ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما أعربت حركة طالبان مؤخرًا عن أملها في فوز دونالد ترامب بولاية ثانية بعد أن أعلن عزمه سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، كان ذلك بمثابة تذكير بأن الانتخابات الأمريكية لسنة 2020 سيكون لها تداعيات كبيرة على الشرق الأوسط، والأمن القومي الأمريكي على حد سواء.
يبدو أن السياسة الخارجية بالكاد حاضرة في الأجندة الانتخابية هذه السنة نظرا لأن السباق الرئاسي كان موجها بالأساس نحو القضايا المتعلقة بجائحة فيروس كورونا والمشاكل الاقتصادية والعنصرية النظامية.
مع ذلك، يبقى الدور العالمي للولايات المتحدة رهين نتائج انتخابات الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر. سيكون للصندوق كلمة الفصل، إما ترامب ورؤية “أمريكا أولاً” التي تعتبر المصالح الأمريكية أكثر أهمية من الحفاظ على النظام العالمي، أو بايدن الذي تضمنت خبرته في السياسة الخارجية على مدى عقود من الزمن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والذي يسعى لاستعادة مكانة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي.
إن فوز بايدن من شأنه أن يغير السياسة الخارجية الأمريكية بشكل كبير. لكن الأبحاث التي أجريتها حول السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تشير إلى أن التدخل الأمريكي الفعلي في المنطقة لن يشهد سوى تغييرات شكلية.
سياسة ترامب في الشرق الأوسط
تولى ترامب الرئاسة واعدًا بترويض إيران وإنهاء تنظيم الدولة وعقد “صفقة القرن” بين “إسرائيل” والفلسطينيين، غير أنه لم ينفذ أي استراتيجية كبرى في الشرق الأوسط.
أصبحت إيران اليوم أكثر جرأة، ولم يُبرم اتفاق سلام بين “إسرائيل” وفلسطين، ولا يزال تنظيم الدولة قائم الذات على عكس ما زعم به ترامب. انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي لسنة 2015 الذي يقيد البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. لكن إعادة فرض العقوبات لم تضع حدا للنفوذ الإقليمي الذي تمارسه الحكومة الإيرانية، ناهيك عن تغيير النظام بالقوة.
لقد تسببت العقوبات الجديدة التي فُرضت للتو على النظام المصرفي الإيراني في جعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمواطنين الإيرانيين في ظل انتشار الوباء وذلك جراء تراجع قيمة العملة الإيرانية.
لكن مظهر الاتساق الوحيد في سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط هو “إسرائيل”، حيث يدعم ترامب بثبات معارضتها المتصاعدة لإيران وسياساتها العدوانية في الضفة الغربية المحتلة وغزة. وقد تخلى ترامب عن عقود من السياسة الأمريكية المستقرة بشأن عاصمة “إسرائيل”، القدس – المدينة المقدسة للمسلمين التي يدعي الفلسطينيون أيضا أنها عاصمتهم – من خلال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب. وقد أدى هذا التحول إلى إثارة غضب الدول الإسلامية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، وقضى فعليًا على آمال السلام مع إسرائيل.
أشغال بناء في مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، 31 تموز/ يوليو 2019.
إن تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” ودولتين عربيتين – الإمارات العربية المتحدة والبحرين – يُعتبر الانتصار الدبلوماسي الوحيد في المنطقة الذي حققه البيت الأبيض في عهد ترامب.
بالأرقام، يتوافق ذلك مع ما حققه الرئيسان بيل كلينتون وجيمي كارتر معًا في الشرق الأوسط: ساعد كارتر على تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع مصر، وطبع الأردن علاقاته مع “إسرائيل” في عهد كلينتون. ولكن في غياب حل عادل للمطالب الفلسطينية بتأسيس دولة قائمة الذات، يبقى السلام الحقيقي مع العرب بعيد المنال، وذلك وفقا لما يقوله النقاد.
في جميع الأحوال، كان ترامب بلا أدنى شك سببًا في تغيير الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، ووضع القضية الفلسطينية جانبًا باعتبارها الصراع الرئيسي في المنطقة. بالنسبة لكل من الولايات المتحدة والدول العربية الكبرى، تبقى الأولوية الآن منع إيران من تطوير أسلحة نووية وتقليل الهجمات الإيرانية على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
التحديات التي سيواجهها بايدن
إذا فاز بايدن في الانتخابات، سيتعين عليه التعامل مع علاقات أمريكية إيرانية أكثر عداءً من تلك التي تركها هو وباراك أوباما لترامب في سنة 2016.
في مقال نُشر على موقع شبكة “سي إن إن” التلفزيونية، قال بايدن في حديثه عن الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني لسنة 2015 أنه يعتقد أنه يستطيع تهدئة إيران من خلال المزيد من التعاون. وسيكون للانضمام إلى الاتفاقية – التي وقعتها الولايات المتحدة والصين وروسيا والعديد من الدول الأوروبية – تأثير إيجابي على التعاون الأمريكي الضعيف مع تلك الدول أيضًا.
أعلن الرئيس أوباما، مع نائبه بايدن، أنه تم التوصل إلى اتفاق نووي إيراني بعد 18 يومًا من المفاوضات المكثفة، 14 تموز/ يوليو 2015.
كان لزيادة التواصل مع إيران انعكاسات سلبية على العلاقات الأمريكية السعودية، التي توطدت في عهد صهر ترامب ومستشار الشرق الأوسط جاريد كوشنر. إن المملكة العربية السعودية متورطة فيما تعتبره صراعًا صفريًا مع إيران من أجل فرض هيمنتها على منطقة الخليج. ويرى السعوديون أن الضغط الأمريكي على إيران يشكّل عنصرا أساسيا في استراتيجيتها الرامية إلى احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة.
سبق أن أشار بايدن إلى أن الولايات المتحدة لن تستمر في دعم المملكة العربية السعودية بعد تدخلها المدمر في الحرب الأهلية اليمنية. لكن بما أن العراق وسوريا وليبيا تنخرها أيضًا حروب أهلية، فإنه على بايدن – الذي يعتقد أن الولايات المتحدة “ملزمة بالقيادة” – أن يقرر كيفية التعامل مع هذه الصراعات. وعلى بايدن التعامل أيضًا مع تطور جديد في الشرق الأوسط: وهو التدخل العسكري التركي في سوريا والعراق وقطر وليبيا. ومن جهته، يبدو أن ترامب اعتاد إلى حد كبير على عمل تركيا على تعزيز نفوذها الإقليمي المتنامي.
“إسرائيل” وفلسطين
يختلف خطاب بايدن عن خطاب ترامب عندما يتعلق الأمر بـ”إسرائيل”. ففي أيار/ مايو، أعرب بايدن بشكل علني عن معارضته لضم إسرائيل المقترح للضفة الغربية – وهي خطة قوية التأثير ربما عارضتها إدارة ترامب لكنها لن تدينها. ومنذ ذلك الحين، علقت “إسرائيل” تلك الخطة كجزء من اتفاق الإمارات العربية المتحدة.
لا يوجد ما يشير إلى أن سياسات الولايات المتحدة في التعامل مع “إسرائيل” قد تختلف اختلافا كبيرا في ظل إدارة بايدن، الذي أكد في حملته الانتخابية مرارا وتكرارا عن دعمه “الصارم” لـ “إسرائيل”، وأدان أي محاولة لمقاطعتها أو حجب المساعدات لفرض تغيير في سياساتها. باعتباره نائبا للرئيس، ساعد بايدن في سنة 2016 في حصول “إسرائيل” على أكبر حزمة مساعدات أمريكية على الإطلاق، بقيمة 38 مليار دولار أمريكي. وقد أعلن بايدن بالفعل أنه لن يعيد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب إذا فاز في الانتخابات.
إن الولايات المتحدة هي الحليف الأقوى لـ “إسرائيل”. لقد قدم كل رئيس أمريكي منذ سنة 1973 مساعدات خارجية كبيرة وتكنولوجيا عسكرية للإسرائيليين وعملوا على حماية “إسرائيل” من الإدانة الدولية لسياساتها تجاه الفلسطينيين.
يكاد يكون من المؤكد أن الفلسطينيين لن يتمكنوا من استعادة أراضيهم تحت حكم بايدن. ولكن يمكنهم الحصول على المزيد من المال والدعم السياسي. وقد تعهد بايدن بإعادة نحو 600 مليون دولار من المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، من بين وكالات أخرى، التي كان ترامب قد ألغاها السنة الفارطة في محاولة فاشلة لإرغام الفلسطينيين على قبول خطته للسلام.
لقد ساهم أوباما في خلق بعض النوايا الحسنة في الشرق الأوسط، التي قد تساعد بايدن في عهدته. لكن المنطقة تمثل تحديات أعاقت الرؤساء الأمريكيين، الديموقراطيين والجمهوريين على مدى عقود.
المصدر: ذا كونفر سيشن