ترجمة وتحرير نون بوست
قد يكون ممارسة العمل التجاري في الصين أمرًا صعبًا ومثيرًا للجدل بالنسبة للشركات من عدة دول، ومع ذلك، رغم اتهامات سرقة الملكية الفكرية والشراكة القسرية والقيود الصارمة على ممارسة الأعمال التجارية، فإن الصين تواصل جذب رأس المال الأجنبي.
لذا لماذا ترغب الشركات في الاستثمار في الصين رغم وجود العديد من الدول الأخرى الصديقة للأعمال التجارية والأسواق المالية التي تدعم الاستثمار الأجنبي؟
اتهمت الولايات المتحدة الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية للشركات الأمريكية، وتُقدر تلك السرقات بنحو 600 مليار دولار سنويًا، كشرط مسبق للعمل التجاري في الصين، تتعرض الشركات الأمريكية وغيرها للنقل القسري لتقنياتهم، بالإضافة إلى ذلك فإن اللوائح تتطلب من المستثمرين الأجانب إقامة شراكات مع شركات صينية قبل أن يتمكنوا من القيام بعمل تجاري في الصين.
في 2001 وبعد أن أصبحت عضوًا في منظمة التجارة العالمية، وعدت الصين بفتح القطاعات المصرفية والاتصالات وعمليات الدفع الإلكترونية، لكن العمل في تلك المجالات كان معدومًا أو فاترًا في أحسن الأحوال، فعلى سبيل المثال ما زالت صناعة الاتصالات في الصين تحت سيطرة الحكومة التي منعت فيسبوك وجوجل من تقديم خدماتهم في الصين.
ما النفع الذي يعود على المستثمرين؟
يصنف تقرير ممارسة الأعمال التجارية 2020 “Doing Business 2020” – الصادر عن البنك الدولي – الصين في المرتبة الـ80 والـ105 على التوالي من بين 190 دولة فيما يتعلق بتوافر الائتمان وسهولة وحجم المدفوعات الضريبية.
بالنظر إلى 10 مؤشرات أخرى مثل توفير الحماية للأقلية المستثمرة وتسجيل الممتلكات وتنفيذ العقود، تحتل الصين المرتبة الـ31 من بين 190 دولة في العالم في سهولة ممارسة الأعمال التجارية بشكل شامل، على النقيض من ذلك تحتل الولايات المتحدة المرتبة الـ6 من بين 190 دولة وفقًا لنفس التقرير.
بالإضافة إلى ذلك قد يكون للعمل التجاري في الصين مخاطر سياسية، فالتفاوض مع الحكومة الشيوعية قد يكون صعبًا، حيث يمتلكون نظامًا سياسيًا صعبًا وانعدام الشفافية وعدم التسامح مع المعارضة، كما أن الدولة لها قواعد مهمة فيما يتعلق بالتدفق الداخل والخارج لرأس المال الذي يمكن أن يتغير دون إخطار العامة، ينتشر الفساد كذلك في الصين مما يضر المستثمرين الأجانب مثل الولايات المتحدة.
رغم هذه الظروف التجارية السلبية، فوفقًا لتقرير الاستثمار العالمي 2020 جذبت الصين في 2018 و2019 استثمارات أجنبية بقيمة 138 مليار دولار و141 مليار على التوالي، بالتركيز على 2019 فقط سنجد أن الاستثمارات الأجنبية الضخمة في الصين تتجاوز إجمالي الناتج المحلي لدول بأكملها مثل الكويت – 137 مليار دولار – وكينيا – 98 مليار دولار – وفنزويلا – 70 مليار دولار -، وفي 2019 كانت الصين ثاني أكبر دولة في العالم تتلقى استثمارات أجنبية بعد الولايات المتحدة التي جاءت في المرتبة الأولى.
الدول الملتزمة بالقواعد
رغم أنها غير صديقة للأعمال نسبيًا، فإذا كانت الدولة التي تحتل المرتبة الـ31 تجذب هذا الحجم الضخم من الاستثمار، فإن الدولة المصنفة في المرتبة الأولى على العالم يجب أن تكون بنفس مستوى الصين إن لم تكن أفضل، لكن نيوزيلندا المصنفة الأولى على العالم في المناخ المناسب للأعمال لا تقترب حتى من الاستثمارات الأجنبية في الصين.
عند النظر إلى مقياسي توافر الائتمان – الذي يقيس مدى سهولة الحصول على ائتمان – ومدفوعات الضرائب – الذي يقيس وضوح وحجم الضرائب التي تفرضها الدولة على الأعمال التجارية -، تحتل نيوزيلندا المرتبة الـ1 والـ9 في العالم، وفيما يتعلق بالتسهيل الشامل للقيام بأعمال تجارية فإنها تحتل المركز الأولى بخلاف الصين التي تحتل المركز الـ31.
رغم ذلك ففي عام 2018 و2019 جذبت نيوزيلندا 1.95 مليار دولار و5.43 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية على التوالي، بمعنى آخر في 2018 و2019 جذبت الصين استثمارات أجنبية أكثر 71 مرةً و26 مرةً على التوالي من نيوزيلندا، رغم أن نيوزيلندا تعد دولة ديمقراطية مستقرة مع مخاطر سياسية أقل عن غيرها من الحكومات وأقل دولة بها فساد في العالم، فما الذي يفسر هذا التباين الواسع في الاستثمارات الأجنبية؟
حسبة بسيطة لجني الأرباح
يعد حجم السوق الوطنية أمرًا مهمًا في الأعمال التجارية، فكلما زاد عدد المستهلكين في السوق زادت إمكانية بيع المنتجات، في 2019 كان تعداد الصين حوالي 1.4 مليار نسمة مقارنة بتعداد نيوزيلندا البالغ 4.8 مليون نسمة.
بالإضافة إلى ذلك عند قياس إجمالي الناتج المحلي نجد أن الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم مقارنة بالاقتصاد النيوزيلندي الذي يقع في المرتبة الـ51، سواء نظرنا إلى الأمر من ناحية العدد الهائل للمستهلكين أم الحجم الإجمالي للكعكة الاقتصادية (الناتج الإجمالي المحلي)، فإن الاقتصاد الصيني يغطي على الاقتصاد النيوزيلندي.
هذا التفاوت الضخم في الحجم مهم للغاية، فرغم أن الصين مكان أقل ودًا بشكل ملحوظ لإقامة عمل تجاري مقارنة بنيوزيلندا، فما زال الوضع منطقيًا بالنسبة للشركات الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات للاستثمار في الصين.
من ناحية المكسب المالي وبالنظر إلى أرباح الشركات التي تستثمر في الصين، سنجد أن هامش الربح هو الفرق بين السعر الذي تفرضه الشركة على منتج ما وتكلفة إنتاج وحدات إضافية من المنتج، وعليه فالربح هنا هو هامش الربح مضروب في عدد المنتجات المبيعة.
كلما كان السوق أكبر ازداد بيع المنتجات، أي أن المزيد من المبيعات يُترجم إلى المزيد من الربح، وهذا يفسر سبب استعداد الشركات حول العالم لتحمل ممارسات الصين التجارية المتشككة ومواصلة الاستثمار هناك.
أحد الأمثلة على القيام بأعمال تجارية في الصين رغم القيود يأتي من هوليوود، فقد أنتجت ديزني فيلم “مولان” بتكلفة وصلت إلى 200 مليون دولار واستغرق صناعة الفيلم 5 سنوات، قامت ديزني بتصوير جزء كبير من الفيلم في نيوزيلندا بهدف إطلاقه في الصين وذلك في المقام الأول للوصول إلى سوق شاسعة وزيادة الأرباح، واستسلمت ديزني للعديد من مطالب الصينيين لضمان إطلاق الفيلم في الصين دون اعتراضات من المسؤولين الصينيين.
تعد علاقة ديزني وامتيازاتها للصين مثالًا على سبب مواصلة العديد من الاستثمارات الأجنبية أعمالها في الصين، ورغم القيود المؤسسية المفروضة على الاستثمار، فمع الوصول إلى أكثر من 1.3 مليار شخص – العديد منهم مستهلكون محتملون – وانتعاش إجمالي الناتج المحلي، تمثل الصين فرصة سوق عالمية تواصل الشركات المتعددة الجنسيات حول العالم استغلالها.
المصدر: ذي كونفرسايشن