ترجمة وتحرير نون بوست
في 11 تشرين الأوّل/ أكتوبر، نشرت الممثلة الإسرائيلية غال غادوت على حسابها في تويتر صورة للوحة زيتية لكليوباترا رسمها الفنان المستشرق الأمريكي فردريك أرثر برديجمان، الذي عاش في القرن التاسع عشر. من خلال هذه التغريدة، أعلنت غادوت عن تعاونها مع المخرجة باتي جنكينز وكاتبة السيناريو ليتا كالوغريديس لتجسيد شخصية ملكة مصر الشهيرة “على الشاشة الكبيرة بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل”. من وجهة نظر غادوت، فإن الشيء المختلف في هذا الفيلم أن قصة كليوباترا ستُروى “لأول مرة من وجهة نظر نسوية، خلف الكاميرا وأمامها”.
يُعتبر هذا الإعلان أهم خبر في عالم صناعة الأفلام المتعلقة بالحضارات الشرقية، منذ جسّدت إليزابيث تايلور دور كليوباترا سنة 1963. أضافت غادوت تغريدة أخرى تقول من خلالها: “يسعدنا أن نعلن هذا الخبر في اليوم العالمي للفتاة. ونتمنى ألا تتخلى النساء والفتيات الطامحات للعمل في مجال الكتابة في جميع أنحاء العالم، عن أحلامهن وأن توصلن أصواتهن عبر النساء الأخريات ومن أجلهن”.
حب الجيش الإسرائيلي
إنه أمر مثير للسخرية، عندما يتحدث أكبر أثرياء العالم عن أصوات النساء وأحلامهن، على الرغم من أن ثراءهم الفاحش يعتمد كليا على بقاء عموم الناس في حالة من البؤس، وخاصة النساء. ويصبح الأمر مضحكا أكثر حين نجد أن غادوت التي غرّدت عن #اليوم_العالمي_للفتاة، تنشر أيضا عبر وسم “#أحب جيش الدفاع الإسرائيلي” تكريمًا لجيش الاحتلال.
جاء ذلك في منشور على فيسبوك نشرته غادوت في تموز/ يوليو 2014، تزامنا مع الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. في غضون 50 يومًا، قتل الجيش الإسرائيلي حوالي 2251 فلسطينيا في غزة، من بينهم 551 طفلا و299 امرأة. من الصعب طبعا أن يصل صوت النساء في هذه الحالة، لأنهن في عداد الأموات.
ولدت غادوت في مدينة بتاح تكفا سنة 1985، وتُوّجت ملكة جمال “إسرائيل” سنة 2004، وقد خدمت في الجيش الإسرائيلي خلال الهجوم الذي شنّه على لبنان في صيف 2006، والذي استمر 34 يوما، وأودى بحياة قرابة 1200 شخص، أغلبهم من المدنيين.
في سنة 2007، شاركت غادوت في جلسة تصوير لمجلة مكسيم، وفسّرت لاحقا سبب هذا التعاون في مقابلة أجرتها مع صحيفة “ذا فورورد”، قالت فيها: “كانت وزارة السياحة الإسرائيلية تسعى بالتعاون مع مكسيم لاستقطاب المزيد من السيّاح إلى “إسرائيل”، من خلال إطلاق حملة ضخمة باستخدام صور لفتيات في الجيش يرتدين البكيني”. من قال إن عمليات التطهير العرقي والمجازر الجماعيّة ليست جذّابة؟
وفقا لمجلّة مكسيم، فإن الشهرة التي حصدتها غادوت من حملة “نساء من الجيش الإسرائيلي” كانت السبب وراء حصولها على دور في فيلم “فاست آند فيوريوس”، والذي قادها بعد ذلك إلى المشاركة في فيلمي “ذا بيوتفل لايف” و”فاست فايف”. وفي مقابلتها مع “ذا فورورد”، قالت غادوت إن مخرج “فاست آند فيوريوس” جستن لين “أعجبه أنني كنت أخدم في الجيش الإسرائيلي، وأراد استغلال معرفتي بالأسلحة”.
“مثل الرجل”
في المقابلة ذاتها، وصفت غادوت شخصيتها السينمائية، جيزيل، على النحو التالي: “كان من المهم حقا أن تكون مثل الرجل. لقد كانت امرأة وكانت أنوثتها طاغية، ولكن في الوقت ذاته عليها أن تكون قوية وقاسية ونظيرا لهم”. وربما ينطبق وصف هذه الشخصيّة على مفهوم حملة “نساء جيش الدفاع الإسرائيلي”، حيث تساعد قوانين الجيش الإسرائيلي وإشراك العنصر النسائي على إضفاء مسحة من المساواة والعدالة على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (ماعدا أن الرجال غير مضطرين لارتداء البكيني).
هناك وصف مناسب آخر وهو “القتل المتكافئ”. فعلى سبيل المثال، يعبّر الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان عن إعجابه بوجود نساء أمريكيات يقمن بإطلاق قنابل من طراز إف-15 في أفغانستان، وبفكرة أن بعض مقاتلي طالبان “قتلوا للتو على يد فتاة“.
من الواضح أن الحملات العسكرية التي تشنّها الدول الكبرى ليست سلوكا تقدميا بالمرّة، سواء شاركت فيه المرأة أم لا. كذلك، أن تكوني امرأة مليونيرة مشهورة في عالم الرأسمالية الذي يسيطر عليه الرجال، لا يعني أنك تدعمين حقا الحركة النسويّة. ومع ذلك، هذا ما تحاول غادوت أن تروّج لها.
زادت شهرتها وقيمتها الفنية بفضل دور البطولة الذي لعبته في فيلم “واندر وومن” (المرأة الخارقة) سنة 2017، والذي أخرجته جنكينز أيضا، وقد تصدّر العناوين الرئيسية، ومن تلك العناوين: “امرأة خارقة حقيقية: 35 حقيقة رائعة عن غال غادوت”.
مخاوف من تعزيز كراهية النساء
تساءلت الباحثة والمعلقة السياسية الفلسطينية من الشتات ندى إيليا: “هل كانت المرأة الخارقة لتكون بتلك “الروعة” لو لم تكن شابة أوروبية ساحرة وجذابة وطويلة القامة ونحيلة؟” (تشير كلمة “الأوروبية” هنا إلى سلالة غادوت المؤكّدة، على الرغم من أن العديد من الانتهازيين قد أخذوا على عاتقهم مهمة إثبات أنها ليست من العرق الأبيض بطريقة ما)
بتأكيدها أن الحركة النسوية “لا تتعلق بالحصول على حصّة أكبر من فطيرة سامة، بل بتغيير مكوناتها”، تابعت إيليا توثيق التوجه الفعلي المناهض للنسوية في الأفلام غير المألوفة. فقد عززت غادوت “المخاوف السائدة بشأن كراهية النساء والحركة النسوية عندما أوضحت أنها ممتنة لجنكينز التي فضّلت عدم حصولها على دور “الفتاة القوية” في فيلم المرأة الخارقة بل “الفتاة الفاتنة والحنونة”.
ورة لغادوت وهي تتحدث خلال حفل أقامته الأمم المتحدة لتكريم شخصية “المرأة الخارقة” في نيويورك سنة 2016.
نظرًا لأن غادوت وجنكينز تتعاونان الآن مع شركة “باراماونت بيكتشرز” لإنتاج فيلم كليوباترا الجديد – بهدف إخبار قصتها “من وجهة نظر نسائية” بشكل ظاهري، أثارت وسائل الإعلام مرة أخرى جدلا كبيرا، حيث ورد في تقرير نشره موقع ديدلاين هوليود الإلكتروني أن “غادوت سترتدي قريبا تاج المرأة الخارقة الحقيقية في التاريخ”.
تشارك في إنتاج الفيلم شركة “بايلوت ويف موشين بيكتشرز”، وهي شركة من تأسيس غادوت وزوجها جارون فرسانو، الذي يعمل مطورا عقاريا. في سنة 2015، ورد أن فارسانو باع فندقه الذي يُعرف باسم “فارسانو” ويتخذ من تل أبيب مقرا له، مقابل 26 مليون دولار لرجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي لكرة القدم وممول مشاريع الاستيطان الإسرائيلية غير القانونية.
يعتبر زوج غادوت من المناصرين لقضايا المرأة على الأقل وفقًا لمجلة كوزموبوليتان وغيرها من المنابر الإعلامية الشهيرة الأخرى. وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة لسنة 2018، توجه فرسانو إلى إنستغرام للإشادة بزوجته “المستقلة والقوية” وعلاقتهما “القائمة على المساواة والاحترام المتبادل”. وتضمنت الوسوم “# المساواة” و”# النسوية”. لكن لو أضاف وسم “#ما عدا الفلسطينيات” للقي المنشور حينها نجاحا أفضل.
أداة مفيدة لتشتيت الانتباه
على أي حال، نجح كل من غادوت وفرسانو في الترويج للنسوية الزائفة. وكان ذلك مفيدا جدا في تشتيت الانتباه عن حقيقة أن تصوير ملكة جمال إسرائيل السابقة وجندية الجيش الإسرائيلي على أنها المرأة المصرية الأكثر شهرة على الإطلاق يعد أمرا غير مقبول.
على تويتر، وبّخت الصحفية سميرة خان غادوت قائلة: “بلدك يسرق أرض العرب وأنت تسرقين أدوارهم السينمائية”. وتابعت خان في تغريدتها – وهو الجزء الأكثر أهمية وصدقا في منشورها – “أي غبي في هوليوود اعتقد أن اختيار ممثلة إسرائيلية لأداء دور كليوباترا (لطيفة المظهر) بدلاً من ممثلة عربية مذهلة مثل نادين نجيم سيكون فكرة جيدة؟”.
في الواقع، لا ينبغي اختزال هذه القضية في مجرد موضوع الجمال الأنثوي المتصور لبطلة الفيلم (وهو الأمر الذي لا يخدم مصالح الحركة النسوية كثيرا). يشير تقرير نشره موقع ديدلاين هوليوود إلى أن مشروع الفيلم نفسه كان فكرة غادوت، لكن دناءة هذا الاتفاق تتماشى مع سياق الممارسات الوحشية الإسرائيلية المستمرة وافتكاكها للأراضي الفلسطينية، حيث يخدم اغتصاب غادوت الفعال لدور كليوباترا في الأساس أغراضًا سياسية بحتة.
يسلط هذا الاتفاق الضوء على الاستعمار وتحريف التاريخ وهو الأمر الذي تبرع فيه “إسرائيل”. كما أن تجسيد غادوت للاستشراق المتشدد الذي يتسم بالبهجة والتفاؤل في آن واحد يخدم حملة التطبيع الإسرائيلية. وستنتشر الدعاية ذات الأغراض الخبيثة على المسرح قريبًا.
السفيرة المحبوبة
بالنسبة للاتهامات القائلة إن غادوت تريد حرفيا “تبييض” كليوباترا، فنحن بطبيعة الحال لا نستطيع التأكد من لون بشرة حاكمة مصر بشكل دقيق. في المقابل، يمكننا التأكد من خدمات غادوت فيما يتعلق بتبييض الصهيونية. ففي سنة 2017، أشاد الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بالممثلة ووصفها بأنها “السفيرة الحقيقية والمحبوبة” لإسرائيل. وفي سنة 2018، صنفتها مجلة تايم من بين إحدى أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم.
من جانبه، احتفل موقع هونيست ريبورتينغ، الذي يزعم أنه “يدافع عن … إسرائيل ضد التحيز الإعلامي”، بغادوت باعتبارها “أحد أعظم صادرات إسرائيل”. فهي ملكة جمال تحوّلت إلى ممثلة “تستخدم منصتها العالمية لارتداء ذلك التاج بفخر في محاولة منها درء محاولات حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات التسلل إلى قطاع الثقافة”.
بطبيعة الحال، لا يعد تواطؤ هوليوود مع الإمبريالية والصهيونية والرأسمالية سرا، ناهيك عن أن التبييض في صناعة السينما ليس حديث العهد. فكر فقط في تمجيد العسكرة الأمريكية على الشاشة الفضية، أو تصور أن يقترح في ذلك الوقت مسؤول تنفيذي في هوليوود أن تلعب جوليا روبرتس دور هاريت توبمان. من خلال أمثال “غادوت” التي يُفترض أنها تعمل على تمكين المرأة، يُعاد توحيد قوى الشر من أجل عصر “الاستيقاظ”.
خلال بيان مهمتها، قالت شركة بايلوت ويف التي ترجع ملكيتها لكل من غادوت وفرسانو إنها “تؤمن بالإبداع السينمائي لتنمية شعور جديد بالإيمان بالدراما البشرية”. ويتابع البيان: “تشحذ إنتاجاتنا الناس بمعاني تقدير الذات فيما يتعلق بدورهم في الحياة، وتساعد على تعزيز شخصياتهم داخل نسيج المجتمع”.
نظرًا لأن أدوار غادوت في الحياة والشاشة على حد سواء تساعد على تعزيز السرد الإسرائيلي المسؤول بشكل مباشر عن مأساة ومعاناة الكثير من الرجال والنساء في المنطقة، فإن الخيار الوحيد شبه المحترم هو إلغاء إنتاج هذا الفيلم بالكامل.
المصدر: ميدل إيست آي