ترجمة وتحرير: نون بوست
بموجب اتفاقية قانونية يمكن أن تتدخل تركيا في الصراع القائم بين أرمينيا وأذربيجان بعد إعلان باكو قصف الجيش الأرميني الجيب الأذربيجاني ناخيتشيفان. إن هذا الاتفاق المبرم في وقت سابق – ولا يزال ساري المفعول إلى حد اليوم – بين لينين وأتاتورك، يمنح أنقرة الحق في إرسال قواتها إلى ناخيتشيفان في حالة تعرض هذا الجيب إلى هجوم.
يوم الجمعة، أعلنت وزارة دفاع أذربيجان عن تعرض ناخيتشيفان لهجوم صاروخي شنته أرمينيا من منطقة قوبادلي المحتلة على أراضي منطقة أوردوباد في جمهورية ناخيتشيفان ذاتية الحكم. وتدعي باكو أن الهجوم نُفذ بواسطة الصواريخ التكتيكية التشغيلية. وقد نشرت الوزارة على موقعها الإلكتروني صورا تظهر شظايا الصواريخ المستخدمة مشيرة إلى أنها لم تسجل خسائر في صفوف المدنيين أو المرافق العمومية.
في المقابل، فندت وزارة الدفاع الأرمينية بيان باكو بشكل فوري، واصفة إياه بـ “كذبة أخرى للقيادة العسكرية والسياسية لأذربيجان من أجل توسيع المجال الجغرافي للصراع”. ولكن في حال ثبتت صحة تقارير باكو، فإن الأمر سيؤدي الى توسيع جغرافية الصراع بالفعل.
من جهته، صرح مدير نادي السياسيين الأذريين، إيلغار فيليزاد، بأن الجانب الأرميني نفى شن هجوم على مدينة كنجه، متسائلا: “إذا لم يقم الجانب الأرميني بقصف ناختشيفان فمن يقف وراء الحادثة؟ هل قامت أذربيجان بتوجيه ضربات ضد نفسها”.
وأشار فيليزاد إلى أن مجموعة كبيرة من قوات أذربيجان تتركز في منطقة ناخيتشيفان ذاتية الحكم، وفي حال تم إطلاق النار عليها بانتظام من الأراضي الأرمينية، لن يقف الجيش الأذري مكتوف الأيدي دون رد على ذلك. على خلفية ذلك، ستتقدم يريفان بطلب إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي من أجل الحصول على المساعدة.
ينبغي توضيح التفاصيل الجغرافية لمسرح الحرب الجديدة المحتمل. تعتبر ناخيتشيفان ذاتية الحكم جيبا تابعا لأذربيجان يزيد عدد سكانه عن 400 ألف نسمة، يقع بين أرمينيا وإيران. ورغم صغر مساحة ناخيتشيفان، غير أنها مهمة من الناحية الاستراتيجية خاصة أنه تجمعها حدود مع تركيا.
لا يتعدى طول الشريط الحدودي الفاصل بين تركيا وناخيتشيفان 23 كيلومترًا وعرضه ستة كيلومترات فقط
يفصل أذربيجان عن ناخيتشيفان شريط من الأراضي الأرمينية لا يزيد عرضه عن 50 كيلومترا، يعرف باسم زانجيزور. وشرقا، منطقة قوبادلي المحتلة التي أطلق منها الصاروخ الأرميني على ناخيتشيفان مثلما أوردت التصريحات.
تعتبر قوبادلي جزءًا من الحزام الأمني في ناغورنو كاراباخ، الذي يسيطر عليه جيش كاراباخ. ووفقا لباكو، فإن الصاروخ الذي تم إطلاقه من أراضي أذربيجان بحكم القانون، حلّق فوق أرمينيا وضرب مرة أخرى الأراضي الأذربيجانية. والجدير بالذكر أن كلا من منطقة قوبادلي وأوردوباد قريبتان من الحدود مع إيران، التي أعربت عن عدم رضاها عن نهج العمليات العسكرية على حدودها.
صرحت وزارة الخارجية الإيرانية يوم الجمعة بأن سلطاتها لن تتسامح مع الهجمات المتكررة على أراضيها من قبل المشاركين في الصراع في كاراباخ. ووفقا لطهران، حلق حوالي خمسين صاروخا وقذيفة خلال تصعيد النزاع فوق سماء الأراضي الإيرانية. ومن الواضح أن الصراع في جنوب القوقاز يجذب إيران، لكن ليس بنفس القدر مثل تركيا.
في أواخر تموز/ يوليو، أعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية عن نقل طائرات هليكوبتر هجومية ومقاتلات تابعة للقوات الجوية التركية إلى ناخيتشيفان بهدف إجراء مناورة جوية تكتيكية مع إطلاق النار بالذخيرة الحية. وفي أيلول/ سبتمبر وبعد اندلاع الصراع في كاراباخ، ذكر المراسل الحربي الروسي سيميون بيغوف على قناته على تليغرام أنه بعد التدريبات الصيفية في ناخيتشيفان، بقيت المعدات التركية في الأراضي الأذربيجانية. وقد تصل الدبابات التركية والقوات البرية الأخرى إلى ناخيتشيفان بطريقة خاصة.
لا يتعدى طول الشريط الحدودي الفاصل بين تركيا وناخيتشيفان 23 كيلومترًا وعرضه ستة كيلومترات فقط. وعلى طول نفس الطريق، يوجد سكة حديدية قيد الإنشاء ستتيح إمكانية نقل أنواع مختلفة من البضائع الاستراتيجية.
في سنة 1921، وقّع الاتحاد السوفيتي معاهدة مع الزعيم القومي التركي مصطفى كمال أتاتورك. وعلى خطى موسكو، أبرمت جمهوريات القوقاز السوفيتية الثلاث (أرمينيا وأذربيجان وجورجيا) معاهدة مع الأتراك. بموجب هذه الاتفاقيات، ظهرت منطقتان ذاتيا الحكم في الاتحاد السوفيتي – جمهورية أجاريا الاشتراكية السوفيتية المستقلة لمسلمي جورجيا، وجمهورية نخجوان الذاتية للأذريين الذين يعيشون في جنوب غرب القوقاز، التي تطالب بها أرمينيا أيضًا مثل كاراباخ.
كان الفصل الذي ينص على “احتفاظ تركيا وروسيا بالحق في إرسال قوات إلى أجاريا وناخيتشيفان في حالة الغزو العسكري لهذه المناطق من قبل دول أخرى”، أهم أحكام معاهدة كارس المبرمة سنة 1921. وعلى عكس ما تروج له وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لم تنتهي صلاحية معاهدات موسكو وكارس لسنة 1921 حتى بعد مضي قرن على تاريخ إبرامها، لأن الوثائق لم تحدد الإطار الزمني لإنتهاء فاعلية المعاهدات. ومن وجهة نظر القانون الدولي، تعتبر الاتفاقيات سارية المفعول حتى الآن.
نظمت إيران مناورات عسكرية بالقرب من الحدود مع ناخيتشيفان، بغاية تحذير أرمينيا من عدم الرغبة في هجوم جديد
في المقابل، يعتبر المؤرخون والسياسيون الأرمن أن ناخيتشيفان هي جزء من الأراضي التاريخية لأرمينيا، أين توجد العديد من المعالم التاريخية. أما في الوقت الراهن، فإن ناخيتشيفان ذاتية الحكم عنصر أساسي في الدولة الأذربيجانية لا سيما أنها مسقط رأس الرئيس السابق حيدر علييف، والد الرئيس الحالي إلهام علييف، وكذلك العديد من قادة الجمهورية الحاليين.
على عكس أذربيجان، لا تحتوي ناخيتشيفان على أقليات قومية، إذ يمثل الأذر 99 في المئة من سكانها، والأكراد 0.3 في المئة، وهي خالية من الأرمن. وعلى عكس كاراباخ لا تطالب أرمينيا باستعادة ناخيتشيفان، غير أن العمليات العسكرية وصلت إلى ناخيتشيفان ذاتية الحكم خلال الحرب الأرمينية الأذرية في التسعينيات. عندئذ، طبقت أنقرة أحكام معاهدة كارس، وأطلقت المدافع التركية نيرانها على المواقع الأرمينية من أجل منع سيطرة الجيش الأرميني على ناخيتشيفان.
في الوقت نفسه، نظمت إيران مناورات عسكرية بالقرب من الحدود مع ناخيتشيفان، بغاية تحذير أرمينيا من عدم الرغبة في هجوم جديد. استنادا إلى المواقف التي اتخذتها الدول في وقت سابق، يمكن أن يحدث شيء مماثل خلال نزاع كاراباخ الثاني.
يعتقد فيليزاد، أن يريفان نفسها تريد توسيع جغرافيا الصراع على حساب اليونان البعيدة، التي تضمر عداوة بدورها لتركيا. وأضاف فيليزاد: “أجرى وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس زيارة إلى يريفان يوم الجمعة، وكان دور الأتراك في نزاع كاراباخ من بين المواضيع الرئيسية التي طرحت على طاولة النقاش. وقد صرح القادة الأرمن بأنهم يتوقعون مساعدة ملموسة من أثينا دون تحديد ما إن كانت المساعدة عسكرية أو ذات طابع آخر. بعبارة أخرى، نحن نتحدث عن مشاركة ملموسة للاعبين الخارجيين في هذا النزاع العسكري”.
في المقابل، لا يستبعد الخبراء العسكريون في موسكو أن تمهد الهجمات على ناخيتشيفان الطريق أمام تدخل تركيا. من جهته، صرح خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيميونوف، بأن أرمينيا نفت حقيقة قيامها بالقصف، لكن من السابق لأوانه الجزم بأن أراضي ناخيتشيفان لم تتعرض لهجمات.
وحسب سيمينوف، يمكن أن تغير الهجمات الجديدة من قبل أرمينيا على هذا الجيب طبيعة الصراع بأكمله. وفي حال، امتدت الأعمال العدائية بالفعل إلى ناخيتشيفان، يمكن لأنقرة نقل وحداتها إلى هناك، باستخدام البنية التحتية العسكرية الأذربيجانية الموجودة بالفعل هناك.
وفي حال هاجمت القوات التركية أرمينيا من ناخيتشيفان، أي من أراضي الاتحاد السوفيتي سابقا، فقد يجبر ذلك روسيا على اتخاذ نوع من الخطوات الانتقامية، وسيكون ذلك بمثابة تحدي للأمن الدولي في جنوب القوقاز بأكمله. ويضيف سيمينوف أن “مثل هذه الهجمات تعطي أرمينيا – باعتبارها عضوا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي – الحق في طلب المساعدة العسكرية من روسيا والدول الأعضاء. ولا يعتبر ربط رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان بين إبادة الجهاديين في الشيشان وبين احتمال نقل المسلحين من سوريا إلى كاراباخ مجرد صدفة. ففي الحقيقة، تعد تصريحات باشينيان بمثابة دعوة غير مباشرة لروسيا للتدخل إلى صالحه في النزاع”.
في حال هاجمت القوات التركية أرمينيا من ناخيتشيفان فقد يجبر ذلك روسيا على اتخاذ نوع من الخطوات الانتقامية
أما مساعد رئيس لجنة شؤون الدول ذات المصالح المشتركة في مجلس الدوما الروسي كونستانتين زاتولين، فقد أفاد بأن تركيا تشارك فعلا في الصراع القائم بين أذربيجان وأرمينيا، مشيرا أن أذربيجان تستخدم السلاح التركي في المعارك، ولا سيما الطائرات دون طيار.
يشكك زاتولين في حقيقة تعرض ناخيتشيفان للقصف، قائلا إن “الجميع يكتم الحقائق في الحرب، لكن أذربيجان كطرف مهاجم، تكذب أكثر بكثير من أرمينيا، لأنها بحاجة إلى إخفاء مشاركة تركيا في النزاع. نحن لا نؤيد أيا من الجانبين، ناهيك عن أننا ندين توجيه ضربات ضد مرافق عمومية، لكن ينبغي الاعتراف بأن أذربيجان هي البطل في هذه الحالة”.
في وقت متأخر من ليلة الجمعة، تداولت وسائل الإعلام أنباء حول غارة جوية في مدينة كابان جنوب أرمينيا، على بعد أقل من 40 كيلومترًا من حدود ناخيتشيفان ذاتية الحكم. وقد أفادت وكالة “سبوتنيك” بأن السكان تلقوا إخطارًا عبر الرسائل النصية القصيرة حول ضرورة المغادرة إلى الملاجئ الواقية من القنابل. كما أكدت وزارة حالات الطوارئ الأرمينية أن تفعيل صفارات الإنذار في مدينتين غوريس ومغري يرجع بالأساس إلى خطأ فني.
المصدر: فز غلياد الروسية