ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف موقع “ميدل إيست آي” أن الأمر القاضي بوقف الفصائل المسلحة العراقية هجماتها التي تستهدف المصالح الأمريكية الأسبوع الماضي قد صدر مباشرة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. ووفقا لقادة الفصائل الشيعية المسلحة والسياسيين، كانت أوامر خامنئي “صريحة”، حيث طلب من الجماعات شبه العسكرية وقف هجماتها “فورًا”.
حسب ما صرح به قائد لفصيل مسلح مدعوم من إيران متورط في الهجمات، لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني: “كانت أوامر خامنئي مباشرة وواضحة. يجب أن تتوقف جميع الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق”.
لقد تعرضت السفارة الأمريكية في بغداد والقواعد العسكرية التي تستضيف قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوافل الدعم اللوجستي، لهجمات شبه يومية بصواريخ الكاتيوشا والمتفجرات وأحيانا بالطلقات المباشرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وعلى الرغم من أن هذه الهجمات لم تسفر عن خسائر كبيرة، إلا أن تكرارها أزعج الحكومتين العراقية والأمريكية وأثار قلق البعثات الدبلوماسية، خاصة بعد استهداف قوافل أممية وبريطانية.
ردًا على ذلك، هدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بإغلاق سفارة واشنطن في بغداد ما لم يقع السيطرة على الوضع. وأخبر مسؤولون عراقيون موقع “ميدل إيست آي” بأن بومبيو وعد أيضًا بضرب عشرات الأهداف، بما في ذلك المقرات السرية والمواقع التابعة للفصائل المسلحة والسياسيين المدعومين من إيران.
بالنظر إلى هذه التهديدات، قررت طهران ألا تزيد من معاناة حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التي تكافح بالفعل أزمة مالية ناجمة عن انخفاض أسعار النفط، فضلا عن جائحة فيروس كورونا، خاصة أن عدم اليقين الذي يحيط بانهيار الحكومة قد يسبب متاعب جديدة لإيران.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستقبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، واشنطن في آب/ أغسطس.
كانت كتائب “حزب الله”، الفصيل الأكثر عداء للولايات المتحدة والمتهم بتنفيذ غالبية الهجمات، أول من استجاب لأمر خامنئي. وسرعان ما تبعتها حركة النجباء وفصائل صغيرة أخرى. في هذا الصدد، قال قائد بارز في إحدى الفصائل المسلحة المتورطة في هذه الهجمات لموقع “ميدل إيست آي”: “يسعى الأمريكيون إلى تحريض الناس ضدنا بطرق مختلفة، لذلك قررنا أن إحباط جهود الأمريكيين في هذا الصدد أهم من استهداف السفارة الأمريكية”. كما أضاف أن “تهدئة الشارع العراقي والمحافظة على الحكومة العراقية والعملية السياسية هي الأولوية الآن، لذلك تقرر تعليق جميع الهجمات التي تستهدف المصالح الأمريكية في العراق حتى زوال الخطر”.
نصيحة مهمة للغاية
أثار التحوّل الكبير الذي طرأ على موقف الفصائل المسلحة المدعومة من إيران وتوقيت إعلان هذه الهدنة الأحادية تساؤلات كثيرة حول الهدف الحقيقي لهذا القرار وشروطه وحدوده الزمنية وهوية الطرف الضامن والأهم من ذلك، من الذي وضع هذا القرار.
منذ سنة 2003، مثّل العراق إحدى أكبر ساحات الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، اللتان تسيطران على عشرات الجماعات المسلحة، فضلاً عن التأثير على القادة السياسيين والعسكريين الذين يعملون على تنفيذ مخططاتهم.
صرح مسؤولون عراقيون بأن الإدارة الأمريكية تخشى أن تهاجم الجماعات المسلحة التابعة لإيران سفارة بغداد لعرقلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى للفوز بولاية ثانية في انتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر. يوضح هذا السيناريو الاستراتيجية التي استخدمتها طهران في الأشهر الأخيرة، ويبرر مخاوف واشنطن.
وفقًا لمسؤولين عراقيين وقادة فصائل مسلحة، تم تشجيع الفصائل المسلحة على مهاجمة أهداف أمريكية “للضغط على ترامب وحلفائه في العراق” ودفعه إلى اتخاذ إجراءات متهورة قد تؤدي إلى فشله في الانتخابات. ولكن وفقا لأحد كبار الزعماء الشيعة، المقرب من طهران، يبدو أن هذه التقديرات تغيرت بعد أن “تأكد الإيرانيون من خطورة التهديدات التي وجهها بومبيو عبر الرئيس العراقي برهم صالح لضرب المصالح الإيرانية وحلفاء ايران داخل العراق”.
أورد هذا السياسي، الذي شارك في محادثات مع إيران: “تلقى الإيرانيون نصيحة مهمة جدًا من حليف مشترك كان له دور واضح في تغيير موقفهم وقد تمثلت هذه النصيحة في تجنب استفزاز ترامب في هذه المرحلة لأنه جاد بشأن تهديداته ولأنه يائس ولن يتردد في القيام بتصرف متهور سيكلف الجميع غاليا”.
يعتقد الزعماء الشيعة أن بريطانيا هي اللاعب الحقيقي في الساحة العراقية في الوقت الحاضر
حسب المصدر ذاته، “سيتسبب أي عمل عسكري ينفذ داخل العراق في الوقت الحالي في انهيار الحكومة العراقية. كما أن إيران نفسها لن تكون قادرة على التعامل مع تداعيات هذا الاحتمال، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالتداعيات السياسية والمالية والاقتصادية”.
إن ما يسمى بـ “الحليف المشترك” هو في الواقع بريطانيا، وهي دولة يعتقد الزعماء الشيعة أنها اللاعب الحقيقي في الساحة العراقية في الوقت الحاضر، وأن الفضل يعود لها في إقناع الإيرانيين بتجنب استفزاز الأمريكيين واتباع الخيار الذي يدعو للهدنة. وحسب هذا السياسي “لا توجد معلومات واضحة تدل على صحة هذا الخبر، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن البريطانيين هم من لعبوا دورا مؤثرا هذه المرة على الرغم من أنهم لم يظهروا علنا كالمعتاد”.
وأضاف المصدر ذاته “لديهم قنوات اتصال تربطهم بجميع الأطراف، بما في ذلك الفصائل المسلحة، وهم يتفاوضون منذ فترة طويلة معها، وتحديدا كتائب “حزب الله”، بهدف وضع حد للهجمات”. ومن جهته، طلب موقع “ميدل إيست آي” من وزارة الخارجية البريطانية التعليق على الأمر، ولكنه لم يتلق أي رد حتى وقت النشر.
حفظ ماء الوجه
تزامنت التغييرات الإيرانية المفاجئة مع سلسلة من الاجتماعات، المفتوحة والسرية، التي أشرفت عليها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، مع قادة الفصائل المسلحة التي تدعمها إيران. وكان آخر هذه الاجتماعات مع زعيم كتائب “حزب الله” ورئيس أركان قوات الحشد الشعبي، عبد العزيز المحمداوي الملقّب “أبو فدك” في مطلع الشهر الجاري، مما دفع المراقبين إلى ربط هذه اللقاءات بالهدنة المعلنة الأسبوع الماضي.
مع ذلك، فشلت هينيس بلاسخارت في الوصول إلى أي نتيجة تُذكر في هذه الاجتماعات، وذلك وفق ما صرّح به القادة لموقع “ميدل إيست آي”. وأخبر قائدان مقربان من زعيم كتائب حزب الله موقع “ميدل إيست آي” بأن “أبو فدك رفض ثلاث مرات حضور الاجتماع مع هينيس بلاسخارت، ولكنه وافق على الحضور في النهاية استجابة لطلب الكاظمي”.
تعرضت هينيس بلاسخارت لانتقادات واسعة النطاق في العراق بسبب اجتماعها مع أبو فدك، متهمةً بالاعتراف الضمني بسلطته ونفوذه
كما صرّح قائد بارز في قوات الحشد الشعبي ومقرب من الزعيم أبو فدك وعلى دراية بالمحادثات لموقع “ميدل إيست آي” بأن “هينيس بلاسخارت لا علاقة لها بالهدنة المعلنة، على الرغم من اجتماعها مع أبو فدك للتركيز على الهجمات ضد المصالح الأمريكية في العراق. وقد طلبت من أبو فدك التدخل ولكنه رفض. وقال إنه لا يمكن أن يكون وسيطا بين الفصائل والأمريكيين”.
وأشار القائد إلى أن الولايات المتحدة ارتكبت “خطأًَ فادحًا” عندما اغتالت الجنرال الإيراني قاسم سليماني والمؤسس المشارك لكتائب “حزب الله” أبو مهدي المهندس في غارة جوية بطائرة مسيرة في مطار بغداد في كانون الثاني/ يناير. وقال إن سليماني والمهندس كانا “أهم شخصين” مسؤولين عن “الحفاظ على التوازن في العراق، وكان من الممكن أن يوقفا هذه الهجمات بكلمة واحدة”.
وأضاف القائد أن “الأمريكيين مسؤولون عن اندلاع هذه الفوضى، وهم الوحيدون القادرون على وضع حد لها وذلك بمغادرة العراق. بعبارة أخرى، يكمن الحل في مغادرتهم البلاد في غضون فترة زمنية معقولة، وليس في ثلاث سنوات كما طُلب منهم. وقد عرض أبو فدك على الأمريكيين مهلة للانسحاب تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر، وضمن لهم الحماية الكاملة والمساعدة في نقل معداتهم وآلاتهم وجنودهم إلى الكويت في حال وافقوا”.
تعرضت هينيس بلاسخارت لانتقادات واسعة النطاق في العراق بسبب اجتماعها مع أبو فدك، متهمةً بالاعتراف الضمني بسلطته ونفوذه. ولكن مهمتها لم تكن في واقع الأمر فاشلة تماما. في الحقيقة، ينسب البعض الفضل للحوارات التي تجريها مبعوثة الأمم المتحدة لتوفير مخرج لبقية الفصائل للموافقة على وقف إطلاق النار دون أن تبدو وكأنها مدينة لإيران.
وصول جينين هينيس بلاسخارت، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في العراق ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، إلى مدينة النجف المقدسة في العراق.
أخبر قائد أحد الفصائل المتورّطة في الهجمات موقع “ميدل إيست آي” أن “هينيس بلاسخارت كانت الوسيط في المفاوضات التي أدت إلى الهدنة بين الفصائل والسفارة الأمريكية. لقد لعبت دور الوسيط ومثّلت قناة اتصال غير مباشرة بين الطرفين”. وأضاف أيضا إن “هينيس عملت على إيجاد منطقة رمادية يلتقي فيها الطرفان. ونتيجة لذلك قرّر الطرفان وقف الهجمات وتهدئة الوضع حتى تتبلور المفاوضات، وسيتمّ لاحقا تحديد المهلة الزمنية للانسحاب والهدنة”.
شدّد هذا القيادي على أن الأمم المتحدة وهينيس بلاسخارت لم يقدما أي ضمانات للجماعات المسلحة، لكن خلفيّة المبعوثة التي كانت وزيرة دفاع هولندا سابقًا “خلقت نوعا من التفاهم بيننا وبينها. وفي هذه المرحلة نحن واثقون من أنها ستنجح في العمل على هذا الملف”. وفي هذا الشأن، صرّحت بعثة الأمم المتحدة في بغداد لموقع “ميدل إيست آي بأنه “ليس لديها أي تعليق حاليا” فيما يتعلق بالادعاءات حول المفاوضات التي أجرتها هينيس بلاسخارت.
اجتماعات في مدينة قُم
على غير العادة، لم يُنقل الأمر الذي أصدره خامنئي إلى الفصائل المسلحة عبر قنوات الاتصال المعتادة أو المسؤولين الإيرانيين العاملين في العراق. وقال ثلاثة على الأقل من بين قادة الفصائل لموقع “ميدل إيست آي”، إنه بدلا من ذلك، و”نظرا لأهمية الأمر”، تمّ استدعاء قادة أبرز الفصائل، بما في ذلك منظمة بدر (وهي أقدم جماعة شيعية مدعومة من إيران في العراق) وكتائب “حزب الله” وعصائب أهل الحق (وهي أقوى فصيل)، إلى مدينة قُم للقاء خامنئي، علما بأنه أجري أكثر من لقاء واحد معه.
كان أحد هذه اللقاءات رفقة زعيم منظمة بدر، هادي العامري، بالإضافة إلى عقد لقاء آخر مع ممثلين عن كتائب “حزب الله” وعصائب أهل الحق وحركة النجباء ومستشارين إيرانيين، إلى جانب الشخص المسؤول عن ملف العراق. وقد صرّح قائد بارز في فصيل مسلح تدعمه إيران لموقع “ميدل إيست آي”: “كانت خلاصة الأوامر التي صدرت أنه يجب إبقاء السلطة في أيدي الشيعة، أي الحفاظ على رئيس الوزراء والحكومة الحالية”.
أضاف هذا القائد أن “السيد خامنئي يقول إن الكاظمي من الشيعة، وبغض النظر عما إذا كان شخصا سيئا أو جيدا من وجهة نظرنا، وسيترك هذا المنصب في النهاية عاجلا أم آجلا. لكن يجب أن يظلّ هذا المنصب لدى الشيعة”. علاوة على ذلك، قال القيادي إن خامنئي حذر من أن أي هجمات حاليّة من شأنها أن تهدد حكم الكاظمي وبالتالي ستهدّد أيضا الاستراتيجيات السياسية للجميع، “لذلك، يجب وقف أي نشاط من شأنه أن يهدد الحكومة العراقية أو يضعها تحت رحمة الأمريكيين”.
المصدر: ميدل إيست آي