يتوجه ما يقرب من 4.5 مليون غيني (إجمالي من لهم حق الانتخاب) اليوم لصناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم الجديد، وسط أجواء من التوتر الناجمة عن الصدام بين أنصار الرئيس المنتهية ولايته ألفا كوندي الذي يسعى للفوز بولاية ثالثة، وأنصار تيارات المعارضة التي ترى في ترشح الرئيس انتهاكًا للدستور والديمقراطية معًا.
حالة من الترقب يشهدها الشارع الغيني في انتظار ما ستسفر عنه هذه الجولة الساخنة من المواجهات الانتخابية التي يخوضها 12 مرشحًا وإن كانت المنافسة ستنحصر في كوندي ورئيس الوزراء السابق سيلو دالين ديالو وهي المواجهة الثالثة على التوالي منذ أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد في 2010.
اختبار حقيقي للديمقراطية في غرب إفريقيا مع بداية دورة انتخابية جديدة، فبعد أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية في غينيا، سيُدعى ملايين من سكان الغرب لانتخاب رؤسائهم بحلول نهاية 2020، في ساحل العاج وبوركينا فاسو وغانا والنيجر، وهي الانتخابات التي من المقرر أن تشكل الخريطة السياسية لهذه المنطقة الحساسة، في ظل حالة فوضى أمنية وسياسية تشهدها خلال الآونة الأخيرة.
أزمة تعديل الدستور
كانت الأمور تسير بشكل طبيعي قبل عام ونصف تقريبًا حين تم الحديث عن إجراء تعديلات دستورية أو بالأحرى دستور جديد، وهي الخطوة التي أثارت حفيظة المعارضة، لا سيما بعد التسريبات المتعلقة بمضمون هذا الدستور الذي كان أبرزها السماح للرئيس كوندي بالترشح لولاية ثالثة، ما اعتبره البعض انتكاسة للخلف.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انطلقت موجة احتجاجات عارمة رافضة للدستور الجديد، راح ضحيتها أكثر من 40 متظاهرًا، فيما تم اعتقال المئات ووضع العشرات من قادة المعارضة تحت الإقامة الجبرية، فيما تصاعدت حدة التوتر بين النظام والمعارضة عبر مناوشات بين الأمن والغاضبين على مدار الأشهر الماضية.
وأمام الانتقادات الدولية لخطوة تعديل الدستور الذي يقضي على ما تبقى من الديمقراطية الناجمة عن التخلص من الاستبداد والاستعمار، بجانب الانتفاضة الشعبية الداخلية، اضطر كوندي لتأجيل فكرة الاستفتاء على هذه الخطوة، وأرجأها مؤقتًا لحين هدوء الأوضاع.
وبينما كان العالم مشغولًا بأزمة فيروس كورونا المستجد، حيث سخرت كل دولة طاقاتها كافة لمواجهة تداعيات الوباء، هنا وجد الرئيس ونظامه الفرصة مواتية لتمرير دستوره الجديد في ظل تركيز الداخل على الأزمة الوبائية التي تهدد العالم أجمع.
وبالفعل وفي سرعة متناهية تم الدعوة للاستفتاء يوم 22 من مارس /آذار الماضي، ليحصل على نسبة تأييد بلغت أكثر من 90%، وفق اللجنة الانتخابية الغينية، في ظل مقاطعة شبه كاملة من تيارات وأحزاب المعارضة، الأمر الذي قوبل بموجة انتقادات حادة وتشكيك في النتائج المعلنة.
وبحسب الدستور الجديد يسمح للرئيس الغيني المنتهية ولايته بالترشح لولاية جديدة مدتها ست سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، علمًا بأن الدستور القديم كان يقر بألا تتجاوز فترة الرئيس مدتين متتاليتين، وعليه كان من المقرر أن يغادر كوندي منصبه هذا العام، غير أن التعديلات الجديدة التي تشبه التي جرت في مصر قبل عامين، تلغي المدد السابقة وتسمح له بالترشح لولايتين جديدتين فترة كل منهما 6 سنوات كاملة، ما يعني أن الرجل البالغ من العمر (82 عامًا) قد يستمر في منصبه حتى 2032.
مجرد الالتفاف على إرادة الشعب عبر تعديل الدستور بما يسمح لكوندي بولاية رئاسية جديدة هو في حقيقته خطوة كبيرة للخلف، تعود بالبلاد إلى عقود طويلة مضت وتقضي على آمال الديمقراطية المنشودة
انتكاسة للديمقراطية
خطوة تعديل الدستور جاءت بمثابة الصدمة للشارع الغيني الذي كان يؤمل نفسه بديمقراطية أكثر ازدهارًا من تلك التي تعاني في دول الجوار غرب القارة، وكانت الأمور تسير في طريقها الصحيح قبيل مسألة التعديل الأخيرة، بل إن الرئيس الحاليّ نفسه كان أحد أبرز المعارضين للاستبداد والمدافعين عن حقوق الإنسان والديمقراطية، هذا بالطبع قبل أن يجلس على كرسي الحكم.
ومنذ الانتخابات الماضية التي جرت في 2015 التي فاز فيها كوندي بنسبة 57.85% من أصوات الناخبين من الجولة الأولى، في مقابل 31.44% لخصمه التاريخي، زعيم المعارضة سالو دالان ديالو، الذي خاض ضده جولتين سابقتين، وها هي الجولة الثالثة المتوقع خوضها اليوم، منذ هذا الوقت وتشهد الساحة السياسية في البلاد موجات من التشكيك في نتائج تلك الانتخابات وأحقية الرئيس المنتهية ولايته في الحكم، الأمر الذي زادت حدته مع إعلانه خوض الانتخابات الحاليّة.
ومع اعتزام الرئيس الثمانيني الفوز بولاية ثالثة أعرب زعيم اتحاد الديمقراطيين من أجل نهضة غينيا “أوري باه” وزير المصالحة الوطنية الأسبق، عن خيبة أمله الكبيرة حيال هذه الخطوة التي وصفتها بأنها ستكون مغامرة خطرة، من شأنها زعزعة استقرار غينيا وربما الإقليم بكاملة.
فيما اتهم مراقبون كوندي بتفضيل الجمود السياسي عبر المحاربة لبقائه في السلطة عبر أدوات القمع والتنكيل على مسارات الإصلاح السياسي والاقتصادي، لافتين إلى أن السير في هذا الاتجاه محفوف بالكثير من المخاطر التي ربما تعيد البلاد إلى عصور الظلام والاستبداد التي تخلصت منها بدماء وأرواح المئات من أبنائها.
أجواء أمنية متوترة
تأتي الانتخابات في ظل أوضاع أمنية متردية للغاية، حيث المناوشات المستمرة بين حشود المرشحين الرئيسيين، كوندي وديالو، التي أسفرت عن سقوط بعض الضحايا من الطرفين، بجانب عسكريين إثر مواجهات بين قوات الأمن وأنصار المتنافسين.
وكان ديالو قد حشد أنصاره في كوناكري، منتصف ليلة الجمعة، آخر أيام الحملة الانتخابية، فيما تجمع الآلاف من أنصار كوندي في ملعب 28 من سبتمبر/أيلول بالعاصمة، الأمر الذي سمح بحدوث مشادات بين الحشدين، تجاوزت حدود السجال اللفظي إلى الاشتباك بالأيدي ما أدى إلى تدخل قوات الأمن.
وتشهد الشوارع الغينية موجات من التظاهرات الجماهيرية الرافضة لترشح الرئيس المنتهية ولايته لفترة جديدة، وعلى مدار عام ونصف تقريبًا سقط العشرات من القتلى وأضعافهم من المصابين بسبب سياسة قمع الاحتجاجات التي لجأ إليها الرئيس لتخلية الأجواء لصالح ولاية ثالثة له.
وقبيل ساعات من انطلاق الماراثون الانتخابي قُتل عسكري في محيط ثكنة في كينديا على بعد نحو مئة كيلومتر من العاصمة، فيما أغلقت عناصر الأمن مداخل وسط العاصمة كوناكري دون أن تقدم تبريرات لذلك، بينما أبدى مراقبون تخوفاتهم من تداعيات تلك الأجواء على أمن واستقرار البلاد.
أجواء ملتهبة تشهدها الساحة السياسية الغينية في مقابل حالة من الترقب تفرض نفسها لما تتمخض عنه جولتا الانتخابات، فالمعارضة تؤمل نفسها بانتصار يعيد الديمقراطية إلى مسارها الطبيعي، رغم المناخ القاسي، فيما يمني أنصار كوندي أنفسهم بولاية ثالثة ترسخ لعصر جديد من التسلط
تشكيك وترقب
يذهب البعض إلى أن مجرد الالتفاف على إرادة الشعب عبر تعديل الدستور بما يسمح لكوندي بولاية رئاسية جديدة هو في حقيقته خطوة كبيرة للخلف، تعود بالبلاد إلى عقود طويلة مضت، وتقضي على آمال الديمقراطية المنشودة، محملين الرئيس ونظامه مسؤولية تداعيات تلك الخطوة.
وتعزز تلك الوضعية غير الصحية مخاوف التشكيك في نتائج الانتخابات الحاليّة، في ظل إصرار شديد على بقاء الرئيس في منصبه لست سنوات قادمة، يتبعها ستة أخرى، بحسب الدستور الجديد، فالأيدي التي جاءت باستفتاء لا يعبر عن إرادة الشارع بنسبة تتجاوز الـ90% لا يعجزها تكرار نفس السيناريو في الانتخابات التي يتنافس فيها 12 مرشحًا.. على حسب رأي التيار المعارض.
ورغم دعوات المقاطعة التي نادى بها البعض، فإن الغالبية من أحزاب المعارضة فضلت المشاركة والدفاع عن حقها في التداول السلمي للسلطة، متمسكين بالخيط الديمقراطي الرفيع المتبقي، رافضين رفع الراية وترك الساحة خالية أمام ديكتاتورية الرئيس الذي يعتمد على أسلوب القمع والتنكيل بالمعارضين.
أجواء ملتهبة تشهدها الساحة السياسية الغينية في مقابل حالة من الترقب تفرض نفسها لما تتمخض عنه جولتا الانتخابات، فالمعارضة تؤمل نفسها بانتصار يعيد الديمقراطية إلى مسارها الطبيعي، رغم المناخ القاسي، فيما يمني أنصار كوندي أنفسهم بولاية ثالثة ترسخ لعصر جديد من التسلط.. وبين هذا وذاك يقف غالبية الشعب الغيني في انتظار ما ستسفر عنه تلك المعركة التي لن يكون شريحة كبيرة منه طرفًا فيها.