حين ثار المصريون على نظام حسني مبارك في 2011، كان على رأس الأسباب التي قادتهم للخروج في تظاهرات عارمة، الفساد السياسي الذي كان من أبرز مظاهره التوريث في كل مجالات الحياة العامة، ما أدى إلى سيطرة حفنة من العائلات على مقدرات الملايين من الشعب.
ورغم ما يدعيه نظام عبدالفتاح السيسي بشأن القضاء على الفساد وبناء حقبة جديدة من العدالة والنزاهة، فإن الواقع يؤكد أن اليوم لم يكن مختلفًا كثيرًا عن الأمس، فالأنظمة تسير على ذات الخطوط المرسومة بلا إبداع أو إصلاح، وكأنه مكتوب على هذا الشعب أن يحدد مصيره شبكة ضيقة من الأسر والأقارب.
القارئ للأسماء الـ100 التي عينها السيسي داخل مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، وما سبقها من الأسماء الفائزة في الانتخابات التي جرت مؤخرًا وصاحبها الكثير من الجدل في ظل المقاطعة الشعبية لها، هذا بخلاف المرشحين لانتخابات مجلس النواب (البرلمان) المقرر لها نهاية أكتوبر/تشرين الأول الحالي، يجد أن المجلسين تحولا إلى شبكة عائلية كبيرة.
آباء وأشقاء وأبناء عمومة وغيرها، صلات تجمع أسماء البرلمانيين الجدد والمرشحين لخوض سباق النواب القادم، فهل هذا ما تتطلبه المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد فعلًا أم أن البرلمان تحول بحسب البعض إلى مجلس للترضيات بعيدًا عن معايير الكفاءة والدور المطلوب؟ وذلك في ظل انفراد الحكومة ممثلة في كتلتها التي تمثل الأغلبية المتحكمة في كلمة البرلمان وقراراته.
شجرة عائلة البرلمان
بعد اكتمال خريطة الشيوخ بتعيينات السيسي (له حق تعيين ثلث الأعضاء دستوريًا) اتضح أن هناك خيوطًا عريضةً تجمع بين أعضاء الغرفتين، النواب والشيوخ، فنجد على سبيل المثال الكاتب الصحفي محمود بكري بات عضوًا في الغرفة الثانية فيما شقيقه المقرب من السيسي، الكاتب مصطفى بكري عضوًا في النواب ويخوض الانتخابات المقبلة.
كذلك رئيس حزب الجيل، تيسير مطر، عضو الشيوخ الحاليّ، يخوض ابنه محمد سباق انتخابات النواب ضمن تنسيقية شباب الأحزاب، هذا بخلاف شمول يسرا أباظة ضمن تعيينات الرئيس فيما والدها أحمد فؤاد أباظة عضو البرلمان الحاليّ ويشارك في الماراثون القادم.
فيما أصبح محمد رشاد، شقيق الأمين العام لحزب مستقبل وطن، عضو مجلس النواب المنقضي، والمرشح الحاليّ ضمن القائمة الوطنية، أشرف رشاد، عضوًا في الشيوخ، كذلك عفت السادات وابن أخيه سامح حيث باتا عضوا الشيوخ فيما يشارك أحد أبناء العائلة في الانتخابات القادمة.
الفنان يحيى الفخراني تم تعيينه رئاسيًا في الشيوخ فيما كانت زوجته لميس جابر عضوًا في مجلس النواب المنقضي، كذلك محمد الجارحي المرشح لخوض انتخابات النواب يحتفظ ابن عمه عبد القادر الجارحي بكرسي الشيوخ، وهو أمين حزب مستقبل وطن في الفيوم.
بعد اكتمال خريطة الشيوخ بتعيينات السيسي يتضح أن هناك خيوطًا عريضةً تجمع بين أعضاء الغرفتين
وداخل حزب “مستقبل وطن” هناك أيضًا ياسر زكي الفائز بمقعد في مجلس الشيوخ عن القائمة الوطنية، فيما يخوص شقيقه رجل الأعمال حسام زكي الانتخابات المقبلة عن الحزب بالقاهرة، ليواصل الحزب البديل للحزب الوطني سيطرته على معظم الكراسي.
وفي النواب تخوض أميرة أبو شقة، ابنة المستشار بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية بالبرلمان، ورئيس حزب الوفد، ضمن القائمة الوطنية، كذلك مي كرم جبر، ابنة رئيس المجلس الأعلى للإعلام، كرم جبر، المعين بالشيوخ، بجانب سحر أحمد ناصر ابنة النائب والسياسي أحمد ناصر.
يضاف إليهم، ابنة النائب محمود نبيه حسانين، عضو مجلس النواب عن دائرة منية النصر التي تخوض الانتخابات القادمة بين مرشحي القائمة الوطنية، أما الفنان هاني رمزي فترشح (احتياطي)، بديلًا لشقيقه المحامي إيهاب رمزي المرشح ضمن كوتة الأقباط بقائمة من أجل مصر.
وهناك كذلك الشقيقتان منال رزق الله وآمال رزق الله، الأولى عن القائمة الوطنية والثانية وهي النائبة في المجلس الأخير تخوض بنظام الفردي، وهو الأمر نفسه مع فخري طايل، عضو المجلس عن المنوفية، وشقيقته شيرين ضمن القائمة الوطنية.
أما عائلة الضبع بالصعيد فيشارك منها عضو المجلس المنقضي محمود الضبع، وابنة عمه غادة ضمن القائمة الوطنية، السياق ذاته ينطبق على الزوجين، بكر أبو غريب عن دائرة العياط والبدرشين بالجيزة، وزوجته النائبة نوسيلة إسماعيل بدائرة فاقوس بالشرقية.
وفي الأخير يأتي المحامي المثير للجدل، رئيس نادي الزمالك، مرتضى منصور، عضو المجلس المنقضي، الذي يخوض الانتخابات عن دائرة ميت غمر في الدقهلية، فيما يخوض ابنه النائب السابق أحمد مرتضى الانتخابات عن دائرة الجيزة والدقي والعجوزة.
ترسيخ لوضعية قديمة
رغم فجاجة المشهد والرسائل المحبطة التي تحمله ثناياه فإن الوضع ليس بجديد، فهو ترسيخ لعرف قديم اعتاده المصريون منذ مئات السنين، ويكفي القول بأنه منذ أيام الخديوي إسماعيل (1830-1895) لم يحكم مصر إلا 16 أسرة فقط، بحسب رئيس حزب التحالف الشعبي السابق عبد الغفار شكر.
شكر في تصريحات صحفية له أشار إلى أن المشهد الحاليّ يؤكد أنه لم تكن هناك قطيعة مع نظام مبارك كما يردد البعض، وأن الأوضاع القديمة باقية وستظل في ظل العقلية الموحدة التي تدير الأمور بذات الإستراتيجيات دون تجديد أو تغيير يتلاءم والتطورات العصرية.
السلطات تسعى جاهدة لتسكين أكبر قدر من الداعمين لها فوق كراسي المجلس التشريعي، لتقلل بذلك فرصة انضمام أسماء أخرى
وأرجع السياسي المصري سيطرة الشبكات العائلية على كراسي البرلمان بغرفتيه إلى العصبيات القبلية والمال السياسي، الذي بات بوابة العبور نحو الحصول على النفوذ المطلوب، متوقعًا بقاء هذا الوضع لفترات لاحقة طويلة نسبيًا حال استمرت الفوارق بين الطبقات الاجتماعية في مصر التي تتسع الهوة بينها بصورة مخيفة.
لم يكن البرلمان وحده الذي يعاني من عدوى التوريث، إذ إن معظم القطاعات السيادية في مصر مصابة بذات العدوى، لا سيما القضاء والشرطة والجيش بجانب الإعلام، حيث باتت تلك المجالات حكرًا على أبناء العاملين، موصدة أبوابها – إلا قليلًا – أمام الدخلاء من خارج شجرة العائلة، الأمر الذي ألقى بظلاله القاتمة على المشهد برمته في ظل غياب الكفاءات وإبعاد أهل الخبرة لأجل عيون أهل الثقة والشللية.
طبيعة المرحلة
بما أن الشيوخ وهو المجلس المستحدث بعد إلغاء ست سنوات بلا صلاحيات فعالة، مكتفيًا بدوره الاستشاري وفقط، فإن قائمة الأسماء المعينة او المنتخبة لن تؤثر كثيرًا في طبيعة عمله، ومن ثم لا يعول عليه في تحريك أي ساكن، الأمر الذي يجعله لا يعدو منصة للترضيات ومكافأة الموالين للنظام من الشخصيات السياسية والعامة.
القائمون على أمور الحكم في مصر ينظرون للبرلمان على أنه قنطرة لتمرير القرارات المطلوبة، وفي ظل سيطرة القائمة المدعومة من الدولة على أغلبية المقاعد فإنه لا مشكلة مطلقًا في تشريع القوانين المرادة دون أي عقبات أو عراقيل، وعليه لا بد أن يتحول البرلمان إلى شبكة اجتماعية كبيرة تحقق الهدف والمراد في جو مناسب لأجندة النظام.
السلطات تسعى جاهدة لتسكين أكبر قدر من الداعمين لها فوق كراسي المجلس التشريعي، لتقلل بذلك فرصة انضمام أسماء أخرى ربما تمثل صداعًا لها وتعرقل مشاريعها التي في أغلبها مرفوضة شعبيًا كونها تلقي بمزيد من الأعباء على متوسطي ومحدودي الداخل.
وفي المجمل فإن القائمة المختارة للشيوخ والمشاركة في الانتخابات القادمة للنواب تعبر وبكل شفافية عن طبيعة المرحلة وتعكس أهداف النظام ورؤيته لهذا المجلس الذي من المفترض أن يكون له دور مختلف عكس ما هو متبع الآن، فليس من المعقول سياسيًا أن يوافق مجلس النواب المنقضي ولايته مؤخرًا على كل المشروعات الحكومية المقدمة دون التحفظ على مشروع واحد فقط، مجلس كهذا ستسجله صفحات التاريخ، لكن ليس بأحرف من نور كما يردد أعضاؤه.