تصاعدت، الساعات الماضية، حدة التوترات في شرق السودان، ما أسفر عن سقوط 6 قتلى وعشرات الجرحى، في أعقاب الاحتجاجات الشعبية الناجمة عن إعفاء والي كسلا (شرق) صالح عمار من منصبه، بناء على قرار من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الثلاثاء الماضي.
وقد خرج المئات من قبائل البني عامر بمدينة السواكن (ينتمي إليها والي كسلا المقال) في تظاهرات منددة بقرار الإعفاء، حيث أُغلقت الشوارع الرئيسية وأُضرمت النيران في إطارات السيارات، مطالبين بإعادة النظر في هذه الخطوة التي من الواضح أنها ستلقي بظلالها القاتمة على المشهد السوداني الشرقي.
وكان عمار قد عُين في منصبه يوليو/تموز الماضي، ضمن قائمة الولاة المدنيين، لكن اختياره لم يكن وفق إجماع من كل قبائل المنطقة، الأمر الذي قوبل باعتراضات شديدة من مكونات قبلية واجتماعية في الشرق، الأمر الذي أثار قلق الخبراء من تداعيات هذا الحراك.
يذكر أن إقليم شرق السودان المكون من 3 ولايات (القضارف والبحر الأحمر وكسلا) يعاني من حالة من التوتر منذ توقيع اتفاق السلام الذي أبرمته الحكومة مع “الجبهة الثورية” المعارضة قبل أيام، حيث نظم أهالي الإقليم العديد من الاعتصامات التي تطالب بإلغاء هذا الاتفاق الذي يضم مسألة “مسار الشرق” ضمن بنوده، وهو ما يعترض عليه الشرقيون.
تفاصيل الإقالة
تعود تفاصيل الإقالة بحسب موقع (آخر لحظة) السوداني، إلى استنجاد حمدوك برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، للتدخل من أجل حل أزمة والي كسلا الذي يتهمه أعضاء بالحكومة بأنه لم يباشر عمله منذ تعيينه قبل 4 أشهر وهو ما انعكس على الوضع الداخلي بالولاية.
وقد اجتمع البرهان مع بعض زعماء الولاية بالقصر الجمهوري مساء السبت الماضي، على رأسهم ناظر عموم الهدندوة، محمد الأمين ترك، وأعضاء المجلس الاعلي للنظارات البجا والعموديات المستقلة، حيث أكد خلال الاجتماع على أهمية اتفاق مسار الشرق الذي تم تضمينه في اتفاق السلام المبرم مؤخرًا، رغم الاعتراضات الشعبية عليه.
وبعد لقاءت عدة بين البرهان وقادة بعض القبائل حسم الأمر بأن أبلغ رئيس الوزراء بضرورة إعفاء صالح من منصبه، وبالفعل اتخذ حمدوك القرار وأبلغ الوالي به مساء الثلاثاء الماضي 13 من أكتوبر/تشرين الثاني، لتشتعل الاحتجاجات الشعبية بعد ذلك بساعات قليلة.
وفي أول رد فعل له على قرار إزاحته من منصبه، وصف الوالي المقال ما حدث “باللطمة القوية لقيم ومبادئ ثورة ديسمبر” فيما اعتبر القرار خضوعًا “لابتزاز سدنة النظام البائد” وطالب جميع مواطني الولاية بضبط النفس والحفاظ على “السلم الاجتماعي”، وفق بيان نشره على صفحته على “فيسبوك”.
وأضاف أن قرار تعيينه في يوليو/تموز الماضي تم على أسس سياسية وليست قبلية وأن مناهضته للقرار ستكون سلمية، محذرًا في الوقت نفسه من استخدام الشرطة للعنف ضد المتظاهرين في إشارة منه لاحتمالية خروج تظاهرات من أنصاره، مطالبًا بحماية “الحقوق الدستورية”.
القبلية وأزمة ولاة الشرق
الحملة التي قادها ناظر عموم الهدندوة ضد والي كسلا المقال أثارت العديد من التساؤلات لدى الخبراء، حيث اتهمها البعض بالعرقية والقبلية، حيث اتم اتهامها بالاعتماد على التعبئة الطائفية والتركيز على التشكيك في “سودانية” عمار المنحدر من قبيلة البني عامر ووصفه بالأجنبي.
وفي المقابل نفى المحتجون ضد عمار أن تكون تحركاتهم بسبب أبعاد قبلية، مؤكدين أن فشل الوالي في تحقيق مطالب الشارع وتقاعسه عن أداء دوره وعدم قدرته على التعاطي مع التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية للإقليم ككل كانت على رأس أسباب الاحتجاج ضده.
وخلال الفترة الماضية تصاعدت وتيرة الاتهامات بين بعض المكونات القبلية بولايات الشرق وحكومة حمدوك الانتقالية وظهيرها المدني السياسي، لا سيما بعد نشوب العديد من أعمال العنف المسلحة في الإقليم بسبب أزمة الولاة المدنيين المعينين مؤخرًا من رئيس الوزراء.
وفي أبريل ومايو الماضيين شهدت المفاوضات بين الطرفين نقاشات حادة وتباين في وجهات النظر بشأن قرار استبدال حكام الولايات العسكريين بمدنيين، وهي الخلافات التي أدت في النهاية إلى خروج أنصار الرئيس المعزول عمر البشير في تظاهرات عارمة منددة بهذا القرار، لكن قوات الأمن تمكنت من السيطرة عليها.
ويشهد إقليم الشرق توترًا شديدًا منذ تعيين صالح واليًا، حيث أصرت قوى الحرية والتغيير على الدفع به رغم الاعتراضات القبلية عليه، مطالبة بأن يأخذ فرصته أولًا قبل تقييم أدائه، لافتة في الوقت نفسه أنها ليس لديها غضاضة في إزاحته في حال فشله في أداء مهمته.
وكانت 9 مكونات قبلية قد أكدت في بيان لهم أن الوالي الجديد لا يحظى بتوافق القوى الفاعلة في الإقليم، هذا بخلاف عدم امتلاكه المؤهلات اللازمة للقيام بمهمته في هذه المنطقة الساخنة من البلاد، حيث الاشتباكات المتكررة بين الحين والآخر بين القبائل والجماعات الإثنية.
تباين الرؤى
انقسم الشارع السوداني حيال قرار الإطاحة بوالي كسلا إلى رأيين، الأول يعتبر ما حدث خطوة في طريق الحل كما ذهب عضو مكتب الحرية والتغيير في كسلا، على الشريف، الذي يرى أن تعيين صالح آثار نوعًا من الاحتجاجات والرفض الواسع.
وأضاف البرلماني السوداني أن صالح كان من أقل المرشحين من حيث المؤهلات والكفاءة، بجانب أن تعيينه جاء بسلطة القرار الواحد دون تشاور مع أي من الكيانات المجتمعية، وهو ما أدى إلى هذه النتيجة، رفض شعبي لاختيار فرض عليهم بالقوة.
ويرى عضو الحرية والتغيير أن الحل يكمن في إيقاف مسار الشرق ضمن مباحثات جوبا للسلام، وهي المسألة الجدلية التي أججت الأوضاع في الإقليم الذي يطالب سكانه بألا يكون ضمن الاتفاق لما له من خصوصية تميزه، ووضعية تتطلب التعامل بشكل مختلف، هذا بخلاف التخوفات بشأن خضوع الإقليم لسياسة الابتزاز من القوى الخارجية الراغبة في الاستحواذ على الموانئ العربية، في إشارة للإمارات والتي رفض سكان ولايات الشرق أي حضور لها في موانئ بلادهم.
وطالب أهالي الولاية أن يكون تعيين الوالي بتوافق من جميع المكونات السياسية والاجتماعية للإقليم، كما لا بد أن تكون لديه الدراية الكاملة بتفاصيل الولاية وخريطتها الاقتصادية والمعيشية حتى يستطيع التعامل معها بشكل منهجي سليم، عن قرب ومن قلب الواقع، بعيدًا عن الخطط النظرية التي لا تراعي مشاكل المنطقة ولا طبيعة اهلها.
وفي الناحية الأخرى هناك من يرى أن الإقالة بهذه الطريقة ليست حلًا، بل كان لا بد أن تتم بترتيب مسبق ومشاورة كل أطراف الخلاف، وهو الرأي الذي ذهب إليه المحلل السوداني نصر الدين محمد، الذي يعتبر أن هذه الخطوة تمت بواسطة الضغوط التي قام بها البجا عقب اللقاءات والجلسات مع المجلس السيادي.
وفي المجمل تتصاعد المخاوف بشأن تداعيات التعامل مع هذه الملفات بتلك الكيفية التي من المرجح أن تفتح باب عدم الاستقرار على مصراعيه، فالوالي الجديد إن لم يعجب المجموعة القبلية الداعمة للوالي المقال سيتم الضغط على الحكومة للإطاحة به كما حدث مع من قبله، وهكذا تظل ولايات الإقليم خاضعة لأهواء القبائل التي يبدو أن لها تأثير قوي على القرار السيادي في البلاد.