مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، يزداد الحديث عن مخاطر تزوير الانتخابات كما حصل في المرة السابقة أو هكذا قيل، وبينما يقضي بعض المتسللين ساعات لا حصر لها في محاولة الوصول إلى المعلومات الشخصية أو المالية، يعمل الكثير منهم على تعطيل العالم السياسي، وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي دورًا رئيسيًا في تشكيل المشهد السياسي، فالتكنولوجيا التي تسمح لنا بالعمل واللعب بطرق لم يسبق لها مثيل، تسمح أيضًا للجهات الشريرة بالتسبب في تعطيل أو ضرر لم يسبق له مثيل.
تاريخ دخول الترويج للانتخابات عبر الإنترنت
يستخدم المرشحون الإنترنت منذ عام 1996، وهو العام الذي طور فيه المرشحون للرئاسة الأمريكية مواقع إلكترونية لحملاتهم الانتخابية، وفي عام 2000 أجرى نائب الرئيس آل جور وهو ديمقراطي والسيناتور الجمهوري جون ماكين مناظرات عبر الإنترنت خلال انتخابات الرئاسة، وبحلول عام 2004، بدأت الحملات في تجربة طرق استخدام الإنترنت للتواصل مع المؤيدين والمساعدة في تنظيمهم، وتم دراسة الحملات السياسية واستخدام التكنولوجيا في جامعة “سيراكيوز” بنيويورك.
في عام 2008، استخدم المرشح الرئاسي آنذاك باراك أوباما خدمات وسائل التواصل الاجتماعي مثل Twitter وFacebook لمساعدته على الفوز في الانتخابات، وفي عام 2016 اخترق جهاز المخابرات العسكرية الروسية الانتخابات الرئاسية الأمريكية وساعد في نجاح دونالد ترامب، وصرحت هيلاري كلينتون بعد خسارتها بالانتخابات أن سبب خسارتها تزويدها ببيانات متقادمة وغير محدثة للناخبين.
وبعد أربع سنوات من عملية التأثير الموسع لروسيا، التي أثرت على خلاصات أكثر من 100 مليون مستخدم على Facebook وحده، ازداد استخدام الأمريكيين لوسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، وبسبب جائحة كورونا ازداد عدد الأشخاص المتصلين بالإنترنت الآن أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.
موسم انتخابات 2020 قد يكون الأول الذي تنفق فيه الحملات أموالًا على الإعلان عبر الإنترنت أكثر مما تنفقه على الإعلانات التليفزيونية، ففي هذه الانتخابات طوّرت منصات التواصل الاجتماعي الكثير من أساليبها، والآن بإمكان Facebook أن يكون أداةً مفيدةً للحملات الانتخابية، إذ بإمكانه إنشاء الإعلانات لاستهداف التركيبة السكانية للمستخدمين.
لقد أنشأ Facebook خوارزمية تتنبأ بما إذا كنت مهتمًا سياسيًا، كما لديهم خوارزمية تتنبأ بما إذا كنت على الأرجح مؤيدًا ديمقراطيًا أو مؤيدًا جمهوريًا.
كما أن اهتمام وتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى للانتخابات التي تزداد قوة أكثر فأكثر زاد من نسبة فوز مرشحيهم، ولا يخفى على الكثير أن Google أو Facebook أو Amazon أو Apple أقوى من العديد من البلدان في العالم، وبالتالي فإن اهتمام هذه الكيانات يعد أيضًا موضوعًا شائعًا في مسار الحملة.
يوصي الخبراء بأن جميع آلات التصويت يجب أن توفر سجلات تدقيق ورقية للأصوات بحيث يمكن مراجعة مجاميع الأصوات عن طريق التحقق يدويًا من أوراق الاقتراع
شركات تكنولوجيا الانتخابات
أصبح سوق آلات التصويت محتكرًا بشكل متزايد في ثلاث شركات تهيمن على مبيعات تكنولوجيا الانتخابات، فاستحوذت Dominion Voting Systems وES&S وHart InterCivic على العديد من منافسيها الأصغر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ووفقًا لتقرير عام 2017 من مبادرة السياسة العامة لـ”مدرسة وارتون”، توفر هذه الشركات الثلاثة معًا معدات تصويت لما يقرب من 92% من الناخبين في الولايات المتحدة.
ومع ذلك لا يُعرف الكثير عن مواردها المالية وعملياتها لأنها ليست عامة ولا تخضع لنفس الرقابة الموجودة لدى الموردين الخاصين في قطاعات البنية التحتية الحيوية الأخرى مثل الدفاع والأبحاث النووية، ووفقًا لتقرير صادر عن مركز برينان للعدالة، لا يُطلب من موردي تكنولوجيا الانتخابات الإبلاغ عن الخروقات الأمنية أو فحص خلفيات الموظفين أو تصحيح العيوب الأمنية أو الإبلاغ عن الملكية الأجنبية.
عادةً ما تبيع الشركات في سوق تكنولوجيا التصويت مجموعة من المنتجات التي تشمل الأجهزة والبرامج والخدمات والدعم، وغالبًا ما تضع الولايات والمقاطعات نفسها في عقود مدتها عشرة أو خمسة عشر عامًا لآلات التصويت بسبب تكلفة هذه المعدات وافتقارها إلى قابلية التشغيل البيني مع الأنظمة الأخرى، ما يتطلب منهم استبدال معداتهم تمامًا إذا كانوا يريدون التحول إلى بائع مختلف.
كما يوصي الخبراء بأن جميع آلات التصويت يجب أن توفر سجلات تدقيق ورقية للأصوات بحيث يمكن مراجعة مجاميع الأصوات عن طريق التحقق يدويًا من أوراق الاقتراع هذه مقابل مجاميع الأصوات المحسوبة، بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن يكون لدى الشركة عملية منهجية وموثوقة لتحديد ما إذا كانت النتائج التي يتم الإبلاغ عنها شاذة أم لا.
قرصنة روسيا والصين وإيران لانتخابات الرئاسة الأمريكية
كان دور شركات التكنولوجيا العملاقة ليس بالمستوى المطلوب في انتخابات عام 2016، ومنها شركتا مايكروسوفت وجوجل، لكن في أكثر من تصريح لهما عام 2019، أعلنوا أنهم أحبطوا من خلال برامجهم الكثير من عمليات التجسس والتأثير على سمعة المرشحين والتلاعب بآراء الناخبين.
كما صرحت شركة مايكروسوفت في نهاية شهر سبتمبر/أيلول من هذا العام أن نفس جهاز المخابرات العسكرية الروسية الذي اخترق الديمقراطيين عام 2016، حاول اقتحام أنظمة الكمبيوتر للمنظمات المشاركة في انتخابات 2020، وقالت الشركة: “هذه الجهود التي استهدفت أكثر من 200 منظمة من بينها أحزاب سياسية ومستشارون، تستهدف بشكل أوسع الحملات السياسية الأمريكية”.
قال توم بيرت، نائب رئيس شركة مايكروسوفت في مدونة: “ما رأيناه يتوافق مع أنماط الهجمات السابقة التي لا تستهدف المرشحين وموظفي الحملة فحسب، بل تستهدف أيضًا أولئك الذين يتشاورون معهم بشأن القضايا الرئيسية”.
إن الغرض الرئيسي من التطبيق هو جمع بيانات كبيرة، ومن ثم تحليلها من خلال برامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بتحليل هذه المعلومات للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المؤيدين المحتملين برسالة.
وأضاف “معظم محاولات التسلل التي قام بها عملاء روس وصينيون وإيرانيون أوقفتها برمجيات مايكروسوفت الأمنية وتم إخطار الأهداف”.
أجمع خبراء الأمن السيبراني أن التدخل الروسي هو الأخطر، وتحاول تعزيز فرص ترامب في الفوز كما فعلت عام 2016، واخترق ممثلون يعملون نيابة عن الحكومة الروسية حسابات البريد الإلكتروني الخاصة باللجنة الوطنية الديمقراطية وأطلقوا علنًا ملفات ورسائل بريد إلكتروني مسروقة، وعارض كبار المسؤولين في إدارة ترامب ذلك، على الرغم من عدم تقديم أي دليل.
كما صرح جون هولتكويست، مدير تحليل المعلومات الاستخباراتية في شركة FireEye للأمن السيبراني منذ عام 2016 إلى الآن: “نعتقد أن المخابرات العسكرية الروسية لا تزال تشكل أكبر تهديد للعملية الديمقراطية، وأنها الانتخابات “الأكثر تحديًا” في العقود الأخيرة”.
الذكاء الاصطناعي وبرامج تطبيقات المرشحين
لم يغب الذكاء الاصطناعي عن مشهد الانتخابات، إذ بدأ كل من جو بايدن والرئيس ترامب بالخطو خطوة إلى الأمام، مستفيدين من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لإشراك الناخبين في الحملات الانتخابية، فأطلق كل مرشح تطبيقه الخاص من أجل زيادة الوعي، لكنهما يستخدمان التكنولوجيا بطرق مختلفة قليلًا.
بالنسبة لجو بايدن، أطلقت حملته تطبيق “Team Joe”، الغرض الرئيسي منه، حث المجتمع والناخبين مشاركة تجربتهم ودعمهم للمرشح من خلال شبكتهم الخاصة. عندما ينزل شخص ما التطبيق، يُطلب منه مشاركة قائمة جهات الاتصال الخاصة به، ثم تتم مقارنة هذه القائمة مع ملفات الناخبين الخاصة بالحزب الديمقراطي.
يمكن للبرنامج تحديد الأفراد المستهدفين بشكل أساسي لتلقي رسائل شخصية من المستخدم نيابة عن الحملة وبالتالي من المحتمل إنشاء علاقة أكثر قوية مع المرشح.
أما حملة ترامب أطلقت التطبيق الرسمي “Trump 2020“، الذي تم تنزيله منذ إطلاقه في أبريل/نيسان أكثر من 780 ألف مرة، وفقًا لخدمة القياس Apptopia، والغرض الرئيسي من التطبيق هو جمع بيانات كبيرة، ومن ثم تحليلها من خلال برامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بتحليل هذه المعلومات للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المؤيدين المحتملين برسالة.
كما على المستخدمين تقديم رقم الهاتف والاسم وعنوان البريد الإلكتروني والرمز البريدي، وتقدر الحملة أنها ستجمع أرقام الهواتف المحمولة من 40 إلى 50 مليون ناخب، ومن المتوقع أن يصوتوا لإعادة انتخاب ترامب، ويطلب الوصول إلى بيانات الموقع وهوية الهاتف والتحكم في وظيفة Bluetooth في الهاتف.
كما صرحت MIT Technology Review التي قيّمت كلا التطبيقين، أن تطبيق ترامب هو الأقوى، ومضت قائلة إن تطبيق حملة ترامب هو “أداة مراقبة للناخبين تتمتع بقوة غير عادية”.
هل تنقذ وسائل التواصل الاجتماعي الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
برزت وسائل التواصل الاجتماعي كوسيط سياسي يستخدم لتأكيد النفوذ وتحقيق الأهداف السياسية، فكان التخريب الفعال لوسائل التواصل الاجتماعي خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 غير مسبوق وسلط الضوء على الدور الرئيسي الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في السياسة ونشر المعلومات المضللة وتوليد التحيز بين الناخبين.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الجديدة، من المفيد إعادة النظر في حركية وسائل التواصل الاجتماعي والسياسة الأمريكية من أجل توقع ما يمكن توقعه في 3 من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بشكل أفضل.
شهد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة بالفعل زيادة مطردة على مدى السنوات القليلة الماضية، حتى قبل دخول فيروس كورونا إلى أمريكا، وتشير التقديرات إلى أن 126 مليون مستخدم أمريكي على Facebook استهدفهم المحتوى الروسي على مدار حملتهم التخريبية.
في عام 2019، أزال فيسبوك 50 شبكة من جهات فاعلة أجنبية، بما في ذلك إيران وروسيا، كانت تنشر بنشاط معلومات مزيفة، ومن يناير إلى يونيو من هذا العام، تم إزالة 18 شبكة أخرى.
يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام الارتباطات ودرجات الأهمية وتصور البيانات للعثور على رؤى تنبؤية
بدأ كل من Twitter وFacebook في الإبلاغ عن مشاركات من شخصيات عامة عند احتواء معلومات مضللة، قال موقع Twitter إنه يزيل أكثر من مليون حساب مشبوه ومزيف يوميًا، كما أعلن موقع تويتر الشهر الماضي أيضًا أنه شهد زيادة بنسبة 24% في الربع الأول من العام في عدد المستخدمين يوميًا الذين شاهدوا الإعلانات.
كما حظر Facebook، الإعلانات من المنافذ الإعلامية التي تسيطر عليها الحكومات، على سبيل المثال من روسيا أو الصين، لنشر الدعاية على Facebook وفي أذهان الناخبين الأمريكيين.
التنبؤ بخسارة ترامب للعام 2020؟!
أصبحت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 أقل قابلية للتنبؤ يومًا بعد يوم، بسبب الأحداث التي تزاحمت هذا العام والتي أوردت العديد من التساؤلات وهي:
– هل سيتوافر لقاح بحلول نوفمبر؟
– كم عدد الأشخاص الذين سيتمكنون من التصويت؟
– كيف ستغير حرائق الغابات وأعمال الشغب وفيروس كورونا سلوك الناس في التصويت؟
يمكن للذكاء الاصطناعي استخدام الارتباطات ودرجات الأهمية وتصور البيانات للعثور على رؤى تنبؤية، أو في هذه الحالة بالإمكان اكتشاف كيف أثر عدد لا يحصى من السمات على تحليل الانتخابات القادمة.
من خلال تحميل البيانات إلى Apteo، وهي أداة رؤى تنبؤية دون تعليمات برمجية وتحليلها لرد فعل الناس على منصات التواصل الاجتماعي وتحليل انفعالات المستخدمين مع الأحداث التي أعقبت مقتل جورج فلويد، تنبأت الخوارزميات بأن فرص ترامب بالفوز ضئيلة.