ترجمة وتحرير نون بوست
لا شك أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنصت بقلق إلى بيان المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية جو بايدن، بمناسبة الذكرى الثانية لمقتل الصحفي جمال خاشقجي. تضمن بيان بايدن هذا الشهر إدانة شديدة اللهجة لعملية قتل خاشقجي الذي كان مقيما في الولايات المتحدة منذ سنة 2017، على يد عملاء سعوديين.
تعهّد بايدن بسحب الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للسعودية في الحرب التي تشنها في اليمن منذ سنة 2015. وقال بايدن: “اليوم، أنضم إلى العديد من النساء والرجال السعوديين الشجعان، والنشطاء والصحفيين، والمجتمع الدولي الحزين على وفاة خاشقجي، وأردّد دعوته للناس في كل أنحاء العالم أن يمارسوا حقوقهم الكونية بكل حرية”.
من المؤكد أن هذا التصريح من قبل شخص قد يتولّى بعد فترة قصيرة رئاسة الولايات المتحدة، أحدث صدمة في الرياض.
ترامب يحمي بن سلمان
في المقابل، تبنّى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل سنتين الرواية السعودية عن الصحفي المقتول باعتباره “عدوا للدولة”. تباهى ترامب بلا خجل بالدفاع عن القتلة، وعلى رأسهم بن سلمان، وبحمايته من الإدانات في الكونغرس. شعر ترامب حينها بتحوّل كبير في الرأي العام، وقبل كل شيء في الكونغرس، لصالح مساءلة حلفاء الولايات المتحدة المستبدين في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم النظام السعودي.
أدان العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين المملكة العربية السعودية وحاكمها المستبد لارتكاب جرائم ضد مواطنيهم على أراض أجنبية، والاستمرار في سياسة التنكيل بالنشطاء والمعارضين.
بسبب الحماية التي وفرها له من المساءلة ومن عقوبات محتملة، تمتع ولي العهد السعودي بسنتين من الأمن والطمأنينة، والتي من المرجح أن يُحرم منها بعد 3 تشرين الأول/ نوفمبر، في حال فاز بايدن بالانتخابات الرئاسية.
لكن ينبغي على المرء أن يكون حذرًا عند توقّع تحولات كبيرة في السياسة الأمريكية إذا تمّ انتخاب المرشح الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة. كانت سياسات الرؤساء الديمقراطيين في السابق أكثر انسجاما مع التقاليد الأمريكية في دعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، لاسيما في المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنهم كانوا يتحدثون دائما عن القيم الأمريكية وعن معارضتهم لسياسة دعم الطغاة في المنطقة.
ذهب باراك أوباما أبعد من أي رئيس أمريكي سابق عندما تخلى عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بدلاً من أن يدعم بشكل علني وفعال القوى الديمقراطية التي أطاحت بنظامه سنة 2011.
من خلال عزوفه عن تقديم الدعم غير المشروط لحليف الولايات المتحدة القديم، أثار أوباما سخط النظام السعودي الذي فسر موقفه تجاه مصر بأنه خذلان لشريك مخلص.
كان السعوديون يخشون أن تعصف بهم رياح التغيير في خضم ثورات الربيع العربي، في ظلّ غياب القوة الأمريكية العظمى التي يمكن أن تحميهم من السقوط المروع.
أدرك قادة السعودية أنهم لا يستطيعون الحصول على الحماية من أوباما دون القيام بإجراء إصلاحات جذرية داخل النظام. خلال مقابلة صحفية أثارت جدلاً كبيرا، ذكّر أوباما قادة الخليج بأن أكبر مشاكلهم داخلية بحتة، وشجّعهم على التوقف عن تضخيم “التهديدات الخارجية”، على غرار نفوذ إيران الإقليمي، وإسكات الأصوات المعارضة في الداخل.
شعور بالخيانة
ازداد استياء القيادة السعودية بعد توقيع الاتفاق التاريخي بين الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية وإيران، بوساطة عُمانية، حيث أدرك السعوديون إلى أي مدى يمكن للرئيس الديمقراطي أن يهمّش دورهم، دون أن يدين علنا سياساتهم المحلية والإقليمية في الشرق الأوسط.
لم يرق ذلك لحكام السعودية المستبدين، والذين حاولوا دائما الترويج لصورة المملكة المحاصرة من قوى إقليمية معادية، فيما يتمتعون بدعم كامل من الشعب السعودي. كشف أوباما زيف هذه الأسطورة السعودية علنا، وتفاوض مع إيران، عدو السعودية اللدود لعقود.
الرئيس باراك أوباما يتحدث مع الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر الهاتف في المكتب البيضاوي سنة 2013.
شعر السعوديون بالخيانة، لكن سرعان ما عالج ترامب المسألة بتأييده الكامل لبن سلمان، أو بالأحرى تأييده لوعود ولي العهد بالاستثمار في الاقتصاد الأمريكي والنظر بجدية في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. وعدان بثمن باهظ مقابل تغاضي الولايات المتحدة عن تجاوزات بن سلمان في الداخل والخارج.
إذا فاز بايدن بالانتخابات الأمريكية، سيكون بن سلمان في حالة تأهب، إذ أن أي تصريح يخرج من البيت الأبيض لا يكون فيه تأييد واضح للأمير الشاب وتذكير للكونغرس بمركزية “العلاقة التاريخية” بين الولايات المتحدة والسعودية، سيُفسّر مباشرة كموقف عدائي ضد الرياض.
في الواقع، لن تكون خطابات الديمقراطيين الرنانة حول القيم الأمريكية مقنعة بعد الآن، إن لم تقترن بتغييرات سياسية حقيقية، فلا يكفي سحب الدعم من المستبدين. تتوقع شعوب المنطقة والنشطاء السياسيون أكثر من الدعم الصامت من دولة تفتخر بديمقراطيتها ودفاعها عن حقوق الإنسان، وينتظرون إجراءات حقيقية وملموسة تقوض الأنظمة الاستبدادية، من أجل أن تحظى المنطقة وبقية جول العالم بالتغيير السياسي والازدهار الاقتصادي والوئام الاجتماعي.
فقدان الثقة
تتمثل الخطوة الأولى في إيقاف تزويد هؤلاء المستبدين بالأسلحة التي يستخدمونها ضد شعوبهم وضد الدول المجاورة. لم يتضح بعد ما إذا كان الديمقراطيون سيعيدون النظر في مسألة بيع الأسلحة للسعودية وبرامج التدريب المشتركة مع المملكة وجيرانها.
على الأقل، يمكن لبايدن أن يجعل تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية مشروطًا بتلبية المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإجراء تغييرات سياسية حقيقية تسمح للسعوديين بانتخاب ممثليهم في البرلمان، وباقي المسؤولية تقع على عاتق الشعب السعودي.
الحقيقة أن الشرق الأوسط، بل العالم بأسره فقد ثقته في الولايات المتحدة. على الأمريكيين أن يقيّموا تكاليف انتخابهم لترامب والأضرار التي ستلحق بسمعة بلادهم إذا أعادوا انتخابه مجددا.
وحتى إذا انتخبوا المرشح الديمقراطي الشهر المقبل، فلن يكون عليهم أن يصححوا أخطاء ترامب فحسب، بل أن يصححوا أيضا أخطاء أكثر من نصف قرن من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
بدءا من الآن وحتى أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر، لا شك أن بن سلمان سيقضي ليالي من الأرق تحسباً لفقدان حليفه في واشنطن، الحليف الذي سمح له بالإفلات من العقاب بعد جريمة القتل.
المصدر: ميدل إيست آي