قطعت على نفسها عهدًا عندما كانت في الخامسة من عمرها أن تساعد مرضى القلب بعد أن فقدت جدها الذي تحب بعجز القلب، وحققت وعدها عندما بلغت الثامنة والعشرين، إنها عالمة الفيزياء والمادة التركية، أحد ألمع المهندسين في العالم وأحد أكثر المبتكرين الشباب تأثيرًا، الدكتورة جنان داغديوران Canan dağdeviren الأستاذ المساعد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.
ولدت جنان داغديوران في إسطنبول عام 1985، وكان لهذه المدينة الأثر الكبير عليها، فهي دائمًا ما تذكر انتماءها لهذه المدينة بفخر في حديثها ومقابلاتها، ثم انتقلت مع أخويها اللذين يصغرانها وعائلتها إلى مدينة إزميت وتلقت تعليمها الابتدائي فيها إلى أن حدث زلزال إزميت عام 1999 ما دفع الأسرة للانتقال إلى أضنة لتكمل تعليمها هناك.
أثرت عائلتها على نشأتها كثيرًا، فكان والدها الداعم الأكبر لها، جنان الطفلة التي شغفت بالفيزياء حبًا أهداها والدها في طفولتها مجهرًا وكتابًا عن سيرة العالمة ماري كوري، فأحبت ما فعلته ماري وزوجها بيير كوري، وكان هذا الكتاب البذرة التي شكلت حلم جنان الكبير في تعلم الفيزياء وتطبيقاتها.
بعد إكمالها الدراسة الثانوية التحقت جنان داغديوران بجامعة Hacettepe University في أنقرة لتتخصص في هندسة الفيزياء، ثم لتكمل دراسة الماجستير في إسطنبول جامعة صبنجة.
حصلت جنان داغديوران بعدها على منحة فولبرايت لتسافر إلى الولايات المتحدة وتبدأ مشوار أبحاثها في علوم وهندسة المواد بجامعة إلينوي لتحصل بعدها على الدكتوراة عام 2014 (عن أطروحتها المتخصصة في المواد الكهربائية الانضغاطية المرنة، القابلة للتمدد ويمكن ارتداؤها أو زرعها كأجهزة استشعار ويمكنها تحويل الطاقة أيضًا).
بعد إكمالها للدكتوراة تابعت الدكتورة جنان داغديوران الحلم وحصلت على زمالة ما بعد الدكتوراة في معهد كوتش للسرطان التكاملي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
ابتكاراتها
تعد جنان من أشد المدافعين عن النساء ومنحهن فرصًا متكافئة كالرجال، وتضع لمسة المرأة بوضوح في ابتكاراتها، فهي تصنع أجهزة ملونة، جميلة ذات انحناءات وحساسة.
غالبًا ما ارتبطت الابتكارات التي توصلت إليها بحياة أحد المقربين منها، فوفاة جدها في عمر مبكر نتيجة إصابته بعجز القلب جعلتها تدرس وتفكر في طريقة لمعالجة أجهزة تنظيم ضربات القلب التي تُزرع داخل الجسم (هذه الأجهزة ذات بطارية قابلة للنفاد لذلك يحتاج المريض لتحمل خطورة إجراء عملية أخرى فقط لتغيير البطارية)، فحاولت الدكتورة جنان التفكير بطريقة تديم عمر البطارية دون الحاجة إلى إجراء تداخل جراحي ثانٍ، وبذلك صممت جهاز تنظيم ضربات القلب الذي يستمد طاقته من ضربات القلب وحركة الرئة والحجاب الحاجز biocompatible piezoelectric mechanical energy harvesters.
هذه الأجهزة هي الأولى من نوعها من المولدات النانوية التي تحول الطاقة الميكانيكية من حركات الأعضاء الداخلية إلى كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية لتشغيل الأجهزة الطبية، وفازت بجائزة Science and Sci Life للعلماء الشباب عن هذا الابتكار.
كما استطاعت أن تبتكر رقاقة ثانية من مواد غير عضوية ذات خصائص كهروضغطية ذات مستويات عالية من الحساسية وأوقات استجابة سريعة بإمكانها قياس تغيرات الضغط لتدفق الدم في الشرايين القريبة من السطح واكتشاف أمراض القلب والأوعية الدموية بوقت مبكر جدًا وتقييم الحالة الصحية باستمرار.
لاحقًا عام 2017 استطاعت الدكتورة جنان التوصل إلى ابتكار آخر، PZT GI-S بصنعها جهاز صغير الحجم يوضع داخل كبسولة يمكن ابتلاعها وتبقى في المعدة لاكتشاف التشوهات الميكانيكية التي تصيب المعدة ومعرفة اضطرابات الحركة وفي علاج الأمراض المتعلقة بالسمنة.
لم تكتف الدكتورة جنان داغديوران بالابتكار فقط، لكنها أحبت العمل ضمن حيز يحافظ على سلامة العاملين فيه ويتيح لكل شخص أن ياخذ العلم منها دون الحاجة إلى طلب الإذن، وبذلك بنت مختبرها الشهير باسم YellowBox الذي صممته وبنته بنفسها عام 2017 في MIT Media Lab وهو ذو تصميم شفاف يتيح لكل من يمر أن يرى تفاصيل ما تقوم به والاستفادة منها.
هذا المختبر مصمم ضمن نظام 5S (وهو نظام يسهل عمل الباحثين في المختبرات عن طريق اتباع إرشادات خاصة بمساعدة الملصقات والألوان التي تساعد على تنظيم بيئة العمل داخل المختبر لتحقيق أعلى كفاءة وأقل خطورة).
وبهذا التنظيم العالي والخلّاق الخالي من الهدر وبقدرة توفير التكاليف وزيادة الإنتاجية والحماية من الخطورة حصل مختبر الدكتورة جنان داغدرفين على شهادة Green Labs من البيئة والصحة والسلامة EHS عام 2017.
لا تزال الدكتورة جنان داغديوران المصنفة كواحدة من أفضل 30 مبتكرًا شابًا، وأحد ألمع المهندسين في الولايات المتحدة تمارس عملها في MIT Media Lab وتسعى في المستقبل القريب إلى إدراج مفهوم personalized medicine حيز التطبيق أي بجعل العلاج خاص بكل مريض على حدة دون التعميم في طرق العلاج عن طريق ابتكار أجهزة خاصة بإمكانها إيصال الأدوية التي يحتاجها المريض في المكان المحدد دون الحاجة إلى تعريض الجسم ككل إلى الآثار الجانبية للعلاج.
مشوار الدكتورة جنان داغديوران كعالمة لا يحد من جانبها الإنساني ومسؤوليتها تجاه القضايا التي تؤمن بها، فهي مدافعة كبيرة عن المرأة وحقها في التعليم وتسعى إلى الهام الشابات خاصة الشابات المولعات بالعلوم والهندسة.
جنان داغديوران قصة ملهمة للآباء قبل الشباب، بأن دعم الطفل وإتاحة فرصة الحلم له هي الغرس الذي يؤتي أكله لاحقًا.