ترجمة وتحرير نون بوست
عادة ما يعتني عبد الله معروف – 55 عامًا – ببستان الزيتون في هذا الوقت من العام حيث يبدأ موسم حصاد الزيتون في فلسطين، لكنه هذا العام أجُبر على الجلوس في منزله، يعيش معروف في قرية دير بلوط شمال محافظة سلفيت في الضفة الغربية المحتلة.
يقول معروف إن أرضه كانت مثل الجنة، لكنها اليوم أصبحت مستنقعًا للصرف الصحي بسبب مياه الصرف الصحي المتدفقة من مستوطنة ليشيم غير القانونية القريبة منهم، يمتلك معروف وأفراد عائلته الـ50 أرضًا مساحتها 20 دونمًا (هكتارين) التي تضم نحو 400 شجرة زيتون، بعضها يعود إلى العصر الروماني، هذه الأشجار تنتج طنين من زيت الزيتون كل عام.
يقول معروف: “لم يعد بإمكاننا الوصول إلى أرضنا، ولا نستطيع حصاد الزيتون، لقد أغرقت مياه الصرف الصحي من المستوطنة الأرض بالكامل”، تفرغ المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية ملايين الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي في الضفة الغربية كل عام، نسبة كبيرة من تلك المياه غير معالجة وتتدفق في الوديان الفلسطينية والأراضي الزراعية.
يوضح معروف أنه في العام الماضي تم تركيب أنبوب ضخم من مستوطنة ليشيم إلى أرضه وكذلك في أراضٍ مجاورة، ومع وصول موسم حصاد الزيتون يقول معروف إن مستوى المياه المتدفقة في أرضه ارتفع كثيرًا.
هجم المستوطنون من قبل على الأرض وقطعوا 200 شجرة زيتون يعود عمرها إلى 25 عامًا مضت
يقول معروف: “إذا استمر تدفق مياه الصرف الصحي لأشجار الزيتون ستموت جميع الأشجار وسنفقد مصدر دخلنا الرئيسي”.
هجمات المستوطنين
لم يكن الصرف الصحي المشكلة الوحيدة التي تسببها مستوطنة ليشيم لعائلة معروف وأرضهم، فقد صُودر نحو 10 دونمات من مساحة الأرض الأصلية لصالح منطقة الاستيطان التي يُمنعون من دخولها، كما هجم المستوطنون أيضًا من قبل على الأرض وقطعوا 200 شجرة زيتون يعود عمرها إلى 25 عامًا مضت.
يحيط بدير بلوط مستوطنات ليشيم وبدوئيل وبيت أرييه غير القانونية وجميعها تضخ مياه الصرف الصحي في الأراضي الزراعية للقرية، يقول يحيى مصطفى رئيس بلدية القرية “بينما تضخ المستوطنات مياه الصرف الصحي في قريتنا، تمنع السلطات الإسرائيلية القريب من بناء مكب نفايات خاص بها”.
يقول مصطفى: “يلاحقنا الجيش الإسرائيلي لدفع غرامات تصل إلى 7000 شيكل (2000 دولار) ويصادر المركبات الفلسطينية المخصصة لجمع النفايات، لقد قدمنا شكاوى يومية وخاطبنا السلطات الإسرائيلية والمؤسسات الدولية لكن دون جدوى”.
ظاهرة منتشرة
تُصنف نحو 95% من أراضي دير بلوط على أنها خاضعة للمنطقة “ج” ما يعني أنها تقع تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي، وفقًا لاتفاقية أوسلو التي وقعتها “إسرائيل” مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، وهذا يعني أن القرية لا يمكنها التوسع خارج المنطقة المبنية حاليًّا والمخصصة كأرض زراعية.
تحيط المستوطنات بالقرية مثل العديد من القرى الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وتتعرض القرية لهجمات مستمرة من المستوطنين غير الشرعيين، يقول مصطفى: “تتعرض القرية لهجمات يومية من المستطونيين، ففي الأسبوع الماضي أحرق المستوطنون نحو 50 شجرة زيتون يرجع عمرها لأكثر من 60 عامًا”.
لكن ظاهرة تدفق مياه الصرف الصحي من المستوطنات للأراضي الزراعية الفلسطينية ليست جديدة، يقول السكان والمزارعون أن زيادة كميات مياه الصرف الصحي المتدفقة والأضرار الناتجة عن ذلك خاصة في أثناء موسم الزيتون، تزيد مخاوفهم بشأن فقدان المزيد من الأراضي الزراعية لصالح المستوطنات.
في قرية دير الحطب شرق مدينة نابلس يقول رئيس المجلس القروي عبد الكريم حسين إن سكان القرية اكتشفوا مؤخرًا أن مستوطنة إيلون موريه غير القانونية ومصانعها يضخون كميات كبيرة من مياه الصرف الصحي في الأراضي الزراعية، هذه الأراضي يمنع الجيش الإسرائيلي القرويين من دخولها طوال العام باستثناء موسم حصاد الزيتون.
يقول حسين: “لقد وجدنا أشجار الزيتون مدمرة بسبب مياه الصرف الصحي المنتشرة في الأرض وبين الأشجار، يشير ذلك إلى أن المستوطنة تضخ تلك المياه في الأرض منذ عدة أشهر، لقد عاد الكثير من السكان لمنازلهم دون أن يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم التي أصبحت غارقة في الصرف الصحي”.
تعرضت نحو 30 شجرة زيتون للتدمير بسبب مياه الصرف الصحي ولم يعد بإمكانها الإنتاج ثانية
تبلغ مساحة الأرض التي يتحدث عنها حسين ما يقارب 40 هكتارًا، وتنتج نحو 8 أطنان من زيت الزيتون كل عام، يُقدر حسين أن نحو 7 هكتارات من تلك الأرض تضررت بشدة من مياه الصرف الصحي ويقول: “إذا استمر الوضع كذلك سنفقد بقية الأرض ولن يُسمح لنا بالعودة إليها”.
قفار سامة
يشرح محمد مطاوع – مهندس زراعي في لجنة اتحاد العمل الزراعي وهي منظمة غير حكومية – كيف تؤثر مياه الصرف الصحي غير المعالجة على الأراضي التي تتدفق فيها، يتضمن ذلك تدمير التربة وتغيير تركيبتها البيولوجية، وبالتالي التسبب في موت الأشجار، الأمر الذي أصبح ظاهرة منتشرة في الضفة الغربية.
اكتشف سكان قرية قريوت جنوب نابلس مؤخرًا أيضًا وجود مياه صرف صحي في أراضيهم، يقول بشار معمر – ناشط مناهض للاستيطان -: “لم نكن على علم بكمية مياه الصرف الصحي التي تدفقت في أراضي القرية حتى الآن، يشير ذلك إلى زيادة عدد السكان في مستوطنات إيلي وشيلو وشفوت راحيل المحيطة بالقرية”.
يوضح معمر أن الأرض الزراعية غرب القرية والمستهدفة بمياه صرف المستوطنات تبلغ مساحتها 10 هكتارات وجميعها مزروعة بشجر الزيتون، وجد ملاك الأراضي العديد من أشجارهم ميتة بسبب زيادة مستوى مياه الصرف الصحي في المنطقة، ويضيف: “تعرضت نحو 30 شجرة زيتون للتدمير بسبب مياه الصرف الصحي ولم يعد بإمكانها الإنتاج ثانية”.
المصدر: ميدل إيست آي