظم هؤلاء هم بالأساس من “المحافظين الجدد” أنصار التيار المسيحي المتطرف الكاره للإسلاميين، واثنان من مدراء المجموعة، كانا يعملان مع واحد من أكثر الناشطين المعادين للمسلمين تطرفًا في البلاد، وهو “ستيف إيمرسون”.
وفي 2 ديسمبر 2012، وبعد أقل من أسبوع من تأسيس “كامستول”، وقعت الشركة عقدًا مربحًا للعمل في الاستشارات مع كيان مملوك بالكامل لإمارة أبوظبي، وهو شركة توقعات استثمارات الطاقة “LLC”، والتي أميرها هو رئيس الإمارات العربية المتحدة شخصيًا، وبعد أسبوع، تم تسجيل “كامستول” كشركة أجنبية تعمل نيابة عن الإمارات.
وبعد أسبوعين فقط من تشكيلها، حصلت الشركة على أتعاب قدرها 4.3 مليون دولار من قبل الشركة الإماراتية، وفي عام 2013، حصلت “كامستول” على 3.2 مليون دولار مقابل عملها مع نفس الشركة.
ويؤكد الموقع المعروف بنشر وثائق مسربة عن الإدارة الأمريكية، أن الإمارات تنفق أكثر من أي بلد آخر في العالم للتأثير على سياسة الولايات المتحدة، وتشكيل الموقف السياسي في واشنطن، وأنها تدفع الأموال لمسئولين حكوميين رفيعي المستوى ممن عملوا معها في السابق، مثل “ابشتاين” وشركته، من أجل تنفيذ وتمرير أجندتها داخل الولايات المتحدة.
ولخص دور “كامستول” بهذه الملايين من الدولارات، في أنها أنفقت وقتًا طويلًا في إقناع أصدقائها من الصحفيين لنشر القصص المعادية لقطر، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، حيث استهدفت الصحفيين من المحافظين الجدد، والكتاب الموالين لـ”إسرائيل”، مثل “لايلي لايك” من مجلة “ديلي بيست”، و”الانا غودمان” من مجلة “فري بياكون”، و”إليوت أبرامز”، و”جينيفر روبين” من “الواشنطن بوست”، و”مايكل روبن” من “معهد إنتربرايز” الأمريكي.
كما استهدفت الشركة أيضًا الإعلاميين الناشئين، مثل “إيرين بيرنيت” من” سي إن إن”، و”مارك هوسينبال” من “رويترز”، و”جوبي واريك” من صحيفة “الواشنطن بوست”، وفي النصف الأخير من عام 2013، كان هناك 15 اتصالًا منفصلًا بين “كامستول” و”لايلي لايك”، وكيلها بالنيابة عن أجندة دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي شهر ديسمبر وحده، كان هناك 10 اتصالات منفصلة مع “غودمان”.
وفي النصف الأول من عام 2014، ومع تكثف الهجوم الإماراتي على قطر، تحدثت مجموعة الضغط “كامستول” عدة مرات مع “لايك”، و”هوسينبال”، و”إيرين بيرنيت”، و”غودمان”، و”ديفيد كيركباتريك” من صحيفة “نيويورك تايمز”.
وقد عاد هذا الجهد بنتائج جيدة على دولة الإمارات العربية المتحدة، في يونيو، وعندما أعلنت إدارة “أوباما” عن خطة لإطلاق سراح معتقلي “غوانتانامو وإرسالهم إلى قطر، نشر “لايك” مقالًا في “الديلي بيست” حقق رواجًا على نطاق واسع، ووصف فيه قطر بأنها من أصدقاء الإرهابيين.
ونقل “لايك” في مقاله عن مسؤولين مجهولين، إدعاءات بأن العديد من الأفراد الأثرياء في قطر يجمعون المال للجهاديين في سوريا كل يوم، وقال أيضًا: “لقد أرسلنا المعتقلين لهم من قبل، وفقدت أجهزتهم الأمنية بطريقة سحرية أثرهم فيما بعد”، وأكد “لايك” كذلك على أن سجل قطر مقلق، وأن الإمارة هي مكان جيد لجمع أموال لمنظمات إرهابية.
كما ظهر الصحفي “لايك” في قناة “فوكس نيوز”، وقال إنه لا يزال هناك مشكلة رئيسة مع تمويل “الإرهاب” في قطر، وفي الدوحة هناك أفراد يجمعون الكثير من المال لتنظيم القاعدة، وحماس، وجماعات أخرى من هذا القبيل.
أيضا ضمن الحملة أرسلت محطة سي إن إن التلفزيونية الصحفي “بورنيت” إلى الدوحة، حيث بثت تقريرًا خاصًا بعنوان: “هل قطر ملاذ لتمويل الإرهاب؟”، وقد وصفت القناة التقرير بأنه “نظرة متعمقة إلى الشعب الذي يمول تنظيم القاعدة وجماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة، بما في ذلك الدولة الإسلامية”.
أيضا نشر مراسل صحيفة “واشنطن بوست” مقالًا في الصحيفة قال فيه إلى أن الجمعيات الخيرية الخاصة في قطر اتخذت دورًا أكثر بروزًا في الأسابيع الأخيرة في جمع المال والإمدادات للمتطرفين الإسلاميين في سوريا، وذلك وفقًا لمسئولين سابقين وحاليين من الولايات المتحدة والشرق الأوسط.
وسبق أن ألقي الصحفي “كيركباتريك” الذي فضح التأثير بالمال علي مراكز الأبحاث المتعاونة مع الإدارة الأمريكية، الضوء علي إن قطر تجد نفسها تحت هجوم مدمر من قبل الأطراف المشتركة في المصالح، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر و”إسرائيل”، وهذه الأطراف كلها سعت إلى تصوير الدوحة على أنها الأب الروحي للإرهابيين في كل مكان.
المصدر: ذا إنترسيبت / ترجمة التقرير / تحرير نون بوست