ترجمة وتحرير: نون بوست
أصدر جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية مؤخرا بيانا قال فيه إن المواجهة المسلحة المحتدمة في ناغورني قره باغ “تجتذب، مثل المغناطيس، مسلحين من مختلف المنظمات الإرهابية الدولية”.
وأكد الجهاز أنه بحسب المعلومات المتوفرة لديه، ” دخل مرتزقة ينتمون إلى منظمات إرهابية دولية تقاتل في الشرق الأوسط – وبالتحديد جبهة النصرة وفرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد، بالإضافة إلى جماعات كردية متطرفة – منطقة النزاع. علاوة على ذلك، نحن نتحدث عن مئات، بل آلاف من المتطرفين الذين يتطلعون لكسب المال عبر الحرب الجديدة في قرة باغ”.
لكن بيان السادس من تشرين الأول / أكتوبر، يحتوي في الواقع بعض الحقائق التي تفتقر للدقة. فعلى سبيل المثال، لم تعد جبهة النصرة موجودة منذ أوائل سنة 2017، حين اندمجت مع مجموعات أخرى لتشكل هيئة تحرير الشام.
وعلى الرغم من أن البيان صنّف فرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد ضمن “المنظمات الإرهابية الدولية” الموجودة في ناغورني قره باغ، إلا أن اسم المجموعتين غير مدرج في قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية، كما لا يعتبرهما القانون الروسي منظمتين إرهابيتين. ولا تظهر المنظمتان أيضا في قائمة الفدرالية للجماعات الإرهابية المحظورة في روسيا.
وعلى الرغم من وجود أدلة على مشاركة مقاتلين من فرقة الحمزة وفرقة السلطان مراد في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، فإنه لا يوجد دليل قاطع على مشاركة مقاتلين من هيئة تحرير الشام الإرهابية في أذربيجان.
وإلى جانب حديثه عن القوات التي يُزعم أن تركيا تستخدمها لدعم أذربيجان، أكد البيان الروسي أيضا وجود “متطرفين أكراد” في منطقة الصراع، في إشارة إلى الجماعات التي تقاتل مع أرمينيا. لم تُذكر أسماء هذه الجماعات بشكل صريح، وذلك على الأرجح حتى لا تتأثر العلاقات بين موسكو وأكراد سوريا.
رغم بياناته المتكررة، فشل الكرملين في تسويق روايته للهدف من التدخل الروسي
في الواقع، لطالما مثّل انتشار المسلحين السوريين في أذربيجان موضوعًا حساسًا للغاية في روسيا، حيث أن الرأي العام الروسي لا يفرّق بين المعارضة السورية المعتدلة والمعارضة السورية المتطرفة، سواء تعلق الأمر بالمجموعات الموالية لتركيا، أو مقاتلي التنظيمات الإرهابية المتطرفة.
من شأن هذا البيان الذي يتحدث عن مشاركة جبهة النصرة في المعارك، أن يزيد الطين بلة ويعطي لموسكو ذريعة للتدخل مستقبلا في الصراع لصالح يريفان – بحجة محاربة الإرهاب – إلا أن هذا الأمر لن يمرّ دون متاعب لروسيا. في الواقع، تفصل بين أرمينيا وروسيا، دولتا جورجيا وأذربيجان، لذلك لن تتاح لموسكو فرصة الحصول على ممر برّي لنقل قواتها إلى أرمينيا أو استخدامه في الهجمات الجوية.
في الوقت ذاته، لا يشكل وصول المقاتلين السوريين إلى أذربيجان عاملاً حاسما يبرر التدخل المحتمل في النزاع، بقدر ما يفتح المجال للانتقادات الداخلية الموجهة للكرملين.
رغم بياناته المتكررة، فشل الكرملين في تسويق روايته للهدف من التدخل الروسي في روسيا على الصعيد الداخلي، أي منع انتشار الجماعات الإرهابية على طول الحدود الروسية، إذ أن المقاتلين السوريين موجودون الآن في أذربيجان على بعد 50 ميلاً فقط من الحدود مع روسيا.
في هذا السياق، كان من المفيد للجانب الروسي التأكيد على وجود “مجموعات كردية متطرفة”، والتي يقول البيان الاستخباري إنها جاءت للمشاركة في النزاع إلى جانب أرمينيا. وعلى الرغم من عدم وجود دليل مباشر على صحة هذا الخبر حتى الآن، إلا أن فكرة الانتشار المحتمل لوحدات حزب العمال الكردستاني أو المنظمات التابعة له في منطقة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان تثير مخاوف تركيا.
إذا ثبت ذلك، فبدلاً من أن تقضي أنقرة على “التهديد الكردي” على حدودها الجنوبية، يمكن أن تتشكل “بؤرة إرهابية” جديدة على حدودها الشمالية. قد يمثل ذلك جزءا من الثمن الذي تدفعه تركيا بسبب الدعم الذي تقدمه لأذربيجان.
عموما، لا يمكن أن نستبعد احتمال قيام روسيا مستقبلا بإقحام وحدات إضافية موالية ليريفان في مواجهة المقاتلين الموالين لتركيا، في حال فشلت الهدنة في قرة باغ وتصاعدت وتيرة المعارك مجددا.
في الواقع، لن تستطيع أرمينيا بمواردها المحدودة أن تستمر في القتال دون مساعدة خارجية، ويمكن أن تصبح المجموعات الكردية عنصر دعم مهم من أجل التصدي للمقاتلين السوريين الذين تجندهم أنقرة.
إذا لم يتوقف الصراع واستمر لأمد طويل، فقد يضطر الجانب الروسي أيضًا إلى دعم أرمينيا بطريقة مشابهة لتلك التي اعتمدها في ليبيا، أي يتجنب التدخل العسكري المباشر في الصراع ومساعدة أرمينيا بشكل علني.
تمتلك القوى السياسية الروسية المهتمة بدعم أرمينيا فرصًا أخرى لتقديم المساعدة العسكرية غير الحكومية إلى يريفان، باستخدام مقاتلين أجانب بدلاً من مجموعة فاغنر
ينبغي أن لا ننسى أن القوات الأرمينية تشارك في العمليات القتالية على أراضي أذربيجان تحت راية “جمهورية ناغورني قرة باغ” غير المعترف بها.
وتقرّ موسكو رسميا بوحدة أراضي أذربيجان ولا تعترف بـ”جمهورية ناغورني قرة باغ”، لكن عدم تقديم الدعم لحليفتها أرمينيا سيضرّ كثيرا بسمعتها.
عاشت روسيا وضعا مشابها في ليبيا، حيث يفتقر حليفها خليفة حفتر إلى الشرعية، ولم يكن بوسعها التدخل علانية لدعمه، لكنها أرسلت قوات فاغنر بشكل غير مباشر للقتال إلى جانبه.
لكن هناك تساؤلات حول قدرة روسيا على استخدام مجموعات القتال الخاصة مثل “فاغنر” في الصراع القائم في ناغورني قره باغ. من ناحية أولى، يُرجّح أن تنظر باكو إلى ظهور مرتزقة روس أو ناطقين باللغة الروسية “بمظهر سلافي” في أرض المعركة على أنها مشاركة روسية مباشرة في احتلال الأراضي الأذرية ودعما عسكريا لقوات الاحتلال. غير أن روسيا تود تجنب مثل هذه الاتهامات.
ومن ناحية أخرى، أعلن رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوزين، المشرف وفقًا لبعض المصادر على أنشطة الشركات الروسية الأمنية الخاصة، دعمه لأذربيجان، واتهم أرمينيا والولايات المتحدة بتأجيج الصراع. وفي مقابلة مع صحيفة “أيدينليك” التركية اليومية، قال إنه لا يرى مشكلة في أن تقدم أنقرة دعما عسكريا لباكو.
وأضاف بريغوزين قائلا: “طالما لم يَعبُر الأتراك حدود أرمينيا، فلهم الحق في التدخل في النزاع على قره باغ”. وادعى أنه بعد وصول رئيس الوزراء نيكول باشينيان إلى السلطة في أرمينيا، ظهرت العديد من المنظمات غير الحكومية الأمريكية في البلاد. وقال “هنا جوهر المشكل، الأمريكيون يؤججون الصراع”.
في الوقت ذاته، تمتلك القوى السياسية الروسية المهتمة بدعم أرمينيا فرصًا أخرى لتقديم المساعدة العسكرية غير الحكومية إلى يريفان، باستخدام مقاتلين أجانب بدلاً من مجموعة فاغنر. حدثت أمور مماثلة في الصراع الليبي، فمن أجل تجنب لفت الأنظار إلى وجود مقاتلين أوروبيين في جيش حفتر، بدأت روسيا ترسل مرتزقة سوريين إلى ليبيا بالتنسيق مع نظام بشار الأسد.
وفقًا لموقع “نيوز رو” الإخباري الروسي، بدأت عملية نقل المقاتلين السوريين من دمشق إلى ليبيا سنة 2019، وتضمنت الدفعات الأولى مقاتلي تنظيم الدولة الذين وقعوا في الأسر.
أشارت تقارير أخرى إلى أن الروس قاموا بتجنيد المقاتلين في جنوب سوريا ودمشق ودير الزور. وتقول بعض التقارير إن مقاتلي المعارضة السابقين تلقوا وعودًا بالحصول على راتب شهري قدره ألف دولار وإعفائهم من الملاحقة الجنائية مقابل القتال في الخارج. ولكن لم يتم الوفاء بهذه الوعود والالتزامات بالكامل بعد عودة المقاتلين من ليبيا.
نفي تركيا وأذربيجان وجود مرتزقة على الأرض رغم التقارير الاستخبارية والتصريحات الرسمية لعديد من المسؤولين في كثير من الدول
يمكن أن تعتمد روسيا خطة مشابهة لدعم أرمينيا. ولكن في هذه الحالة، سيشارك الأكراد السوريون بدلاً من العرب السوريين في القتال إلى جانب القوات الأرمنية. وهؤلاء الأكراد ليسوا بالضرورة مقاتلين من وحدات حماية الشعب.
ومن المعروف أن الجانب الروسي حاول نهاية سنة 2019 استقطاب أكراد سوريين للمشاركة في حروبه بالوكالة من خلال مراكز تجنيد في مدينتي عامودا وتل تمر.
لن يكون ظهور المسلحين الأكراد في أرمينيا أمرا مستفزا للسكان المحليين، حيث تعيش جالية كبيرة من الأكراد الإيزيديين في البلاد، وتحافظ على علاقات وثيقة مع أكراد سوريا والعراق.
يتشابه موقف أنقرة وباكو من مشاركة مقاتلين سوريين في الصراع الأرمني الأذري، مع الموقف الروسي من وجود مقاتلي فاغنر في ليبيا.
تنفي تركيا وأذربيجان وجود مرتزقة على الأرض رغم التقارير الاستخبارية والتصريحات الرسمية لعديد من المسؤولين في كثير من الدول. وفي وقت سابق، اتخذت روسيا موقفا مماثلا، ونفت وجود مرتزقة روس في ليبيا لهم أي علاقة بموسكو، متجاهلة العديد من التقارير والتصريحات من أجهزة الاستخبارات في أوروبا وأمريكا وتركيا.
المصدر: المونيتور