ترجمة وتحرير نون بوست
تخيل أنك في أحد الأيام كنت تستقل القطار وقررت أن تقفز من فوق الباب الدوار لتتجنب دفع الأجرة، غالبًا لن يؤثر ذلك ماديًا على الرفاهية المالية لنظام النقل المحلي، لكن اسأل نفسك الآن “ماذا لو قام الجميع بالشيء نفسه؟” ستكون النتائج مختلفة، على الأرجح سيفلس النظام ولن يصبح الناس قادرون على ركوب القطار مرة أخرى.
يعتقد الفلاسفة الأخلاقيون دائمًا أن هذا النوع من التفكير – الذي يُعرف بالتعميم – أفضل طريقة لاتخاذ قرارات أخلاقية، لكن هل يستخدم الأشخاص العاديون هذا النوع من الحكم الأخلاقي بعفوية في حياتهم اليومية؟
في دراسة أجريت على مئات الأشخاص، أكد الباحثون من جماعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “MIT” أن الناس يستخدمون تلك الإستراتيجية في مواقف معينة تُسمى “مشكلات البداية” وهي معضلات اجتماعية يحدث فيها الضرر إذا قام كل شخص أو عدد كبير من الناس بفعل معين.
ابتكر المؤلفون نموذجًا رياضيًا يتنبأ كميًا بالقرارات والأحكام التي من المرجح أن يتخذوها، كما أظهروا لأول مرة أن الأطفال في عمر 4 سنوات بإمكانهم استخدام هذا النوع من التفكير للحكم على الصواب والخطأ.
هناك القليل من الدراسات النفسية للتعميم وهناك الكثير من الأسئلة بشأن عدد مرات استخدام الإستراتيجية وتحت أي ظروف
يقول سيدني ليفن المؤلف الرئيسي للدراسة وباحث ما بعد الدكتوراة في هارفرد ومعهد “MIT“: “تبدو هذه الآلية طريقة نستخدمها بعفوية لنتمكن من استكشاف أنواع الأفعال التي نقوم بها وتصبح مستدامة في المجتمع”.
المؤلفون الآخرون المشاركون في الدراسة هم: ماكس كليمان وينر باحث ما بعد الدكتوراة في هارفرد و”MIT” ولورا شولز أستاذ العلوم المعرفية في معهد “MIT” وجشوا تينيباوم أستاذ العلوم المعرفية الحاسوبية في “MIT” وفيري كوشمان أستاذ مساعد علم النفس في هارفرد.
الحكم الأخلاقي
ظهر مفهوم التعميم في النظريات الفلسفية منذ القرن الـ18 على الأقل، ويعد التعميم أحد الإستراتيجيات المتعددة التي يعتقد الفلاسفة أن الناس يستخدمونها لاتخاذ قرارات أخلاقية بالإضافة إلى التفكير القائم على النتائج والتفكير القائم على القواعد.
ومع ذلك، هناك القليل من الدراسات النفسية للتعميم وهناك الكثير من الأسئلة بشأن عدد مرات استخدام الإستراتيجية وتحت أي ظروف.
لاستكشاف تلك الأسئلة طلب الباحثون من الأشخاص المشاركين في الدراسة تقييم أخلاقية الأفعال في مواقف قد تسبب ضررًا إذا قام بها الكثير من الناس، في أحد السيناريوهات الافتراضية يحاول جون – صائد سمك – أن يقرر إذا ما كان سيستخدم خطاف صيد جديد أكثر كفاءة يسمح له بصيد المزيد من السمك، ومع ذلك إذا قرر كل الصيادين في قريته استخدام هذا الخطاف الجديد فلن يتبقى سمك في البحيرة بعد فترة قريبة.
وجد الباحثون أن العديد من المشاركين استخدموا التعميم لتقييم تصرف جون، وكان حكمهم يعتمد على العديد من العوامل ومن بينها عدد الأشخاص المهتمين باستخدام الخطاف الجديد وعدد الأشخاص الذين يستخدمونه فعلًا بما يسبب نتائج ضارة.
يستخدم الأطفال نفس طريقة تعميم الكبار حتى لو كانوا لا يفهمون ذلك ولا يستطيعون التعبير عنه
لاستخلاص تأثير تلك العوامل صنع الباحثون عدة إصدارات من السيناريو، في أحدهم لم يكن هناك شخص آخر في القرية مهتم باستخدام الخطاف الجيد، في ذلك السيناريو اعتبر معظم المشاركين أنه من المقبول أن يستخدمه جون.
ومع ذلك إذا كان هناك آخرون في القرية مهتمين بالخطاف الجديد لكنهم اختاروا عدم استخدامه، فإن قرار جون باستخدامه حينها يصبح خطأ أخلاقيًا وفقًا لحكمهم، وجد الباحثون أيضًا أنه بإمكانهم استخدام تلك البيانات لصنع نموذج رياضي يشرح كيف يضع الناس في اعتبارهم العوامل المختلفة مثل عدد الأشخاص الراغبين في القيام بالفعل وعدد الأشخاص الذين سيقومون به بالفعل بما يسبب ضررًا، يتنبأ النموذج بدقة بكيفية تغير حكم الأشخاص عندما تتغير العوامل.
في آخر مجموعة من الدراسات صنع الباحثون سيناريوهات استخدموها لاختبار الأحكام التي يطلقها الأطفال ما بين 4 و11 عامًا، تُظهر أول قصة طفلًا يرغب في أخذ صخرة من ممر الحديقة من أجل مجموعة صخوره التي يقتنيها، طلب الباحثون من الأطفال الحكم على مدى صواب هذا الفعل وفقًا لظرفين مختلفين: الأول سيرغب فيه طفل واحد بالحصول على حجر، وفي الثاني سيرغب العديد من الأطفال في الحصول على صخور لمجموعتهم.
وجد الباحثون أن معظم الأطفال اعتبروا أنه من الخطأ أن يأخذ الجميع من الصخور، لكنه مسموحًا إذا كان هناك طفل واحد فقط يرغب في ذلك، ومع ذلك لم يكن الأطفال قادرين على شرح سبب إطلاقهم تلك الأحكام تحديدًا.
يمكن للتعميم أن يكون مفيدًا في المواقف التي تظهر فجأة قبل وضع أي تنظيمات أو إرشادات حكومية
يقول ليفن: “الأمر المثير بشأن ذلك هو أننا اكتشفنا أنه إذا قمنا بإعداد هذا التباين المخطط له بعناية فإن الأطفال يستخدمون ذلك الحساب حتى لو كانوا لا يستطيعون التعبير عنه، إنهم لا يستطيعون استبطان معرفتهم أو يعلمون ما يفعلونه ولماذا، لكن يبدو أنهم يستخدمون تلك الآلية بأي حال”.
في الدراسات المستقبلية يأمل الباحثون في استكشاف وكيف ومتى تتطور القدرة على استخدام هذا النوع من التفكير عند الأطفال.
العمل الجماعي
في العالم الحقيقي، هناك العديد من الحالات التي يصبح فيها التعميم إستراتيجية جيدة لاتخاذ القرارات، لكنه ليس ضروريًا لأن القواعد موجودة بالفعل لتحكم مثل هذه المواقف، يقول ليفن: “هناك العديد من المشكلات المتعلقة بالعمل الجماعي في عالمنا التي يمكن حلها بالتعميم، لكنه تم حلها بالفعل من خلال التنظيم الحكومي، إننا لا نعتمد على الناس للقيام بمثل هذا النوع من التفكير، إننا نضع قانونًا يمنع ركوب الحافلة دون دفع التذكرة”.
ومع ذلك، يمكن للتعميم أن يكون مفيدًا في المواقف التي تظهر فجأة قبل وضع أي تنظيمات أو إرشادات حكومية، فعلى سبيل المثال في بداية جائحة كوفيد-19 وقبل أن تبدأ بعض الحكومات المحلية في فرض ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة، فإن الأشخاص الذين كانوا يرتدون الأقنعة تساءلوا ماذا سيحدث لو قرر الجميع عدم ارتداء الأقنعة.
يأمل الباحثون الآن في استكشاف الأسباب التي تدفع الناس لعدم استخدام التعميم في مواقف يمكن تطبيقه فيها مثل مواجهة تغير المناخ، وفقًا لليفن فالتفسير المعقول لذلك هو أن الناس لا يملكون معلومات كافية بشأن الأضرار المحتملة التي قد تنتج عن أفعال معينة.
المصدر: بيج ثينك