أعلنت إيران بالأمس رفع جميع القيود المفروضة على تصدير واستيراد أصناف الأسلحة وذلك طبقًا للاتفاق النووي الموقع في 2015 الذي ينص على رفع الحظر عن الأسلحة الذي فرضه مجلس الأمن على طهران مارس/آذار 2007، في خطوة وصفتها طهران بـ”الانتصار”.
وبحسب البيان الصادر عن الخارجية الإيرانية فإن إعلان رفع الحظر لا يحتاج لأي قرار أو بيان وقد دخل حيز التنفيذ عمليًا بشكل تلقائي، مطالبًا الدول بالالتزام بقرار 2231 مجلس الأمن الدولي، ووفق الاتفاق ستكون إيران قادرة على شراء وبيع الأسلحة التقليدية بعد 5 سنوات من التوقيع، أي في 18 من أكتوبر/تشرين الأول 2020.
ورغم تقليل الخبراء من أوجه الاستفادة من هذه الخطوة بسبب المشكلات المادية والأزمة الاقتصادية التي تواجهها طهران ما يحول دون توفير المبالغ الكافية لشراء الأسلحة، بخلاف عدم رغبتها في امتلاك أصناف جديدة في ظل ما تحققه من اكتفاء ذاتي نسبيًا، فإن السياق العام لهذا الإعلان ربما يحمل الاستفادة الكبرى.
اللافت للنظر ليس خبر حظر الأسلحة فهو متوقع وفق الجدول الزمني المحدد في الاتفاق في ظل رفض القوى الأوروبية الموقعة، بجانب روسيا والصين، تمديد الحظر، وعدم الاعتراض على ما تم إقراره قبل خمس سنوات، لكن الأكثر إثارة وجدلًا ما يثار بشأن صفقة ربما تعقد قريبًا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطهران قبيل الانتخابات الرئاسية، تلك الصفقة التي تحقق الاستفادة للطرفين المتنازعين.. فما طبيعتها؟ وهل تُدخل مثل هذه النوعية من الصفقات الانتخابية نيران التوتر بين الجانبين ثلاجة التجميد مؤقتًا؟
صفقة تبادل أسرى
في 21 من أغسطس/آب الماضي أعلن ترامب أنه سيتمكن من عقد صفقة جديدة مع إيران “خلال أسبوع” في حال إعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، مضيفًا في كلمة له أمام مجلس السياسة الوطنية: “إنهم (الإيرانيين) سيعقدون صفقة. وأقول إنهم سيعقدونها خلال شهر، ولكنني أقصد أسبوعًا. وأود أن أكون دقيقًا”.
لم يكشف الرئيس الأمريكي تفاصيل الصفقة المزعومة غير أن التسريبات التي خرجت بين الحين والآخر خلال الفترة الماضية ربما تجيب عن الكثير من التساؤلات عن محاورها وبنودها، هذا في الوقت الذي يحشد فيه حلفاء واشنطن للتصدي للأطماع الإيرانية في المنطقة.
أولى ملامح تلك الصفقة يتمثل في “تبادل الأسرى” بين البلدين، الذي يشمل ثلاث شخصيات مهمة معتقلة داخل إيران هم مراد طاهباز وسيامك نمازي ووالده باقر، وذلك مقابل الإفراج عن ثلاثة إيرانيين اعتقلوا في تايلاند بتهمة التجهيز لجرائم ضد إسرائيليين.
وفي 13 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ طالب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وبعض أعضاء مجلس الشيوخ، بالإفراج عن المعتقلين الثلاث وذلك في الذكرى الخامسة لسجن نمازي الابن في إيران، الذي وصف سجنه الوزير الأمريكي بأنه عمل “غير أخلاقي”.
بومبيو في تغريدة له كتب يقول: “يصادف اليوم مرور 5 سنوات على اعتقال إيران لسيامك نمازي، وهو رجل بريء تم اعتقاله لمجرد كونه مواطنًا أمريكيًا.. سيامك ووالده باقر ومراد طاهباز، يجب أن لا يقضوا يومًا آخر رهن الاعتقال”، مضيفًا “يجب على إيران إنهاء هذا العمل غير الأخلاقي والسماح لهم بالعودة إلى بلادهم”.
يذكر أن سيامك نمازي (49 عامًا)، هو رجل أعمال أمريكي-إيراني، قد اعتقل يوم 13 من أكتوبر/تشرين الأول 2016، بتهمة “التعاون مع الحكومة الأمريكية”، فيما تم اعتقال والده باقر نمازي (كان محافظًا لخوزستان قبل الثورة الإسلامية 1979، وهو عضو متقاعد في منظمة اليونيسيف) البالغ من العمر 84 عامًا، عندما ذهب إلى إيران للمساعدة في إطلاق سراح ابنه بعد عام من اعتقاله.
يعلم ترامب أن 11.5 مليار دولار كفيلة بأن تُسيل لعاب النظام الإيراني، وفي الوقت ذاته ستكون ثمنًا مناسبًا لتحجيم مساحة مناورات مليشيات إيران في أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة
الإفراج عن الأموال المجمدة
ربما يكون المحور الثاني من بنود الصفقة الترامبية الإيرانية الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، وهو ما أشارت إليه الصحفية المصرية هند الضاوي، المتخصصة في الشأن العربي والدولي بوكالة “سبوتنيك” الروسية، حيث ألمحت إلى وجود تسريبات بشأن الإفراج عن 7.5 مليار دولار مجمدين لدى بنوك كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى 4 مليارات أخرى في البنوك العراقية.
الضاوي في مقال لها على صفحتها على “فيسبوك” ربطت بين تلك التسريبات والتصريحات الإيرانية الأخيرة في هذا الشأن، بجانب زيارة مسؤولي طهران لبغداد مؤخرًا خاصة محافظ البنك المركزي الإيراني، الأمر الذي يشير إلى احتمالية تنفيذ هذه الصفقة في القريب العاجل.
وكان محمود واعظي، مدير مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد تحدث قبل أيام عن “الإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية المجمدة” في بعض البلدان، مضيفًا في تصريحاته لوكالة الأنباء الجمهورية الإيرانية “إرنا“، “تم الإفراج عن جزء من أرصدتنا المالية المجمدة خلال الأيام القليلة الماضية في عدة دول، وهي تستخدم الآن في تحويلات البنك المركزي لمعالجة مخاوف ومشكلات المستوردين”.
وفي السياق ذاته لوحت طهران قبل فترة بمقاضاة سيول أمام المحاكم الدولية لامتناعها عن الإفراج عن المليارات السبع المجمدة في بنوكها، وهو ما دفع وزارة الخارجية الكورية الجنوبية إلى استدعاء السفير الإيراني لديها، للاستفسار عن هذه الخطوة التي يعتبرها البعض أداة ضغط تأتي في هذا الاتجاه.
إنقاذ نظام الإصلاحيين
يعاني الاقتصاد الإيراني من أزمات حادة بسبب العقوبات المفروضة عليه خارجيًا، الأمر الذي أدى إلى اقتراب نفاد موارد الدولة من العملات الأجنبية حسبما نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن تقرير صادر عن الاستخبارات الأمريكية، الذي كشف أن طهران وصلت إلى نقطة حرجة للغاية، وباتت بين خيارين لا ثالث لهما، إما العودة لطاولة المفاوضات بحيث يتم رفع العقوبات عنها جزئيًا وإما أن تشن هجمات إرهابية جديدة على حلفاء الولايات المتحدة مستهدفة بذلك إمدادات الطاقة العالمية.
ووفق المتخصصين فإن الاحتياطي النقدي داخل البنك المركزي الإيراني لا يكفي إلا لستة أشهر فقط، ومن ثم فإن الحديث عن ضخ 7.5 مليار دولار من الأموال المجمدة في كوريا الجنوبية و4 مليارات أخرى من البنوك العراقية، كفيل أن ينعش الخزانة مؤقتًا، ويعيد التوازن نسبيًا إلى المنظومة الاقتصادية المتعثرة.
وفي حال إتمام هذه الصفقة قد يتنفس النظام الإصلاحي الصعداء، ويبقي على آماله في المنافسة بالانتخابات الرئاسية القادمة في ظل تراجع الشعبية بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة، وخسارتهم الانتخابات البرلمانية لصالح الأصوليين، وهو ما قد يمهد الطريق نحو جولات قادمة من المفاوضات من جانب وقطع الطريق على الأصوليين ذوي المواقف المتشددة من الغرب من جانب آخر.
المبدأ الميكافيللي الذي يسيطر على عقلية ترامب ربما يدفعه لإبرام تلك الصفقة من أجل الفوز في الانتخابات بصرف النظر عن توافقها أو تعارضها مع سياساته المعلن
دعاية انتخابية لترامب
يعلم ترامب أن 11.5 مليار دولار كفيلة بأن تُسيل لعاب النظام الإيراني، وفي الوقت ذاته ستكون ثمنًا مناسبًا لتحجيم مساحة مناورات مليشيات إيران في أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، وهو ما يحمي ترامب من أي ردود فعل أو أحداث من شأنها الإضرار بمصالح أمريكا في المنطقة ومن ثم التأثير على حظوظه الانتخابية.
الرئيس الأمريكي في حال عقد تلك الصفقة يقدم عربون حسن النوايا لأوروبا، كونها تنعش آمال العودة لاتفاق نووي جديد بعد الانسحاب الأحادي الترامبي قبل عامين، وهي نقطة الخلاف التي كانت بين واشنطن وعواصم أوروبا، أطراف الاتفاق وشهوده.
النظام الإيراني هو الآخر في موقف لا يحسد عليه، فربما يجد نفسه مضطرًا لقبول تلك الصفقة خاصة أن منافس ترامب، الديمقراطي جو بايدن في حال فوزه في الانتخابات لن يتنازل عن تحجيم قدرة إيران وتضييق الخناق عليها، تجنبًا للتعرض للانتقادات التي من المتوقع أن يتعرض لها حال تخليه عن هذا المبدأ، سواء من الداخل اليميني المتشدد أم من حلفائه في الخارج.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد تراجع مؤخرًا عن فكرة رفض التفاوض مع الأمريكان، لافتًا إلى أن مسار التفاوض يحكمه التمسك بالالتزامات المقررة، موضحًا أنه إذا عادت واشنطن إلى الاتفاق فإن بلاده ستدخل في تفاوض معها، ملمحًا إلى قبوله للحل السياسي حال وجود صفقة مرضية للطرفين، وذلك رغم رفض المرشد الإيراني سابقًا مبدأ التفاوض من الأساس كما رفض الوساطة اليابانية في هذا الشأن كذلك.
وفي الأخير تبقى كل الأوراق متاحة، والمبدأ الميكافيللي الذي يسيطر على عقلية ترامب ربما يدفعه لإبرام تلك الصفقة من أجل الفوز في الانتخابات بصرف النظر عن توافقها أو تعارضها مع سياساته المعلنة، وهو المبدأ ذاته الذي يحرضه على الإسراع لضم أكبر عدد من الدول العربية لقطاع المطبعين مع الحليف الإسرائيلي.