ترجمة وتحرير: نون بوست
يبدو أن صف المنازل التي بنيت في الستينيات ذات الحدائق غير المرتبة بالقرب من ريتشموند على ضفاف نهر التايمز لا يشبه كثيرًا سفارة الإكوادور المبنية من الطوب الأحمر في نايتسبريدج – حيث قضى جوليان أسانج سبع سنوات مختبئا – الواقعة على الجانب الآخر من الطريق من هارودز.
حتى مساكن الضواحي المتواضعة تجمعها القليل من القواسم المشتركة مع هذا الموقع الذي ولدت فيه الملكة في وسط لندن أو مطعم “سيكسي فيش”، وهو مطعم للمأكولات البحرية يجلس فيه رواد المطعم بين منحوتات حورية البحر لداميان هيرست.
إن جميع هذه العقارات تشكل جزءًا من إمبراطورية عقارية سرية بقيمة 5.5 مليار جنيه إسترليني يملكها أحد أغنى رؤساء الدول في العالم: الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة وأمير أبو ظبي.
رغم جميع عناوينها البارزة، لطالما كانت ملكية الأصول سرية لعقود. وحسب مصدر مطلع على التعاملالات التجارية للشيخ خليفة: “تمت المبيعات بطريقة سرية جدا من خلال عقد صفقات خفية على مدار سنوات عديدة”.
في الوقت الراهن، مكنت الوثائق المسربة وإيداعات المحكمة وتحليل السجلات العامة صحيفة “الغارديان” من تحديد ممتلكات خليفة العقارية في المملكة المتحدة، وكشفت كيف أصبح رئيس الدولة الغنية بالنفط مالكًا رئيسيًا للعقارات في لندن. ويبدو أن ممتلكات خليفة العقارية في لندن تفوق حتى ما يملكه دوق وستمنستر، الملياردير الأرستقراطي البالغ من العمر 29 عامًا الذي يمتلك مساحات شاسعة من المدينة.
تتكون أصول العقارات الشخصية للشيخ خليفة، التي تمتد على بعض أغلى أحياء لندن، إلى حد كبير من العقارات التجارية والسكنية “الفخمة”. والشقق في أحد المجمعات الفاخرة معروضة في السوق بحوالي 20 مليون جنيه إسترليني للشقة الواحدة.
مبنى “تايم لايف”، نيو بوند ستريت | موقعه: مايفير | سنة الشراء: 2005
مبنى مرموق مدرج من الدرجة الثانية من منتصف القرن، كان سابقًا مقر مكاتب شركة “تايم لايف” للنشر. يحتوي على أربعة تماثيل للنحات هنري مور في واجهته. واليوم، يضم الموقع المتجر الرئيسي لدار الأزياء الباريسية الفاخرة “هيرميس” في لندن.
بيركلي سكوير هاوس | موقعه: مايفير | سنة الشراء: 2003
مبنى مكاتب ضخم يمتد على طول الجانب الشرقى من ميدان بيركلي. يشمل الموقع وكيل فيراري وبنتلي ومطاعم شهيرة بين أوساط المشاهير، مثل سيكسي فيش، حيث تتضمن قائمة الطعام فيليه لحم واغيو الياباني بسعر 105 جنيهات إسترلينية في حين أن 30 غراماً من الكافيار ثمنه 210 جنيهات إسترلينية.
واحدة من حدائق كنسينغتون | موقعه: كنسينغتون | سنة الشراء: 2008
مبنى سكني فاخر من تسعة طوابق صممه المهندس المعماري البريطاني الشهير السير ديفيد شيبرفيلد. الشقق في هذه المنطقة، التي تشمل خدمة الكونسيرج على مدار 24 ساعة ومسبح داخلي (25 مترًا)، معروضة حاليًا في السوق مقابل ما بين 18 و26 مليون جنيه إسترليني.
3 هانس كريسنت | موقعه: نايتسبريدج | سنة الشراء: 2018
يضم المبنى السكني المبني من الطوب الأحمر بالقرب من هارودز في نايتسبريدج سفارة الإكوادور، حيث قضى مؤسس “ويكيليكس” جوليان أسانج سبع سنوات مختبئًا. منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، اشترت العائلة المالكة في الإمارات العربية المتحدة عقارات مستأجرة للعديد من الشقق في الموقع. في 2018، استحوذت شركة مرتبطة بالشيخ خليفة على الملكية الكاملة للعقار.
تُظهر الوثائق أنه من الممكن لمستثمر ثري مثل الشيخ خليفة أن يكوّن في الخفاء محفظة عقارية مترامية الأطراف في المملكة المتحدة تضم حوالي ألف مستأجر – وذلك بفضل تركيبة معقدة من الشركات الوهمية في ملاذات خارجية تديرها بعض أكبر شركات المحاماة في لندن.
ظهرت مصالح خليفة العقارية في المملكة المتحدة لأول مرة في سنة 2016 عندما قدمت تقارير “الغارديان” عن وثائق بنما لمحة عن كيفية استحواذ رئيس الإمارات العربية المتحدة بطريقة سرية على عشرات العقارات في وسط لندن بقيمة تزيد عن 1.2 مليار جنيه إسترليني.
مع ذلك، تشير الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة “الغارديان” إلى أن ممتلكات الشيخ خليفة تساوي ما يقارب خمسة أضعاف ذلك. ففي سنة 2005 وحدها، أنفق الشيخ خليفة مليار جنيه إسترليني على خمسة عقارات، وذلك وفقََا لملفات المحكمة. وبحلول سنة 2015، تضخمت قيمة محفظته الإستثمارية إلى 5.5 مليار جنيه إسترليني مع دخل إيجار سنوي قدره 160 مليون جنيه إسترليني.
ويشير تحليل بيانات السجل العقاري إلى أن محفظة خليفة التجارية والخاصة تضم حوالي 170 عقارًا بما في ذلك قصرًا منعزلًا بالقرب من ريتشموند بارك إلى جانب العديد من مباني المكاتب العالية والراقية في لندن التي تحتلها صناديق التحوط والبنوك الاستثمارية.
لا يوجد ما يشير إلى ارتكاب أي تجاوزات، وامتلاك عقارات في المملكة المتحدة من خلال شركات خارجية أمر قانوني تمامًا. لكن حكومة المملكة المتحدة تلتزم بتقديم سجل للشركات الأجنبية التي تمتلك عقارات في المملكة المتحدة لجعل السوق أكثر شفافية ولمحاربة الفساد. ورغم الطلبات المتكررة، لم يُعلّق الشيخ خليفة حول هذا الموضوع.
في الوقت الحالي، أصبحت ممتلكات الشيخ خليفة محور نزاع أمام المحكمة العليا، ما كشف عن مقدار أرباحه في المملكة المتحدة. وفي وقت سابق من هذه السنة، استمعت المحكمة إلى مزاعم بأن رئيس الإمارات قام بتركيب خزّانات في قصره الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر بالقرب من وندسور، وملأها بالمياه المعدنية “إيفيان” المستوردة من فرنسا. لكن تفاصيل أسلوب حياته تمت التغطية عليها بمزاعم مفادها أنه منذ إصابته بجلطة دماغية في سنة 2014، أصبح خليفة، الذي أعيد انتخابه رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة في سنة 2019، “عاجزًا عقليًا” – وهي إدعاءات نفاها محاموه.
يدعي محامو شركة “لانسر” العقارية التي كانت تتولى إدارة أملاكه سابقًا، أن الدعوى القانونية المتعلقة بالموافقة على بعض المدفوعات، قد تم رفعها في الوقت الذي كان فيه أفراد العائلة يتنافسون للسيطرة على أصوله المالية. واستشهد محامو شركة لانسر بوثيقة يزعمون أنها تُظهر أن السيطرة على أصوله المالية تم تسليمها سرا إلى لجنة خاصة في سنة 2015.
ويبدو أن الوثيقة التي كان موقع “ساراواك” الاستقصائي أول من نشرها والتي اطلعت عليها صحيفة “الغارديان”، تنصّ على تعيين الأخ غير الشقيق للشيخ خليفة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان رئيسًا للجنة، مما يشير إلى أن بعض العقارات الرئيسية في لندن أصبحت الآن في أيدي صاحب نادي مانشستر سيتي لكرة القدم. وقد نفى محامون يمثلون الشيخ خليفة أنه “تنازل عن السيطرة على أصوله المالية”.
يُزعم أن الوثيقة الرسمية موقّعة من قبل الشيخ خليفة، لكن يبدو أن التوقيع يرجع إلى شقيقه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي والقائد الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة وأحد أقوى الشخصيات في الشرق الأوسط.
46 بيركلي سكوير| الموقع: ماي فير | سنة الشراء: 2001
يضم المبنى ملهى ليلي يسمى”أنابيل”، ويُعرف أيضا باسم “ملهى المشاهير” الذي يملكه رجل الأعمال البارز المليونير ريشارد كارينغ، حيث تبدأ رسوم العضوية من حوالي ثلاثة آلاف جنيه إسترليني. يمتلك الشيخ خليفة الملكية المطلقة للعديد من المباني المحيطة ببيركلي سكوير.
منزل تيلني | الموقع: ماي فير | سنة الشراء: 1997
كان المبنى مقرا لهولبين أنستالت، وهي شركة سرية من ليختنشتاين تدير أعمال الشيخ خليفة والمصالح العقارية لعائلة آل نهيان الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة. يقع المبنى قبالة شارع “بارك لين” مباشرة ويطل على فندق الخمس نجوم “دورشستر”.
50 شارع بيركلي | الموقع: كنسينغتون | سنة الشراء: 2002
يمثل عقار 50 شارع بيركلي مبنى مكاتب راقي اشتراه الشيخ خليفة مع المباني والأراضي المحيطة. المبنى مقر لشركة السلع العالمية “جلينكور” ويتضمن الموقع مطعما آسيويا وإيطاليا مشهورا بين الأثرياء الروس يُدعى “نوفيكوف”.
هام رايدينغز | الموقع: هام، ريتشموند | سنة الشراء: 2002 – 2006
يمثل هام رايدينغز سلسلة من أربعة منازل منفصلة بُنيت في الستينات على طريق غير نافذ وهادئ لا يبعد كثيرا عن قصر يملكه الشيخ خليفة بالقرب من ريتشموند بارك. من المفهوم أن الممتلكات قد وقع شراؤها للموظفين العاملين في الممتلكات الكبيرة المجاورة.
الزبون
منذ أواخر التسعينات، كانت مصالح الملكية الشخصية للشيخ خليفة تدار من منزل مستقل مكوّن من سبعة طوابق يطل على فندق “دورشستر” في شارع ماي فير في لندن. ووفقا لشخص مطلع على معاملات الشيخ في لندن، فإن المبنى “يبدو متهالكا إلى حد ما عن عمد” ولكنه في الواقع يمثل “الحرم الداخلي” الذي يضم شركة سرية من ليختنشتاين تُدعى “هولبين أنستالت”، والتي تدير الشؤون الخاصة للعائلة المالكة.
وحسب ثلاثة مصادر، فإن الشركة بدأت بالاستحواذ على عقارات في المملكة المتحدة في السبعينات نيابة عن الشيخ خليفة ووالده، أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى تلبية احتياجات العائلة. ووفقا لموظف سابق، شمل ذلك ترتيب شحنات من متاجر “هارودز” إلى أبو ظبي. وقالت المصادر: “كانت الطائرة الخاصة مليئة بالكامل بكل ما يريدونه”.
في التسعينات، بدأ خليفة، ولي العهد الإماراتي آنذاك، ببناء محفظة عقارات تجارية منفصلة، بدء من المباني المكتبية في شرق لندن وريدنغ. وعملًا بنصيحة شركة “لانسر”، قام خليفة بسلسلة من عمليات الاستحواذ الكبيرة، بما في ذلك عقارات تبلغ قيمتها 450 مليون جنيه إسترليني من صندوق التقاعد لشركة بريتيش بتروليوم النفطية بين 1997 و2001.
تضمنت عمليات الاستحواذ ساحة بيركلي في مايفير، و95 مبنى يحيط بها. وفي الواقع، جعلت هذه الصفقة خليفة مالكًا لشارع بروتون بالاس بأكمله، وأضاف إليه سنداته سلسلة من العناوين المهمة عبر مايفير، مثل بنتلي التي تعد أقدم وكالة في العالم، وملهى أنابيل الليلي.
تضمنت الصفقات اللاحقة مواقع رئيسية أخرى مثل مكاتب شركة السلع العالمية “جلينكور” ومبنى “تايم لايف” في نيو بوند ستريت، الذي أصبح الآن مقر متجر “هيرميس” للسلع الفاخرة. كما اشترى الشيخ خليفة إقامة سكنية راقية في نايتسبريدج ووستمنستر وكنسينغتون.
بحلول سنة 2015، أصبحت إمبراطوريته العقارية تنافس ما يسمى بـ “العقارات الكبرى” في لندن، وهي مساحات كبرى من العاصمة المملوكة منذ قرون للعائلات الأرستقراطية. وفي تلك السنة، كانت أملاك خليفة “ثاني أكبر ملكية من حيث القيمة بعد ممتلكات العائلة الملكية في لندن فقط، بينما تفوق القيمة الجماعية لممتلكات شركة “غروسفنور إستيايت”، وذلك وفقاً لإحدى الوثائق.
تُظهر ملفات الشركة أن عقارات خليفة حققت إيرادات من الإيجار في سنة 2015 أكثر من عقارات غروسفينور أو كادوجان أو دي والدن. وعلى الرغم من حجم السندات التجارية، ظلت هوية المالك على مدى عقود مخفية ومحروسة بعناية. وكانت المعاملات تتم بشكل سري عبر كوكبة من شركات جزر العذراء البريطانية، التي كان يديرها جيش صغير من الوسطاء السريين بما في ذلك محامون من شركات النخبة في المملكة المتحدة مثل “إيفرشيدز” و”فوكس ويليامز”. ويُذكر أن المستشارين والمحامين كانوا حريصين على عدم ذكر اسم رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة مطلقًا، وكانوا يشيرون إليه ببساطة باسم “العميل”.
قال متحدث باسم شركة لانسر إن جميع العقارات “وقع شراؤها بطريقة مشروعة”. من جهتها، قالت شركة إيفرشيدز إنها تصرفت “تماما وفقا” لالتزاماتها القانونية والتنظيمية في جميع الأوقات، بينما قالت شركة “فوكس ويليامز” إنها “تلتزم بأعلى المعايير المهنية المتوقعة من قبل منظمنا ومن قبل عملائنا”.
استمرت أموال أبو ظبي في التدفق لشراء العقارات “الفخمة” في لندن في السنوات الأخيرة بسبب ضعف الجنيه الإسترليني. لكن جائحة كوفيدـ19 قلبت موازين السوق الراقية. فقد بدأ تأثير فيروس كورونا في الظهور على ملكية خليفة، التي تديرها الآن شركة مملوكة لصندوق الاستثمار “مجموعة أبوظبي المالية” مقرها أبوظبي.
أُغلق مطعم “بيتزا إكسبرس” في بروتن بالاس ومن غير المرجح أن يُعاد افتتاحه. وقد أصبح “ويليامز آند سون”، وهو متجر فاخر يبيع كل شيء لعقود بدءا من البنادق وصولا إلى الأدوات الفضية، تحت الوصاية.
لكن ماريا، البالغة من العمر 42 سنة، وهي بائعة تعيش في ساحة بيركلي تقول إنه لا يزال هناك الكثير من رجال الأعمال الأثرياء في الأرجاء الذين تحاول لفت انتباههم. إلى جنب العديد من الأشخاص الذين ينامون في ظل ظروف قاسية، تنام ماريا على قطع من الورق المقوى في حديقة الساحة. وأوضحت ماريا، التي تعيش وتعمل في حي سعر شريحة لحم بقري واغيو فيه يعادل سعر رحلة قصيرة المدى، إنها غالبًا ما تتضور جوعا وتشعر ببرد شديد. وهي لا تهتم كثيرا بمن يسيطر على الساحة، وفي إشارة إلى زوج من النعال الخفيفة البالية، قالت ماريا: “أنا بحاجة إلى حذاء”.
المصدر: الغارديان