ترجمة وتحرير نون بوست
ماذا تنوي إسرائيل أن تفعل بغزة في نهاية المطاف؟ هذا هو السؤال الذي حير المحللين والمراقبين لبعض الوقت، ولكن مؤخرًا، ظهرت مؤشرات على ما تنوي إسرائيل والولايات المتحدة فعله في أهل غزة.
غزة المكتظة بشدة، والمحاصرة منذ ثماني سنوات من قبل إسرائيل، مع بنية تحتية مدمرة بسبب الحروب الإسرائيلية تشبه إناء ضغط عملاق بانتظار أن ينفجر.
من الصعب أن نتصور أن إسرائيل لن تواجه اضطرابًا هائلاً على أبواب فلسطين المحتلة، فما السيناريو الذي يقترحه الإسرائيليون؟ هل سيتفرجون على الفلسطينيين بينما يهدمون أسوار سجنهم الكبير؟ أم سيقمعون انتفاضته بوحشية؟
التقارير الأخيرة، والتي أكد جزءًا منها الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” تشير إلى أن مصر قد تكون بصدد وضع خطط لحل المشكلة بالنيابة عن إسرائيل.
فقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية ادعاءات – سُربت على ما يبدو من قبل مسئولين إسرائيليين – بأن الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” قد عرض على الرئاسة الفلسطينية فرصة إعطاء الفلسطينيين 1600 كم مربع من سيناء، هذا يعني أن مصر تتبرع بتوسيع مساحة غزة خمسة أضعاف!
يقال إن هذا المخطط قد حصل على مباركة الولايات المتحدة.
وفقًا للتقارير، فإن الأراضي في سيناء ستصبح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، أُطلق عليها اسم “غزة الكبرى”، وإليها سيعود اللاجئون الفلسطينيين، سيكون للسلطة الفلسطينية منطقة حكم ذاتي في تلك المناطق، ومقابل ذلك سيتخلى عباس عن حق إقامة دولة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
الخطة التي من شأنها أن تنقل أعدادًا كبيرة من الفلسطينيين خارج حدود فلسطين التاريخية رُفضت بشكل قاطع من قبل مسئولين فلسطينيين ومصريين.
“الطيب عبد الرحيم” المتحدث باسم عباس اتهم إسرائيل باستخدام الاقتراح لتدمير القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى جهود عباس في الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أجزاء من فلسطين التاريخية.
لكن إنكار عبد الرحيم يثير أسئلة أكثر مما يجيب، فبينما أكد أن السيسي لم يقدم مثل هذا الاقتراح، قال إن الخطة كانت من “جيورا آيلاند” مستشار الأمن القومي الإسرائيلي بين 2004 – 2006.
عبد الرحيم أراد أن يكشف عن خطة آيلاند التي أملت إسرائيل أن تنفذها بعد سنة من انسحابها من غزة، فيما يسمى بفك الارتباط.
وفقًا لخطة آيلاند، فمصر ستوافق على إعطاء غزة أراض من سيناء، في مقابل إعطاء إسرائيل أراض في النقب.
ذكر عبد الرحيم أيضًا أن خطة مماثلة قد تقدم بها الرئيس محمد مرسي، الذي أطاح به السيسي في انقلاب عسكري بعد تعزيز علاقاته بحماس في غزة.
الاستراتيجية الصهيونية
فكرة إقامة دولة فلسطينية خارج حدود فلسطين التاريخية، سواء في الأردن أو في سيناء، لديها تاريخ طويل في الفكر الصهيوني.
“الأردن هو فلسطين!” هذه الصرخة التي اجتمع عليها اليمين الإسرائيلي لعقود، كانت هناك اقتراحات موازية بخصوص سيناء.
وفي الآونة الأخيرة، وجد اليمين أن سيناء قد تبدو خيارًا أفضل، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية قبل 14 عامًا، وتصاعد هذا الدعم مع فوز حماس في الانتخابات وقبلها خطة فك الارتباط.
الخطة المقترحة في مؤتمر هرتزليا عام 2004 دُعمت من قبل “عوزي أراد” مؤسس المؤتمر ومستشار بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي.
الاقتراح يقضي بتبادل ثلاثي: مصر تعطي جزءًا من سيناء للفلسطينيين، وإسرائيل تحصل على الجزء الأكبر من الضفة الغربية، وفي المقابل تحصل مصر على أرض تعمل كممر بري في النقب للأردن.
الحل ذاته نادى به “موشي فيجلين” رئيس الكنيست الإسرائيلي وعضو حزب الليكود الذي طالب بنقل سكان غزة إلى سيناء أثناء الحرب الأخيرة على الفلسطينيين في القطاع.
هل أراد مرسي وهب سيناء للفلسطينيين؟
بالنظر إلى أن الاقتراح قدمه اليمين الإسرائيلي، وتم رفضه بشكل قاطع من جميع الفصائل الفلسطينية بما فيها حماس المقربة من الإخوان المصريين، لماذا قد يدعم مرسي مثل هذه الخطة؟
علاوة على ذلك، لماذا يقوض مرسي مصداقيته في مصر بإعطاء بلاده لغير المصريين في الوقت الذي كان يحارب فيه من أجل البقاء على العديد من الجبهات في الداخل.
أحد الاحتمالات هو أن مكتب عباس اختلق القصة ببساطة لتشويه الإخوان، وبالتالي خصومه السياسيين في حماس، وبالتالي كسب ود السيسي.
لكن قلة من الفلسطينيين أو المصريين صدقوا تلك القصة، وظهر أن السيسي ليس مهتمًا باستمرار الهجوم على مرسي من هذه الجهة، لماذا إذن يختلق عباس قصة قد ترتد عليه؟
هناك أيضًا معلومتين أخرتين تقول إنه ربما يكون المختفي من قصة سيناء أكثر مما نراه.
الأولى هي التعليقات التي أدلى بها عباس قبل وقت قليل من حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد أشار عباس في اجتماع مع أنصار حركة فتح في 31 أغسطس إلى أن إنشاء دولة فلسطينية في سيناء لا يزال موضع اهتمام المسئولين المصريين.
قال عباس في تصريحاته: “قال لي مسئول مصري بارز: يجب إيجاد ملجأ للفلسطينيين، ولدينا كل هذه الأرض المفتوحة”. موقع صحيفة تايمز أوف إسرائيل ذكر أنه تأكد من التعليقات من محمود عباس شخصيًا.
قبل ذلك بأسبوع قال عباس في مقابلة على إحدى القنوات المصرية إن خطة إسرائيلية بخصوص سيناء – للأسف – كانت مقبولة من قبل البعض في مصر”.
المعلومة الأخرى ظهرت في تقرير نُشر الشهر الماضي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، وهي صحيفة عربية مقرها في لندن، لكنها على علاقات قوية مع العائلة المالكة السعودية.
زعمت الصحيفة أنه في السنوات الأخيرة من رئاسته، تعرض الديكتاتور المصري حسني مبارك للضغط المتكرر من الولايات المتحدة للتخلي عن أراضي في سيناء لمساعدة الفلسطينيين في إقامة دولتهم.
التقرير الذي نقلته الصحيفة قال نقلاً عن مسئول مصري عمل مع مبارك إن الأخير قال “نحن نحارب أمريكا وإسرائيل، هناك ضغط علينا لفتح معبر رفح ومنح الفلسطينيين حرية الإقامة في مصر وخاصة في سيناء، في سنة أو سنتين، ستتحول قضية اللاجئين الفلسطينيين في سيناء إلى قضية دولية”.
المصدر المصري قال إن اقتراحًا مماثلاً قُدم من قبل الأمريكيين لإدارة مرسي، واقترح مسئولون أمريكيون أن تتنازل مصر عن ثلث سيناء للفلسطينيين في غزة في مرحلتين تمتدان لأربع أو خمس سنوات.
الأمريكيون وعدوا بإنشاء وتوفير دعم كامل لقيام الدولة الفلسطينية في سيناء، بما في ذلك إنشاء الموانئ البحرية والمطار، وحث الأمريكيون الإخوان على تهيئة الرأي العام المصري لتقبل الصفقة.
ما الذي يجعل من هذه القطع كلها جزءًا من بانوراما الصورة؟
كل قطعة في حد ذاتها يمكن تجاهلها، لكن صحيفة الشرق الأوسط بنقلها التقرير عن مصدر مجهول، قد يعني أن هناك مصالح سعودية في تعزيز الأمر، وبالمثل فإن الإسرائيليين يمكن أن يكونوا بنشرهم الأمر يشنون حملة كاذبة.
لكن إذا وضعت الخبرين بجوار بعضهما، واعتبار عباس أحد العناصر الرئيسية، فإنه سيكون من الصعوبة بمكان ألا تكون القصة مستندة على الواقع بشكل ما.
هناك شكوك تثيرها التقارير الصحفية وتطلعات اليمين الإسرائيلي، بأن تكون خطة سيناء قد وضعتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وطورتها بشدة، يبدو أيضًا أن الخطة تم دفعها بشدة عندما سيطرت حماس على غزة في صيف 2007.
المنطق الإسرائيلي الحالي يقول إنها بهذا الاقتراح تقوض حملة عباس المكثفة في الأمم المتحدة للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية.
يبدو من المنطقي أيضًا أن تدعم الولايات المتحدة هذه الخطة، وموافقتها تعني كثيرًا بالنسبة للقيادة المصرية والفلسطينية.
لكن الأصعب في التنبؤ، هو معرفة ما إذا كانت مصر قد استجابت لهذه الحملة.
حتى الآن لا يبدو الأمر كذلك، مصر تحاول أن تبتعد عن غزة، تدمر الأنفاق وتخطط لإنشاء منطقة عازلة، وفي هذا الوقت، جلب عناصر يُحتمل أن تكون معادية لمصر، ستكون خطوة خطرة ومتهورة.
هذا صحيح بشكل كبير، لكن ما الذي من الممكن أن تفعله تل أبيب وواشنطن لإقناع القاهرة بتجاوز مخاوفها؟
بغض النظر عن المبالغ الكبيرة من المساعدات العسكرية التي تعطيها واشنطن لمصر كل عام، هناك مسألة ملحة في القاهرة هي نقص الوقود، والتي يُخشى أن تؤجج جولة جديدة من الاحتجاجات في الشوارع المصرية.
كشفت إسرائيل مؤخرًا عن احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي خارج حدودها، وهي على استعداد أن تصدره للدول المجاورة، وقد عقدت بالفعل صفقات مع الأردن والسلطة الفلسطينية، وتشير التقارير إلى أنها في مرحلة متقدمة من المفاوضات مع مصر.
هذا الجزء من الضغوط الذي من الممكن أن يُمارس على القيادة المصرية، لكن ماذا عن الشواغل الأمنية لمصر؟، وهناك أيضًا الموقف الفلسطيني الرسمي الرافض، كيف سيمكن أن تغيره إسرائيل؟
أحد الاحتمالات هو أن إسرائيل ستغير الرأي العام الفلسطيني من خلال جعل الحياة غير محتملة على الإطلاق بالنسبة لسكان غزة كما حدث هذا الصيف، الدمار الهائل والمتكرر في غزة قد يعطي ميزة للقاهرة أن تبرر “استضافتها” للفلسطينيين كبادرة إنسانية لحاجة الشعب الفلسطيني الماسة للمساعدة، نجاح النهج الإسرائيلي يتطلب عزل غزة تمامًا وإلحاق المزيد من الأضرار الجسيمة بها، وتحديدًا هذا هو ما يناسب سياسة إسرائيل منذ 2007.
المصدر: ميدل إيست آي