ترجمة وتحرير: نون بوست
تتسم السياسة الاقتصادية في تركيا بالعديد من الخصائص، من بينها الرهان على الذهب الذي يعود إلى زيادة إنتاجها من المعادن الثمينة، وارتفاع نسبة الطلب عليه سواء من السكان أو البنوك التجارية والبنك المركزي، فضلا عن ارتفاع نصيب تركيا من احتياطيات الذهب الدولية. ومن العوامل الأخرى التي تفسر رهان تركيا على الذهب تطور سوق الذهب المحلية، هذا إلى جانب نمو وارداتها من المعدن الأصفر.
كان إنتاج الذهب في تركيا في نهاية القرن العشرين يكاد يكون منعدما، غير أن تركيا تمكنت خلال العقدين الماضيين من تدارك الوضع بتسجيل زيادة مطردة في حجم إنتاج الذهب بفضل أنشطة التنقيب الجيولوجي واسعة النطاق التي قامت بها ما بين 1985 و2000. خلال تلك الفترة، اكتشفت تركيا رواسب كبيرة من الذهب في قرية أوفاجيك وغيرها.
أسست تركيا شركات تعدين وقُدر احتياطي الذهب المكتشف في البلاد بحوالي 800 طن، مع 6500 طن من الموارد المتوقع استخراجها. وفي حين أن إنتاج الذهب في تركيا في سنة 2000 لم يتجاوز طنًا واحدًا، ارتفع الإنتاج السنوي بحلول منتصف هذا العقد إلى 30 طنًا. وقد بلغ حجم الذهب المستخرج سنة 2019، إلى حوالي 38 طنًا. وبالمقارنة مع العديد من الدول الأخرى المنتجة للذهب، فإن إمدادات الذهب في تركيا تعتبر جيدة.
حسب جمعية عمال مناجم الذهب التركية، ينبغي أن يزيد إنتاج الذهب بنسبة 16 في المئة ويصل إلى 44 طنا هذا العام. ويتطابق حجم الإنتاج التركي مع حجم الإنتاج السنوي في كل من كولومبيا وبوليفيا.
في بداية السنة، قدم رئيس جمعية عمال مناجم الذهب التركية، حسن يوجال، بيانا ورد فيه: “لدينا القدرة على إنتاج 60 طنا من الذهب في غضون السنوات الخمس المقبلة بفضل المخططات الحكومية والاستراتيجية التي تتبعها الدولة”.
مما لاشك فيه أن أكبر طلب على الذهب من طرف السكان مسجل في الهند، وذلك بالنظر إلى الكثافة السكانية العالية. وفي حال أخذت المؤشرات النسبية للطلب الاستهلاكي على الذهب بعين الاعتبار، فإن تركيا من حيث نصيب الفرد تتجاوز الهند من حيث نسبة الطلب.
تقوم العادات التركية على إهداء الذهب في حفلات الزفاف والختان وغيرها من المناسبات. ويستخدم الذهب في بعض الأحيان تماما مثل المال. فعلى سبيل المثال، يدفع ثمن إيجار محل في البازار الكبير في إسطنبول بالذهب.
تعتبر بريطانيا وسويسرا والصين والهند أكبر مشتري الذهب في العالم. ولكن كلا من بريطانيا وسويسرا تعيدان تصدير جزء من هذا المعدن الثمين
لا تفرض تركيا ضريبة القيمة المضافة على مشتريات الأفراد من الذهب، في حين تبلغ نسبة هذه الضريبة 20 في المئة في روسيا. وعلى مدار الخمس والعشرين عامًا الماضية، وصل متوسط الطلب السنوي على الذهب في تركيا إلى حوالي 160 طنًا. من جانبها، توقعت جمعية عمال مناجم الذهب التركية انخفاض الطلب بشكل طفيف في سنة 2020 حيث أنه من المتوقع أن يشتري المواطنون الأتراك حوالي 150 طنا من الذهب.
بسبب الانخفاض السريع في قيمة الليرة التركية، زاد طلب السكان على الذهب. وخلال تلك الأزمة، بدأ الأتراك يتجهون نحو شراء العملات الاستثمارية والسبائك الذهبية بشكل رئيسي. بعبارة أخرى، أصبح الذهب يُستخدم على نطاق واسع في مختلف المعاملات. وفي النصف الأول من آب/ أغسطس، وسط التراجع السريع في قيمة الليرة مقابل ارتفاع أسعار الذهب بسعر تداول تجاوز حاجز ألفي دولار للأوقية، اشترى الأتراك الذهب بقيمة سبع مليارات دولار.
رغم الديناميكية العالية للإنتاج المحلي للمعادن، لا تغطي نسبة الإنتاج سوى ربع الطلب الاستهلاكي المحلي، ما يدفع الدولة إلى اللجوء إلى الاستيراد لتغطية بقية الحاجيات. وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، بلغ حجم واردات تركيا من المعادن الثمينة ما بين 130 و140 طنًا سنويًا.
تعتبر بريطانيا وسويسرا والصين والهند أكبر مشتري الذهب في العالم. ولكن كلا من بريطانيا وسويسرا تعيدان تصدير جزء من هذا المعدن الثمين الذي تشتريه من السوق العالمية، بينما يظل الذهب المستورد من الخارج متداولا داخل كل من الصين والهند وتركيا. ومن حيث المستوى النسبي لواردات الذهب، فإن تركيا تتقدم على كل من الصين والهند.
وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي لسنة 2019، بلغت قيمة الذهب المستورد من طرف بريطانيا حوالي 70.8 مليار دولار لتستأثر بنسبة 23.1 بالمئة من واردات الذهب العالمية؛ مقابل 60.7 مليار دولار لسويسرا بنسبة 19.8 بالمئة من واردات الذهب العالمية؛ و43.9 مليار دولار للصين بنسبة 14.3 بالمئة من واردات الذهب العالمية، و32.2 مليار دولار للهند بنسبة 10.5 بالمئة من واردات الذهب العالمية، و14 مليار دولار لهونغ كونغ بنسبة 4.6 بالمئة من واردات الذهب العالمية.
بلغت قيمة الذهب المستورد من طرف تركيا 11.2 مليار دولار، لتناهز بذلك حصتها من واردات الذهب العالمية حوالي 3.7 بالمئة؛ ولا تتجاوز قيمة الذهب المستورد من طرف سنغافورة 10.1 مليار دولار بنسبة 3.3 بالمئة من واردات الذهب العالمية، في حين تستورد الولايات المتحدة 9.7 مليار دولار من الذهب بحصة 3.2 بالمئة من الواردات العالمية. تصل قيمة الذهب المستورد من طرف تايلندا إلى حوالي سبع مليارات دولار بنسبة 2.3 بالمئة من واردات الذهب العالمية. وقد بلغت قيمة الذهب المستورد من طرف الإمارات العربية المتحدة 6.8 مليار دولار، بنسبة 2.2 بالمئة من جملة الواردات العالمية من الذهب.
حسب هذه المعطيات، احتلت تركيا السنة الماضية المرتبة السابعة عالميًا من حيث واردات المعادن النفيسة في السوق العالمية. ووفقا لمجلس الذهب العالمي، انخفض حجم واردات الذهب ما بين 2015 و2019 من قبل دول مثل سويسرا (بنسبة 15 في المئة) والإمارات العربية المتحدة (73.5 في المئة) وهونغ كونغ (61.4 في المئة). بينما سجلت واردات الذهب في المملكة المتحدة وسنغافورة وتركيا زيادةً، بنسبة 227.8 في المئة بالنسبة لتركيا.
لا تحتاج تركيا إلى استيراد الذهب لتغطية الطلب الاستهلاكي والاستثماري في السوق المحلية فحسب، بل أيضًا لزيادة احتياطيات الذهب الرسمية. ومنذ عدة سنوات، كان البنك المركزي التركي جزءًا من مجموعة البنوك المركزية التي تقوم بعمليات شراء كبيرة للمعادن الثمينة وتكوين احتياطيات رسمية من الذهب. وقد زادت البنوك المركزية في سنة 2018 احتياطياتها الرسمية من الذهب بمقدار 651.5 طن، وهو أكبر رقم سنوي تم تسجيله منذ سنة 1971.
كان البنك الروسي، الذي زاد احتياطياته من الذهب بمقدار 274 طنًا، أكبر مشتر للذهب في سنة 2018. أما المرتبة الثانية فكانت من نصيب البنك المركزي التركي بزيادة قدرت بحوالي 51.5 طن من الذهب، لتبقى المرتبة الثالثة من نصيب البنك الوطني لكازاخستان بزيادة 50.6 طن من الذهب.
في سنة 2019، بلغ صافي مشتريات البنوك المركزية من الذهب في العالم 650.3 طنًا. وقد حافظ بنك روسيا على ريادته في المشتريات، بعد زيادة احتياطياته بمقدار 158 طنًا على مدار السنة. أما البنك المركزي التركي فزاد احتياطياته خلال نفس الفترة بمقدار 64 طنًا.
في الربع الثالث والرابع من سنة 2019، زاد البنك المركزي التركي بشكل حاد في مشتريات الذهب، في حين بدأ البنك الروسي في تقليص نسبة المشتريات للحد من تراكم احتياطيات الذهب. وبذلك، احتل البنك المركزي التركي الريادة بين البنوك المركزية من حيث مشتريات الذهب ونسبة الاحتياطيات منذ النصف الثاني من السنة الماضية. وفي الربع الأول من العام الجاري، بلغ نمو احتياطيات الذهب في جميع البنوك المركزية في العالم 145 طنا، مع استئثار البنك المركزي التركي بنصف إجمالي النمو العالمي.
من باب المقارنة، لم تتجاوز زيادة احتياطي البنك الروسي من الذهب خلال الربع الأول من هذه السنة 28 طنا. وبحلول شباط/ فبراير ونيسان أبريل، أعلن بنك روسيا إنهاء عمليات شراء الذهب. ومنذ ذلك الحين، لم ترتفع احتياطيات الذهب في البنك المركزي الروسي بمقدار أوقية واحدة.
فيما يخص الفترة الفاصلة بين منتصف 2019 ومنتصف 2020، بلغ صافي مشتريات البنك المركزي التركي من الذهب 269 طنًا، بينما زاد بنك روسيا احتياطياته من الذهب بمقدار 93 طنًا.
يشتري بنك تركيا كل الذهب الذي تنتجه البلاد اليوم تقريبا. وفي الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة، بلغت واردات تركيا من الذهب 137 طنا، وهو رقم تضاعف ثلاث مرات تقريبا مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019. ومن المتوقع أن تدخل تركيا قائمة أكبر خمس مستوردين عالميين للذهب بعد الهند بحلول نهاية 2020.
يعتقد الخبراء أن المشتريات القسرية للمعادن الثمينة من قبل بنك تركيا تمليها رغبة أردوغان في تقليل مخاطر العقوبات الأمريكية المحتملة مثل تجميد الاحتياطيات الدولية بالدولار واليورو والجنيه البريطاني، ومنع المعاملات الدولية بالدولار الأمريكي. وبداية من أيلول/ سبتمبر، احتلت تركيا المرتبة 12 عالميا من حيث الاحتياطيات الرسمية للذهب بنسبة 44.9 بالمئة، بينما لا تتجاوز حصة روسيا 24.5 بالمئة.
لقد نجح الرئيس أردوغان في تعزيز نفوذه على بنك تركيا بعد إقالة مدير البنك المركزي مراد جيتين كايا، وتعيين نائب مدير البنك المركزي السابق مراد أويسال خلفا له في صيف 2019. ويُعرف أويسال بولائه لأردوغان والاستجابة لتوصياته، بما في ذلك مواصلة مسار زيادة احتياطيات الذهب في البلاد.
المصدر: المركز الروسي الاستراتيجي للثقافات